مرة أخرى تعود مسألة قضية الجولان التي استولت عليها إسرائيل خلال حرب جوان 1967، ولم يستطع الجيش السوري استعادتها في حرب أكتوبر 1973 رغم الخسائر الفادحة التي ألحقتها بالقوات الإسرائيلية إلى واجهة الأحداث السياسية والإعلامية، خاصة بعد تأكيد الرئيس السوري بشار الأسد في تصريح له أن رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان قد أبلغه رسالة تؤكد أن تل أبيب مستعدة للانسحاب من الجولان مقابل السلام وهو ما يعني أن هناك مفاوضات ربما ستجري في الأفق القريب، وأن الدولة العبرية قد استجابت على ما يبدو هذه المرة للشرطين السوريين أولهما أنها جادة في التفاوض والتوقف عن التصريحات التي توحي بعكس ذلك، وثانيهما استعدادها الكامل للانسحاب من دون قيد أو شرط. في الواقع إن عودة قضية الجولان إلى مسرح الأحداث السياسية والإعلامية ليس بالأمر المستجد وهي ليست المرة الأولى التي تعلن فيها الدولة العبرية عن رغبتها في السلام مع سوريا، فقد مرت المفاوضات بين الطرفين بمحطات شاقة وطويلة بدءا من توقيع الطرفان في 31 ماي 1974 اتفاق فك الارتباط، إلى مؤتمر مدريد في نوفمبر 1991 بين إسرائيل وكل من سوريا ولبنان والأردن والفلسطينيين والذي أكّد على مبدإ الأرض مقابل السلام وعلى قرارات مجلس الأمن 242 و338 و425 لتنهار المحادثات في النهاية بعد أن بدت الدولة العبرية غير مستعدة للانسحاب الكامل من الهضبة ونيتها الاحتفاظ بمساحات قرب بحيرة طبريا وهو ما يعني أن إسرائيل لم تكن جادة في التسوية مع الدول العربية ذات العلاقة. ... ورغم أنّ لقاء الرئيس الرّاحل حافظ الأسد بالرئيس الأمريكي بيل كلينتون بجينيف في مارس 2000 كان الهدف منه بحث مسألة استئناف المفاوضات ودفع جهود السلام، إلاّ أنّ الإدارة الأمريكية كانت مثلما تعودناها دائما منحازة إلى الطرف الإسرائيلي فقد رفض كلينتون ممارسة أية ضغوط على رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت إيهود باراك تلزمه بالانسحاب الكامل من الاراضي السورية هذا إلى جانب الخلاف السوري الاسرائيلي بشأن تعريف حدود شواطئ بحيرة طبريا والتفسير المتباين لقراري مجلس الأمن رقمي 242 و338 ورهن تل أبيب الدائم لأية مفاوضات مع دمشق بأن تتوقف عن دعم ما تسميه ب«المنظمات الارهابية» في إشارة إلى الفصائل الفلسطينية المقيمة في سوريا وإلى حزب الله وقطع علاقاتها مع إيران. ... واعتمادا على ما سبق من فشل ذريع لكل محطات المفاوضات وجهود الوساطة طيلة أربعة عقود فإن إعلان أفريل 2008 عن استعداد إسرائيل للانسحاب من الجولان قد لا يعدو أن يكون سوى مجرد رقم في التاريخ يضاف إلى رفوف الخزائن والمدونات ليبقى مجرد حبر على ورق وليؤكد مرة أخرى أن الأجندة السياسية للدولة العبرية لا تؤمن في الواقع بأيّ سلام عادل وهي غير جادة بالمرة في إعادة الحقوق لأصحابها وعلى الأرجح أن مثل هذه التصريحات هنا وهناك لا تعدو أن تكون سوى مجرد بالونات اختبار تطلقها تل أبيب لكسب مزيد من الوقت وربما هي مجرد تبييض لصورتها الرمادية التي لا تعكس ما تبطنه ليظل هاجسها الرئيسي رفض كل يد ممدودة للسلام العادل وإجهاضها المستمر لأيّة خطة تسوية يمكن أن تؤسّس لغد أفضل يجنّب المنطقة شبح الحرب المستمر خاصة في ظل انخرام موازين القوى وترهل الواقع العربي الحالي.