اعتبر أمير اللواء محمد المؤدب المدير العام السابق للأمن العسكري والديوانة التونسية في حديث ل«الصباح» أن «القصف الأمريكي لقوات مسلحة تابعة لتنظيمات ارهابية مسلحة في صبراتة يمكن أن يفيد تونس وأن يخدم أمنها ..إذا تأكدنا من دقة المعلومات التي روجها البنتاغون عن القصف وعن مبرراته وأهدافه وعن قائمة ضحاياه..وإذا تأكد فعلا أن بين من سقطوا في الغارة عشرات من الارهابيين التونسيين والعرب والمسلحين الخطيرين الذين يقفون وراء الهجمات الارهابية في تونس وبينها الاعتداءات على العسكريين والأمنيين التونسيين وعلى متحف باردو ثم على فندق سوسة السياحي». * لكن هل كانت مثل هذه الضربة متوقعة الآن بالذات؟ الجنرال محمد المؤدب والخبير في الشؤون العسكرية والأمنية منذ عقود أورد أن «الضربة أو الضربات العسكرية متوقعة منذ مدة.. وكان الاتجاه السائد كان انتظار تشكيل الحكومة الجديدة والتعرف على مطالبها من المجموعة الدولية ومن بينها مطلب التدخل العسكري الدولي لتوجيه ضربات تساعد في القضاء على الإرهابيين والميليشيات المسلحة الخارجة عن القانون». لكن تحفظات بعض الدول العربية والأوروبية على العملية العسكرية والدعوات المتعاقبة للحل السياسي جعل القيادة الأمريكية تقدم على توجيه «ضربة موجعة ودقيقة حسبما يبدو ضد الإرهابيين المتمركزين في مدينة صبراتة» التي لا تبعد عن الحدود التونسية الا عشرات الكيلومترات . «لابديل عن الحرب» * هل تعني هذه الضربة أن القيادة الامريكية اختارت أن تتحرك عسكريا مجددا لوحدها دون غطاء أممي أو أنها ستعتبر أن الفصل السابع من القانون الاممي الذي استخدمته في 2011 يكفي لتواصل اليوم عملياتها؟ امير اللواء محمد المؤدب يعتبر أن «التوجه عسكريا معروف.. وأعتقد أن الامريكيين لن يحتاجوا إلى غطاء أممي جديد.. فالقرارات السابقة موجودة.. والأمريكيون لا يستشيرون أحدا في مثل هذه العمليات وسط تزايد الضغوطات والتصريحات والمعلومات الاستخباراتية عن استفحال الخطر الارهابي في ليبيا وخاصة في صبراتة ودرنة وسرت».. وقد سبق لي أن صرحت مرارا بالنسبة لليبيا أنه «لا بديل عن الضربة العسكرية إذا كانت المعلومات عن العصابات المتشددة والمسلحة والميليشيات التي تستهدف ليبيا وتونس وكامل المنطقة بلغت فعلا قوة تهدد الامن القومي في ليبيا وتونس وبقية دول الجوار» توازنات مع أوروبا والعرب * وهل لن تتسبب مثل هذه العملية العسكرية في احراج لواشنطن وحلفائها وسط تعاقب الاعتراضات عن عمل عسكري ميداني بما في ذلك من تونس والجزائر والمغرب والسودان والدول الاوروبية؟ أمير اللواء المتقاعد محمد المؤدب يعتبر أن «التحدي الكبير بالنسبة للقيادة العسكرية الامريكية هو مراعاة التوازنات الحرجة في المنطقة وعالميا..بما في ذلك التوازنات مع الدول المغاربية والأوروبية.. بين الأطراف التي تطالب بحسم ملف الارهاب عسكريا وأمنيا وتلك التي تدعو إلى الحسم سياسيا وديبلوماسيا». وتساءل الجنرال المؤدب: «كيف يمكن تسوية ملف الارهاب الذي يستفحل في ليبيا منذ 5 أعوام إذا لم تنظم عمليات قصف دقيقة ومركزة ضد مراكز تدريب وإقامة الارهابيين؟ وهل يمكن لحكومة الوحدة الوطنية الجديدة ممارسة مهامها إذا لم تنظم عمليات واسعة لتحييد الميليشيات المسلحة التي تتحدى القانون منذ سنوات؟». ودعا الجنرال المؤدب الساسة والقادة العسكريين في تونس وليبيا الى عدم الوقوع في فخ توظيف مثل هذه الاحداث العسكرية لافتعال ازمة بين الشعبين التونسي والليبي بحجة أن بين الارهابيين تونسيون او عرب او اجانب .. الحرب هي «الديبلوماسية بشكل آخر» : لكن بعض الحكومات العربية والأوروبية وبينها تونس والجزائر لا تزال تعارض شن هجومات أجنبية على ليبيا وان كان المبرر محاربة الإرهابيين خوفا من تعقيدات جديدة تؤدي إلى إعادة إنتاج نماذج العراق وسوريا وأفغانستان ؟ الجنرال محمد المؤدب عقب على سؤالنا بسؤال ثان قائلا: «أقول للذين لا يؤمنون بأنه لا بديل عن الضربة العسكرية كيف ستتصرفون مع المسلحين المتشددين دينيا المورطين في القتل والتحضير لعمليات ارهابية جديدة؟ هل يمكنكم الاكتفاء بتوجيه النداءات للتعقل؟». مرة اخرى لا بد أن نقر بأن «الحرب هي الديبلوماسية بشكل آخر أو هي متابعة التحركات الديبلوماسية بتحركات عسكرية تضمن تراجع فرص الارهابيين والمسلحين في توجيه ضربات ناجحة الى أهداف سياسية ومدنية في تونس وليبيا وكامل المنطقة».. المستقبل؟ * وكيف يمكن استقراء المستقبل والتطورات في ليبيا وتونس بعد هذه الضربة العسكرية «النوعية»؟ الجنرال محمد المؤدب رجح تمادي واشنطن وبعض حلفائهم في عمليات محدودة ودقيقة بهدف «تحييد» مزيد من المجرمين والارهابيين والمسلحين. لكنه توقع أن تنظم القوات الامريكية والاطلسية الشهر القادم هجمات أوسع دعما لحكومة الوحدة الوطنية الجديدة وتأكيدا على «رسالة سياسية واضحة» فحواها أن «التسامح مع الارهابيين لم يعد واردا.. وإن تطلب الامر عمليات برية واسعة.. لكن التحدي الكبير هو ضمان الدقة والحذر لإبعاد الخطر الارهابي ووقف النزيف الذي يؤجج الاوضاع في المنطقة.. خاصة إذا تورطت جماعات أخرى قريبة من «داعش» في ردود فعل تنظيمات مسلحة ليست من «داعش» لكنها قريبة منها».. انزال جوي محدود * وهل يمكن حسم الموقف عسكريا في ليبيا الان؟ أم أن الازمات تراكمت بشكل غير مسبوق وأصبحت اعادة الامن في بلد شاسع ومفتوح مثل ليبيا مجرد حلم؟ المدير العام السابق للأمن العسكري وللديوانية تمسك بتحليل يعتبر أنه «من المستبعد الآن التدخل لمنع حصول تدخل بري شامل في ليبيا بعد فشله في العراق وسوريا وأفغانستان.. لكن يرجح أن تشهد ليبيا مزيدا من الهجمات الجوية وعمليات الانزال المحدودة والناجعة في بعض النقاط.. بما في ذلك في طرابلس إذا تجاوبت القوات الموالية ل»فجر ليبيا» مع تلك الهجمات المحدودة ولم تتورط في عمليات معادية لها ومتعاطفة بطريقة أو بأخرى مع «داعش» وبقية التنظيمات المتطرفة في صبراتة وسرت ودرنة ..».