ألقت، منذ قليل، وداد بوشماوي رئيسة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية كلمة بمناسبة احتفال الاتحاد بالذكرى السبعين لتأسيسه. وفي ما يلي نص الكلمة: "ببالغ مشاعر الاعتزاز وبكبير الفخر والسعادة يشرفني أصالة عن نفسي وباسم زملائي أعضاء المكتب التنفيذي الوطني ورؤساء الاتحادات الجهوية ورؤساء الجامعات القطاعية وكل المسؤولين النقابيين ومنخرطي الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية وقدماء مناضليه وإطاراته أن أرحب في هذا اليوم التاريخي بجميع ضيوفنا في مقر الاتحاد ..هذا البيت الكبير للعائلة الموسعة لصاحبات ولأصاحب المؤسسات من صناعيين وتجار وحرفيين وأصحاب مهن ومسديي الخدمات. ضيوفنا الكرام كيف يمكن أن نختزل سبعين سنة من النضال ومن الجهد والتفاني ومن المحن في كلمات.. ؟ وهل يمكن للكلام أصلا، مهما كانت بلاغته وللمشاعر مهما كان صدقها أن تنصف وتوفي حق الآلاف من مناضلي اتحادنا الذين مروا من هنا .... اسمحوا لي أولا وقبل كل شيء أن أبدأ هذه الكلمة بتوجيه تحية خاصة إلى أرواح المؤسسين ورفقاء دربهم وإلى كل الذين حملوا من بعدهم المشعل وواصلوا المهمة حتى الآن: - تحية إلى روح محمد شمام أول رئيس للاتحاد الذي وضع مع زملائه اللبنات الأولى لاتحادنا وواجهوا تسلط المستعمر وقمعه.. - تحية إلى روح محمد بن عبد القادر الذي ترأس الاتحاد منذ مؤتمره الثاني وواصل تثبيت أسس المنظمة وتموقعها على الساحة الوطنية قبل الاستقلال ، وفي السنوات الأولى التي تلته ... - تحية إلى روح المناضل الكبير الفرجاني بلحاج عمار الذي لا نزال نعتبره في الأسرة الموسعة لصاحبات ولأصحاب المؤسسات قدوتنا والأب الروحي لاتحادنا .. هذا المناضل الذي ارتبط اسمه بمنظمتنا إلى الحد الذي لا يمكن التفريق بينهما.. - تحية إلى السيد الهادي الجيلاني الذي أنجز عملا كبيرا في تحديث الاتحاد وتوسيع دائرة علاقاته وإشعاعه على المستويين الإقليمي والعالمي ونجاحه في ترؤس هيئات عالمية مرموقة في ميدان الأعمال، وعلى دوره في تشجيع حضور المرأة والشباب في هياكل الاتحاد واضطلاعهم بمسؤوليات قيادية بالمنظمة. - تحية إلى السيد محمد بن سدرين الذي ساهم سنة 2011 صحبة أعضاء المكتب التنفيذي 2006/2011 في إنجاح المرحلة الانتقالية لاتحادنا. - تحية إلى كل من تحمل مسؤولية في منظمتنا منذ التأسيس إلى اليوم، وأخص بالذكر هنا من تحملوا ويتحملون المسؤولية في الجهات لأن عملهم أكثر صعوبة وشقاء.. وإلى الذين أشرفوا ويشرفون على القطاعات لأن مسؤولياتهم كبيرة وبذلوا جهودا استثنائية للتوفيق بين مصالح المهن المنضوية تحت لواء نفس الجامعة أحيانا. - تحية لنساء بلادي وللنساء صاحبات المؤسسات وعلى رأسهن المشتغلات بقطاع الصناعات التقليدية في كل أنحاء تونس... - تحية إلى شباب اتحادنا في مختلف الهياكل وفي مركز المسيرين الشبان وإلى كل الباعثين الشبان فهؤلاء هم عماد المستقبل.. - تحية إلى كل من اقتني منذ سنة 1947 إلى اليوم بطاقة انخراط في اتحادنا وكان وفيا لمبادئ الاتحاد وتشرف بالعمل في هياكله وشرفنا بذلك. - تحية إلى إطارات المنظمة وموظفيها وأعوانها سواء المباشرين أو المتقاعدين أو الذين وافتهم المنية فلولاهم جميعا أيضا لما كان اتحادنا على ما هو عليه اليوم ... - تحية إلى كل من تعامل معنا في الاتحاد على مدى سبعين سنة سواء من الإدارة أو من شركائنا الداخليين والخارجيين ووجدنا فيهم التعاون والتفهم.. ويسعدني أن أتقدم بأحر التهاني للسادة الرؤساء السابقين للاتحاد وللإطارات والموظفين السابقين الذين سيقع تكريمهم بعد قليل، وأن أعلن أن عملية التكريم لمناضلي الاتحاد وإطاراته وموظفيه ستتواصل على امتداد سنة 2017 على مستوى الاتحادات الجهوية والجامعات المهنية. ضيوفنا الكرام إن تاريخ الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية هو صورة مصغرة من تاريخ تونس الحديث.. وعناوين المحطات البارزة في مسيرة اتحادنا هي نفس العناوين الرئيسة للمحطات الكبرى في تاريخ تونس المعاصر.. فلقد كان اتحادنا طرفا فاعلا ومؤثرا في كل المحطات الكبرى التي عاشتها تونس .. وساهم في جميعها واضعا على امتداد سبعين عاما مصلحة تونس فوق كل اعتبار... بدأت الحكاية ذات 17 جانفي 1947 تاريخ المؤتمر الأول للاتحاد الذي ركز في عمله على الانخراط في مقاومة الاستعمار وخوض معركة التحرر الوطني مع بقية القوى الوطنية وتوجت هذه المسيرة قبل سنة من الآن بالحصول على جائزة نوبل للسلام لسنة 2015 ضمن الرباعي الراعي للحوار الوطني.. وبين هاتين المحطتين كانت هناك العديد من الفصول الهامة والمثيرة ... فقد ساهم اتحادنا بفاعلية في كل ما تحقق لتونس من مكاسب وانجازات وخاصة بناء الدولة الحديثة وبعث نسيج اقتصادي وخاصة صناعي عصري يواكب التحولات التي يعيشها العالم .. ولكنه عاش أيضا العديد من المحن وواجه الكثير من العواصف .. لعل أهمها محنة التعاضد نهاية الستينيات التي دفعت بلادنا وخاصة أصحاب المؤسسات ثمنها غاليا .. ولكن اتحادنا غالب آلامه وأوجاعه وضمد جراح منخرطيه وتجاوز هذه المحنة لينطلق من جديد .. وفي سبعينيات القرن الماضي انخرط اتحادنا بقوة في البرامج الأولى للتصدير وكسب الرهان حيث أصبحت تونس من بين أهم المصدرين في بلدان جنوب المتوسط .. وفي منتصف التسعينيات خاض الاتحاد معركة تأهيل المؤسسات بعد الإمضاء على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي سنة 1995 ونجح فيها .. وخلال ثورة 17 ديسمبر 2010 14 جانفي 2011 لعب اتحادنا دوره كاملا إذ لم تسجل بلادنا خلال تلك الفترة والأشهر التي تلتها أي نقص في أية مادة أساسية .. فقد واصلت المصانع والمتاجر والمخابز العمل ليلا نهارا لتوفر للمواطن التونسي كل ما يحتاجه خلال هذه الفترة. وعلى غرار العديد من المنظمات الوطنية الأخرى لم يكن اتحادنا بداية سنة 2011 بمنأى عن التجاذبات ولكن الأسرة الموسعة لصاحبات ولأصحاب المؤسسات استماتت في الدفاع عن هذا الصرح لأنها كانت تؤمن شديد الإيمان أن هذا الصرح لا يمكن أن يتهاوى .. ولم يتهاو ...وقد أدار أبناء الاتحاد المرحلة الانتقالية التي عاشتها المنظمة على امتداد سنتين بروح المسؤولية والحكمة والرصانة والهدوء وغلبوا مصلحة الاتحاد أولا وقبل كل شيء .. وأوصلوا اتحادهم إلى بر الأمان بعقد المؤتمر الوطني الخامس عشر في 17 جانفي 2013. وحين دخلت البلاد مرحلة خطيرة وسجلت فيها أول الاغتيالات السياسية بسقوط الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، ثم برزت أزمة سياسية خانقة كادت تأتي على الأخضر واليابس، كان اتحادنا في الصف الأول وهب مع بقية المنظمات المكونة للرباعي الراعي للحوار الوطني، الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمحامين لمحاولة إنقاذ البلاد من الفتنة والضياع والمصير المجهول .. فكانت تجربة الحوار الوطني التي تحولت إلى مرجع يعكس في أجمل صورة معنى التوافق وتغليب الحوار بين أبناء الشعب الواحد .. وهي التجربة التي أدت إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في أحسن الظروف وكذلك المصادقة على دستور جديد للبلاد والانطلاق في تثبيت المؤسسات والهيئات الدستورية ومنحت بفضلها لبلادنا جائزة نوبل للسلام لسنة 2015 . ولتسليط المزيد من الأضواء على أهم هذه المراحل التاريخية التي عرفها الاتحاد سننظم خلال سنة الاحتفال بالسبعينية ندوة علمية كبرى حول تاريخ الاتحاد يشرف عليها مؤرخون محترفون وأكاديميون وجامعيون مختصون على أن تنشر فعالياتها في كتاب يكون مرجعا للباحثين، علما وأن الاتحاد سبق وأن أنجز كتابا تناول المرحلة التاريخية للمنظمة حتى سنة 2001. ضيوفنا الكرام إن الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية كان منذ انبعاثه ولا يزال وسيبقى عائلة كبيرة واحدة.. عائلة لا توجد في قاموسها كلمة "كبير" و"صغير".. لأن جميع أفراد هذه العائلة " كبار" .. - "كبار" بجهدهم وتفانيهم مهما كان موقعهم ومهما كانت طبيعة نشاطهم .. - "كبار" لتمسكهم باحترامهم بعضهم البعض ولتكاملهم وتآزرهم وتضامنهم وقت الشدة .. - "كبار" بحبهم لهذا الوطن العزيز وعزمهم على مواصلة المساهمة في وضع تونس على طريق الحداثة والتقدم والانفتاح الاتحاد سيظل عائلة واحدة موحدة وسيواصل التجديد والتطوير لخدمة الاقتصاد التونسي وفي هذا الإطار وبحثا عن الجدوى وإيمانا بأهمية التكوين وتمكين أصحاب المؤسسات والمسؤولين النقابيين وإطارات الاتحاد من أدوات العمل الضرورية نعلن عن بعث أكاديمية الاتحاد التي ستكون إطارا للتفكير والتكوين في المجالات الاقتصادية والاجتماعية لمساعدة المؤسسة على التأقلم مع محيطها ومواكبة المتغيرات، وستكون هذه الأكاديمية منفتحة على مؤسسات البحث والمؤسسات الجامعية والعلمية. وتكريسا للبعد المواطني لعمل الاتحاد نعلن عن بعث "مؤسسة الاتحاد" Fondation UTICA التي ستدعم المشاريع ذات الطابع الاجتماعي والخيري. كذلك تشجيعا على البحث والتجديد ودعما لمفهوم المؤسسة المواطنة وعلى ضوء ما يشهده العالم من اهتمام بالحاجيات الاجتماعية وبقيم التضامن نعلن عن إطلاق مسابقة الاتحاد للتجديد الاجتماعي التي تمنح بموجبها ثلاث جوائز لمؤسسات تميزت بتجربتها في مجال التجديد الاجتماعي، وسنعلن عن كل تفاصيل هذه المسابقة وشروط المشاركة فيها وقيمة الجوائز المالية في الأيام القادمة في بلاغ رسمي. ضيوفنا الكرام يمثل القطاع الخاص في تونس 75 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، وتمثل الاستثمارات الخاصة نحو 65 بالمائة من جملة الاستثمارات ويشغل القطاع الخاص 2.1 مليون من جملة 3.2 ميلون تونسي، ويوفر ما قدره 75 بالمائة من مواطن الشغل الجديدة ويؤمن حوالي 80 بالمائة من الصادرات التونسية .. لا أريد أن أتوسع في ما يمثله القطاع الخاص في تونس اليوم .. أردت فقط التأكيد أن المراهنة على القطاع الخاص هي واقع ملموس وخيار وطني استراتيجي لا رجعة فيه ، وهو ما يحملنا مسؤولية ندرك مدى حجمها ولن ندخر أي جهد من أجل أن نكون في مستواها... سنكون كالعادة الشريك والمخاطب الجدي والمسؤول للحكومة في كل ما يهم المؤسسة التونسية ومناخ الاستثمار.. - سنكون كما عهدتمونا منفتحين على الحوار والوفاق مع شريكنا الاجتماعي الاتحاد العام التونسي للشغل لأننا لسنا خصوما ولأن معركتنا مشتركة ضد الفقر والتخلف ولأن ديمومة المؤسسة هي الكفيلة بخلق الثروة وتوفير مقومات العيش الكريم وتحقيق الرفاهة للجميع .. - سنبقى على نفس المسافة من كل مكونات الطيف السياسي نتفاعل معها ونحاول أن نقنعها بوجهات نظرنا باعتماد الحجة والدليل .. ضيوفنا الكرام 70 سنة في حياة المنظمات هي عز الشباب وهي أوج سنوات العطاء .. هي الخبرة والنضج والمسؤولية والالتزام ...ولقد برهن الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية أنه كلما تقدم في السن إلا واشتد عوده وكبرت مسؤولياته .. ففي الاتحاد اليوم 24 اتحادا جهويا و 17 جامعة قطاعية و216 اتحادا محليا و370 غرفة نقابية وطنية و1700 غرفة نقابية جهوية و25 مسؤولا نقابيا و150 ألف منخرط .. لقد كنا في قلب كل المعارك التي خاضتها بلادنا ووضعنا مصلحتها فوق كل اعتبار وسنواصل السير على نفس النهج نحمل تونس في عيوننا وفي قلوبنا ونضع مشاغل المواطن التونسي، وتوقه إلى العيش الكريم والشغل اللائق على رأس أولوياتنا.. سنكون في الموعد لنستثمر أكثر ولنصدر أكثر ، ولنشغل أكثر لأن ذلك من واجبنا تجاه بلادنا .. أجدد الترحيب بضيوفنا شاكرة صبرهم وحسن انتباههم ."