لم ينتظر الحبيب الصيد انقشاع السحب داخل الحزب الاغلبي ليحسم امر التعديل الوزاري بل اغتنم ببراعة المحنك الفرصة ليعزز موقعه ويعيد ترتيب البيت وفق رؤيته الخاصة وليمر من حكومة اولى لعبت فيها الترضيات دورا هاما الى حكومة ثانية تمت فيها مراعاة الكفاءة والولاء. فالفترة التي قضاها الصيد في رئاسة الحكومة كانت كافية كي يفهم جيدا ماكينة الاحزاب وواقعها ويحسم الامر من خلال قراءة براغماتية للواقع السياسي المتشرذم والذي يبدو ان تعديل عقارب ساعة حكومته على وقعها سيقود البلاد الى الهلاك. قراءة براغماتية خلص فيها الى ان امر النداء لن يستقيم في المستقبل القريب وان حال الاحزاب كحال البلاد في حاجة للكثير من الاصلاح وان الدعم السياسي قد يتوفر له من الحزب الاغلبي الثاني ومن احزاب اخرى اكثر مما سيوفره له النداء لذلك كانت بصماته واضحة وكذلك بصمات ومباركة رئيس الدولة واضحة. اول بصمات الصيد تتضح عند اختياره حذف كل كتابات الدولة التي جاءت في اطار ترضيات الاحزاب زمن كان كسب رضائها امرا اساسيا لتجاوز عقبة المصادقة على الحكومة .. وقرار الحذف لم يكن اعتباطيا فكتاب الدولة شكّلوا وفق قراءات متعددة عائقا امام عمل الادارة الوطنية التي همّشت كفاءاتها ولم يعد لها دور فاعل فالمديرون العامون الذين امضوا عقودا في ميادينهم وخبروا جيدا القطاع الذي يديرونه لم يعد لهم دور يذكر بعد ان تقاسم كتاب الدولة صلاحياتهم ، والغاء تلك الحقائب هو اعادة اعتبار للادارة التونسية ومنحها الفرصة للمشاركة الفاعلة في ادارة شأن البلاد عوض الاكتفاء بتنفيذ الاوامر او انتظار المصادقة فالوزراء وبحكم حجم مسؤولياتهم سيفوضون للمديرين العامين عديد الصلاحيات التي ستجنب البلاد المزيد من التعطيلات. ثاني بصمات الصيد تتضح من خلال تعيينه احد رجال ثقته في منصب وزير للداخلية فالوزير الجديد هو ابن الوزارة و" ابن الصيد " كذلك فقد اشتغل في عدد من اداراتها المفصلية قبل ان يصبح رئيسا للديوان زمن تولي الصيد مهام وزير للداخلية ثم كاتب دولة بها في حكومة الحبيب الصيد الاولى فالهادي المجدوب هو الشخصية التي بتعيينها أُزيحت هيمنة القضاة على الوزارة وهو اخر حلقة في مخطط استعادة الداخلية لابنائها القدامى وبتعيينه نستشف رغبة من الصيد في تعيين احد من يثق فيهم ربما لانه عاين هنات في فترة سبقت. ثالث البصمات نلمسها في ازاحة وزير الشؤون الاجتماعية الذي قاد لزمن طويل المفاوضات الاجتماعية والذي يبدو ان فشله في فض الخلاف السائد بين الاتحاد والاعراف حول الزيادة في الاجور واتهام الاعراف بانحيازه لاتحاد الشغل عجّل برحيله ليعوّض بوزير النقل محمود بن رمضان ، وهو شخصية حقوقية ذات منحى يساري يتلاءم نظريا وطبيعة الوزارة وقد يتمتع بن رمضان بهدنة سيما وان امر المفاوضات قد حسم تقريبا خلال السنة الجارية رابع البصمات جاءت من انامل الباجي قايد السبسي ونلمسها في تعديل الاوتار الذي اقدم عليه رئيس الدولة بازاحة احد قيادات حزبه من وزارة سيادة وتعيين مستشاره على راسها فالطيب البكوش الذي لم يكن متناغما وراس الديبلوماسية الا وهو رئيس الدولة بل شكّل نشازا له في عدة مناسبات لم يحقق نجاحات تذكر طيلة سنة في وقت كانت فيه البلاد في امس الحاجة الى ان تطوّر علاقاتها مع عديد الدول وتغلق ملفات عالقة على غرار التوتر مع دولة الامارات .. والجيهناوي الذي شكّل راس الحربة الحقيقي للدبلوماسية خلال المدة المنقضية والذي كان يصلح ما يفسده الاخرون ويرتب بنفسه زيارات الرئيس ويعدّ كل جزئياتها سيكون جاهزا لمباشرة مهامه منذ اليوم الاول دون اطالة وقت وسيفسح المجال لكبار مسؤولي الوزارة ليعودوا لمباشرة صلاحيتهم دون الحاجة للمرور عبر كتاب الدولة. ورائحة الباجي تشتم كذلك في تعيين "ابنه" ورئيس لجنة ال13 يوسف الشاهد وزيرا لاحد ادق واخطر الوزارات التي احدثت خصيصا لتجسيم احد اهم برامج الحكومة الاساسية الا وهي التنمية المحلية التي ستكون لها صلاحيات عدة بعد ان اصبحت وزارة الداخلية وزارة امن فحسب هكذا ينزل الستار على على اول تعديل وزاري في حكومة الصيد فهل يكون الاخير ام ترى سيكون رئيس الحكومة مجبرا على مزيد التعديل ؟ قد لا تتوفر الاجابة الان غير ان واقع البلاد يفرض على رئيس الحكومة ان يكون صائبا في اختياراته فحال الاقتصاد لم يعد يتحمل المزيد من الانتظار واعلان الاصلاحات الكبرى اضحى امرا اكثر من مستعجل قبل ان يذهب الجمل بما حمل