بقلم: الأستاذ حامد المهيري - القرآن «تنزيل من الرحمان الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون بشيرا ونذيرا» (فصلت آيات 24) أمر فيه خاتم رسله عليه الصلاة والسلام «عليك البلاغ وعلينا الحساب» (الرعد آية 40). فأفادنا بالعلم النافع، إذ أبلغنا «إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به» (الأحقاف آية 23) فكشف الغطاء عن مراحل خلق الإنسان «ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين، ثم خلقنا النطفة علقة، فخلقنا العلقة مضغة، فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين، ثم إنكم بعد ذلك لميتون إنكم يوم القيامة تبعثون»، (المؤمنون آيات 1216) وأكد «لقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد» (ق آية 16) وحاجج بنعمه بني آدم « وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون» (النخل آية 78) ثم كرر في سورتي السجدة والملك خاتما بقوله تعالى «قليلا ما تشكرون»، ومن نعمه «حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون « (الحجرات آية 7) أي جعل الإيمان أحب الأديان للمؤمنين المخلصين وحسنه حتى اختاروه. وفي هذا رد على القدرية والإمامية وغيرهم، وكره كل ما يخرج عن طاعة الله، وكل ما هو كذب. ووصفهم بالراشدين، أي المتحلين بالاستقامة ونهى عن الإكراه، «لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغيّ» (البقرة آية 256) وحذر خاتم رسله من اتباع سلوك الإكراه «ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله» (يونس آيتان 99100) فكان في واقع الحياة «فمنهم من هدى ومنهم من حقت عليه الضلالة» (النحل آية 36) لأن «ما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور» (آل عمران آية 185) فكان «من الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم» (البقرة آيات 204206) وفي المقابل «من الناس من يشتري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد» (البقرة آية 207) وآخرون وبّخهم الله بأسلوب الاستفهام الإنكاري «أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون» (البقرة آية 44) هؤلاء يأمرون الناس باتباع ما جاء في الكتاب، ويخالفون ذلك بجحدهم لرسالة محمد صلّى الله عليه وسلم. قال ابن جريج: «كان الأحبار يحضون على طاعة الله وكانوا هم يواقعون المعاصي» وقيل «كانوا يحضون على الصدقة ويبخلون» وقال بعض أهل الإشارات «أتطالبون الناس بحقائق المعاني وأنتم تخالفون عن ظواهر رسومها؟» والتوبيخ في الآية بسبب ترك فعل البر لا بسبب الامر بالبر فذم الله في كتابه قوما كانوا يأمرون باعمال البر ولا يعملون بها ومن ابدع ما وصف سلوكهم بالعار ابو الاسود الدؤلي اذ قال: لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم وأبدأ بنفسك فانهها عن غيها فان انتهت عنه فأنت حكيم فهناك يقبل ان وعظت ويقتدى بالقول منك وينفع التعليم اني مع الباحثين المحققين الذين اعتبروا العقل هو العلم لقد قال القاضي ابوبكر «العقل علوم ضرورية بوجوب الواجبات وجواز الجائزات واستحالت المستحيلات» وفي الحديث النبوي «دين المرء عقله ومن لا عقل له لا دين له» روي عن جابر «راس العقل بعد الايمان بالله التودد الى الناس» روي عن ابي هريرة وسلك سماحة الباش مفتي الشيخ الامام محمد المهيري رحمه الله هذا المسلك فقال عن منافع القرآن «نبه العقول وامرها بالنظر والتفكير في هذا الكون وما يظهر فيه من عجائب ظهورا مترقيا مع الايام حسب ترقية العقول والافهام واقام الادلة القاطعة بحكم العقل وما تتولد فيه من حوادث الايام التي جعلها دليلا على وحدانيته وقدراته تعالى وخاطب الشباب بقوله: «اذا كنت خيرا عفيفا قاهرا لنفسك من شهوات السوء، فانت الانسان الكامل العامل بما جاء به القرآن» وقد ساند رايه علماء عالميون فهذا الدكتور «موريس» الفرنسي يؤكد في قوله «إن القرآن افضل كتاب اخرجته القدرة الازلية لبني البشر» وهذا المفكر الانقليزي «وليز» يعترف ان «من نظر في القرآن وجد فيه اراء علمية قانونية اجتماعية فالقرآن كتاب علمي وديني واجتماعي وتهذيبي واخلاقي وتاريخي وكثير من النظم التي جاء بها القرآن يعمل بها في هذا العصر وسيبقى الى قيام الساعة» وفي الحديث النبوي «ان الله تعالى لا ينظر الى أجسامكم وال الى أحسابكم، ولا الى أموالكم، ولكن ينظر الى قلوبكم اليّ اتقاكم» روي عن ابي مالك الاشعري وفي رواية اخرى «إن الله تعالى لا ينظر الى صوركم واقوالكم ولكن ينظر الى قلوبكم واعمالكم» روي عن ابي هريرة ياليت اهل هذا العصر يوقنون بعدما يفقهون قول خالقهم «افمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا اهواءهم» (محمد آية 14) ولكن رغم نعم الله على عباده من سمع وبصر وفؤاد يخبرنا القرآن الكريم بما ذكره الله تعالى «وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وافئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء اذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون (الاحقاف اية 26) يعني قلوبا يفقهون بها فهؤلاء الجاحدون وينضم اليهم الجامدون «لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها» (الاعراف اية 179) فالجاحدون ينكرون دون ان يستخدموا عقولهم لتهديهم والجامدون يتمسكون باجتهادات فكر بشري دون ان تجتهد عقولهم لفهم ما غفل عنه السابقون خصوصا وان القران افادهم «وما أوتيتم من العلم الا قليلا» (الاسراء اية 85) «ومن اصدق من الله قيلا» (النساء اية 122) في الحديث النبوي «العلم حياة الاسلام وعماد الانسان ومن علم علما اتم الله له اجره ومن تعلم فعمل علمه الله ما لم يعلم» روي عن ابن عباس «العلم علمان فعلم في القلب فذلك العلم النافع وعلم على اللسان فذلك حجة الله على بن ادم «اعلم الناس من يجمع علم الناس الى علمه وكل صاحب علم غرثان» روي عن جابر وقد صدق فولتير في قوله «العلم كالارض ولا يمكننا ان نمتلك سوى القليل» ولهذا قيل «العلم كثير والعمر قصير، فخذوا من العلم ارواحه ودعوا ظروفه وصدق «ارسطو في قوله «الجاهل يؤكد والعالم يشك، والعاقل يتروّى». اذا كان القرآن يقول «وفوق كل ذي علم عليم» (يوسف اية 76) واكد خالق الكون وما حوى للناس كافة «سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق» (فصلت آية 53) «أفغير دين الله تبغون وله اسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها واليه ترجعون» (ال عمران اية 83) «اعوذ بالله ان اكون من الجاهلين» (البقرة اية 67) «معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي» (يوسف اية 23) جاء في كتاب خلق الكون بين العلم والايمان للدكتور محمد باسل الطائي «المعرفة الكاملة لدى من هو اكبر من هذا العالم وهذا الكون لدى من هو اقدر واحكم واعلم ذلك الذي لا يحده مكان ولا يستولي عليه زمان وهذا هو الله الحي القيوم الذي ليس كمثله شيء يدبر الامر في السماوات والارض وهو العليم الخبير اما نحن فلسنا سوى عباد نتوسل بما سخره لنا من مكامن في انفسنا وفي خارجها في هذا الكون لكي نصل بمعرفتنا اليه وهذه هي الغاية العظمى التي يريدها الله لنا وإنا لله وإنا اليه راجعون»