شن الموظفون في أغلب القطاعات الحساسة في الدولة في المدة الاخيرة موجة من الاضرابات الجديدة التي طالت هذه المرة القباضات المالية وعمادة المهندسين بالاضافة الى تحركات اجتماعية في عدد من ولايات الجمهورية احتجاجا على تردي الاوضاع وغلاء المعيشة، ويأتي ذلك في وقت يستعد فيه وفد رفيع المستوى من الحكومة للتحول الى واشنطن لعرض برنامج الاصلاح الاقتصادي على انظار صندوق النقد الدولي. ونفذ اعوان المالية بالقباضات ومكاتب الاداءات في كامل الجمهورية اضرابا عن العمل لمدة 3 ايام ابتداء من أول امس ، احتجاجا على عدم صرف مستحقاتهم المالية حيث تم التخفيض من قيمة المنحة السنوية دون سند قانوني رغم تسجيل تطور على مستوى المداخيل الجبائية حسب ما افاد به كاتب عام الفرع الجامعي للتخطيط والمالية بصفاقس سليم الزغل في تصريحات اعلامية. اضراب القباضات المالية كما من المنتظر أن ينفذ اعوان القباضات المالية ومكاتب الاداءات بنفس إضرابا يومي 3 و4 ماي القادم ، تزامنا مع بدء مفاوضات الوفد الحكومي مع ممثلي صندوق النقد الدولي ، ما يضع الحكومة بأكملها في موقف محرج، خصوصا وان أحد مطالب الصندوق هدنة اجتماعية وخلق مناخ آمن لعودة حركة الاقتصاد الوطني الى سالف عهده، بالاضافة الى تنفيذ خطة اجتماعية طارئة للنهوض بالفئات الهشة وتوجيه الدعم نحو مستحقيه. بدورها اطلقت عمادة المهندسين حركات احتجاجية، بسبب تراجع رئيس الحكومة عن اتفاقها مع العمادة بشان الزيادات الخصوصية التي طالب بها المهندسون، والتي لا تتعدى ربع او نصف قيمة الزيادات التي تم سحبها على قطاعات أخرى مشابهة لقطاع المهندسين. ورغم ما وصفته عمادة المهندسين بالهرسلة التي يتعرض لها اهل القطاع من قبل عدد من الرؤساء المديرين العامين ، والتلويح باقتطاع ايام الاضراب من رواتبهم ، فإنها واصلت الحركات الاحتجاجية للأسبوع الرابع على التوالي ، والذي شهد التحاق بقية العاملين في المجال كالمهندسين المستشارين والمهندسين العاملين في الوظيفة العمومية ومكاتب الدراسات. تواصل اضراب عمادة المهندسين والنقل البري وجددت عمادة المهندسين موقفها من الاضراب، امس، بالقول ان الهدف ليس الحصول على المنحة الخصوصية في حد ذاتها بل تعزيز مكانة وموقع المهندس خاصة بعد تسجيل تولي اشخاص ليست لهم أي دراية بالمجال الهندسي تسيير مؤسسات تقنية بما تمثله العملية من مخاطر على الاقتصاد الوطني، منبهة من خطر تواصل غياب المهندس على سير دواليب مؤسسات الدولة ، وما قد ينجر عنه ذلك من كوارث بشرية بسبب قلة الخبرة وغياب الكفاءة. كما يواصل أعوان الوكالة الفنية للنقل البري اضرابهم الذي انطلق منذ يوم 8 افريل الجاري ، رغم لجوء الإدارة إلى الية التسخير، حيث يسجل جميع الموظفين حضورهم دون عمل في انتظار التوصل لحل للأزمة الراهنة ، معربين عن استعدادهم لاستئناف العمل بعد عقد جلسة تضمن حقوقهم، وذلك بسبب تنكر سلطة الإشراف لمطالبهم منذ سنوات. وكانت الإدارة العامة للوكالة الفنية للنقل البري، قد قررت تسخير عدد من اعوانها واطاراتها لتأمين الحد الادنى من النشاط بجميع مصالحها المركزية والجهوية، والتمديد في صلوحية شهائد الفحص الفني ابتداء من تاريخ 8 افريل 2021 لمدة شهر واحد انطلاقا من تاريخ انتهاء صلوحيتها. ويشار إلى أن اضراب أعوان الوكالة أدى الى تعطل امتحانات رخص السياقة النظرية والتطبيقية والمعاينة والفحص الفني بمختلف الولايات منذ قرابة أسبوعين مما أثار استياء المواطنين. كما شنت عدة نقابات وتنسيقيات عمالية جهوية سلسلة من الإضرابات والاحتجاجات مؤخرا ، تنديدا بالأوضاع الاجتماعية والمهنية المتردية، وسياسة "المماطلة" التي تنتهجها الحكومة في الإيفاء بوعودها، في وقت ترزح فيه البلاد تحت أزمة اقتصادية وسياسية لم تعرفها منذ الاستقلال، عمقت آثارها جائحة فايروس كورونا المستجد. تحركات احتجاجية عشوائية وتعيش أغلب الولاياتالتونسية على وقع تحركات احتجاجية عشوائية واضطرابات غير مسبوقة شلت قطاعات حساسة من المستشفيات ومؤسسات المحروقات والفسفاط والنقل، وزادت هذه التحركات من حدتها، وخرج اغلبها عن سيطرة النقابات والأحزاب، وتسببت في إرباك السلطات ، وعمقت ازمة جائحة كوفيد-19 من حدتها، ما دفع بالخبراء الى التحذير مجددا من هذه الاضطرابات الاجتماعية العنيفة والواسعة، خاصة وأنها ستزيد المشهد السياسي تعقيداً وتشل المزيد من مؤسسات الحكم، في الوقت الذي تمر فيه البلاد بضائقة مالية غير مسبوقة. وتتالت التحذيرات في الآونة الاخيرة من داخل البرلمان ووسائل الإعلام من أن تكون الاضطرابات العنيفة والفوضوية والشاملة التي تشهدها تونس منذ أسابيع مؤشراً يؤدي إلى انهيار العديد من مؤسسات الدولة، وازدادت المخاوف في ظل احتدام الخلاف بين رئاسة الجمهورية والحكومة من جهة والبرلمان من جهة اخرى. وقال رئيس الحكومة هشام مشيشي، امس، إن الحكومة بصدد وضع مخطط طارئ لإنقاذ الاقتصاد الوطني من خلال الحوار مع الأطراف الاجتماعية وتكثيف المشاورات مع الشركاء الدوليين، داعيا الأطراف المتسببة في الأزمة السياسية إلى التعقّل نظرا إلى أن البلاد لا تتحمل المزيد من الاختلالات والانكباب على انعاش الاقتصاد المنهار، مشددا على أن الوضعية المالية للبلاد باتت صعبة للغاية بسبب التراكمات وتأخر الإصلاحات ، وتفشي وباء كورونا. وكشف من جهة أخرى أن وفدا حكوميا سيتحول إلى واشنطن للتفاوض مع الشركاء الدوليين ، وتنظيم لقاءات مع المستثمرين التونسيين ورجال الاقتصاد من أجل تنفيذ برنامج الاصلاح الاقتصادي الذي وضعته الحكومة في الاونة الاخيرة. الحكومة في موقف محرج وفي ظل عجز مالي بلغ 11.5 في المائة العام الماضي، ودين عام تجاوز 90 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع كتلة الاجور الى أكثر من 20 مليار دينار هذا العام، من إجمالي ميزانية البلاد البالغة 52 مليار دينار ، فإن الوضع أصبح حرجا للغاية، ويحتاج الى حلول عملية وفورية حسب الخبراء الدوليين، علما وان تونس تحتاج في 2021 قروضاً بنحو 19.5 مليار دينار، تشمل قروضاً أجنبية بحوالي 5 مليارات دولار ، بالاضافة الى توجهها نحو تسديد قرابة 16 مليار دينار ديون مستحقة، وهو أعلى مستوى بلغته تونس منذ عقد من الزمن. وتشهد البلاد ضائقة اقتصادية غير مسبوقة مع عجز مالي وانكماش اقتصادي بلغ 8.8% العام الماضي، ويتوقع الصندوق أن يتعافى نمو إجمالي الناتج الخام لتونس بتسجيل 3.8% نسبة نمو مع موفى 2021 ، وذلك في حال نجحت الحكومة في تطويق جائحة كورونا، علما وانها واجهت ضغوطا سابقة من صندوق النقد الدولي للشروع سريعا في عدد من الإصلاحات التي وصفت بالموجعة، وأبرزها مطلب احتواء كتلة الأجور، وتقليص النفقات الحكومية ، واصلاح المؤسسات العمومية ومراجعة منظومة الدعم وتخفيضها ، والحد من دعم الطاقة لتقليص العجز المالي. ومن المنتظر ان تنطلق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي يوم الاثنين 3 ماي 2021 بمقره بالولاياتالمتحدةالامريكية ، وسيمثل تونس في هذه المفاوضات محافظ البنك المركزي مروان العباسي، في حين سيجري وزير المالية علي الكعلي مفاوضات مع البنك الدولي واطلاعه على برنامج الاصلاحات المزمع تنفيذه من قبل الحكومة التونسية، علما وان ظروف اجراء هذه المفاوضات تستدعي اخماد شرارة الاضرابات التي طالت قطاعات حساسة في الدولة.