اجرت صحيفة الشروق الجزائرية حوارا مع المستشار الأمني للكونغرس الأمريكي، وليد فارس، الذي شرح التطورات الحاصلة في المنطقة العربية والأوروبية، وكيف عجزت الإدارة الأمريكية والتحالفات الدولية عن القضاء على التنظيم الارهابي "داعش" تجدر الاشارة الى ان "الصباح نيوز" كانت قد نشرت مقالا لمراسل دار الصباح بالجزائر ذكرت فيه ان الجزائر احبطت هجوما للقاعدة بصواريخ ستينغر على تونس وعلى ارضيها وفيما يلي نص الحوار كما ورد بالصحيفة : هجمات إرهابية جديدة تضرب بروكسل، هل ترجعها إلى قوة التنظيمات الإرهابية أم إلى ضعف الأجهزة الأمنية في أوروبا؟ من خلال الهجمات التي هزّت باريس العام الماضي، ثم التوقيفات التي حصلت في أوروبا، وبعدها التفجيرات التي وقعت في بروكسل، بات واضحا أن الشبكة الإرهابية التخريبية، منها ما هو مرتبط ب"داعش" ومنها ما هو مرتبط بالقاعدة وأخرى مرتبطة بتنظيمات متطرفة موجودة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بات لها خلايا واسعة النشاط، في الدول الأوروبية، وهذا يدفعني إلى القول إن على القيادة الأوروبية والقيادات في الحلف الأطلسي، أنّ تنسق فيما بينها داخل أوروبا ضد هذه التنظيمات، وتقيم خارطة عمل تنسيقي مع دول شمال أفريقيا والساحل والشرق الأوسط، لمحاصرة ومواجهة هذه التنظيمات التي أصبحت أخطر وتتمدد أكثر مما كانت عليه في الماضي. تساؤلات كثيرة تثار عن تنظيم "داعش" كيف أمكن له "التغول" والضرب على الأقل في ثلاث قارات، بالمقابل هنالك تحالفات دولية ضدّه، الأول تقوده واشنطن والآخر السعودية، وروسيا انخرطت كذلك، فهل هنالك حقا إرادة حقيقية في محاربته؟ التحالف الذي تقوده أمريكا يعتمد على ضربات جوية في سورياوالعراق، هذا التحالف قام بجهود كبيرة، لكن المشكلة أن هذا التحالف، ليس له مشروع على الأرض، أي ليس له مشروع ميداني يتعامل مع الموقع الذي تسطير عليه الجماعات الإرهابية وعلى رأسها "داعش" ومن ناحية ثانية لم يتم تنفيذ عمليات مع القوة المحلية في الأرض السورية، أما التحالف الإسلامي المكون من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، ودول عربية أخرى، فقد كان أساسا منهمكا في اليمن، ومؤخرا يحاول أن يضع على الأرض قوة قادرة على أن تقوم بعمل مشترك ضد "داعش"، وضرب المناطق الواقعة تحت سيطرة التنظيم. المشكلة في رأيي أن أمريكا والتحالف لم ينفذا عمليات جوية مشتركة، ولم يتم التنسيق، ونحن نعلم أن جامعة الدول العربية قد قررت مواجهة "داعش" والتنظيمات الإرهابية، لكن حتى اليوم لا توجد خطة عملية في هذا الخصوص. ثالثا، إن إدارة الرئيس أوباما كان عليها أن تحسم أمرها منذ 2014 عند بداية ظهور تنظيم "داعش" خاصة عبر وضع تحالف إقليمي على الأرض في سورياوالعراق، أو في شمال الساحل وإقامة جبهة داخلية لمواجهة الخلايا، والقيام بعمل تنسيقي واسع ومحكم يُمكن من مواجهة هذه الخلايا. الغرب يتهم المسلمين بالتطرف، لكن في الجهة الأخرى، يعد الغرب وعلى رأسه الإدارة الأمريكية سببًا رئيسيا في تغذية هذا التطرف، فأمريكا هي من احتلت أفغانستانوالعراق، وأفرزت بيئة خصبة لظهور الفكر المتطرف؟ لا يجب أن تبرر التنظيمات الإرهابية في العالم الإسلامي والعربي هجماتها على العالم الغربي بدعوى الدفاع عن العرب والمسلمين، لكن ما قامت به في سورياوالعراق لا علاقة للغرب به، في سيناء وفي ليبيا وتونس، والهجمات المتكررة في الجزائر، هذا كله لا علاقة له بالغرب، هذا اعتداء على شعوب هذه المنطقة ودولها، صحيح أن أمريكا لها أخطاء في سياستها الخارجية، ولا تزال الأخطاء متواصلة، وهذه الأخطاء عبّأت المنطقة بصراعات، لكن الحديث عن ملايين الأشخاص الذين يعانون نتيجة لتصرفات أمريكا غير صحيح، هذه المجموعات المتطرفة التي تسمي نفسها جهادية تحارب الغرب بدعوة الانتقام للإسلام والمسلمين، تبحث عن دعم شعبي من هذه الدول، لا ينبغي أن نعطيها ونعطي شعاراتها دعما، يجب أن ننتقد السياسات الغربية والأمريكية لما تخطئ، لكن لا يجب أن نعطي شرعية ومشروعية لهذه الجماعات لتمثيل شعوب المنطقة العربية والإسلامية، وهي بالتأكيد لا تمثلها. أنت مضطلع بالسياسة الأمريكية بحكم المنصب الرفيع في الكونغرس، كيف تنظر الإدارة الأمريكية إلى الجزائر، هل هي حقا شريك أساسي لها، خاصة في مجال الإرهاب، أم كدولة يستفاد من مواردها الطبيعية؟ الأمن القومي مهم في أمريكا مهم للغاية، ويعتبرونه أولوية الأولويات، كما يعتبرون الجزائر شريكا أساسيا وفعالا، وقد أثبتت الجزائر على مدار سنوات ماضية، في التسعينات لما جابهت بمفردها الجماعات المتطرفة، وبعد ذلك 11 سبتمبر أقيم تنسيق هائل بين عدة إدارات سواء للرئيس بوش أو إدارة الرئيس اوباما، وأنا على يقين أيّا كانت الإدارة المستقبلية في أمريكا سواء أكانت جمهورية أو ديمقراطية، سيستمر هذا التنسيق والتعاون. بات واضحا أن الجزائر في المعسكر الدولي ضد الإرهاب، وما حصل لها ولمواطنيها ولعسكرييها، هو هجمة من الإرهاب ضدها، الآن ما هو المطلوب، أن يتم تنسيق حقيقي بين الولايات المتحد الأمريكيةوالجزائر، من جهة، ومن جهة أخرى، مع الدول الأوروبية، ودول الساحل والصحراء وشمال أفريقيا، يجب أن يقوم هذا التنسيق في العمل المشترك، وكل دولة تقوم بدورها في محاربة الإرهاب، ودور مشترك في إطار غرفة مشتركة للدول المتحالفة، لمواجهة المتطرفين. أنت تتحدث عن شراكة أمنية وتحالف خارجي، هل تنصح السلطة الجزائرية، بعمل عسكري في الخارج، وهو الأمر الذي يحظره الدستور؟ نحن نعلم أن التقاليد العسكرية والسياسية في الجزائر، تمنع على العسكريين تنفيذ عمليات قتالية خارج الحدود، هذا مبدأ معروف، لكن أنا اقصد أمرا آخرا مختلفا، لما أتحدث عن إقامة غرفة عسكرية مشتركة وتطوير التنسيق الأمني مع دول الجوار مع أوروبا وأمريكا. اعتقد أنه على الجزائر أن تخرج إلى المستوى الدولي بشراكة، ليس أن ترسل جنودها باسم الجزائر، وتقاتل خارج حدودها، هذا تقليد جزائري لا غبار عليه، لكن أن تشارك في وحدات مشتركة محترمة، تحت لواء التحالف الدولي، وربما حتى الأممالمتحدة، بمعية دول افريقية، خاصة وان لها خبرة هائلة وإمكانات لوجيستية ليس لأحد في شمال أفريقيا، بإمكانها أن تساعد القوة الدولية، النصيحة أن تشارك وفي إطار واضح جدا، بقيادة دولية إن كان هذا الأمر فنحن ندعوا الجزائر للانخراط فيه. نفذ الجيش الأمريكي عملية ضد معسكر لتنظيم "داعش" في مدينة صبراتة الليبية، هل حسمت واشنطن أمرها بتدخل عسكري تحت مبرر محاربة الإرهاب، في ظل الرفض الجزائري للعمل العسكري الأجنبي؟ ما هو معروف، أن هذه أمريكا وفي أشهرها الأخيرة، لم تنفذ عملا عسكريا بالمعنى الفعلي أي الانتشاري أو الاحتلالي، كما حصل في العراقوأفغانستان، والآن الأوروبيون يضغطون ضغطا على الإدارة الأمريكية، لكي تساعدهم في عملية عسكرية ضد الإرهابيين في ليبيا، وهنا نطرح السؤال الآتي، إذا كان الجيش الليبي حتى الآن غير قادر، والمجتمع الدولي لا يريد الزج بقواته على الأرض، باستثناء بعض العمليات الخاصة، يبقى على دول الجوار القريب، أي الجزائروتونس ومصر، وهو قوة عسكرية هامة جدا، أن يقرروا إذا أرادوا إما ان يلتزموا بمنع الإرهابيين من اختراق الحدود الطويلة، أو نشر قواتهم بالتحالف مع الجيش الليبي، وهذا بعد طلب من الحكومة الشرعية، لمحاربة الجماعات الإرهابية، لأنه قد يصل الإرهابيون إلى دول جوار ليبيا. نعلم كذلك أن الجيوش الوطنية لا تنفذ عمليات خارج الحدود، لكن من الأفضل إقامة مشروع إقليمي يسمح لهذه الجيوش بالقيام بمهمات في الخارج، في حالة الدفاع عن الشقيق الضعيف وليبيا هي الضعيفة الآن، حتى تساند القوات المسلحة الليبية التي تستنجد بهم. هنالك تطورات أمنية خطيرة في الفترة الأخيرة، محاولة إقامة إمارة داعشية في بن قردان بالجنوب التونسي، ثم حجز صواريخ ستينغر من الجيش الجزائري قرب الحدود التونسية، كيف تقرأ هذه التطورات، وكيف وصلت أسلحة خطيرة مصنعة في أمريكا إلى إرهابيي المنطقة؟ أولا الحمد لله أن الجيش الجزائري والقوات الأمنية، قد قضت على الإرهابيين، قبل تنفيذ مخططهم الإجرامي، خاصة وان بحوزتهم معدات خطيرة جدا، ثانيا السلاح الأمريكي بات عابرا للدول والقارات، وتم شراؤه من دول في مناطق الشرق الأوسط، لكن جماعات متطرفة وضعت يدها عليه. في الكونغرس بعض اللجان تعمل على البحث والتدقيق والتحقيق في موضوع تسرب أسلحة من أطراف أمريكية، لبعض المجموعات التي كانت تعتبر "معتدلة" في ليبيا بين 2011 و2012 ، لكن تلك المعدات العسكرية قد ضاع منها الكثير، سواء إلى سوريا وربما إلى أماكن أخرى، الجماعات المتطرفة يمكن أن تكون قد نقلتها إلى مناطق أخرى، المطلوب الآن أن تحسم الإدارة الأمريكية موضوع السلاح، بأن لا يتم إيصاله إلى أي منظمة متطرفة، فهذا الأمر قد ينقلب على الإدارة الأمريكية وعلى شركائها. من ناحية أخرى وأخيرة، كما قلنا، الرد الفعلي والحازم، هم من طرف الدول المحاذية لليبيا، الجزائروتونس ومصر، ودول الساحل، عبر إقفال الحدود أمام هذه الجماعات المتطرفة، ولإيجاد حد أدنى من التنسيق الأمني والاستخباراتي بين هذه الدول، لحماية نفسها. تحدثت لأكثر من مرة عن قوة الجيش الجزائري، هل للجزائر، بفضل جيشها مناعة من تنظيم داعش، والتنظيمات الإرهابية الأخرى كالقاعدة وتنظيم التوحيد والجهاد؟ اعتقادي أن الجزائر قوة أساسية في مواجهة التطرف، ويجب مساعدة الجزائر، وتمكينها من مواجهته، هي خبيرة في هذا المجال، وكانت مستهدفة لعقد تقريبا، والجزائر واجهت الأمر، كان على أمريكا وأوروبا أن تساعدها. والآن الخطر يتكرر، يجب أن تساعد أمريكاالجزائر، لأن تنظيم داعش يتحرك في كل الاتجاهات، وهو يأكل القاعدة حاليا، هو الآن باسط نفوذه في ليبيا، ويتحرك في تونس ومصر، ويبحث عن موطأ قدم في الجزائر، الجزائر مستهدفة من داعش. سؤال يظل يتكرر منذ بداية ما يسمى بالربيع العربي، الذي مس دول جوار الجزائر، ليبيا، تونس، لكن الجزائر تجنبته، في اعتقادك لماذا؟ اعتقد والمراقبون كذلك، أن صلابة المؤسسة العسكرية والسياسية، كان لها دور كبير وقوي في تجنب الحراك الشعبي، كما أن صلابة المجتمع ساهمت في ذلك، صلابة المجتمع المدني لم تسمح للقوى المتطرفة، في الموضوع أقول كذلك، إن العلاقة بين المؤسسة العسكرية والسياسية والمجتمع تعتبر متينة هي التي صدت كل محاولات إثارة الفوضى داخل البلد. هناك حرب فكرية قبل ان تكون هنالك حرب عسكرية، المجتمع المدني الذي ضحى، وقاوم الإرهاب والإسلاميين، لن يتمكن المتطرفون اليوم من تسجيل انتصارات سياسية عليه، وهذه الضمانة لحد الآن