ارتفاع عدد أثرياء تونس بعد الثورة بسبب التهريب.. الأسلحة والمخدرات اليوم حداد وطني.. وقبله شهدنا اياما مماثلة حزينة والله اعلم كم من الضحايا سيقدمون فداء للوطن والحرية.. كم سيحزن هذا الشعب وكم سيدفع ثمن امنه وأمانه الارهاب يضرب هنا وهناك يستكين تارة يتراجع أخرى ثم يثب مرات تاركا وراءه ضحاياه.. ورغم العزيمة القوية لرجال الأمن والجيش فإن "دمالة" الارهابيين الذين اختاروا الجبال والأدغال ملجئا تستعصي البقاء والتحدي.. انه كالوجع يسكن برهة فيخال الجسد انه في طريق الشفاء فيكف عن التداوي.. ويتوقف عن العلاج.. لكن سرعان ما يعلن الارهاب عن نفسه فيستفيق الغافلون ويذرف الحكام والمعارضون الدموع وتعم الحيرة الجميع ويطفو على السطح مجددا اسئلة لا جواب لها: من المتسبب في كل هذا؟ ولماذا عجزنا عن محاربة هذا الشيء الذي يسمونه ارهاب؟ من يمول جماعاتهم.. كيف يعيشون ويقتاتون ويتحصلون على السلاح والعتاد؟ الى متى نظل نعد ضحايانا؟ والى اين المصير؟؟ وفاق سياسي مفقود لا يختلف اثنان في ان الوضع العام في تونس مهترئ هش مفتوح على جميع الاحتمالات، ومشهد سياسي يكسوه الضباب وتدثّره الحيرة والقلق والتخبط في المجهول في غياب رؤية سياسية واضحة تنطلق من برامج واولويات بالنسبة للحكومة، وغياب بدائل حقيقية واقعية تقطع مع عبثية الرحيل واقتناص الفرص لضرب الخصوم بالنسبة الى جانب كبير من المعارضة.. وضياع صوت العقل والحكمة او على الأقل خفا صوتها او لم يكن بالقدر الكافي من القوة ليسمع ويقنع.. الى ذلك يزداد المشهد الاجتماعي والاقتصادي أكثر قتامة.. ويزداد الفقر استفحالا والطبقة الوسطى الى زوال واندثار.. متغذيا من حالة اللااستقرار السياسي والأمني التي تسود البلاد.. ورغم مقدمات الحوار الوطني الا انه كان متعثرا ولا ينبئ بتحقق نجاحات كبيرة مع تواصل التجاذبات السياسية من كلا الفريقين حكومة ومعارضة.. لكن لا أحد تحدث عن توحّد الجهود لمكافحة الارهاب والقضاء عليه، او الاجتماع لوضع سياسة أمنية شاملة من روافدها تنمية الاقتصاد وتحصين المجتمع من الفقر والآفات والهزات وجمع الموارد لتأمين الحدود وسد الثغرات طبقة وسطى في تآكل ففي الوقت الذي تتثاقل فيه خطى الوفاق السياسي المنشود، وتتعطل معه جهود مكافحة الارهاب.. ويتبادل الفرقاء السياسيون لكمات اللوم والاتهام.. يطل علينا خبراء الاقتصاد منبهين من تراجع الاقتصاد الوطني وحلول الكارثة.. محذرين من تآكل الطبقة الوسطى التي شقت طريقها الى الاندثار منذ اشهر عدة، وانضمت نسبة منها الى طبقة الفقراء.. وتقدر نسبة الفقراء اليوم في تونس بحوالي 43 بالمائة وذلك باحتساب دخل يومي يقدر ب6.5 دينار للفرد الواحد.. حسب دراسة اعدها المركز التونسي للدراسات الاقتصادية والاجتماعية الذي يشير الى ان نسبة الطبقة الوسطى في تونس هي الآن اقل من70 بالمائة بكثير. ويعزى تآكل الطبقة الوسطى ارتفاع نسبة التضخم التي استقرت مؤخرا في مستوى 5.9 بالمائة بعد ان كانت لا تتجاوز 3 بالمائة قبل ثلاث سنوات.. تحملت الطبقة الوسطى التي ينظر اليها عادة في منظور الاقتصاديين كمحرك قوي للاستهلاك والاقتصاد المحلي وعامل استقرار اجتماعي للبلاد.. تبعات ازدهار التجارة الموازية بعد الثورة التي تضرر منها آلاف التجار الصغار والمؤسسات الصغرى، كما ارتفعت نسبة القروض الاستهلاكية التي يقبل عليها الأجراء من الطبقة الوسطى بنسبة 22 بالمائة خلال سنتين كما امتص التضخم المالي وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية القدرة الشرائية للأجراء، علما ان أكثر من 60 بالمائة من الطبقة الشغيلة يشتغلون بالقطاع الخاص غير الفلاحي ولم تتطور اجورهم الا بنسبة 2.53 بالمائة نهاية 2012.. لم تنفع تحذيرات المؤسسات المالية الدولية على غرار صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وصيحات الخبراء الاقصاديين ورجال الأعمال ولا مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية من تضرر الاقتصاد الوطني بشكل تصاعدي منذ 2011 وربطوا ذلك بضرورة اجراء تغييرات هيكلية جذرية على الاقتصاد لكن ايضا العمل على ارساء الاستقرار السياسي والأمني الذي -وللأسف- لم يتحقق بعد بالشكل المطلوب.. مما يعيق كثيرا اقبال المستثمرين الأجانب وعودة النمو للاقتصاد الوطني بشكل قوي واعتيادي زيادة عدد الأثرياء بسبب التهريب والأسلحة المفارقة ان تونس حلت في المركز الأول في المغرب العربي في تقرير2013 الخاص بأثرياء العالم وتوزيع الثروة الصادر عن مؤسسة "ويلث اكس" بارتفاع في عدد الأثرياء قدرت نسبته ب16.2 بالمائة مقارنة بالسنة الماضية ويعود ارتفاع عدد الأثرياء في تونس ما بعد الثروة حسب خبراء وباحثين في الاقتصاد، إلى الاقتصاد غير المنتظم والذي انتشر في الأعوام الأخيرة نظرا إلى قلة المراقبة على الحدود التونسية الجزائرية والتونسية الليبية مما أدى إلى تنامي ظاهرة تهريب الأسلحة إلى جانب تهريب المخدرات والمنتوجات الصينية.. واعتبر خبراء في الاقتصاد ورجال اعمال ومنهم نافع النيفر رئيس اللجنة الاقتصادية باتحاد الصناعة والتجارة ان 10 بالمائة على الأقل من عائدات الطبقة الوسطى ستتبخر اذا ما تم تنفيذ أحكام جديدة في مشروع قانون المالية للسنة المقبلة على اعتبار ان هذا المشروع تضمن احكاما ترتبط مباشرة بالمواطن التونسي وسيكون لها انعكاسات سلبية على منظومة الاستهلاك وستساهم في تفقير الطبقة الوسطى ويرى جلال الدين بن رجب مدير عام معهد الاحصاء في تصريح ورد بجريدة "المغرب" ان القضاء على الفقر المدقع الذي بلغت نسبته 4.6 بالمائة يتطلب توفير قرابة 7 مليار دينار للقضاء عليه.. وقال ان نسبة الفقر ارتفعت مع النسق التصاعدي الذي شهدته الأسعار بعد الثورة مرجحا انخفاضها في ظل النسق التنازلي الذي تشهده الأسعار حاليا، حسب قوله يبلغ عدد العائلات المعوزة المستفيدة من التدخلات الاجتماعية 235 الف عائلى تتمتع بملغ دون خط الفقر وهو ما لا يمكنها من الخروج من الفقر كما تساهم في اثقال كاهل الدولة.. ويقترح بن رجب مراجعة تقديم الاعانات ورفع نسبة النمو التي تساهم في تقليص نسبة البطالة وتحسين الأجور ورفع نسق الاستثمار وربط الاعانات بخدمات يقدمها المنتفعون القادرون عن العمل.. تشير بيانات المعهد الوطني للإحصاء أن نسبة الفقر في تونس تراجعت إلى مستوى 15.5 في المائة مقابل 23.3 في المائة سنة 2005 و32.4 في المائة سنة 2000 وذلك انطلاقا من نتائج المسح الثلاثي الذي يقوم به المعهد لكن مع ذلك فإن نسبة الفقر ما تزال عالية، ويهدد الوضع السياسي غير المستقر وتأرجح الاقتصاد وغياب ممولين دوليين مستعدين لإقراض تونس باستثناء صندوق النقد او ضمان الولاياتالمتحدةالأمريكية.. بانعكاس الأزمة على الطبقة الكادحة والطبقة الوسطى من الأجراء واصحاب الأعمال الحرة.. فضلا عن استمرار غياب رؤية أمنية وسياسية واضحة لمحاربة الارهاب واستئصاله من جذوره.. مما قد يساهم في تواصل تخوف المستثمرين وتعطل الدورة الاقتصادية ويزيد في ضبابية المشهد السياسي