أول سؤال يمكن أن يطرحه القارئ لمّا يفرغ من مطالعة الكتاب الجديد لعبد الواحد براهم لماذا اختار الكاتب عنوانا لكتابه"هل صحيح أننا قمنا بثورة؟". ويضع في محاولته للإجابة عن هذا السؤال عدة فرضيات. هل هي الرغبة في إثارة القارئ واستدراجه في وقت يصعب الوصول إليه بأساليب تقليدية . هل هي محاولة للتسويق إلخ... والحقيقة أن العنوان يراوغ القارئ. هل صحيح أننا قمنا بثورة؟ فيه إيحاء بأن الكاتب يقدم عملا استقصائيا أو دراسة علمية تترصد الأحداث وتتعقبها. العنوان يحمل ضمنيا جانبا من الإجابة. فسؤال هل صحيح أننا قمنا بثورة فيه جانب إنكاري أو تقليل من قيمة الحدث. لكن إلى أي مدى كان عبد الواحد براهم في كتابه الصادر هذا العام عن دار سحر للنشر يمشي في خطّ مواز للأحداث؟ سنجانب الصّواب عندما نقول أن الكاتب راوغ القارئ جزافا أو هو أسقط العنوان على النص لغايات معينة. فالكتاب وإن كان مجموعة من المقالات التحليلية والنقدية للوضع التونسي سبق وأن نشرها صاحبها في الصحافة التونسية فإن مواضيع النصوص يمكن أن تشكل خيطا رابطا يقودنا آليا إلى الثورة التونسية. النصوص التي وردت في بابين: الماضي الجائر والحاضر العاقر تجتمع في انها تقر بأننا شعب لم نهيئ جيدا لإنجاح الثورة التونسية ( 14 جانفي2011) هيبة الدولة "غول" يحيلنا عبد الواحد براهم لفهم ما يحدث اليوم في البلاد من فشل لإنتقال الديمقراطي في البلاد إلى دولة الإستقلال وإلى عدم قيام الدولة وتحديدا الزعيم بورقيبة بالعمل اللازم لإرساء الديمقراطية. بل على العكس لقد ارتكب بورقيبة حسب تقييمه (في نص بعنوان عتاب لبورقيبة وشكر لبن علي) خطأين كبيرين أولا أنه حوّل مفهوم هيبة الدولة إلى غول وجعل من نفسه وصيا على البلاد وثانيا تشريع الرئاسة مدى الحياة."عن طريق هذين الخطأين- يقول الكاتب- أمسكت بنا تلابيب بن علي" التجمع الدستوري الديمقراطي الحزب الذي وقع حله رسميا بعد الثورة وهو على ما كان عليه من استبداد طيلة حكم بن علي لم يفعل سوى أن واصل في نفس نهج حزب الدستور الذي " التزم طريقة احتوائية استحواذية إزاء كل من يعلن استقلاله عنه. " (من نص "أنا او لا احد"). وهو يواصل في نفس السياق قائلا وفي رد له على من تصور أن الحزب انتهى بحله قانونيا :" إن قوة حزب الدستور ليست في الأموال والمباني التي يملكها اليوم وإنما في ثقافة نضالية وروح وطنية قاوم بها الإستعمار في أوائل عهده(....) ولكن الشواهد التاريخية أثبتت للأسف أن حزب الدستور حول تلك الثقافة فيما بعد نحو حب التسلط وابدل مشاعر البذل النضالي لدى أتباعه إلى نرجسية اقنعتهم بأنهم افضل من الجميع..." نسبة هامة من التونسيين تتحمل مسؤولية كبيرة حسب الكاتب في ما وصلت إليه تونس اليوم من ازمة سياسية وتعطل للمسار الديمقراطي. فهؤلاء أدمنوا التزلف لأصحاب الجاه ولم يكونوا يتورعون عن استعمال أساليب قذرة من رشوة والتصاق بأصحاب النفوذ و"قلبان الفيستة " وتفنن في تقديم شهادات الولاء واليوم هل تغيرت الأمور كثيرا وخاصة بعد الثورة الإجابة هي بالأحرى سلبية. هذا إن لم نقل أن التطرف انتشر أكثر وزاد الاحباط وتراجع الأمل وتعفنت الأمور خاصة على المستوى الإجتماعي." فما حدث (في نص كنت سأصوت للنهضة لو...) كان دون المنتظر, إذ تسابقت الأحزاب الجديدة إلى التموقع في الساحة السياسية أولا واهتمت بنظام الحكم... ولم تهتم بما يمور في دواخل المجتمع وهو مع ذلك موضوع كل اصلاح وهدف كل سياسة". الكاتب انتقد بشدة حزب حركة النهضة الذي كان يتوقع منه أن يبدأ بملتقيات لمحاربة الفساد الإداري والغش الإقتصادي والمناداة برفع المستوى التعليمي واهتماما بمشاكل التشغيل وبطالة الخريجين فوجد كل ما أنجزه ودائما في نفس السياق "اجتماعات رهيبة يعلو فيها التكبير والتسبيح لإبراز العضلات..." شاهد على العصر الكتاب غزير بنصوص تعالج الواقع التونسي. تصفه بلا قفازات. فقد تحدث الكاتب بتلقائية محاولا تصوير الوضع بلا مساحيق. سدد نقده للعهدين العهد البورقيبي والعهد البنعلي غير أنه اعتبر أن الإستبداد والفساد وفسح المجال أمام الأصهار في عهد بن علي فاق كل الحدود. ولم يبرّئ الزعماء الجدد وخاصة أصحاب فكرة التدافع الإجتماعي لقد وضع الكاتب عبد الواحد براهم زبدة تجربته في هذه النصوص. أغلبها كتب بلغة ميسّرة على القارئ دون أن تفقد جماليتها. بعض النصوص من وحي ما عاشه أو خبره الكاتب وبعضها الآخر مما قرأه ووصل إلى علمه حول ممارسات القصر والوزراء وكوادر الحزب الحاكم والذين يعيشون في فلك السلطة إلخ خاصة في عهد بن علي. بعض النصوص تتحدث عن تجارب يمكن أن نستفيد منها على غرار التجربة الإسبانية. كل النصوص تصب في فكرة أننا في تونس أمامنا عمل كبير لإنجاح الثورة التونسية وأولها القيام بعمل على مستوى العقليات ومن أجل شفاء النفوس وقد قدم الأستاذ المنصف وناس للكتاب الذي حيا في الكاتب عبد الواحد براهم شاهد استثنائي ومهم على العصر. مع العلم وأن عبد الواحد براهم له عدة منشورات في أدب القصة والرواية والرحلات وسبق له ان ترأس اتحاد الناشرين التونسيين وأدار عدة دور نشر وعمل بوزارة الثقافة وله تجربة طويلة في الأدب والنقد والنشاط الثقافي