على اثر مبادرة المنظمات الراعية للحوار ، يعبر التيار الديمقراطي في بلاغ تلقيتا نسخة منه عن ارتياحه للروح الوفاقية التي حركت المنظمات الراعية للحوار و رغبتها في وضع حد للمشكلة السياسية القائمة في البلاد. كما يبين التيار الديمقراطي في نفس البلاغ وجهة نظره في المبادرة و في سبل تجاوز الخلاف وهي كالأتي: - في خصوص تحديد رزنامة للانتخابات و اتمام الدستور و القانون الانتخابي: لتحديد موعد الانتخابات يدعو التيّار إلى إستخلاص العبرة من الفترة الإنتقاليّة الأولى عندما لم يقع الإستئناس برأي الهيأة العليا للإنتخابات عند تحديد 24 جويلية كتاريخ إجرائها و ما خلّفه إعلان إستحالة إحترامه من احتقان سياسي و خيبة أمل ، و يأمل أن لا تتعدّى الأطراف السياسية اليوم على صلاحيّات و إستقلالية الهيئة و لو كان ذلك عن حسن نيّة حتّى قبل أن تستكمل تركيبتها و تبدأ أعمالها و ذلك بإلزامها بمواعيد و آجال لم تستشر في تحديدها ، وهو ما يقتضى اليوم انتخاب بقية أعضاء الهيئة المستقلة للاشراف على الانتخابات و رئيسها في جلسة واحدة أو جلستين ، ومنحها الأجل الذي ورد في مبادرة المنظمات الراعية للحوار لتقترح التاريخ المناسب للانتخابات ،و يتولى بعد ذلك المجلس الوطني التاسيسي إعلان هذا التاريخ . إن المصادقة على الدستور في أجل قدره شهر أو شهر و نصف هو أمر ممكن حالما تتم لجنة التوافقات عملها الذي يمكن اتمامه في مدة أقصاها أسبوع ، إلا أن الخطر يكمن في التنصيص على تحديد المدة في الدستور الصغير دون امكانية تمديد ، إذ قد يتم تجاوز الأجل و لو بمدة قصيرة و قد يتعمد بعض النواب و رغم التوافق أن يعطلوا أعمال المجلس لسبب أو لآخر كوجود دافع الانقلاب على المسار الانتقالي ، وهو أمر لا ينبغي استبعاده و نحن نتحدث عن مصير بلادنا.في هذه الحالة يكون المجلس خارج الشرعية لتنصيص الدستور الصغير على أجل ملزم وقع تجاوزه ، وهو ما يعني تعريض مصير البلاد للخطر و هو في رأي التيار الديمقراطي خط أحمر و مغامرة غير مأمونة العواقب . - في خصوص الدستور: يذكّر التّيار الديمقراطي بموقف الأستاذ عياض بن عاشور ممثل هيئة الخبراء السّابقة من مسودّة الدّستور و الذي يبرز أن الخلافات العالقة ليست خلافات تقنيّة بحتة يمكن تجاوزها عبر هيئة خبراء جديدة بل خلافات سياسيّة متعلّقة بمواقف دافعت عنها الأحزاب خلال حملتها الإنتخابيّة تتمحور حول شكل نظام الحكم و صلاحيّات رئيسي الدّولة و الحكومة و تحديد سن الترشّح للرّئاسة، مواقف لا تعكسها التحالفات القائمة اليوم و لا يمكن حسمها بمعزل عن الرّأي العام بما أنّها ستشكّل جوهر النّظام الذي من المفترض أن يعيد سيادة اغتصبتها نخبة إلى يد الشعب. لذلك يرى التيّار الديمقراطي أنّه من الأجدى أن يكون هذا الخلاف أحد محاور الحوار الوطني و أبرز أولويّاته و أن ننأى به عن حسابات التحالفات الآنيّة الضّيقة و ما تمليه من صفقات، و لا يحول هذا التصور دون الاستعانة بخبراء يكون دورهم استشاريا علما و أن مجموعة من الخبراء قد أبدت رأيها في مسودة الدستور و أن هناك توجه في لجنة التوافقات بالمجلس للأخذ بها . هذا و نذكّر أن التنظيم المؤقت للسلط العمومية قد نص في فصله 24 على ضرورة مصادقة المجلس التأسيسي على قانون أساسي للعدالة الإنتقاليّة، لكنّنا و للأسف نلحظ تغافل مبادرة الرّباعي عنه و عن قوانين أخرى تضمن تصفية تركة النظام السابق و تحول دون عودة نظام الإستبداد و الفساد، تغافل يمكن أن يقرأه البعض على أنّه خروج عن سياق الثورة و هو ما يدفعنا إلى المطالبة بمراجعة الرّزنامة المقترحة لتأخذ بعين الإعتبار ليس فقط المصادقة على الدّستور و تاريخ الإنتخابات بل جملة متطلّبات الإنتقال الديمقراطي التي دافع عنها الإتحاد العام التونسي للشغل و كثير من القوى الحية في القصبة 1 و 2. - في خصوص اشتراط أن تقدم لائحة اللوم من طرف الأغلبية المطلقة من النواب و أن يقع التصويت عليها بأغلبية الثلثين : لا يفوتنا هنا أن نذكر بأن نواب المجلس التاسيسي بمختلف انتماءاتهم السياسية و غيرهم من القوى الحية في البلاد قد خاضوا في هذا الأمر عند وضع القانون المنظم للسلط العمومية ، اذ كان الاقتراح المقدم من طرف الترويكا هو أن سحب الثقة من الحكومة يتم من طرف أغلبية ثلثي النواب . و هذا ما أثار ردود فعل قوية من المعارضة كما أن اعتصام باردو ساعتها ، كانت من مطالبه تغيير هذه القاعدة بقاعدة الأغلبية المطلقة و قام السياسيون من خارج الترويكا بعرض تجارب الدول الأوروبية التي تتفق على أن سحب الثقة يتم بالأغلبية المطلقة ، كما بينوا أن قاعدة سحب الثقة بأغلبية الثلثين لم تعتمد في التجارب المقارنة إلا في بعض الدول الافريقية المتخلفة، و في نهاية الأمر تم التوافق على اعتماد قاعدة الأغلبية المطلقة . إن اتخاذ الموقف ثم تغييره بموقف آخر متناقض مع الأول وفق المصالح الحينية و وفقا للتموقع و دون الاستناد لتصور واضح للديمقراطية أو للانتقال الديمقراطي يكون نابعا من قناعة بما يخدم البلاد، هو مؤشر خطير على سيرنا كتونسيين في اتجاه خلق تقاليد و ممارسات مشوهة للديمقراطية . - في خصوص استقالة الحكومة و تعيين رئيس حكومة مستقل : يرى الحزب أن أداء الحكومة المقترح الاتفاق عليها ، لن يكون بالضرورة أحسن من سابقتها بالنظر أساسا لضيق الوقت ، كما أن حكومة تشكلت في مثل هذه الظروف لن يكون باستطاعتها مواجهة مختلف الضغوط التي قد تسلط عليها و منها الضغوط الاجتماعية، كما أن الاتفاق على اعضائها ليس بالأمر الهين، فماذا لو تم اتفاق على المبدأ ثم وقع الخلاف في أسماء الأشخاص المقترحين ، وهذا احتمال وارد جدا بالنظر لتجربة تشكيل الحكومة الحالية التي استوجبت أشهرا من النقاش كما أنه من المرجح أن يتهم كل المرشحين بعدم توفر شرط الاستقلالية فيهم من هذا الطرف أو ذاك. إن الأولوية اليوم في تونس هي تحسين الوضع الاجتماعي و الاقتصادي و الأمني و الاعداد لانتخابات ، يجب على الجميع العمل على أن تكون نزيهة و على ألا يقع التشكيك فيها و هو ما يقتضى عودة النواب المنسحبين للقيام بواجبهم و وضع الاليات الضرورية لمراقبة تمويل الاحزاب و الجمعيات و مؤسسات الاعلام و ضمان تقيدها جميعا بالقوانين ، كما يجب إحداث تغيير في سلك الولاة و المعتمدين لإعفاء كل المنتمين للأحزاب الحاكمة و إحداث تغييرات على رأس مؤسسات الاعلام العمومي بناء على رأي الهيئة المستقلة للاتصال السمعي البصري و ذلك حتى يثق المواطنون في حياد المؤسسات المعنية وتجنبا لأي تشكيك في انحيازها للحزب الذي عينها . ولا يفوتنا التذكير في الختام بانتظارات شركاء تونس في الخارج والذّين أجمعوا على أنّ مساندتهم للإقتصاد التونسي مرتبطة بتوفير مناخ سياسي مستقر على المدى المتوسّط و بإصدار جملة من التشريعات لتحسين مناخ الأعمال و تحفيز الدّورة الإقتصاديّة. فأمّا الإستقرار السّياسي فلا يمكن أن يتحقّق بسيناريو يفضي إلى فراغ مؤسّساتي تزيد من خطورته هشاشة الوضع الأمني داخليّا و التطورات في دول الجوار و نزوع المتدخّلين إلى تسييس كلّ كبيرة و صغيرة و جنوحهم إلى الخروج عن أطر الديمقراطيّة عبر دعواتهم إلى تقويض مؤسّسات الدّولة و إلى تدخّل الجيش في السلطة المدنية، نزوع نخشى استمراره . و أمّا التشريعات و الإصلاحات المطلوبة و أهمّها يخصّ مجلّة الإستثمارات و المنظومة الجبائيّة و منظومة الدّعم فهي ستحدّد مصير الإقتصاد التونسي للعقود القادمة و سيكون لها أثر مباشر على حياة المواطن اليوميّة و قدرته الشرائيّة و لا يمكن أن يعهد بها إلى حكومة وقتيّة ليست لها أيّة شرعيّة إنتخابيّة و لا يمكن محاسبتها مستقبلا بما أنّها غير متحزّبة. و هنا أيضا لا تعكس التحالفات الحاليّة مواقف الأحزاب من هذه المواضيع كما أنّنا نشكّ أن تكون موضع وفاق بين مكوّنات الرّباعي الرّاعي للحوار و خاصّة منظمتي الشّغالين و الأعراف. و نظرا لكونها محدّدة لمشروع ميزانيّة 2014 بل و ملزمة للسلطة التي ستفرزها الإنتخابات القادمة ، فإنّنا نقترح إدراجها على طاولة الحوار بعد مطالبة الأطراف السياسيّة بتحديد مواقفها مسبقا و في العلن من هذه المسائل و نتمسّك بصلاحيّات المجلس التأسيسي في مراقبة أعمال الحكومة أيّا كان شكلها حتّى يتسنّى للنّاخبين محاسبة من عهدوا إليهم بأصواتهم في الإستحقاقات الإنتخابيّة المقبلة .