ادعو المجلس التأسيسي الى الانتقال حالا الى نقاش مشروع الدستور وإقراره دون انتظار مصير «المبادرات» و«الحوار» الدستور هو «الهدية» الوحيدة التي يمكن ان يقدمها «التأسيسي» للشعب الآن من الصعب الان تسوية المعضلات الاقتصادية والامنية الاستاذ حمودة بن سلامة من ابرز مؤسسي الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان وحركة الديمقراطيين الاشتراكيين عام 1977.. ثم كان مؤسس "تيار المستقلين" عام 1983 ردا على التجاذبات الحزبية.. وتولى خلال العامين الاولين بعد تغيير7 نوفمبر1987 حقيبة الصحة(برتبة كاتب دولة) والرياضة قبل ان يقال من الحكومة والديوان السياسي مع المرحوم عبد الحميد الشيخ بسبب موقفهما المعارض "للمنعرج الامني".. وانسحب الدكتور حمودة بن سلامة الى مرحلة ما بعد الثورة حيث عاد الى الفعل السياسي بصفته المستقلة.. التقيناه وسالناه عن رايه في الازمة السياسية الحالية وعن مقترحاته لتجاوزها فكان الحوار التالي: دكتور حمودة بن سلامة عرفت بموقفك الداعي الى التعجيل بانهاء المرحلة الانتقالية والمرور فورا الى التحضير للانتخابات.. حتى تخرج البلاد من سلسلة الازمات السياسية التي تمربها منذ مدة.. كيف تنظر الى الخروج من الازمة الحالية؟ - شخصيا ادعو الى انصراف المجلس التأسيسي حالا للإنتهاء من الدستور وعدم اضاعة الوقت في انتظار مصير "المبادرات والحوارات".. وانتظار"الحوار الوطني" المتوقع انطلاقه قريبا والمرتبط بمبادرة إتحاد الشغل.. تجاذبات واستعراض عضلات لماذا يبدو مقترحكم ملحا في نظركم ؟ - تقييمي يستند من جهة أولى إلى الفترة الزمنية الطويلة والمملة التي طبعت التحركات والاتصالات التمهيدية لهذا الحوار والحوارات المباشرة وغير المباشرة بين الفرقاء السياسيين عن طريق الجهات الراعية ووسائل الإعلام.. وكانت عموما محادثات ومواقف وتحركات لم تخل من المشاحنات والتجاذبات واستعراض العضلات في عملية لي ذراع عقيمة لم تعط إلى حد الآن نتيجتها... نلاحظ ان جل الاطراف تراوح مكانها وكأن أوضاع البلاد الصعبة ما زالت تحتمل هذا النوع من الشلل والعقم.. فإلى متى ستبقى المجموعة الوطنية في انتظار أن ينهي ساسة البلاد ونخبها من تعديل أوتار آلاتهم السياسية (من أحزاب ومنظمات وأجندات وطموحات شخصية وجماعية...) كي ينصرفوا إلى خدمة الشأن العام ؟... مواقف معلنة وأخرى خفية كما أن تقييم حظوظ نجاح الحوار الوطني يكون من جهة ثانية بالقياس مع ما عليه حاليا مواقف الفرقاء المعلنة (وحتى الخفي منها) في خصوص تطبيق فقرات المبادرة ومحطات خارطة الطريق المعدة من قبل الجهات الراعية، وهذه المواقف متباينة وأخشى أن تبقى كذلك طيلة الحوار بل وأن تحتد إلى حد انسداد مجالات التفاهم والتوافق.. وكم أود أن تكذبني الأيام القادمة وأن تقذف بالتفاؤل والانفراج على هذا التشاؤم والتحفظ الذي أعبر بهما شخصيا عن توقعات واحتمالات أراها مع الأسف أقرب للواقع... وفي كل الحالات، وسواء انطلق الحوار وتميز كما نتمناه ببوادر النجاح والجدية في التعامل مع دقة وطبيعة المرحلة، أو إذا ما تطلب ذلك وقتا يفوق ما هو متوقع (مثلما تعودنا مع الأسف على ذلك)، أو إذا آل الأمر كما نخشاه إلى الفشل وتعميق الخلافات، فمهما يكن منحى هذا الحوار يتعين عدم ربط هذا المسار – على أهميته - بمسار آخر لا يقل أهمية عنه، بل وهو أهم منه، ألا وهو انصراف المجلس التأسيسي اليوم قبل غد إلى إتمام ما تبقى من أشغال متعلقة بمشروع الدستور خاصة وأن عديد التصريحات والمعلومات من الطرفين المتنازعين (مرابطون ومنسحبون) تؤكد التقدم الكبير الحاصل في وثيقة مشروع الدستور من حيث التوافقات والتفاهمات حول جل النقاط التي مثلت مجال خلافات وتباينات تم تجاوزها صلب لجنة مختصة ضمت للغرض كل الكتل الممثلة في المجلس. الدستور: الانجاز الممكن حاليا هل تعتبر ان المناخ العام يسمح بالانتقال حالا الى المصادقة على مشروع الدستور فصلا فصلا؟ -عدة أسباب ومبررات تملي هذه الدعوة الملحة والعاجلة لكي يعكف المجلس التأسيسي، بالطرق القانونية، وإن أمكن بمرابطيه ومنسحبيه (على أن لا يبقى في انتظار أي متردد أو متغيب)، على الإنهاء من إعداد الدستور ومناقشته فصلا فصلا وصولا إلى المصادقة عليه نهائيا مع حلول تاريخ 23 أكتوبر الرمز (ألم يتعهد رئيس المجلس بذلك علنا عند مخاطبته الشعب أخيرا؟).. من اهم هذه الاسباب ان اكمال مشروع الدستور والمصادقة عليه تبدو العملية السياسية الوحيدة الممكنة حاليا والتي من شأنها عاجلا إحداث رجة إيجابية في الداخل والخارج فضلا عن أنها تبقى الإنتاج السياسي الرمز والمهمة التأسيسية الأساسية الموكولة للمجلس ونوابه كما هي تتحكم حتما في باقي فقرات المسار الانتقالي من قانون انتخابي وضبط تواريخ وظروف وشروط الاستحقاقات الانتخابية. أما باقي الاهتمامات والمحطات الأخرى فإنها تبقى غير مضمونة فتحسين الأوضاع الاقتصادية على أهميته يبقى رهين المدى المتوسط والطويل وهو مرتبط بصورة أو بأخرى بعلاقة بلادنا بمحيطها الإقليمي والدولي، وتحسين الأوضاع الأمنية هو أيضا رهين الزمن وعلى الرغم من الجهود المضنية المبذولة والتحسن الموضوعي العام في أداء المنظومة الأمنية في بلادنا نبقى في غير مأمن عن عملية إرهابية جديدة لا سمح الله قد تبعثر الأوراق من جديد وقد تعود بنا إلى النقطة الصفر، وأما المحطات السياسية المتضمنة في خارطة الطريق والمتعلقة بالمبادرة من يضمن لنا أن الحوار الوطني سيؤول إلى الحلول اللازمة وفي الآجال القريبة خاصة وأن المؤشرات الأولى ليست مشجعة على التفاؤل وحتى وإن تمكن الفرقاء من تجاوز أسباب ومظاهر الفرقة فإن ذلك سيأخذ كثيرا من الوقت على حساب صحة الوضع العام في البلاد... انعكاسات اقتصادية وما هي انعكاسات المصادقة على الدستور فورا على تونس وشركائها؟ - الإنهاء من إعداد الدستور والمصادقة عليه من شأنه المساهمة السريعة والناجعة في طمأنة الفاعلين الاقتصاديين والماليين في الداخل والخارج لأن هذه الأوساط وجلها راغب في الاستثمار أو مواصلة أنشطته في بلادنا وفي توسيع مجال مشاريعه في حاجة إلى قوانين تنظم وتشجع وتحمي وتضمن القطاع والفاعلين فيه، ودعنا في هذا المجال نذكر أن محافظ البنك المركزي يعتبر أن أزمة الاقتصاد والدينار والمديونية ليست اقتصادية بالأساس من حيث الأسباب والحلول بقدر ما هي سياسية وهو يلح على الساسة لحسم خلافاتهم ومواقفهم وأمرهم في اتجاه الاستقرار السياسي الحقيقي الضامن الوحيد لحسن مواجهة الصعوبات الاقتصادية والمالية، كما نذكر في هذا المجال أن الهيئات الدولية المختصة في الترقيم الائتماني السيادي والتي خفضت في الأشهر والأسابيع الأخيرة في الترقيم المتعلق بتونس تؤكد في حيثيات تبريرها لمواقفها المتحفظة بل والسلبية إزاء المنظومة الاقتصادية والمالية التونسية، وبعد ما كانت تركز انتقاداتها على الخلل في أداء البنوك التونسية مثلا وتأمل في أن تحسين الأوضاع السياسية سوف يعطي دفعا يضمن طاقة تسديد البلاد لدينها الخارجي، صارت هذه الهيئات تحمل المنظومة السياسية عدم القدرة على تحسين الأداء والعجز على إحداث مناخ من الثقة من شأنه تحسين المردود الاقتصادي والمالي... أزمة ثقة مستفحلة بين النخب؟ هناك من يعتقد ان ازمة الثقة داخل النخب استفحلت بشكل غير مسبوق.. مما زاد ازمة ثقة الشعب في كل الاطراف؟ - أزمة الثقة التي تطبع العلاقات المتوترة حاليا بين النخب السياسية والفكرية المتنافسة على المواقع والمصالح هي أيضا أزمة ثقة بين هذه النخب (بجميع أطيافها) والرأي العام الوطني والذي يشعر بالإحباط والملل إزاء المستوى المتدني للنتاج السياسي، فالمواطن لا يلمس أشياء عملية ملموسة وإيجابية في علاقته بالمشرفين على الشأن العام بل يعيب عليها عكس ذلك في معاناته اليومية مع مقتضيات العيش... فالمناسبة سانحة الآن إذا ما "هدى الله " المرابطين والمنسحبين على حد سواء على "إهداء" المواطن العادي (دون أن يكون بالضرورة بسيطا ولا يفقه شيئا كبيرا في السياسة وقضايا الشأن العام) وثيقة دستور البلاد الجديد وقد شبعناه هذا الشعب الصبور بالوعود الرنانة ومنذ أشهر بقرب الخلاص وبأن الخلاص سيحل بحلول الدستور بديار تونس المضيافة... فلماذا لا يتجرأ هؤلاء القوم المنتخبين للغرض لإحداث مفاجأة سارة بالإنهاء من هذا الدستور عله يجعل الرأي العام التونسي يتصالح مع السياسة والسياسيين، يتصالح مع الأمل رغم الصعوبات والغيوم التي تعكر يوميته المنهكة... حاجة الى تطمينات متبادلة وبما أنه لا بد رغم الانتقادات، من مواصلة الاعتماد على النخب وفي مقدمتهم القوى السياسية والفكرية في إدارة قضايا الشأن العام، يتعين طمأنة الجميع بأن هذا المسار المقترح لا يعارض ولا هو يناقض مسار الحوار والمبادرة التي من شأنها أن تستفيد من الحركية والديناميكية المتوقعة من مثل هذا التوجه... ذلك أن انصراف المجلس التأسيسي للإنهاء من الدستور (سواء عاد المنسحبون مثلما نتمنى أو رأوا خلاف ذلك لأسباب نحترمها دون أن نشاطرها بالضرورة)، ينبع من قناعة مبدئية تتقاسمها أهم العائلات السياسية والفكرية من أن المجلس التأسيسي والحامل لشرعية انتخابية ثابتة مطالب بمواصلة مهامه وخاصة منها التأسيسية وفي مقدمتها الدستور... فما ضر لو نعمل حتى نكون أوفياء لهذا التمشي طالما أن لا خلاف حسب كل المعطيات حول هذه النقاط... براغماتية.. ومراهقة سياسية؟ الا ترون ان طرحك فيه "براغماتية مبالغ فيها" في مرحلة سادت فيها التجاذبات و"المراهقة السياسية"؟ - قد يكون ذلك، ولو أفضل شخصيا السذاجة وهي قريبة من البراءة على المراهقة السياسية التي تطبع سلوكيات البعض، لكن ومهما يكن من الأمر دعنا في النهاية نؤكد أننا ننزل هذا الموضوع في إطاره الشامل وهو الأزمة الحقيقية والعميقة، أزمة الثقة بين الأطراف والعائلات السياسية والفكرية (والتي ما زال بعضها متأثرا بإرث الإقصاء)، الأزمة التي تعيشها بلادنا راهنا والتي تضاعف الصعوبات الاقتصادية والتهديدات الأمنية والإرهابية التي تعرقل وتهدد المسار الانتقالي نحو الديمقراطية والاستقرار، والأزمة استفحلت بالخصوص بعيد وبسبب عملية الاغتيال الغاشم التي راح ضحيتها الشهيد محمد البراهمي رحمه الله بعد ما نكبت المجموعة الوطنية بفاجعة اغتيال الشهيد شكري بلعيد رحمه الله قبل أشهر معدودات... فالسؤال والاقتراح المتعلقين بضرورة انصراف المجلس التأسيسي للإنهاء من الدستور هما في محلهما للمساهمة العملية ودون تأخير جديد في مواجهة أوضاع البلاد المتأزمة.