ظهرت الخلافات بين واشنطنوباريس بشكل علني، بسبب عنوان محاربة الارهاب في شمال افريقيا والساحل الصحراوي، وما ذلك الا شعار لإيجاد موطئ قدم في المنطقة، خاصة في ليبيا، والامر كله مرتبط بتقسيم ما يسمى ب "كعكة الإرهاب". وتؤكد كل التقارير الاستشرافية والدراسات الاستراتيجية ان واشنطن تسعى لحماية مصالحها في المنطقة وكسب المزيد من النفوذ دون اشراك باريس التي فشلت خططها في تشجيع ودعم الولاياتالمتحدة في العراق وسوريا، مقابل أن تنفرد بشمال أفريقيا. وأشارت تصريحات مسؤولين جزائريين في الكواليس الى ان الجزائروباريس غاضبتان من العمليات العسكرية الأمريكية في ليبيا، رغم التشجيعات الرسمية من البلدين. وبالمقابل، تعتبران انه من الطبيعي تواجد القوات الخاصة الفرنسية في منطقة الساحل الافريقي، لمحاربة الارهاب، بدليل فتح الجزائر مجالها الجوي للطائرات العسكرية الفرنسية للعبور الى شمال مالي لضرب الجماعات الارهابية، وما تبع ذلك من تهديدات ارهابية كلفت الجزائر غاليا، مع استهداف القاعدة النفطية بتغنتورين بعين أميناس، جنوبي البلاد، وما فتئت باريس تفتخر بنجاحها في ضرب قوافل الارهابيين وقتل عدد منهم في كل مرة. التنافس بين الولاياتالمتحدةوفرنسا يظهر بشكل واضح وملموس في مكافحة الإرهاب في ليبيا، وقد تقربت واشنطن من تونس، خاصة بعد زيارة الرئيس الباجي قائد السبسي الى الولاياتالمتحدة، مقابل تهافت المسؤولين الأمريكيين، سياسيين وعسكريين، على تونس. بينما في نفس الفترة تقريبا، استقبلت الجزائر بعد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، في 15 جوان الماضي، عددا كبيرا من السياسيين الفرنسيين من وزراء ومبعوثين ومكلفين، ليس في مجال مكافحة الإرهاب فقط، ولكن في العديد من المجالات كالطاقة، الدفاع والأمن والهجرة وغيرها، كما انتقل عدد كبير من الوزراء الجزائريين الى باريس وآخرهم وزير الداخلية نور الدين بدوي منذ أيام قليلة. وفي كلتا الحالتين كان الهدف استغلال قدرات وإمكانيات البلدين تونسوالجزائر، وكذلك نفوذهما في الجارة ليبيا. الاستقطاب واضح بسبب اختلاف مصالح واشنطنوباريس، وخلافهما على حجم تلك المصالح، فالولاياتالمتحدة سمحت لفرنسا بالغارات الجوية في مالي، وفرنسا سمحت للولايات المتحدة بالغارات الجوية في العراق وسوريا، ولكنها رفضت بشكل ضمني تدخل واشنطن جوا في ليبيا، الامر الذي دفعها الى المعاملة بالمثل وأرسلت عسكريين فرنسيين من القوات الخاصة تتحرك على الاراضي الليبية. ومن الواضح أن هناك تفاصيل اخرى غير معروفة، وتظهر من حين لآخر، وما تصريحات الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي اول امس، بخصوص السماح بتحليق طائرات دون طيار امريكية على الحدود مع ليبيا، الا دليل على أن هناك تنافسا بين واشنطنوباريس للاستحواذ على المنطقة تحت ذريعة محاربة الإرهاب في ليبيا، وقد يتحول الأمر إلى خلافات بين الولاياتالمتحدةوفرنسا تدفع تونسوالجزائر ثمنه. وكانت تصريحات مسؤولين فرنسيين قد اشارت الى أن تدخل القوات الخاصة الأمريكيةجنوب ليبيا، يثير قلق فرنسا، وذلك منذ نهاية عام 2013، اين تم الكشف عن تواجد عناصر من وحدات «دلتا» متنكرة في زي البدو، بجنوب ليبيا، مهمتها الأساسية تدريب القوات الليبية على مطاردة عناصر التنظيمات الإرهابية على الحدود مع الجزائر. بالمقابل، تحدث العسكريون الامريكيون عن تواجد قوات فرنسية، ما يدل على ان التنافس انطلق مع سقوط نظام الراحل معمر القذافي، ويؤشر ذلك على وجود تراجع بين اللاعبين الدوليين بقيادة فرنساوالولاياتالمتحدة، حول نصيب كل طرف من كعكعة ليبيا. وتتعمد واشنطنوباريس التحذير من انتشار الإرهاب في شمال إفريقيا على الرغم من وجود قواتهما الخاصة وعناصرهما الاستخباراتية على الأراضي الليبية، وأساطيلهما في البحر الأبيض المتوسط. أما تونسوالجزائر فتتحدثان عن طرق مبهمة لمحاربة الارهاب في ليبيا، يعتبر المراقبون انها مجرد صدى للصيغ غير البريئة التي تتبناها كل من واشنطنوباريس، ويبقى البلدان الحدوديان لليبيا: تونسوالجزائر، أكبر متضررين مما يحدث. الجزائر - كمال موساوي جريدة الصباح بتاريخ 24 نوفمبر 2016