بقلم: الأستاذ حامد المهيري - سألتني قاضية موقرة عن مدلول «عدوا لكم» في الآية «يا أيها الذين آمنوا إن في أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم» (التغابن آية 14) فوجدت في تفاسير المفسرين أن المقصد «عدواة أخروية» لأن تأثير ذلك يتشخص في الميل إلى الأزواج والأولاد حبا وشفقة السرور على طاعة الله. فقد نزلت الآية في عوف بن مالك الأشجعي، كان ذا أهل وولد، وكان إذا أراد الغزو بكوا إليه ورققوه فقالوا: إلى من تدعنا؟ فيرق فيقيم.نزلت بالمدينة وروى الترمذي عن ابن عباس، سأله رجل عن هذه الآية. قال: هؤلاء رجال أسلموا من أهل مكة وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأبى زواجهم واولادهم ان يدعوهم ان ياتوا النبي صلى الله عليه وسلم فلما اتوا النبي صلى الله عليه وسلم، رأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوهم فأنزل الله تعالى الآية...» قال القاضي أبو بكر بن العربي «هذا يبين وجه العداوة فإن فإن العدو لكم لم يكن عدوا لذاته واما كان عدوا بفعله فاذا فعل الزوج والولد فعل العدو كان عدوا.. ولا فعل أقبح من الحيلولة بين العبد وبين الطاعة. وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن الشيطان قعد لابن آدم في طريق الإيمان، فقال له: أتؤمن وتذر دينك ودين أبائك؟ فخالفه فآمن ثم قعد له على طريق الهجرة، فقال له: أتهاجر وتترك مالك وأهلك؟ فخالفه فهاجر؟ ثم قعد له على طريق الجهاد. فقال له: أتجاهد فتقتل نفسك فتنكح نساؤك، ويقسم مالك فخالفه فجاهد فقتل فحق على الله ان يدخله الجنة» اخرجه النسائي وعود الشيطان ؟ يكون بوجهين: أحدهما يكون بالوسوسة والثاني بأن يحمل على ما يريد من ذلك الزوج والولد والصاحب. والمقصد من قوله تعالى: «فاحذروهم» معناه على أنفسكم والحذر على النفس يكون بوجهين إما لضرر في البدن، وإما لضرر في الدين، وضرر البدن يتعلق بالدنيا، وضرر الدين يتعلق بالآخرة: فحذر الله سبحانه العبد من ذلك وأنذره به». والمقصد العام لإطاعة في معصية الله. جاء في الحديث النبوي «يأتي زمان على أمتي، يكون فيه هلاك الرجل على يد زوجه وولده، يعير أنه بالفقر فيركب مراكب السوء فيهلك». فالآية كانت تنبيها للمسلمين لأحوال في عائلاتهم قد تخفي السرور ليأخذ واحذرهم، وهذا هو المناسب لما قبل الهجرة كان المسلمون بمكة ممتزجين مع المشركين بو شائج النسب والصهر والولاء فلما ناصبهم المشركون العداء لمفارقتهم دينهم، وأضمروا لهم الحقد وأصبحوا فريقين كان كل فريق غير خال من أفراد متفاوتين في المضادة تبعا للتفاوت في صلابة الدين، وفي أواصر القرابة والصهر. وقد بلغ العداء إلى نهاية طرفه فتندحض أمامه جميع الأواصر، فيصبح الأشد قربا أشد مضرة على قريبه من مضرة البعيد فأيقضت هذه الآية المؤمنين لئلا يغرهم أهل قرابتهم فيما توهم من جانب غرورهم فيكون ضرهم أشد السرور وفي هذا الإيقاظ مصلحة للدين وللمسلمين، ولذلك قال تعالى «فاخذروهم» ولم يأمر بأن يضروهم واعقبه بقوله «وان تعفوا وتصفحوا وتغفروا فان الله غفور رحيم» (التغابن آية 14) جمعا بين الحذر وبين المسالمة وذلك من الحزم» حسب ما ورد في تفسير التحرير والتنوير لسماحة الامام الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور رحمه الله. ويضيف «والاخبار عن بعض الازواج والاولاد بانهم عدو يجوز ان يحمل على الحقيقة فان بعضهم قد يضمر عداوة لزوجه، وبعضهم لابويه، من جراء المعاملة بما لا يروق عنده مع خباثة في النفس وسوء تفكير فيصير عدوا لمن حقه ان يكون له صديقا، ويكثر ان تأتي العداوة من اختلاف الدين ومن الانتماء الى الاعداء، ويجوز ان يكون على معنى التشبيه البليغ، اي كالعدو في المعاملة بما هو من شأن معاملة الاعداء كما قيل في المثل «يفعل الجاهل بنفسه ما يفعل العدو لعدوه» وهذا من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه» ثم يقول «المقصود من التحذير التوقي وأخذ الحيطة لابتداء المؤاخذة ولذلك قيل «الحزم سوء الظن بالناس» اي لكن دون ان يبني على ذلك الظن معاملة من صدر منه ما ظننت به قال تعالى «ان بعض الظن إثم» (الحجرات آية 12) وقال «ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين» (الحجرات آية 6) (انظر تفاسير: الجامع لاحكام القرآن للقرطبي، والتحرير والتنوير لسماحة الامام الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور والتفسير المنير للدكتور وهبه الزحيلي) قال الشيخ محمد حسنين الغمراوي في كتابه «الغرائز وعلاقتها بالتربية» «لو ان الناس تحابوا لتعاونوا على مناجزة الاعداء، بهمة قسعاء، لكنهم اختلفوا في المشارب والاهواء، وسلوا على انفسهم سيف القضاء، «ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم» (هود ايتان 118 119) وكلما زادوا حضارة وعلما، زاد التنازع بينهم فتكا ونقضا وهدما» من طبع البشر ان الانسان يحب ابناءه لانه يتوقع منهم المساعدة اذا قدروا على الكسب، واضناه الكبر، فالمحبة قائمة على المصلحية وحب الانسان لاخوانه مدفوع بعامل المبادلة في المنافع وهذا الحب المؤقت يبقى ما بقيت المصلحة، قبل: إن رجلا جمع ابناءه الثلاثة واعطى احدهم خبزا والثاني ادما، والثالث فاكهة، ورخص لهم في الفسحة معا، فتطلع كل منهم الى ما بيد اخويه، واتفقوا على ان قسم كل منهم نصيبه أثلاثا، يبقى الثلث لنفسه ويبادل اخويه في الثلثين الاخرين، فتم لكل واحد منهم انصبة متعادلة من الخبز، والأدم والفاكهة، ولولا هذا النفع المتبادل ما اتفقوا. وهذا المثل صالح للمجتمعات قال تعالى «يا أيها الناس انا خلقنا كم من ذكر وانثى وجعلنا كم شعوبا وقبائل، لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم» (الحجرات آية 13) فاذا كان التعامل سواء داخل الاسرة او في المجتمع، او في مجتمعات العالم يقوم على اساس الرفق واللين يحصل النفع والاتفاق بفضل المجادلة بالتي هي احسن كما امر الخالق الخبير ببواطن نفوس عباده» (وجادلهم بالتي هي احسن» (النحل اية 125) وتجلب هذه المعاملة المحبة، اما اذا اجريت المعاملة بالفظاظة والغلظة فتتولد الكراهية والبغض، وقد نهاك الله خاتم رسله بقوله «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر» (آل عمران 159) إذن الواجب يفرض الانتباه جيدا الى نمط عيش كل فرد وكل اسرة، وكل مجتمع دون الانحراف عن واقعه المكاني والزماني فالرسول محمد خاتم الرسالات صلى الله عليه وسلم وجه وصية لكل الاجيال «انتم اعلم بامر دنياكم» رواه مسلم عن انس وعائشة وقال علي بن ابي طالب متوجها للوالدين «لا تجبروا اولادكم على اخلاقكم لانهم خلقوا لزمان غير زمانكم» وقال ابو حفص النيسابوري «لكل وقت أدب، فمن لزم اداب الاوقات بلغ مبلغ الرجال» وفي الحديث النبوي «الجمال صواب القول والكمال حسن الفعال بالصدق» فالخلاصة ان العداوة هي نتيجة حتمية تتولد من الكراهية والبغض والكراهية والبعض هي نتيجة حتمية سببها الظلم والعنف والفظاظة والغلظة أي الشدة ولهذا لن تزهق العداوة الا اذا زهق الباطل وينتصر الحق على الباطل وتقع المعاملة بالترغيب عوض الترهيب حتى تحل الفضيلة محل الرذيلة والرشد محل الغي، والرفق محل العنف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله تعالى رفيق يحب الرفق، ويعطي عليه ما لا يعطي عن العنف» روي عن ابي هريرة وعلى وغيرهما صحيح العداوة التي وردت في اية سورة التغابن هي وصف لحدث تاريخي وقع على ارض الواقع لكن هو ايضا تنبيه كما أشار سماحة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور رحمة الله من حصول حالات داخل العائلات تكون سببا في حصول انحراف عن سبيل الله الحميد فالحذر من الوقوع في مثل هذه الحالات المذمومة قصد الوقاية والتحصن من حصول ما لا يحمد عقباه من حيث لا يشعر الغالي في موقفه غلوا يقذف بصاحبه في الضلال والخسران المبين فالعائلة المؤهلة التي يحق لها ان تكون أهلا طيبا يؤنس ولا ينفر هي القائمة على أساس الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة والجدل بالتي هي احسن وتتوفر فيها الطمانينة والسكينة لا ظلم لاحد أفرادها ولا هضما يتعاشر افرادها بالمعروف والمودة والرحمة واللطف والرفق والاحترام المتبادل لتوفير الامن والامان ولن يتم هذا الا اذا التزم الناس بقول الله تعالى «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله» (المائدة اية 2) وذلك بالمعاشرة بالمعروف وادخال السرور في نفس كل فرد من افراد العائلة وكما قال رسول الله صلى الله عليه و:بشروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا» رواه البخاري ومسلم واحمد والنسائي عن انس قال معاوية «النبل هو الحلم عند الغضب والعفو عند المقدرة وفي الحديث النبوي «اذا قدرت على عدوك فاجعل العفو شكرا للقدرة عليه» قيل «من كتم غيظه فقد حلم ومن حلم فقد صبر ومن صب فقد ظفر»