يبدو أن الأحداث الأخيرة في القطاع الإعلامي قد أثرت على مسار الحوار الوطني المتعثر بطبيعته حيث تعطلت المشاورات بين الفرقاء إلى أجل غير معلوم.. فقد انصرف اهتمام السياسيين والنقابيين والحقوقيين نحو دعم حرية التعبير، بعد إيقاف الصحفي زياد الهاني وإقرار الإضراب العام في القطاع الإعلامي. وقد أجمعت الأطراف السياسية والحقوقية أن ما يحصل من تضييق على الصحفيين والنقابيين في الآونة الأخيرة، هو تجل بامتياز للأزمة السياسية التي تتخبط فيها البلاد وانعكاس طبيعي لتصرفات الحكومة ومن ورائها "الترويكا" الحاكمة الساعية إلى تصعيد الأمور. وحتى ما قيل عن بوادر الانفراج السياسي بعد الخطوات الماراطونية التي تمّت في إطار مبادرة اتحاد الشغل، يبدو أنه لا يعدو أن يكون مجرّد حسابات ومناورات سياسية بات أمرها مكشوفا للجميع.. فتمسك "الترويكا" بمقترحاتها وتصلب مواقفها يزداد يوما بعد يوم مراهنة في ذلك على إمكانية رضوخ المعارضة وقبولها بالأمر الواقع، والحكومة ماضية في عملها غير آبهة بما يحصل من حولها، في حين تتشبث المعارضة بمظلة الاتحاد ومبادرته.. وتحاول من حين إلى آخر استغلال بعض الأحداث لحشد الشارع ضدّ خصومها.. والنتيجة أزمة متواصلة إلى أجل غير مسمى.. مفاوضات متعثرة.. من جهته أكد الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري أن المفاوضات متعثرة، معلنا أن المنظمة الشغيلة ستنظم خلال الأسبوع الجاري ندوة صحفية لإماطة اللثام عن بعض النقاط الهامة، ولإطلاع الرأي العام على حقيقة الوضع السياسي والاقتصادي. وكان اتحاد الشغل قد أعرب عن رفضه لممارسات الحكومة والمتعلقة خاصة بالتعيينات على أساس الولاء الحزبي والانتماء السياسي، مشيرا إلى أن هذه التصرفات لا تخدم الحوار الوطني وتساهم في مزيد تأزيم الوضع. وأمام تعطل المشاورات بصيغتها العلنية، يبدو أن بعض الأطراف تبذل جهودا لإحيائها في الخفاء مستغلة انشغال الرأي العام بالأحداث الجارية في القطاع الإعلامي.. ومثلما كان للغنوشي والسبسي لقاء سري في باريس، ربما ستكشف لنا الأيام القليلة القادمة عن اجتماعات من هذا القبيل بين بعض الفرقاء السياسيين.. وأيّا كانت النتائج وأيّا كانت الحسابات، فعلى الطبقة السياسية والحكومة أن تدرك أن المواطن قد سئم كل مظاهر تزييف الحقائق، وضجر من مسلسل المشاورات الذي طال أكثر من اللزوم خاصة وأن أزمته الاقتصادية في تفاقم ومقدرته الشرائية تتدهور يوما بعد يوم في ظل أفق سياسي غامض لا يبدو أن ناظره قريب..