باندفاع تلقائي أو بترتيب مسبق وجدت المؤسسة التربوية نفسها مقحمة في معمعة الأحداث وتطورات الوضع العام الذي تعيشه البلاد هذه الأيام غادرت على إثره جموع التلاميذ في عدد من المؤسسات التعليمية مقاعد الدرس للاحتشاد بالشوارع تنديدا بالإرهاب والعنف المستشري أو للمشاركة في تشييع جثامين شهداء الحرس الوطني إلى مثواهم الأخير بعدد من الجهات. ولكن أيضا للمشاركة في المسيرات السياسية المنادية برحيل الحكومة وكان الإرباك جليا داخل المؤسسات التربوية. وألقت أجواء الاحتقان والهلع والحزن المسيطرة على الشارع التونسي وعلى الرأي العام بظلالها على هذه الفضاءات لتزيد حادثة مطاردة إحدى السيارات المشبوهة وإطلاق النار على أحد أفرادها بالقرب من المدرسة الاعدادية بحي النصر بأريانة أمس من تغذية حالة الفزع والتوجس التي انتابت تلاميذها لاسيما بعد رواج أخبار عبر شبكات التواصل الاجتماعي عن اقتحام الإعدادية. ورغم تكذيب وزارة التربية للخبر فقد حصّل ما في الصدور وبادر التلاميذ بالمغادرة وهرول الأولياء لإخراجهم وقد كان لهذه الحادثة صدى مباشرا في بقية المؤسسات التربوية خاصة أنها تزامنت مع الإضراب الاحتجاجي الذي دعت له نقابة التعليم الأساسي مساندة للأمنيين وتنديدا بالإرهاب وخروج المربين في مسيرات باتجاه الفضاءات الأمنية، ما دفع بعدد من مديري المدارس الابتدائية إلى دعوة أولياء التلاميذ لتسلم أبنائهم وتعليق الدروس من العاشرة إلى منتصف النهار بالنسبة للأقسام التي يشارك مدرسوها في الإضراب.وقد زادت هذه الدعوات من حالة الهلع والاحتقان في صفوف الأولياء الذين لم يكونوا على علم بقرار الوقفة الاحتجاجية للمربين وجالت بأذهانهم أسوأ السيناريوهات في ظل تواتر الأحداث الأليمة والعصيبة هي إذن حالة وجع ومرارة وذهول تلك التي تسود الشارع التونسي لم تكن المؤسسة التعليمية بمنأى عنها. وكيف لها أن تنغلق على نفسها وتوصد أبوابها دون تصاعد وتيرة مجريات الأحداث باعتبارها جزءا من المشهد العام تتأثر به وتؤثر فيه في خضم أجواء التوتر والغليان حينا والهدوء المشوب بالحذر أحيانا بالوسط المدرسي نعتقد أنه كان أجدى بوزارة التربية إلى جانب دعوتها إلى عدم تسييس المؤسسة التربوية وعدم الزج بالمدرسة في أتون الأحداث السياسية الجارية أن تشجع على تنظيم حوارات ونقاشات مع التلاميذ داخل المدارس ابتدائية كانت أم ثانوية بإدارة المربين. وأن تكون بعض حصص الدرس إطارا لمناقشة موضوع الإرهاب الذي كشّر عن أنيابه في ربوعنا وفسح المجال للتلاميذ للتعبير عن آرائهم وطرح تساؤلاتهم بكل حرية وتلقائية. وإقامة حوار تفاعلي يتناول بعمق ولكن بأسلوب مبسط وحيادي مستجدات الوضع بعيدا عن التوجيه الإيديولوجي والتوظيف السياسي. والعمل على إشاعة ثقافة التسامح والحياة بدل ثقافة الدم والموت والخراب. وغرس مبادئ تقبّل الآخر واحترام رأيه مهما كان مختلفا بعيدا عن ردود الفعل العنيفة والتكفيرية والإقصائية.. بالحوار فقط وبتطارح الأفكار وجعل التلميذ في قلب العملية الحوارية والتربوية وطرفا محوريا في حلقات النقاش لا سيما زمن الأحداث والأزمات يمكن أن نبني جيلا تلمذيا واعيا يعي كيف يتفاعل مع محيطه العام لا أن ينساق بإرادته أو بتحريض من هذه الجهة أو تلك في الحراك القائم. وفي محاولات الاستقطاب. فأي مانع إذن من الحديث عن الإرهاب وسبل حماية وطننا من شره داخل المدرسة؟ وما المانع من التحاور مع التلاميذ حول محاذير ومخاطر الانزلاق في الفكر المتطرف مهما كانت توجهاته خلال حصص التربية المدنية أو خارج إطار الدرس..؟ إنّ إعادة منابر الحوار إلى البيت التربوي ودعم التواصل والإصغاء إلى التلميذ في أي شأن كان بات ضرورة ملحة اليوم حتى لا تكون مصادر معلوماته حكرا على شبكات التواصل الاجتماعي بغثها وسمينها فهل تشهد السنة الدراسية الحالية انطلاقة حقيقية لحلقات الحوار المدرسي أم أنها على شاكلة الحوارات السياسية الوطنية ستتعثر وتتأجل وتقبر في مهدها؟