سعيّد يعلن القبض على أحد الإرهابيين خلال الاحتفال بعيد الأمن الداخلي (فيديو)    سعيد يفجرها: "لا عودة الى الوراء..الأقنعة سقطت وأوراق التوت يبست وتكسرت"..    سيدي بوزيد: حجز مواد غذائية من اجل الاحتكار والمضاربة بمعتمدية الرقاب    دراسة: المناخ سيؤدي لتقليص الاقتصاد العالمي بنحو 20% في 2050    حادث مرور قاتل في القصرين..وهذه حصيلة الضحايا..    القصرين: حادث مرور قاتل    إيداع مواطن بالسجن من أجل نشر صورة كاريكاتورية ..التفاصيل    مواطن يتفطن لجسم مشبوه بهذه المنطقة واستنفار أمني..#خبر_عاجل    مفوض عام الأونروا يحذر من أن المجاعة تحكم قبضتها على غزة..    تعرض كاهن للطعن داخل كنيسته في سيدني    فيديو.. سائق شاحنة غاضب يحطم مبنى في تكساس    عاجل/ زلزال بقوة 5.4 درجات يضرب هذه المنطقة..    ريال مدريد يفوز على مانشستر سيتي ويتأهل الى نصف نهائي رابطة أبطال أوروبا    نادال يودع الدور الثاني من بطولة برشلونة للتنس    استغلال وابتزاز جنسي للأطفال عبر الإنترنات..وزارة المرأة تتخذ هذه الاجراءات..    توريد 457 ألف طن من القمح اللين.. مضاعفة الكميات في السوق    الهوارية : انهار عليه الرّدم في بئر و هو بصدد الحفر    مصر: رياح الخماسين تجتاح البلاد محملة بالذباب الصحراوي..    الأعنف منذ 80 عاماً.. فيضانات روسيا تغمر 18 ألف منزل    اليمن: سيول وفيضانات وانهيارات أرضية    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    قضية التآمر: هيئة الدفاع عن السياسيين الموقوفين تقرر مقاطعة جلسة اليوم    تعيين أوسمان ديون نائبا جديدا لرئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا    زغوان: تطور في قيمة نوايا الاستثمار في قطاع الخدمات في الثلاثي الاول للسنة الحالية    توزر: تأمين 22 رحلة من مطار توزر نفطة الدولي نحو البقاع المقدسة ذهابا وايابا منذ انطلاق موسم العمرة في ديسمبر 2023    البطولة الوطنية المحترفة لكرة السلة(مرحلة التتويج-الجولة9): النتائج والترتيب    عبد المجيد جراد رئيسا جديدا للجامعة التونسية للكرة الطائرة    خمسة عروض من تونس وبلجيكا وفرنسا في الدورة الثانية لتظاهرة المنستير تعزف الجاز    أطفال من بوعرادة بالشمال الغربي يوقعون إصدارين جماعيين لهم في معرض تونس الدولي للكتاب 2024    أريانة: الدورة الثانية لأيام المنيهلة المسرحية من 17 إلى 23 أفريل الجاري    وزير الصحة يشدد في لقائه بمدير الوكالة المصرية للدواء على ضرورة العمل المشترك من أجل إنشاء مخابر لصناعة المواد الأولية    توزر: المؤسسات الاستشفائية بالجهة تسجّل حالات إسهال معوي فيروسي خلال الفترة الأخيرة (المدير الجهوي للصحة)    الكاف: تلقيح اكثر من 80 بالمائة من الأبقار و25 بالمائة من المجترات ضد الأمراض المعدية (دائرة الإنتاج الحيواني)    "سينما تدور": اطلاق أول تجربة للسينما المتجولة في تونس    الفضيلة    لعبة الإبداع والإبتكار في كتاب «العاهر» لفرج الحوار /1    بطولة شتوتغارت... أنس جابر تطيح بالروسية إيكاترينا    غدا افتتاح معرض تونس الدولي للكتاب...إمضِ أبْعد ممّا ترى عيناك...!    أخبار الترجي الرياضي...يان ساس جاهز وأندري بوكيا لغز كبير    حالة الطقس ليوم الخميس 18 أفريل 2024    أخبار المال والأعمال    لدعم الميزانية والمؤسسات الصغرى والتعليم العالي والبحث العلمي: توقيع 3 اتفاقيات مالية بين تونس وإيطاليا    وزير الصحة يعاين ظروف سير العمل بالمستشفى الجهوي بباجة    جراحة فريدة في الأردن.. فتحوا رأسه وهو يهاتف عائلته    جورجيا ميلوني: "لايمكن لتونس أن تصبح دولة وصول للمهاجرين"    لإنقاذ مزارع الحبوب: تزويد هذه الجهة بمياه الري    عاجل/ القبض على شخصين متورطين في طعن عون أمن بهذه الجهة    قتل مسنّ حرقا بمنزله: القبض على 6 أشخاص من بينهم قصّر    المركز العسكري لنقل الدّم يتحصّل على شهادة المطابقة للجودة    سيلين ديون تكشف عن موعد عرض فيلمها الجديد    أبطال إفريقيا: الترجي الرياضي يفرض الويكلو على التحضيرات    بطولة شتوتغارت: أنس جابر تضع حدا لسلسة نتائجها السلبية وتتاهل الى الدور ثمن النهائي    بعد صمت طويل: هذا أول تصريح لأمين قارة بعد توقّف برنامجه على الحوار التونسي    علامة ''هيرمس'' تعتذر لهيفاء وهبي    عاجل : دولة افريقية تسحب ''سيرو'' للسعال    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    مفاهيمها ومراحلها وأسبابها وأنواعها ومدّتها وخصائصها: التقلّبات والدورات الاقتصادية    فتوى جديدة تثير الجدل..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قطعة من الزمن الجميل
شافية رشدي:
نشر في الصباح يوم 03 - 02 - 2008

شافية رشدي أو زكية المراكشي (اسمها الحقيقي) ذات الجذور المغاربية التركية والتي يرجح تاريخ مولدها إلى سنة 1910، هي هرم فني شامخ عانق الإبداع وأشع ببريقه الو ضاء في سماء بلادنا على امتداد حقب عديدة...
شخصية متنوعة الاهتمامات والميولات لا تتكرر باستمرار في تاريخ هذا الوطن. امرأة تجاوزت حدود العلاقات الاجتماعية السائدة والعقليات البائدة ببلادنا في النصف الأول من القرن العشرين، فكانت أول امرأة تونسية تقود السيارة بكل شجاعة واقتدار وأبرزت بمثل هذا السلوك أن المرأة لم تكن لعبة الرجل المفضلة بل كانت قادرة على إبراز إرادة امتلاك كيانها لتفرض حريتها على المجتمع بعاداته وتقاليده ومثله حتى لو كانت غارقة في التخلف. من صفاقس حيث تلقت تعليمها بالكتاب ثم بمدرسة دار الخراط، حلّت شافية رشدي بالحاضرة في نهاية العشرينيات وبداية الثلاثينيات من القرن الماضي والحاضرة كانت أنذاك مركز النشاط السياسي والثقافي والاقتصادي وينتشر بها أكبر عدد من مدارس التعليم وتستقطب أهم الجمعيات ونخب المثقفين وتأسست بها أهم الجرائد والدوريات وأقيمت بها أول الجمعيات والأحزاب. فكانت على موعد مع النجاح والجماهيرية وبرزت في عدة أعمال وأنشطة مازالت تذكر من أهل الاختصاص إلى الآن بكل إعجاب وتقدير. إن مراحل حياة شافية تستمد أهميتها في نظري من جملة من المؤشرات ذات الأهمية والعمق الدلالي البليغ فهي امرأة تونسية وليدة مجتمع عربي إسلامي يقبع إبان نشأتها وبروزها تحت كلا كل التخلف والاستعمار البغيض، امرأة قدّت من نار فتحدّت كل العراقيل والمعيقات لتندمج وتتواصل بعمق كبير بمجتمعها وخصوصا بالفئات المثقفة النيرة الجديدة التي وضعت لنفسها شبه قطيعة مع ما كان سائدا. بدأت السيدة شافية رحلتها بالفرق المسرحية العديدة التي انتمت إليها مرورا بجماعة المؤسسين للرشيدية والفرق الموسيقية المختلفة وصولا إلى جماعة تحت السور. وبين هذا وذاك كان حبها المفرط واللامشروط لفريق النادي الإفريقي الذي وقفت إلى جانبه مشجعة ومساندة وداعمة لكل أنشطته. وما يمكن التأكيد عليه في هذا الصدد أن تشجيع الرياضة ومساندة متعاطيها خصوصا كرة القدم يشكل موقف له أكثر من دلالة فالرياضة التي بدأت تستهوي التونسيين كانت أنذاك تشكل خط قطيعة مع مجموعة القيم البالية السائدة أنذاك في المجتمع المحلي في مقابل القيم الجديدة والحديثة التي ترمز إليها هاته اللعبة الجديدة الواردة لتوها من الغرب حيث تمثل بتطبيقاتها ونواميسها كسرا للقيود والحدود ورغبة مفتوحة للانطلاق نحو الحرية.
شافية رشدي والمسرح
شغفت شافية رشدي بالمسرح منذ نعومة أظفارها وتلقت تكوينها الأول في هذا المجال على أيدي الراحل محمد شبشوب بصفاقس والبشير المتهني بالحاضرة وهذا الأخير هو أحد رواد المسرح التونسي وتلميذ جورج أبيض في جمعية "التمثيل العربي" ومؤسس فرقة "المستقبل التمثيلي". وقد كان هدف المسرح التونسي منذ نشأته بربوعنا هو دفع التثقيف وتركيز الأخلاق السامية وزرع الروح الوطنية لدى التونسيين (1) إلا أن نقطة الضعف التي سادت لدى أغلب الممثلات التونسيات أنذاك تمثلت في ضعف المستوى المعرفي وانتشار الأمية لديهن ما عدا فضيلة ختمي وشافية رشدي اللتين كانتا تكتسبان ثقافة وخبرة مسرحية أرقى من الأخريات. أما أكثر مجالات المسرح التي شدت اهتمام السيدة شافية فكان المسرح الغنائي الذي ساد مصر ووجد الرواج في كل الدول العربية تقريبا إبان تلك الفترة وأهم المسرحيات الغنائية التي شاركت في بطولتها شافية رشدي نجد مسرحيات "صلاح الدين الأيوبي" و"هاملت" و"عطيل" و"مجنون ليلى". كما عملت في العديد من الفرق المسرحية من بينها فرقة "التمثيل العربي"وفرقة" المستقبل التمثيلي " وفرقة السيدة فضيلة ختمي وفرقة "الاتحاد المسرحي" و"جمعية المسرح" وفرقة "المسرح التونسي" وفرقة "نجوم الفن" وفرقة "أنصار المسرح". وبعد الحرب العالمية الثانية بادرت شافية رشدي بالاستعانة بمجموعة من الممثلين لتقديم رواية "عائشة القادرة" للأديب عبد الرزاق كرباكة صديق هاته الفنانة وأحد كبار مؤسسي النادي الإفريقي ثم سرعان ما تحولت هاته المبادرة إلى رغبة جامحة لتأسيس فرقة خاصة بها اختارت لها اسم "نجوم الفن" التي لم تعمر طويلا إذ اتحدت بسرعة مع فرقة "كواكب التمثيل". وقد شجع وجود العديد من أبناء النادي الإفريقي في الفرق المسرحية سواء أكان ذلك في مستوى الإدارة أو الإخراج أو التمثيل إلى بعث فرقة "النادي الإفريقي للمسرح" سنة 1950 وكان من بين أعضائها الناشطين الفنان محمد المورالي (2). ويشير المرحوم الهادي العبيدي في مقالة له ينعى فيها المرحوم الطيب بن عمار بجريدة الصباح بتاريخ 6 جانفي 1967 الى أن جذور تأسيس الفرقة المسرحية للنادي الافريقي تعود الى مبادرة للمرحوم الطيب بن عمار أحد رواد المسرح التونسي في النصف الاول من القرن العشرين "حيث أسس الجمعية المسرحية التي تحمل اسم - مدرسة الشعب - وجعلها فرعا فنيا لجمعية النادي الافريقي الرياضية وقد تولى إدارة هذه الجمعية التمثيلية الفنان الكبير المنعم الاستاذ الطاهر بلحاج"(3)
شافية رشدي والموسيقى
شكلت الموسيقى ببلادنا في الثلاثينيات من القرن الماضي فعل حياة واستفاقة بعد أن ساد الظلام هاته الربوع طيلة عقود وحقب متعاقبة. فنهضت النخبة للدفاع عن الاغنية التونسية من المسخ والتشويه وقرر روادها تأسيس المعهد الرشيدي فكانت شافية رشدي المرأة الوحيدة التي ساهمت وحضرت تأسيس هذا المعهد في شهر نوفمبر من سنة 1934 بالخلدونية ببادرة من المرحوم مصطفى صفر شيخ المدينة والرئيس الاسبق لفريق النادي الافريقي سنوات 1929- 1930والذي يعتبره البعض أبو النهضة الحديثة للثقافة ببلادنا تبعا لما حباه من حب وعطف ورعاية لمختلف الانشطة الثقافية والفنون ولقدرته على توحيد المجهودات بين التونسيين بهدف لم شملهم والدفاع عن مصالحهم(4). ولم تتخلف شافية رشدي عن دعم الرشيدية من مالها الخاص بهدف تحقيق رسالة هاته الجمعية الفنية المتمثلة في حفظ التراث الموسيقي وتلقين أصول أدائه للناشئة فتحولت الرشيدية بذلك من مجرد جمعية الى مدرسة شامخة قائمة الى الان تخرجت منها أجيال وأجيال من خيرة إطارات الموسيقى التونسية الاصيلة. كانت "نانا" تقبل على الموسيقى والغناء في هيئة احترام ووقار اللذان كانا يتحلى بهما الملوك والكبار فكانت تستقل عربة تجرها الخيول "كروسة" لحضور عرض فني تحييه بمقهى الدزيري في مدخل سوق الجزايرين بباب سويقة القديمة والذي يشبه قاعة الحفلات الفنية الراقية اليوم ويأتيها كبار القوم والوزراء وحتى الرئيس السابق بورقيبة حضر عدة حفلات للسيدة شافية هناك مثلما تروي هي ذلك. كما كانت تشارك في الاعراس والحفلات داخل "الديار العربي" وهي بيوتات التونسيين بمدينة تونس العتيقة والذي يتسع المنزل الواحد فيه الى 400 أو 500 شخص تحرص السيدة شافية على أن تقدم خلالها بعض الفقرات الراقصة من تقديم الراقصتين روحية اليهودية أو منيرة الامريكية ثم تنطلق في الغناء من العاشرة ليلا الى حدود الخامسة صباحا (5). ولتأمين نجاحها أحاطت هاته الفنانة نفسها بنخبة من الشعراء والملحنين والادباء والنقاد وكانت تحرص على تكوين وحضور العكاضيات ببيتها فتعلمت من كرباكة وأحمد خير الدين ومحمود بورقيبة قواعد الشعر والفت أكثر من مائة أغنية. وكانت الاغاني تكتب وتلحن وتغنى كما تقول شافية رشدي في نفس السهرة. وعلى غرار ما قامت به في المسرح أسست السيدة شافية فرقتها الخاصة بها وكانت تضم أحسن العازفين في تلك الفترة مثل الفنانين خميس ترنان ومحمد التريكي وصالح المهدي والهادي الجويني وعلي السريتي ويوسف قنونة وغيرهم وتركت شافية رشدي رصيدا هاما وثمينا من الاغاني التي قام بتلحينها نخبة من أمهر وأجود الملحنين الذين عرفتهم بلادنا.
شافية رشدي والنوادي الادبية والفنية
كجل المثقفين الذين ساهموا في رسم ملامح المشهد الثقافي التونسي في الثلاثينيات من القرن الماضي والذين كانت تجمع شملهم النوادي والمقاهي الادبية والفنية في تلك الفترة وعلى غرار الفنانة فتحية خيري التي أسست "مجلس ولادة" والتي كانت تنافسها عرش الغناء والشهرة، كانت للسيدة شافية رشدي عدة مجالس أدب ولقاءات فنية مع جملة من الفنانين والمثقفين ورواد الصحافة، فجمعت حولها العديد من الوجوه الثقافية المشعة آنذاك والتي كان لها صداها خصوصا في الاوساط الشبابية المتعلمة، فجالسها شيخ الادباء محمد العربي الكبادي والشاعر جلال الدين النقاش وعبد الرزاق كرياكة ومحمد بورقيبة ومصطفى خريف وعبد العزيز العروي والهادي العبيدي وأحمد خير الدين ومحمود بورقيبة وتبادلت معهم الغناء والشعر والطرافة واللهو وتعلمت منهم أكثر مما تعلمته في المدرسة فكانوا لا يفارقونها وتتقبل نقدهم بكل رحابة صدر بل وساهمت معهم في تأليف أكثر من مائة أغنية. وتؤكد الفقيدة أن "الأغاني كانت تكتب وتلحن وتغنى في نفس السهرة...." وامتدت وشائج العلاقات الحميمية بينها وبين بعض الشعراء والادباء انطلاقا من هذه المجالس فكتب العربي الكبادي عدة قصائد" يتغزل بشافية منها هذا القصيد الذي طالعه:
هلا رثيت لدمعي وحنيني
وشجاك في جنح الظلام أنيني
كما كان الشاعر جلال الدين النقاش يتردد على بيتها وقد كتب قصيدا مطرزا باسمها طالعه:
شواهد العلم والادب
في بيت أميرة الطرب
كما أن مصطفى خريف عندما علم بتوعك صحة السيدة شافية رشدي التي كانت تلقب في الوسط الفني والأدبي ب(نانا) فقال مصطفى:
يقولون نانا بالحنايا مريضة
فقلت: يا ليتني كنت الطبيب المداويا
كما كانت للسيدة شافية علاقات متينة مع جماعة تحت السور حيث كانوا يجتمعون في بيتها ويسهرون معها وكان يتردد على بيتها باستمرار عبد الرزاق كرباكة الذي كتب لها مسرحية "عيشة القادرة " في بيتها بالتعاون معها وكانت تلك المسرحية خصيصا لها"(6)
شافية رشدي والنادي الإفريقي
هناك ناحية مجهولة لدى العامة ولا يعرفها إلا القليل وهي ان السيدة شافية رشدي كانت أول إمرأة تونسية تساند وتدعم الانشطة الرياضية ببلادنا ماديا ومعنويا من خلال جمعية النادي الافريقي التي ارتبطت بها وساهمت في اشعاعها وتألقها بما مكّن هذا الفريق من الالتحاق سريعا بصفوف فرق النخبة الممتازة في نهاية سنة 1936. لقد كان التلاقح والتمازج بين الفن والرياضة الذي ميّز فريق النادي الافريقي في بداية انبعاثه الى النصف الاول من القرن العشرين تقريبا هو الممر الذي سهل التحاق شافية رشدي بهذا الفريق ومناصرته في فترة مازالت فيها وضعية المرأة التونسية تعرف الانكماش والتقوقع حول الذات ويشكل خروجها الى الفضاء الاجتماعي الواسع شبه محرم. وقد شجع تواجد السيد مصطفى صفر شيخ المدينة على رأس فريق النادي الافريقي سنوات 1929 و1930 وارتباطه بالمسرح باعتباره عضوا بمجلس إدارة جمعية " التمثيل العربي" ثم مساهمته الكبرى في بعث "الرشيدية" القدوة التي شجعت السيدة شافية رشدي على الالتحاق بفريق النادي الافريقي والمساهمة في دعمه ومشاركته أنشطته المختلفة آنذاك حيث يذكر أن هاته الفنانة كانت تدعم فريق كرة القدم إضافة لفرع الدراجات وتسهر على حضور بعض مقابلاته بل وشاركت الفريق رحلته الى الجزائر في نهاية شهر ماي سنة 1936 .وقد انطلقت الرحلة يوم 28 ماي 1936 في الواحدة صباحا من أمام مقر النادي الكائن بشارع باب بنات أنذاك بمشاركة العديد من الانصار والمسؤولين الى جانب الفرقة الموسيقية والمسرحية للنادي إضافة لفريق كرة القدم حيث قدّمت الفرقة المسرحية عرضا للإخوة الجزائريين يوم 30 ماي 1936 في حين قدّم العرض الموسيقي يوم 31 ماي 1936. ثم تلتها مقابلة بين الفريقين احتضنها الملعب المحلي لمدينة قسنطينة.(7) وقد أكدت لي إبنتها أمنة أن والدتها كانت تحتفظ في منزلها بعديد الكؤوس والألقاب وتملك في وثائقها العديد من مقتطعات الدعم والمساندة. وارتبطت السيدة شافية بعديد الصدقات مع أعضاء ومسؤولي ولاعبي هذا الفريق الى أخر يوم في حياتها كما كانت المرحومة من المغرمات أيضا برياضة الفروسية وتتعاطها بانتظام. لقد كانت الانشطة الرياضية وفريق النادي الافريقي بالخصوص محطة هامة وثرية في حياة شافية رشدي، محطة تنضاف الى محطات المسرح والموسيقى والمجالس المختلفة الاغراض التي شاركت فيها وساهمت في بعثها لتشكل جميعها الصورة الحقيقية لهذه المرأة.
الخاتمة: شافية رشدي قصة طريفة لفنانة متكاملة صنعت المتعة وأثثت المشهد الثقافي التونسي منذ الثلاثينيات الى السبعينيات تقريبا من القرن العشرين، أحبها التونسيون وأدركوا مكانتها الفنية في تلك الفترة ومدى اسهامها في الحقل الاجتماعي على أكثر من مستوى لعل أهم ما نذكّر به هنا هو مساهمتها في بناء مستوصف ومدرسة ابتدائية بحمام الانف وإخفائها لبعض المناضلين من "الفلاقة" ايام احتدام سعير المعركة المسلحة مع الاستعمار الفرنسي لبلادنا. هذه بعض المراحل غير المتجلية بالصيغة المثلى لحياة هذه المرأة التي عاشت حياتها بعمق لا متناهي في أزمنة عاصفة وحارقة في الثلاثينيات الى منتصف الخمسينيات فخرجت منها أكثر تألقا وإشعاعا وتركت لنا جملة من الذكريات الحية التي لا يمكن أن تموت بمرور السنين وتواترها لأنها تعيش في أعماق هذا الوطن وذاكرته المتقدة بالاخلاص والوفاء.
الهوامش:
(1) "دراسات في تاريخ المسرح التونسي 1881- 1956" للاستاذ محمد مسعود ادريس منشورات المعهد العالي للفن المسرحي دار سحر 1993 ص 103.
(2) الهادي صاحب الطابع قائد فريق النادي الافريقي في الاربعينيات كان من بين أعضاء فرقة الاتحاد المسرحي التي تأسست بتاريخ 21/7/1936 وكان الى جانبه المرحوم بلحسن بن شعبان من مؤسسي النادي الافريقي والبشير المتهني من أنصار هاته الجمعية في حين كان الشيخ جمال الدين بوسنينة باعث فريق النادي الافريقي من بين أعضاء فرقة وسيلة صبري للتمثيل التي تأسست في فيفري سنة 1937 في حين انتمى محمد عبد العزيز العقربي من مؤسسي نفس الجمعية الى الفرقة المسرحية "معهد الفن" سنة 1955 وغيرهم كثير ويمكن في هذا الصدد الاستفادة من المصدر المذكور أعلاه الصفحات من 68 الى 84.
(3) انظر مقالة الهادي العبيدي "الطيب بن عمار وجه من وجوه النضال المتنوع تفقده تونس" بجريدة الصباح بتاريخ 6 جانفي 1967.
(4) مما يذكر لمصطفى صفر أنه قام سنة 1936 بتوحيد ثلاث جمعيات مسرحية كانت موجودة آنذاك وهي: "التمثيل العربي" و"المستقبل التمثيلي" و"المسرح" تحت اسم "الاتحاد المسرحي" والتأمت الجلسة التأسيسية بتاريخ 27 جانفي 1936 وحضرها أعضاء من المجلس البلدي ونواب عن الجمعيات وتم تكوين مكتب اداري موحد اسندت رئاسته الى السيد محمود الورتتاني.
(5) انظر نص الحوار مع شافية رشدي بجريدة البيان بتاريخ 26/ 5/1986
(6) انظر جريدة العمل 25 أفريل 1986 "المرأة التونسية في المسرح" مقالة للمرحوم محمد السقانجي.
(7) انظر جريدة "لاديباش تونزيان" بتاريخ 31/5/1931


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.