بعد انطلاق عملية «البنيان المرصوص» بليبيا كعملية عسكرية بدعم سياسي دولي وغطاء عسكري وجوّي أمريكي وبمشاركة من فصائل مقاتلة من الثوار،بهدف تطهير مدينة سرت الليبية من عناصر تنظيم «داعش»، طرحت من جديد مسألة المقاتلين الأجانب بليبيا وعلى رأسهم المقاتلين التونسيين الأكثر عددا ومهارات قتالية، والذين يُخشى من عودتهم متسلّلين إلى تونس. وزير الدفاع قال في نفس التصريح إن عددا كبيرا من هؤلاء يحمل الجنسية المزدوجة، تونسيةفرنسية، ورغم أنه أكّد أنهم لا يعودون بأعداد كبيرة إلى تونس ولكن لا بدّ من الحذر الدائم. وبصرف النظر عن العدد الحقيقي للمقاتلين التونسيين في ليبيا والذي لا يمكن لأية جهة الجزم به لعدّة اعتبارات، فان هؤلاء المقاتلين الذين خضعوا لتدريبات مكثّفة واكتسبوا مهارات قتالية عالية، يعدون من أكثر مقاتلي تنظيم «داعش - ليبيا «، شحنا إيديولوجيا وتعصّبا وتزمّتا ووحشية، حسب شهادات ميدانية لليبيين سواء في سرت أكبر معاقل «داعش» أو في غيرها من المناطق الخاضعة للتنظيم ،حيث لا يتورّعون عن القيام بكل الأفعال الدموية وكذلك عن هتك الأعراض. دخول قوات «البنيان المرصوص» إلى سرت مكّنها من أن تضع يدها عن عدّة وثائق كانت بحوزة التنظيم الإرهابي، هذه الوثائق كشفت طريقة عمل وتسيير التنظيم من الداخل وطبيعة العلاقة بين عناصره. ومن بين الوثائق المُستولى عليها من التنظيم، نجد «عقود النكاح» هذه العقود التي هي عبارة عن عقود زواج مصدّقة مما يسمّى ب»ديوان القضاء والمظالم» ومن المحكمة الشرعية ل»داعش» بمدينة سرت عُثر عليها منذ أيام بأحد مقرات «داعش» في سرت مثيرة للاهتمام بالنظر للمعلومات الواردة فيها، والأهم لتعلّق جزء كبير من هذه العقود بتونسيين يقاتلون في ليبيا. وأغرب ما ورد في هذه الوثائق هو المهور المقدّمة لزوجات هؤلاء «الدواعش» والتي ليست إلا «أحزمة ناسفة» و»بنادق كلاشنيكوف»!!! مهر مؤجّل.. زيجات غريبة، بعقود غريبة ووفق طقوس غريبة، تلك هي زيجات عناصر تنظيم داعشليبيا ومن جنسيات مختلفة. احد هذه العقود التي حصلنا عليها كانت عبارة عن وثيقة بعنوان «عقد نكاح» صادر عن المحكمة الشرعية بسرت يعبّر من خلاله الطرف الأوّل الذي هو الزوج بأنه قبل النكاح مع الطرف الثاني والذي هو نكاح شرعي، وفيه كذلك إيجاب وقبول من الطرف الثاني والتي هي الزوجة بأنها قبلت النكاح من الطرف الأوّل بموافقة وليّها. هذا العقد يعود لأحد التونسيين الموقّع على العقد بكنيته «أبو منصور التونسي» المولود في تونس عام 1977 والذي تزوّج وفق هذا العقد بتاريخ 31 نوفمبر 2015، من مريم النيجرية وهي عزباء من أصل نيجيري وفق العقد، لم يدفع لها مهرا مقدّما بل تعهّد من خلال هذا العقد بدفع مهر مؤجّل هو عبارة عن «حزام ناسف»! كمؤخّر صداق تتسلّمه عند وفاة زوجها أو في حالة الطلاق. بعقد زواج مماثل تزوّج المُكنّى بأبي سعيد المالي من فاطمة وهي بدورها نيجرية بمؤخّر صداق بينهما عبارة عن بندقية «كلاشنيكوف«. بدوره تزوّج أبو النور التونسي من بيان محمّد وهي تونسية «هاجرت» معه إلى ليبيا وكان شاهد الزواج شقيقها صابر التونسي والشاهد الثاني أبو عدي التونسي، وللموافقة على «عقد النكاح» هذا قبضت الزوجة نقدا خمسمائة دينار ليبي مدفوعة نقدا ولم تطلب الزوجة مؤجّل الصداق كما فعلت الأخريات. ومن الوثائق التي تم العثورعليها في سرت وثائق رواتب مقاتلي التنظيم، حيث تختلف بين من هو أعزب وبين من هو متزوّج وما إذا كان متزوّجا بزوجة أو اثنتين وبين من يملك «سبايا» ،فالمقاتل الذي يملك سبية يعامل كمتزوّج ويزيد راتبه عن المقاتل الأعزب بالضعف. معزّ الفزاني.. قتيل في بن قردان.. حيّ في ليبيا! أصبحت عملية تداول أسماء إرهابيين تونسيين كقتلى في عمليات إرهابية ثم بعد ذلك يتضح أنهم أحياء في مكان ما من ليبيا أو العراق أو سوريا، عملية تتكرّر في السنتين الأخيرتين، وآخر الأسماء المتداولة في هذا السياق العنصر الخطير معزّ الفزاني وكنيته أبو نسيم وهو أحد سجناء القاعدة بمعتقل غوانتنامو سُلّم إلى تونس قبل الثورة وتم إيداعه بالسجن ولكن أفرج عنه بعد الثورة مباشرة بعد أن شمله العفو التشريعي العام، خلال عملية بن قردان تم تداول اسمه إعلاميا واستنادا إلى مصادر أمنية بأنه من قاد الهجوم على مدينة بن قردان وقضى نحبه فيها. ولكن منذ أسابيع وبتاريخ 19 أوت أكّدت مصادر ليبية موثوقة أن «الداعشي» التونسي معز الفزاني تم القبض عليه بين مدينتي « رقدالين « و» الجميل « وهي مناطق خاضعة لسيطرة الجيش الليبي بقيادة حفتر، ويعدّ الفزاني أحد أبرز القيادات «الداعشية» الميدانية في ليبيا وتفيد كل المعطيات أنه حلقة الوصل بين التنظيم وبين العناصر التونسية الراغبة في الالتحاق بصفوفه. عملية القبض عليه تطرح بدورها إشكالا جديدا حول مصير التونسيين الذين يقبض عليهم في ليبيا وما إذا كان يتم تسليمهم إلى تونس أم لا ؟ والأهم هل أن تونس طالبت بتسلّمهم؟ إلى اليوم لا تقدّم السلطات إجابات نهائية والجميع يتهرّب من هذا الملف رغم أهمية هؤلاء وكم المعلومات الذي بحوزتهم ويمكن استغلالها لتفكيك «شيفرات» هذا التنظيم الإرهابي الذي ما زال يلقي بمخاطره على تونس. منية العرفاوي (من عدد جريدة الصباح يوم الأحد 25 سبتمبر 2016)