قال الأمين العام المساعد المسؤول عن التغطية الاجتماعية والصحة والسلامة المهنية عبد الكريم جراد في مقال نشره في الصفحة الرسمية لقسم التغطية الاجتماعية والصحة والسلامة المهنية، أنه التراجع عن الالتزامات من طرف وزارة الشؤون الاجتماعية في ملف الترفيع الاختياري في سن التقاعد في القطاع العمومي والتراجع على اتفاقيات سابقة قد يدفع الاتحاد العام التونسي للشغل لتقديم شكوى لمنظمة العمل الدولية. وفي التالي نص المقال: بعد لجوء وزارة الشؤون الاجتماعية منذ أسبوعين إلى الهروب إلى الأمام في معالجة ملف الترفيع الاختياري في سن التقاعد في القطاع العمومي والتراجع على اتفاقيات سابقة ها هي تنتقل إلى أسلوب الكر والفر في محاولة لتمرير إجراءات جديدة تخرق قاعدة الحوار وتنسف المكاسب الاجتماعية. وتجلى الكرّ في جلسة يوم الاربعاء 20 افريل 2016 بين وزير الشؤون الاجتماعية ولجنة تنظيم الادارة والقوات الحاملة للسلاح بمجلس نواب الشعب بين خلالها الوزير و مستشار الحكومة للشؤون الاجتماعية تصورا جديدا يتمثل في الترفيع الاجباري في سن الاحالة على التقاعد. وقد يكون هذا التصرف بمثابة رد فعل على لقاء اللجنة المذكورة مع وفد الاتحاد العام التونسي للشغل الذي نجح في إقناعها بالصيغة التوافقية لمشروع القانون حول الترفيع الاختياري في سن التقاعد. لقد حصلت لدينا في الاتحاد العام التونسي للشغل بعد الاجتماع مع لجنة تنظيم الادارة والقوات الحاملة للسلاح يوم 19 افريل والتي دامت ما يقارب 4 ساعات قناعة مفادها أن أغلب النواب يؤيدون ملاحظات الاتحاد على المشروع والمتمثلة في اعتبار السن الحالية هي القاعدة والترفيع هو الاستثناء واعتماد خيار الترفيع بسنتين أو بخمس سنوات إضافة الى واقعية تقديم مطلب التمديد قبل سنتين عوضا عن خمس سنوات. كما تجاوب النواب مع وجهة نظر الاتحاد فيما يتعلق بأهمية اعتماد مخرجات الحوار الاجتماعي والمحافظة على مبدأ تواصل الدولة. وكان النقاش خلال الجلسة عميقا وشاملا أثار خلاله النواب مدى جدوى فرضية الترفيع الاجباري وتأثير ذلك على التشغيل. وكان موقف الاتحاد رفض التقاعد الاجباري باعتبار أنه لا يحل هو أيضا مشكلة العجز المالي كما أن له تأثيرات على المناخ الاجتماعي وخاصة المعطلين على العمل الذين سيرون فيه قطعا لكل أمل لهم في الدخول إلى الوظيفة العمومية. وبلغة الأرقام فإن الترفيع الاجباري سيلغي 16 الف موطن شغل سنويا يمكن توفيرها في الوظيفة العمومية لفائدة المعطلين عن العمل. إلا أننا فوجئنا في اليوم الموالي بانعقاد جلسة تغيرت فيها المعطيات وبرزت أطروحات جديدة لم يتم التعبير عنها سابقا لا في اللجنة الفرعية للحماية الاجتماعية ولا في جلسات سابقة مع لجنة تنظيم الادارة والقوات الحاملة للسلاح. وتتمثل هذه الأطروحات حسب الموقع الرسمي لمجلس نواب الشعب في شروع الوزارة في إطار قانون المالية بعنوان سنة 2017 في مراجعة بعض المقاييس صلب منظومة التقاعد إضافة إلى الترفيع في مساهمة الأجراء والتقليص في قيمة الجرايات. كما ان السيد الوزير اعتبر الترفيع الاجباري في سن التقاعد هو ضرورة وكذلك كان موقف مستشار رئيس الحكومة وهذا يعتبر هجوما على مكتسبات النشطين والمتقاعدين على حد السواء. فقد تم الاتفاق بل الاجماع سابقا بين كل الأطراف على أن الترفيع في المساهمات سواء على كاهل المؤجر أو الأجير لن يحل المشكل فإذا بالوزير يريد أن يحمّل الترفيع في المساهمات على الأجير وحده. كما تحدث الوزير عن تقليص قيمة الجرايات وهو ما يمكن تأويله بما ذهب إليه أغلب المتقاعدين من تقليص جراياتهم رغم بلاغ الوزارة الصادر في اخر مارس 2016 كما يمكن تأويله بنية الوزارة مراجعة مقاييس احتساب الجراية وهو ما ورد حرفيا في كلام الوزير - أي مردودية السنوات والأجر المرجعي،علما بأن هذه الأفكار هي أطروحات البنك العالمي في تقاريره المنظرة لما يسمى بسخاء أنظمة التقاعد في تونس. وخلاصة القول أن الوزارة لا تتفتح قريحتها سوى على سحب مكاسب المضمونين الاجتماعيين: الترفيع في مساهمة الأجراء، التقليص في الجرايات الخ... أما تكريس نقطة تنويع مصادر التمويل فذلك موضوع مؤجل في حين قدم الاتحاد في هذا الصدد بعض الافكار خلال جلسة مع نواب الشعب. أما من جانب لجنة تنظيم الادارة والقوات الحاملة للسلاح فقد تغيرموقف بعض اعضائها في الجلسة المذكورة حيث ان رئيسها تمسك أمامنا بالاقتصار على نقاش مشروع القانون المحال إلى المجلس دون فتح المجال للخوض في نقاط أخرى بينما تم تمكين وزير الشؤون الاجتماعية في جلسة الامس أمام اللجنة من عرض رؤية جديدة تختلف جوهريا ليس عن الصيغة التوافقية بل حتى على المشروع الأول للحكومة في جويلية 2015 الذي تمت احالته لمجلس نواب الشعب. وفي موضوع تأثير الترفيع في سن التقاعد على التشغيل لم نفهم موقف بعض اعضاء اللجنة الذي بدا متناغما مع وزير الشؤون الاجتماعية حين اعتبروا أن الترفيع الاختياري في سن التقاعد من شأنه أن يسد الآفاق أمام الشباب ويفاقم مشكلة البطالة وهنا نتسائل، هل أن التوجه الجديد المتمثل في الترفيع الاجباري سيفتح الابواب امام انتداب المعطلين عن العمل؟ إنها فعلا معادلة يصعب علينا استيعابها. ولا يسعنا أمام هذا الكر والفر من جانب الوزارة إلا أن نعبر عن خيبة أملنا في تدني مصداقية الحوار من جانبها إلى هذا الحد ونقضها مبدأ تواصل الدولة. ولا يسعنا إلاّ أن نتساءل: هل بهذه العقلية يمكن أن نوفر السلم الاجتماعية؟ وهل بمثل هذه الأساليب نستطيع أن نبعث الأمل في الشباب العاطل عن العمل بل أن نظمن عدم ردة فعلهم في صورة اعتماد هذا القانون بصيغته الاجبارية ؟ بل نقول ونصرّ على أن هذا التصرف لن يساهم حتى في إنقاذ الصناديق الاجتماعية من أزمتها المالية اضافة للتوترات الاجتماعية التي سيحدثها. كما اننا نعتبر ان وزارة الشؤون الاجتماعية ومن معها قد تخلوا عن العقد الاجتماعي وتنصلوا منه وبالتالي من إلتزامات الحكومة .وهذا الاجراء يحرج موقف الدولة التونسية امام منظمة دولية مثل منظمة العمل الدولية المشرفة على التفاوض و الامضاء على العقد الاجتماعي . وعلى هذا الاساس فاننا نحتفظ بحقنا في تقديم شكوى لدى منظمة العمل الدولية في صورة تواصل الحكومة في تنصلها من الالتزامات السابقة بخصوص هذا الملف. لذا فإننا ندعو نواب الشعب إلى التعامل بكل حذر مع هذا الملف واحترام موقف الاتحاد العام التونسي للشغل الذي اقنع به وزارة الشؤون الاجتماعية في الصيغة التوافقية للمشروع وهذا يندرج في دوره الوطني والاجتماعي في مختلف مراحل تاريخ هذه البلاد كان آخرها دورهالريادي في الرباعي الراعي للحوار الوطني. ولا نظن أن موقف الاتحاد سيكون أقل مسؤولية في موضوع ذي صبغة مجتمعية حساسة مثل أزمة الصناديق الاجتماعية وخيار الترفيع الاختياري في سن التقاعد.