سعيد لماكرون: توافد عدد من المهاجرين غير النظاميين من جنوب الصحراء أمر غير طبيعي    مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح    "تيك توك" تفضل الإغلاق في أميركا إذا فشلت الخيارات القانونية    ماكرون: هناك احتمال أن تموت أوروبا    مع عودة التحكيم الأجنبي.. تعيينات حكام الجولة 5 "بلاي أوف" الرابطة الاولى    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    هذا فحوى لقاء رئيس الجمهورية بمحافظ البنك المركزي..    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    سليانة .. رئس الاتحاد الجهوي للفلاحة ...الثروة الغابية تقضي على البطالة وتجلب العملة الصعبة    ماذا في لقاء سعيد برئيسة اللجنة الوطنية الصلح الجزائي..؟    اليابان تُجْهِزُ على حلم قطر في بلوغ أولمبياد باريس    سوسة.. دعوة المتضررين من عمليات "براكاجات" الى التوجه لإقليم الأمن للتعرّف على المعتدين    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    حركة النهضة تصدر بيان هام..    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    تراجع الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    منوبة.. الإطاحة بمجرم خطير حَوّلَ وجهة انثى بالقوة    برنامج الجولة الأولى إياب لبطولة الرابطة الاولى لمحموعة التتويج    اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه في زرمدين: القبض على الفاعل الرئيسي    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    البطلة التونسية أميمة البديوي تحرز الذهب في مصر    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث عدد الباحثين    وزير الشباب والرياضة يستقبل اعضاء فريق مولدية بوسالم    قرابة مليون خبزة يقع تبذيرها يوميا في تونس!!    سليانة: أسعار الأضاحي بين 800 دينار إلى 1100 دينار    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    باجة: تهاطل الامطار وانخفاض درجات الحرارة سيحسن وضع 30 بالمائة من مساحات الحبوب    رئيس الجمهورية يتسلّم أوراق اعتماد سفير تونس باندونيسيا    الرئيس الفرنسي : '' أوروبا اليوم فانية و قد تموت ''    الڨصرين: حجز كمية من المخدرات والإحتفاظ ب 4 أشخاص    الحمامات: وفاة شخص في اصطدام سيّارة بدرّاجة ناريّة    خدمة الدين تزيد ب 3.5 مليارات دينار.. موارد القطاع الخارجي تسعف المالية العمومية    عاجل : دائرة الاتّهام في قضايا الفساد المالي ترفض الافراج عن وليد جلاد    المهدية : غرق مركب صيد على متنه بحّارة...و الحرس يصدر بلاغا    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 25 أفريل 2024    كاس رابطة ابطال افريقيا (اياب نصف النهائي- صان داونز -الترجي الرياضي) : الترجي على مرمى 90 دقيقة من النهائي    سفينة حربية يونانية تعترض سبيل طائرتين مسيرتين للحوثيين في البحر الأحمر..#خبر_عاجل    بطولة مدريد للماسترز: اليابانية أوساكا تحقق فوزها الأول على الملاعب الترابية منذ 2022    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحقيقات الصباح: عبد المجيد بودن.. الدولة في مواجهة رجل!
نشر في الصباح نيوز يوم 04 - 05 - 2021

قبل الثورة، كان اسم عبد المجيد بودن، لا يعني شيئا لأغلب التونسيين باستثناء بعض السياسيين والمعارضين المهجرين في فرنسا بالتحديد أو العائلة والأصدقاء..، ليختلف الأمر كليا بعد الثورة، ويتحول الرجل من شخصية مغمورة إلى الشخصية الأشهر التي استطاعت بجنسية مزدوجة تونسية -فرنسية، أن تسحب الدولة التونسية إلى التحكيم الدولي في نزاعات الاستثمارCIRDI، في قضية تاريخية وغير مسبوقة وتظفر باعتراف من المركز الدولي لتسوية نزاعات الاستثمار، بحكم يدين الدولة التونسية ويقر بمسؤوليتها في انتزاع الاستثمار ويمنحه الحق في طلب تعويضات، قدرها عبد المجيد بودن في طلبات رسمية ب 5.5 آلاف مليار! واذا فشلت الدولة في مساعي الصلح الحالية مع عبد المجيد بودن، واستجابت هيئة التحكيم الدولية لطلبات التعويض التي تقدم بها، فإن الدولة التونسية ستكون مجبرة على دفعها وحتى وان ماطلت أو تلكأت، فان مبلغ التعويض الذي سيتم اقراره سيخصم مباشرة من أي قرض تحصل عليه تونس من المؤسسات الدولية المانحة سواء صندوق النقد الدولي او البنك الدولي الذي يتبعه المركز الدولي لتسوية نزاعات الاستثمار!
فمن هو عبد المجيد بودن؟ الذي وصفت قضيته بأنها فضيحة دولة وخيانة عظمى كما أكد ذلك وزير أملاك الدولة الأسبق مبروك كورشيد.. هذا الرجل الذي يقف اليوم في مواجهة الدولة بكل ندية بل أنه في موقع أقوى منها وسيجبرها على التعويض له، هذا الرجل الذي فتحت له حكومة محمد مزالي في بداية الثمانينات أبواب القطاع البنكي لإنقاذ البنك الفرنسي التونسي الذي كان يمر بصعوبات مالية واذا به يصبح اليوم الخصم الأشرس للدولة وشوكة في خاصرة الدولة.. وهل هو فعلا ضحية مضطهدة تم الاستيلاء على أموالها من طرف نظام فاسد أم داهية نجح في حشر الدولة في زاوية حادة..، كيف حصل على صفة الضحية وعلى العفو التشريعي العام، وهل صحيح أن تقرير هيئة الحقيقة والكرامة قوّى موقفه على حساب الدولة التونسية؟.. سؤال يجيب عنه أربعة وزراء سابقين لوزارة أملاك الدولة التي تتابع الملف في التحكيم الدولي منذ 2003.
الرجل المنقذ.. بداية الثمانينات
في بداية الثمانيات كان البنك الفرنسي التونسي وهو أحد فروع الشركة التونسية للبنك يمر بصعوبات، وقد اكتشفت الدولة ان مرد هذه الصعوبات هو بسبب ضعف رأس المال وقررت الترفيع في رأس المال وإدخال شركاء من خارج الشركة التونسية للبنك..
وقد تقدمت شركة ABCI التي يرأسها عبد المجيد بودن وهي الشركة العربية المحدودة للأعمال والتي كانت موجودة منذ تأسيسها في جزر كايمون البريطانية، وجزء كبير من نشاطاتها كان في الجنان الضريبية كما انها تستثمر في بعض الدول وتضم رؤوس أموال سعودية بالأساس، وكانت رغبة بودن منذ البداية الاستثمار في المجال الفلاحي ولكن الوزير الأول وقتها محمد مزالي أقنعه بالدخول في رأس مال البنك الفرنسي التونس وهو ما حصل بالفعل…
ففي سنة 1982 قام بودن في الترفيع في رأس مال البنك ب 50 بالمائة لتكون مساهمته وقتها، 4.139 مليون دولار أمريكي وهو ما منحه منصب رئيس مجلس الإدارة..، وقد تم تحويل هذه الأموال من الخارج، عبر البنك المركزي الذي لم يقم مباشرة بتحويل هذه الأموال للبنك الفرنسي، وتعطلت العملية إلى حدود 1984 حين تم تسريحها..
توتر العلاقات وغضب بودن
تأخر البنك المركزي التونسي لمدة سنتين في تحويل الأموال المحولة من الخارج إلى البنك الفرنسي التونسي الذي يترأس مجلس إدارته عبد المجيد أغضبه، واعتبر أن البنك المركزي مجبر على دفع فوائض له عن هذا التأخير في التحويل المالي الذي كان مودع لديه، وقد دخل في نزاع مع البنك المركزي منذ البداية، في 1987، لجأ بموجبه إلى غرفة التجارة الدولية في باريس واخبرهم انه في نزاع مع البنك المركزي وانه أودع لديه أموالا لكنه تلكأ في تمكينه منها وكذلك رفض منحه فائض هذه الأموال المودعة لديه لمدة سنتين.
وفي 1988، قام عبد المجيد بودن بتحويل أموال من البنك الفرنسي إلى بريطانيا دون ترخيص من البنك المركزي التونسي، فكيفت السلطات التونسية ذلك على أساس أنه مخالفة صرف وتمت إحالته على القضاء وفي تلك السنة تمت محاكمته جزائيا من أجل مخالفة قوانين الصرف لعدم طلب الترخيص المسبق من طرف البنك المركزي التونسي ومن أجل إيثار شركة على شركة أخرى.
الصلح الملغوم..
في 1989 تم عرض الصلح على بودن وكان الاتفاق أن يسترجع أمواله ويغادر البنك الفرنسي، وتم إبرام صلحين بين وزير المالية والمتهمين بخصوص جريمة الصرف والثاني بين abci بوصفها مساهمة في البنك الفرنسي التونسي والشركة التونسية للبنك باعتبارها مالكة البنك، تنازل بموجبه الطرفان على جميع النزاعات التحكيمية في تونس أو خارج تونس، مقابل أن تدفع شركة abci 2125 مليون دينار للبنك الفرنسي التونسي لجبر الضرر الناتج عن سوء التصرف..
وترتب انقراض الدعوى العمومية في المادة الصرفية، ليغادر بودن في عام 1991 السجن الذي كان مودع به بسبب جنحة إيثار شركة على شركة، بعد عام وبضعة أشهر، ثم تمكن بعد ذلك من مغادرة البلاد.. ولكن في عام 1994 صدر حكم غيابي في حقه يقضي بإدانته ومن معه ب 20 سنة سجنا، من أجل التصرف في أموال عمومية وُضعت تحت يده طبق مقتضيات الفصل 99 من المجلة الجزائية..
اللجوء الى التحكيم الدولي..
النزاع التحكيمي الدولي الذي لجأ اليه عبد المجيد بودن بدأ بتاريخ 31 ديسمبر 2003 وما زال متواصلا.. حيث وباعتباره متواجدا بالخارج وصادرا في شأنه حكما غيابيا بعشرين سنة سجنا، توجه إلى المركز الدولي لتسوية نزاعات الاستثمار وقال انه استثمر في تونس سنة 1982 وأنه تم الضغط عليه والاستيلاء على أمواله وهو من أجل ذلك يطلب تعويضات من الدولة التونسية، وقد طالب ب 961 مليون دولار أمريكي أي ما يعادل 3000 مليار دينار تونسي اليوم كتعويض عن الضرر الذي لحقه بعد انتزاع استثماره..
في 2008 تونس كلفت مكتب محاماة دولي وهو مكتب herbert and smith المختص في التحكيم بين الدول، للدفاع عن مصالح الدولة أمام المركز الدولي لتسوية نزاعات الاستثمار، وفي فيفري 2011 صدر قرار تحكيمي أولي من طرف المركز الدولي لتسوية نزاعات الاستثمار ينص على اختصاصها للنظر في النزاع لأن مكتب المحاماة الدولي دفع بعدم اختصاص المركز الدولي عندما قال ان النزاع بين عبد المجيد بودن والشركة التونسية للبنك والبنك الفرنسي التونسي والبنك المركزي وهم مؤسسات مستقلة بذاتها، وان الدولة التونسية لا دخل لها في هذا النزاع..
المنعرج الأخطر في القضية..
مثل تاريخ 17 جويلية 2017، المنعرج الخطير في قضية بودن ضد الدولة التونسية، حيث أصدرت هيئة التحكيم بالمركز الدولي لتسوية نزاعات الاستثمار قرارا استجاب جزئيا لطلباتAbci وأقر مسؤولية الدولة من أجل انتزاع الاستثمار وأن من حق عبد المجيد بودن طلب التعويض، ابتداء من سنة 1989 ورفض بقية الطلبات…، وهذا القرار هو الذي أتاح له اليوم التفاوض على التعويضات سواء على مستوى القضية الجارية في المركز الدولي أو حتى في مسألة التفاوض من أجل الصلح، علما وانه على ضوء هذا القرار تقدم بودن بطلبات تعويضات، في شهر جوان الماضي في حدود 5.5 ألف مليار، وفق ما أكده لنا وزير أملاك الدولة السابق غازي الشواشي.
الحصول على العفو التشريعي
بعد الثورة اتخذت قصة عبد المجيد بودن منعرجا آخر، خاصة بعد أن تقدم في 2012 بمطلب صلح للدولة التونسية، مطلب اعتبرته وزارة أملاك الدولة فرصة لتسوية النزاع بعيدا عن التحكيم الدولي، ولكن بودن اشترط حصوله على عفو تشريعي عام حتى يتمكن من العودة إلى تونس، وهو المحكوم بعشرين سنة سجنا غيابيا.. عفو عام أثار الكثير من الجدل.
وزير أملاك الدولة الأسبق حاتم العشي يقول في تصريح ل "الصباح" أن صفة "لضحية" التي حصل عليها عبد المجيد بعد تمكينه من عفو تشريعي عام هو السبب المباشر لتقوية موقعه في التحكيم الدولي واجبار الدولة على دفع تعويضات مقدرة بمبالغ ضخمة، ويضيف:"هو لم يكن يوما سجينا سياسيا، ليُمنح هذا العفو، هو كان سجين حق عام سُجن من أجل جرائم صرف".
رأي يختلف عن رأي وزير أملاك الدولة السابق، غازي الشواشي الذي يقول ل"الصباح": "اطلعت على قرار التحكيم وعلى حيثياته، قرار التحكيم الصادر عن المركز الدولي لتسوية نزاعات الاستثمار في 2017 والذي ذكر ما هي الأسباب التي تم على أساسها الحكم لفائدة بودن، من ضمنها أن عبد المجيد بودن متحصل على قرار في العفو التشريعي العام من محكمة التعقيب التونسية،الصادر في 17 أكتوبر 2012 طبقا للمرسوم عدد 1 المتعلق بالعفو التشريعي العام الصادر في 11 أوت 2011، الذي أصدره محمد الغنوشي".
ورغم ان بودن كان محكوما من أجل قضية سوء تصرف، لكن محكمة التعقيب اعتبرت أن هناك أشخاصا حكموا من أجل قضية حق عام ولكنها كانت قضية ملفقة ولها أبعاد سياسية.
وفي ذات السياق يقول الوزير السابق غازي الشواشي:"عبد المجيد بودن أراد بعد الثورة القيام بصلح مع الدولة التونسية وتقدم بمطلب صلح للمكلف العام بنزاعات الدولة، لكن هو كان لديه حكم بعشرين سنة سجنا غيابيا وهو ما لا يسمح بالصلح وكان اقتراحه ان يتمتع بعفو تشريعي عام حتى تسقط التتبعات بشأنه ويمكنه وقتها إبرام الصلح،لأنه إذا لم يتمتع بالعفو فان دخوله الى تونس يعني إيقافه مباشرة.. ولأن مطلب العفو يتعلق بقضية حق عام، فانه يمر وجوبا عبر القضاء وهو ما جعل محكمة التعقيب هي مرجع النظر في ذلك، وهنا فان المكلف العام بنزاعات الدولة وباعتباره ممثل الدولة التونسية التي هي في نزاع مع عبد المجيد بودن كان يفترض أن لا ينحاز اليه ولكنه سانده في طلب العفو هو ووزارة أملاك الدولة على أساس ان بودن طالب صلح وبالتالي هم كانوا يريدون تمكينه من العفو لإجراء الصلح.. وهذه المساندة جعلته يتحصل على مطلب العفو" ..
ويضيف الشواشي أن السؤال الذي يُطرح هو لماذا لم يبرم هذا الصلح رغم ان عقد الصلح كان جاهزا؟ .. وربما الإجابة عن هذا السؤال، أكدت السنوات اللاحقة في اتجاه ان بودن لم يرغب في الصلح ولكنه كان يبحث عن تقوية موقعه في التحكيم الدولي وهو ما حصل بالفعل وان كان مخادعا في مطلب العفو وهذا ما تشير إليه كل الوقائع، غازي الشواشي أشار أيضا إلى أن وزير أملاك الدولة الأسبق سليم بن حميدان الذي أنكر علمه بالمراسلة التي وجهها مستشار المكلف العام بنزاعات الدولة لمحكمة التعقيب والتي تؤيد وتدعم موقف بودن في الحصول على العفو،هناك وثائق في وزارة أملاك الدولة تؤكد علمه بالملف!
بن حميدان: تهم هزيلة وهزلية
توجهنا بمراسلة رسمية الى وزير أملاك الدولة الأسبق، سليم بن حميدان، الذي طالما اقترن اسمه بقضية عبد المجيد بودن، في خانة الإدانة، لاستجلاء موقفه من هذه القضية وملابسات حصول بودن عن العفو التشريعي العام ورده عن كل التهم التي لاحقته، ويقول بن حميدان في تعليقه على قضية بودن:"هذا النزاع هو عبارة عن بؤرة فساد سحيقة تمعشت واستثرت منها عائلات ولوبيات نافذة في إطار علاقاتها الزبونية بالنظام البائد.. فلما فاجأتها ثورة الحرية والكرامة سعت إلي دفن جرائمها عبر إفشال كل المساعي الصلحية".
ويوضح بن حميدان موقف وزارة أملاك الدولة آنذاك بقوله:" نحن واصلنا على نفس النهج الذي كانت أقرته حكومة الباجي قائد السبسي سنة 2011 في حل النزاع بالتفاوض الصلحي، وذلك المكتوب كان ثمرة تنسيق مع مؤسسة المكلف العام بنزاعات الدولة التي ساندناها وتبنينا مقاربتها لحل صلحي للنزاع، ولم يشر قرار المسؤولية الصادر عن الهيئة التحكيمية الدولية بتاريخ 17 جويلية 2017 إلى قرار العفو إلا في سياق استعراض عناصر تأسيس مسؤولية الدولة التي قامت على إخلالات ارتكبها نظام الاستبداد في حق المستثمر، وتحديدا عنصر التوظيف السياسي للدعوى العمومية، الذي ثبت لديها من خلال أدلة وقرائن أخرى متضافرة، تقوم بذاتها ولو لم يصدر قرار العفو، كما أكدت هيئة الحقيقة والكرامة صواب المقاربة الصلحية كآلية للحد من خسائر الدولة في نزاع حيث أكد كل الخبراء والمختصين في التحكيم الدولي ضعف موقف دولتنا وأن الصلح هو أفضل الحلول لها. وقد أيد ذلك تقرير هيئة الحقيقة والكرامة الذي تضمن ما مفاده أن "المساعي التي جرت خلال سنة 2012 هي الأفضل من حيث مراعاة مصالح الدولة."
كما اعتبر سليم بن حميدان أن شيطنة المساعي الصلحية وتخوين أصحابها يهدف إلى إفسادها، وما تسريب الوثائق السرية إلا بدافع التشويش على المفاوضات الجارية حاليا بإيعاز وتنسيق مع لوبيات الفساد المتسببة في إفلاس البنك الفرنسي -التونسي والتي من مصلحتها تأبيد النزاع مخافة أن يفضي أي "صلح" إلى فضحها وتعريتها .كما ذكر سليم بن حميدان الرأي العام بأن العفو على المدعو بودن قد منحته لجنة العفو بمحكمة التعقيب بطلب وتأييد من النيابة العمومية وبقرار من حجرة الشورى التي يرأسها الرئيس الأول لمحكمة التعقيب..
وختم بن حميدان حديثه بتعليق على التهم التي لاحقته بقوله:" بخصوص توجيه تهمة الفصل 96 ضدنا فأجزم بأنها كيدية، هزيلة وهزلية كونها فاقدة لأي مضمون حتى أن بعض المتهمين في القضية لم يكلف نفسه حتى عناء توكيل محام !كما أن الاتهام لا يعني الإدانة مطلقا".
هيئة الحقيقة والكرامة وقضية بودن
أحالت هيئة الحقيقة والكرامة على الدوائر المتخصصة في العدالة الانتقالية لائحة اتهام تتعلق بملفات الفساد في القطاع البنكي، ومن بينها ملف البنك الفرنسي التونسي وعبد المجيد بودن، وتشير الهيئة في تقريرها أن القطاع البنكي والمالي في تونس من أكثر القطاعات تضررا وتعرضا للنهب والسرقة قبل الثورة..
ولكن مرة أخرى تُتهم رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة من طرف عدد من الأعضاء ان ادراج قضية بودن كحالة فساد بنكي ومالي، بعد تاريخ 31 ديسمبر 2018 وفي الجزء الذي تتهم رئيسة الهيئة سهام بن سدرين بتدليسه، لأن النسخة التي أمدت بها الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي لم تتضمن قضية بودن في حين تم إضافتها إلى التقرير النهائي المنشور.. وهو ما اعتبره رئيس لجنة الإصلاح الإداري بدر الدين القمودي، تدليسا وتلاعبا بالتقرير النهائي وإضعافا لموقف الدولة التونسية مقابل منح امتياز لعبد المجيد بودن.
في حين يقول وزير أملاك الدولة السابق غازي الشواشي أن بودن قدم ملفه وعلى خلفية نزاعه الطويل مع الدولة والحكم الغيابي بسجنه تم تصنيفه كضحية، كما أشار الشواشي إلى أن قضية التدليس واهية ولا أساس لها من الصحة وان التقرير الذي يعتد به هو التقرير المنشور، رغم أن عضو هيئة الحقيقة والكرامة السابقة ابتهال عبد اللطيف طالبت رئيس الحكومة السابق الياس الفخفاخ، بعدم نشر التقرير الختامي لهيئة الحقيقة والكرامة لأنه مدلس ويختلف عن التقرير الذي تم تسليمه لرئيس الجمهورية الراحل الباجي قايد السبسي، كما أن رئيسة الهيئة سهام بن سدرين اعترفت ان التقرير المنشور يختلف عن التقرير الذي تم تقديمه الى قايد السبسي وان هذا الاختلاف ليس جريمة وناتج بالأساس عن ضغط الوقت.
وفي ذات السياق تقول سهام بن سدرين أن عبد المجيد بودن تقدم بشكوى كضحية لدى الهيئة وأنه ثبت في سنة واحدة تم تلفيق 52 قضية له وأغلبها قضايا مفبركة، وتضيف أن هيئة الحقيقة والكرامة منحته صفة الضحية وقرار جبر ضرر رمزي وتم إحالة الملف على الدوائر المختصة في العدالة الانتقالية..
مبلغ ال 3000 آلاف مليار
لعل من الاتهامات الخطيرة التي لاحقت هيئة الحقيقة والكرامة،هو مسألة إقرار تعويضات بالتقرير الختامي للهيئة تناهز 3 آلاف مليار وهو مبلغ ضخم سيزيد في تعقيد الوضعية المالية الصعبة للمالية العمومية، غير أن وزير أملاك الدولة السابق الشواشي ينفي أن تكون الهيئة هي من حدد هذا المبلغ كتعويض وأن مبلغ ال 3000 آلاف مليار قام بإثارته صندوق النقد الدولي بعد قرار المركز الدولي لتسوية نزاعات الاستثمار في جويلية 2017 حين اعترف بمسؤولية الدولة التونسية في انتزاع الاستثمار وبما أن بودن حُكم لفائدته كتعويض بمبلغ 961 مليون دولار أمريكي في 2003 والذي يناهز اليوم 3000 مليار، فان صندوق النقد الدولي طلب من الدولة في مراسلة رسمية لوزارة المالية بتأمين هذا المبلغ ووضعه كمؤونة في الميزانية تكون جاهزة تونس لدفعها في صورة الحكم النهائي بمبلغ التعويض.
التعويض لبودن.. تلك المعضلة!
أكد غازي الشواشي أنه عند توليه وزارة أملاك الدولة اختار، الذهاب إلى الصلح المؤسساتي تحت اشراف المركز الدولي للاستثمار لتسوية النزاعات، واليوم عملية الصلح جارية بين الدولة التونسية وabci لأن في كل الحالات المركز الدولي في نهاية الامر سيحكم بتعويضات ويشير الى أن طلبات عبد المجيد بودن في جوان 2020 وصلت 1.8 مليون دولار وهو مبلغ يناهز 5.5 آلف مليار، وقد استند بودن في طلباته على دراسة للسوق البنكي التونسي يقول من خلاله انه لو حافظ على حصته في البنك الفرنسي التونسي لكان هذا البنك اليوم يوازي في قوته واستثمارات بنوك تجارية أخرى تحقق في أرباح كبيرة وقد ذكر بنوك مثل atbوbiat .
غازي الشواشي أشار أيضا أن البنك الفرنسي خلال مدة تولي بودن لرئاسة مجلس ادارته في الثمانينات لم يحقق قفزة نوعية ولا أرباحا بل كان هنالك سوء تصرف، وفي صلح 1989 الذي ابرمه مع الدولة التونسية، اعترف بسوء التصرف من 19 فيفري 1987 الى غاية 28 جانفي 1989، علما وأنه في ذلك الصلح حصلت شركة abci على 1 مليون دينار لجبر الضرر الناتج عن تعطيل مساهمتها في البنك الفرنسي التونسي. وقد تمنى غازي الشواشي أن ينجح الصلح حتى لا تتضرر سمعة تونس في الاستثمار مؤكدا أن هذا الصلح في النهاية سيكون دائما لصالح الدولة التونسية، وأن ما أوصلنا إلى ما نحن فيه اليوم هو سوء التصرف في الملف منذ البداية ومنذ 2003 تاريخ بداية النزاع الدولي.
وحول مبالغ التعويض المتوقعة يشير حاتم العشي أنه يتوقع أن يكون مبلغ الحكم أقل من المبالغ المتداولة، مضيفا: »ولكن في كل الحالات فان مبلغ التعويض سيكون ضخما، خاصة في ظل ما تعانيه الميزانية اليوم من عجز.
700 مليار من أموال البنك الفرنسي نُهبت..!
بتاريخ 27 أكتوبر 2008 تحصلت مؤسسات اللطيف على قرض من طرف البنك الفرنسي التونسي بقيمة 02 مليون دينار مقابل ضمان. وفي 10 ديسمبر 2008 تم إسقاط الوديعة الائتمانية عن طريق مذكرة بخط يد منير القليبي وبهذه الطريقة اختفى هذا المبلغ الضخم من حسابات الدولة، وفق تقرير هيئة الحقيقة والكرامة، كما تحصل كل من يوسف اللطيف وشفيق الجراية، على قروض من البنك الفرنسي التونسي تبلغ قيمتها قرابة 200 مليون دينار وهو ما تثبته وثيقة كشف الحسابات التالية الصادرة عن الإدارة المركزية للقروض إلى غاية سنة 2013.
وكذلك من ضمن المتحصلين على قروض من البنك الفرنسي دون سداد لهذه القروض باستثناء مجمع لطفي عبد الناظر الذي حصل على قرض بسبعة مليارات قام بسدادها، نجد كمون، بن قايد، دريرة، المقني، الارناؤوط، المنصف الطرابلسي، نعيمة بن علي، محمد شاكر، الطاهر بن حسين، وذلك وفق معطيات رسمية أفادنا بها وزير أملاك الدولة السابق غازي الشواشي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.