يبدو أن مكسب الحريات الذي تتمسك به عديد الجهات والنخب في تونس ما بعد ثورة الحرية والكرامة لا يزال على المحك. ولم نجد إلى حد الآن أيّ مؤشّر إيجابي يكشف نوايا الحكومة التونسية التعاطي الإيجابي مع هذا المعطى. إذ يكفي التذكير بأبرز الانتهاكات والاعتداءات والقضايا والأحداث المسجلة في قطاعات الإعلام والثقافة والفنون للتأكد من ذلك. وتتمثل هذه الممارسات في السب والشتم والتهديد لتتجاوزه إلى العنف اللفظي والمادي وإيقاف بعض الأنشطة والتدخل في مضامينها بدواعي المس من المصلحة العامة أو الخاصة. كما كان توظيف الفعل الثقافي والفني في الضغط والهجمات التي شنتها بعض الجهات والتي وجدت مساندة كبيرة من سلطة الإشراف أيّ في عهد حكم أول حكومة منبثقة عن انتخابات نزيهة. إذ يكفي التوقف عند مراحل ومحطات حاسمة في تاريخ هذه الحكومة ومحاولاتها المتكررة لتكميم الأفواه وإعادة مكسب الحرية إلى مربع القمع وقيادتها دون مقاومة إلى"بيت الطاعة" لإدراك ذلك. فبدءا بحادثة العبدلية واعتداءات بعض من يحسبون على التيار السلفي على معرض للوحات الفنية بتعلة المس من الذات الإلاهية. فاعتداء مجموعة من الشباب المحسوبين على نفس التيار على المسرحيين أثناء نشاطهم بشارع الحبيب بورقيبة بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمسرح يوم 16 مارس 2011. وحادثة الاعتداء على قاعة "الأفريكارت" بالعاصمة والتي تم إغلاقها إثر تلك الحادثة إلى يوم الناس هذا. لتشمل أيضا اعتداءات بالعنف اللفظي والمادي على بعض الفنانين والممثلين على غرار تعرض السينمائي النوري بوزيد إلى الاعتداء بالعنف وكذلك الفنان سفيان سفطة أثناء احيائه حفل بإحدى المدن في القصرين وكذلك الشأن بالنسبة لفرقة أولاد المناجم أثناء احيائهم حفل بسيدي بوزيد في الاحتفال السنة الماضية بذكرى الثورة وتكسير تجهيزات الفرقة الموسيقية وإيقاف عروض مسرحية "مايد إن تونيزيا " للطفي العبدلي في عديد المرات وإيقاف مسرحية "الزمقري" لمحمد علي النهدي خلال هذه الصائفة بالقصرين ورفع قضية عدلية ضد صاحبها. وحادثة الاعتداء على المسرحي عبد الغني بن طارة وافتكاك مسرح الحلقة بباب الديوان وتحويله إلى مسجد. كما هو الشأن لبعض الفضاءات الأخرى بعديد الجهات وذلك في ظل الصمت المطبق لسلطة الاشراف. ليقف أمام القضاء عدد من الناشطين في ميادين فنية وفكرية وثقافية بسبب ابداعاتهم على غرار الجامعية والفنانة التشكيلية هاجر الجلاصي والناشطة المدنية رجاء بن سلامة بسبب مواقفها وغيرهما. لتلي هذه الأحداث اعتداءات وهجمات أخرى وصلت حد الذروة في الفترات الأخيرة ولم تعد الساحات والفضاءات الثقافية مسرحا لها فحسب بل أصبح الناشطون في هذه القطاعات أبرز المستهدفين من التضييقات والهجمات المتكررة على الإعلاميين والممثلين والفنانين لتصل إلى حد صدور أحكام بالسجن والإيقاف في حقهم ويقاس ذلك بارتفاع عدد القضايا المرفوعة ضد إعلاميين فبعد سجن سامي الفهري صاحب قناة التونسية لأكثر من عام وغلق هذه القناة قبل يومين من شهر رمضان المنقضي وإيقاف عدد من الصحفيين سجلت قائمة التضييق على الحريات وقوف وسجن عدد من المثقفين وفنانين (فناني الراب مثلا) وآخرها المصور الصحفي مراد الحمزاوي والسينمائي نصر الدين السهيلي وغيرهم.