كل المؤشرات تؤكد أن سنة 2016 ستكون سنة صعبة بكل المقاييس، فالوضع الاقتصادي يكتنفه الكثير من الغموض وعدم وضوح الرؤيا. ففي الوقت الذي ينتظر فيه المتعاملون الاقتصاديون رسائل إيجابية أصدرت الجهات الرسمية عددا من المؤشرات والاشارات التي تكشف عن مدى الأزمة التي يعاني منها اقتصادنا. فقد أكدت المديرة العامة للدراسات والتشريع الجبائي حبيبة اللواتي أن تونس تصرف أجور الوظيفة العمومية والنفقات العمومية بفضل القروض التي تتحصل عليها من صندوق النقد الدولي الذي لم يتوان عن تقديم دعمه لبلادنا مقابل القيام بجملة من الاصلاحات المفيدة لاقتصادنا. هل هو الافلاس؟ وما تشديد اللواتي على أن بلادنا تتحصل على هذه التمويلات بهدف تغطية النفقات سوى تأكيدا على أنها غير قادرة على خلق الثروة وتوفير عائدات مالية لتغطية المصاريف العمومية وهو ما أدى إلى التوجه نحو السوق المالية العالمية لمزيد الاقتراض ليس من أجل دفع الاستثمار بل من أجل تغطية المصاريف خاصة في ظل تضاعف كتلة الأجور التي باتت تمثل 70 بالمائة من المصاريف العمومية. فالخروج خلال السنة الجارية إلى السوق المالية الدولية من أجل تعبئة 4600 مليون دينار من جملة 6600 مليون دينار تحتاجها الميزانية لتغطية عجزها وتغطية مصاريفها، والإعلان عن التوجه إلى المؤسسات المالية الدولية المانحة بهدف تعبئتها، يؤكد أن بلادنا باتت رهينة الاقتراض ما يعني أنه إذا لم تتحصل على التمويلات اللازمة فستجد نفسها غير قادرة على تغطية مصاريفها، كل هذا في ظل الركود والتراجع الذي تشهده كل الأنشطة والقطاعات الاقتصادية. كل القطاعات.. وحتى القطاع الفلاحي ولئن أعلن البنك المركزي في تقريره الأخير أن الاقتصاد الوطني خلال سنة 2015 شهد تراجعا في مختلف الأنشطة باستثناء القطاع الفلاحي ولاسيما في قطاعي الصناعة والخدمات التي تضررت من جراء الأحداث الارهابية ما يعكس الصعوبات الهيكلية التي يعاني منها، حيث انخفض مؤشر الانتاج الصناعي ب1,8 بالمائة كما تراجع انتاج الطاقة ب5,8 بالمائة كما تدهور انتاج المناجم ب21,5 بالمائة ...هذا إلى جانب تقهقر المداخيل المتأنية من السياحة ب35,1 بالمائة خاصة منها المداخيل بالعملة الأجنبية ب55,3 بالمائة وهو ما أثر على قطاع النقل الجوي الذي شهد انزلاقا بأكثر من 32 بالمائة، فإن السنة الجارية 2016 ستكون سنة انزلاق كل القطاعات، ولئن كان القطاع الفلاحي القطاع الوحيد الذي حقق نموا السنة المنقضية ومكن بفضل صادرات زيت الزيتون من تراجع عجز الميزان التجاري فإن توقعات وزارة الفلاحة كشفت عن تراجع هام لصابة زيت الزيتون بالنسبة للموسم الجديد قد تصل نسبته إلى 60 بالمائة، ما يعني أن هذه السنة ستكون أصعب من سابقتها بالنظر إلى تراجع كل المؤشرات الاقتصادية المتصلة بكل القطاعات وحتى القطاع الفلاحي لا سيما في ظل تأخر موسم الأمطار. تسديد الديون..معضلة أخرى ومن المنتظر أن تنطلق تونس في تسديد ديونها خلال السنة الجارية 2016 إذ من المنتظر أن تسدد أكثر من 5 مليار دينار بين دين وخدمة الدين وهو ما سيزيد من صعوبة الوضع بسبب الأعباء الجديدة التي ألقيت على عاتق ميزان الدفعات العاجز حتى عن تغطية النفقات، ما يعني أن الدولة ستتجه للاقتراض من أجل تغطية ديونها المتخلدة ومصاريفها. كل هذا يؤكد أن السنة الجارية ستكون سنة صعبة بكل المقاييس تراجعا متوقعا لكل القطاعات والانشطة الاقتصادية وبتالي تواصل الانكماش الاقتصادي، التوجه أكثر نحو الاقتراض من أجل تغطية النفقات العمومية في ظل عدم قدرة الدولة عن تحقيق عائداتها المالية. كما أن تواصل الاحتجاجات المطالبة بالتشغيل والتنمية، التنمية المعطلة بسبب تنامي المصاريف العمومية وغياب الحلول والإرادة السياسية تعكس وجود صعوبات هيكلية وجبت معالجتها بالتسريع في نسق تنفيذ الاصلاحات الكبرى الضرورية وهذا يتطلب تظافر جهود جميع الأطراف الفاعلة لتكريس مناخ ملائم للاستثمار ودفع التنمية وبالتالي تحسين مختلف المؤشرات الاقتصادية والمالية لأنه في تواصل انهيار كل المؤشرات الاقتصادية فان ذلك لا يساهم في الانزلاق الاقتصادي فحسب بل في انزلاق البلاد نحو المجهول. حنان قيراط جريدة الصباح بتاريخ 09 فيفري 2016