أصدر اليوم المرصد التونسي لإستقلال القضاء بيانا حول قرار الحكومة الخصم من مرتبات القضاة جاء فيه ما يلي : "بعد وقوف المرصد الوطني لإستقلال القضاء على تنفيذ الخصم الآلي من مرتبات القضاة بمختلف رتبهم ووظائفهم المستحقة في شهر جوان 2015 والذي شمل ثلث المبالغ الراجعة لهم فيما يعادل 7 أيام عمل. وبعد اطلاعه على القرار الصادر عن مجلس الوزراء المنعقد في 20 ماي 2015 والمتضمن "تفعيل قاعدة العمل المنجز وفقا للقوانين الجاري بها العمل وهو ما يعني خصم يوم أو أيام كل إضراب من الأجر الشهري" (الموقع الإخباري لرئاسة الحكومة - 20 ماي 2015 ) وتأسيسا على ذلك "فإنّ كل غياب غير مبرر طبقا للتشريع والتراتيب.. عن مركز العمل والمشاركة في إضراب عن العمل يعتبر عملا غير منجز ويؤدي بصفة مباشرة - حسب رئاسة الحكومة - إلى الخصم من المرتب وملحقاته ويوجب على المتصرف في الموارد البشرية اتخاذ التدابير الإدارية المستوجبة قانونا في هذا المجال" (منشور صادر عن رئاسة الحكومة عدد 15 لسنة 2015 مؤرخ في 02 ماي 2015). وإذ يذكّر بالقرار الصادر عن المجلس الوطني لجمعية القضاة التونسيين بتاريخ 09 ماي 2015 الذي أعلن تعليق العمل بكافة المحاكم والمؤسسات القضائية لمدة خمسة أيام ابتداء من يوم الاثنين 11 ماي 2015 إلى غاية يوم الجمعة 15 ماي 2015 باستثناء الأمور المتأكدة وذلك على خلفية مشروع القانون الأساسي المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء عدد 16/2015 المعد من قبل لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب وما تضمنه المشروع المذكور من إلغاء للصلاحيات الجوهرية للمجلس الأعلى للقضاء وإحداث تغيير جوهري في تركيبة المجلس وإقحام القضاء العسكري في تلك التركيبة.. الخ (بيان المجلس الوطني لجمعية القضاة التونسيين بتاريخ 09 ماي 2015). وإذ يذكّر بقرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين الصادر بتاريخ 08 جوان 2015 الذي قضى بعدم دستورية إجراءات مشروع القانون الأساسي عدد 16/2015 المذكور كعدم دستورية عرضه على الجلسة العامة بمجلس نواب الشعب وعدم دستورية عدد من الأحكام الأساسية الواردة به. وإذ يشير إلى أنّ الخصم من مرتبات القضاة قد تمّ تنفيذه إثر صدور قرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين وأنّ تفعيل قاعدة العمل المنجز قد أعقب مباشرة تعليق العمل بالمحاكم للأسباب المذكورة. أوّلا- يلاحظ أنّ تنفيذ الخصم من مرتبات القضاة قد تمّ بصفة آلية وعامة وبأسلوب لا يليق بموقع السلطة القضائية ومكانتها وبصيغة تدعو الى اهتزاز الثقة في القضاء فضلا عن اتخاذه دون إعلام مسبق وفي غياب الضمانات التي تقتضيها حتى الأحكام التشريعية المستند إليها في إجراء الخصم كثبوت مشاركة القضاة المعنيين بقرار الخصم في الإضراب أو ثبوت غيابهم دون تبرير طبقا للتشريع الجاري به العمل. ثانيا- يعتبر تأسيسا على ما سبق أنّ قرار الخصم قد اكتسى صبغة عقابية وشمل عموم القضاة خلافا للمبدأ الدستوري الذي يمنع تسليط العقوبات الجماعية ويقر أنّ العقوبة شخصية (الفصل 28 من الدستور). علما وأنّ الخصم الجماعي من مرتبات القضاة يعدّ إجراء غير مسبوق مقارنة بالإجراء الذي سبق تسليطه بداية من أواخر سنة 2005 كعقاب فردي لعدد من أعضاء الهيئة الشرعية لجمعية القضاة التونسيين على خلفية تحركاتهم بعد الانقلاب على الجمعية وتطور المواجهة بينها وبين السلطة. ثالثا- يؤكد أنّ الظروف الحافة بتفعيل قاعدة العمل المنجز وتنفيذ الخصم يشير إلى الصبغة الانتقامية التي انبنى عليها القرار الحكومي بالنظر خصوصا إلى عدم التحرّي في تطبيق ذلك القرار زيادة على التوسع في الأيام المشمولة بالخصم وفي المبالغ موضوع الاقتطاع. رابعا- ينبّه إلى الطبيعة السياسية لقرار الخصم المرتبطة بمواقف الأحزاب المتنفّذة ودعمها لمشروع القانون الأساسي المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء الذي تمّ إسقاطه وما يستهدفه القرار من انتقام أغلبية التحالف السياسي في الحكم ومجلس الشعب ضدّ ممارسة القضاة لحقهم في حماية استقلالهم وهو ما برز خصوصا في ردود الأفعال العدوانية تجاههم على إثر صدور قرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين. خامسا- يشير إلى أنّ قرار الخصم لم يراع الوضع الدستوري الجديد للسلطة القضائية كيفما تمّ إقراره بالباب الخامس من الدستور وأساسا اعتبار القضاء سلطة مستقلة (الفصل 102) وهو ما يلغي اعتبار القاضي موظفا عموميا يخضع في علاقته بالسلطة التنفيذية إلى أحكام الوظيفة العمومية، والأخذ بمبدأ عدم قابلية القاضي للعزل (الفصل 107) وهو ما يتضمن استبعاد كلّ إجراء فردي أو جماعي يصدر من الحكومة ضد القضاة وخارج الحالات والضمانات التي يضبطها القانون ويقرها المجلس الأعلى للقضاء، زيادة على الاستقلال الإداري والمالي والتسيير الذاتي التي يتمتع بها هذا المجلس (الفصل 113) والمراقبة التأديبية المستقلة التي يضمنها (الفصل 114). وبناء على ذلك فإنّ اتخاذ قرار الخصم لا يمكن بحال أن يجد تطبيقه خارج إطار الضمانات المقررة للسلطة القضائية بهدف حماية القاضي من تدخل السلطة التنفيذية وتعسفها. ومؤدّى ذلك أن الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي المحدثة بمقتضى القانون الأساسي المؤرخ في 2 ماي 2013 يجب أن تتولّى تحقيق الضمانات اللازمة لاستقلال القاضي ومن ضمنها حمايته من تدخل السلطة التنفيذية بقصد المساس بوضعه المادي وذلك تطبيقا للأحكام الانتقالية الواردة بالدستور التي تقتضي مواصلة الهيئة القيام بمهامها إلى حين استكمال تركيبة مجلس القضاء العدلي. سادسا- يعتبر أنّ السلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة لا يمكن لها وبصفة انفرادية المساس بالأوضاع المادية للقضاة وخصوصا اتخاذ قرارت الخصم من مرتباتهم فيما يتنافى أيضا مع مبدأ التفريق بين السلط. وفي هذا الخصوص يستوجب الأمر التأكيد على المعايير الدولية التي تقتضي ضمان الاستقلالية الاقتصادية للقاضي (النظام العالمي للقاضي الصادر عن الاتحاد العالمي للقضاة في 17 نوفمبر 1999) وكذلك ضبط المرتب الراجع له طبق شروط تستهدف "حمايته من كلّ الضغوطات التي ترمي إلى التأثير على قراراته وعموما على سلوكه القضائي والمساس تبعا لذلك باستقلاله وحياده (الميثاق الأوروبي للنظام الأساسي للقضاة بتاريخ 08 – 10 جويلية 1998). سابعا- يعتبر أنّ "الأمن المالي" يمثل شرطا أساسيا لاستقلال القاضي وهو ما يدعو إلى حماية مرتبه ضدّ التدخلات التحكّمية للسلطة التنفيذية. وبصفة عامة يؤكد في هذا الخصوص على حماية القضاء كسلطة ضد التدخل السياسي للسلطات الأخرى والحيلولة أساسا دون تلاعبها بالأوضاع المادية للقضاة والمساس باستقلالهم فرديا أو جماعيا. ثامنا- يدعو الحكومة إلى التراجع عن إجراءات الخصم المتخذة خارج إطار المشروعية الدستورية والقانونية والعمل مستقبلا على اعتماد معايير موضوعية في ضبط مرتبات القضاة بمشاركة أعضاء السلطتين القضائية والتشريعية والحيلولة دون انخفاض تلك المرتبات إلى حدّ أدنى يتم ضبطه قانونا على غرار ما هو معمول به بعدد من النظم القضائية المقارنة وذلك حفاظا على استقلال القضاة وثقة العموم في القضاء. تاسعا- يدعو الهياكل الممثلة للقضاة إلى القيام بطلب إلغاء قرار الخصم من مرتبات القضاة لدى القضاء الإداري بناء على صدوره خلافا للأحكام الدستورية والضمانات القانونية ومقتضيات استقلال السلطة القضائية."