كان المؤتمر ال23 للاتحاد العام التونسي للشغل على مدار الأسبوع محور اهتمام واسع وأسفر عن إصلاحات جديدة معتبرة في المجال النقابي خاصة مع انتخاب أول امرأة بالمكتب التنفيذي للمركزية النقابية. في سياق هذا الحدث ارتأى الأمين العام الأسبق للاتحاد عبد السلام جراد أن يذكر بفصول بفترات مجيدة أخرى للاتحاد، كما استعرض في حديث للشقيقة لوطون روايته لفصول ذات العلاقة بالاتحاد في عهد بن علي. فازت القائمة التوافقية في انتخابات هذا المؤتمر ال23 للاتحاد العام التونسي للشغل دون مفاجأة تذكر، كيف تابعت هذه الانتخابات؟ -أهنئ كل المناضلات والمناضلين بنجاح المؤتمر وعلى هذه النتائج. وهي نتائج تأتي في إطار تنافس الهدف منه خدمة مصالح الشغالين والبلاد. ولم تستهدف روح التنافس في صلب اتحاد الشغل أبدا كرامة البعض ولا مكانتهم، بالعكس، فإن هذه الروح تهدف إلى ترسيخ الديمقراطية في صلب منظمتنا. لقد كان مناضلو اتحاد الشغل دوما منجذبين نحو التوافق بما أنه يوفر مناخا ملائما للعمل الجماعي وهذا من شأنه حل كل الأزمات التي يمكن أن تعترضنا. هناك صورة أثرت في كثيرا خلال هذا المؤتمر، فعند الإعلان عن النتائج النهائية، أعرب كل المترشحين عن ارتياحهم للنتائج بقطع النظر عن الأصوات التي تحصلوا عليها. والذين لم يفوزوا في الانتخابات نجحوا في المشاركة في تدعيم الديمقراطية داخل المركزية النقابية وهذه علامة صحية صلب الاتحاد ولوحدة المناضلين. مكن المؤتمر ال23 المسؤولين في المركزية النقابية من إدخال تنقيحات على القانون الأساسي، ولأول مرة في تاريخ المكتب التنفيذي تكون امرأة عضوا فيه، ألم يكن مفترضا أن يكون هذا قد حصل قبل 15 عاما؟ - إن أول امرأة تولت خطة في اتحاد الشغل كانت شريفة المسعدي، وكما تعرفين مررنا بعديد المراحل وبعديد الأزمات داخل المركزية النقابية، لكن يوم 20 سبتمبر 2000 باعتماد إصلاح المسار النقابي اتخذنا عدة إجراءات، وبالتأكيد تم اتخاذ عديد الإجراءات مثل القطع مع أية مشاركة سواء كانت ذات صبغة حكومية أو حزبية وذلك في إطار تكريس توجه نقابي بحت صلب الاتحاد بدون أي تأثير خارجي. ومن جهة أخرى كنا قد قررنا بأن تكون الانتخابات مفتوحة كليا لوسائل الإعلام وذلك في إطار الشفافية والحق في المعلومة. وبذلك تمكنت وسائل الإعلام من متابعة الفعاليات بدءا بمختلف النقاشات وانتهاء بنتائج الاقتراع. لقد أردنا تقديم صورة صادقة لإرساء الثقة بين الرأي العام واتحاد الشغل. وبخصوص المرأة أردنا التقدم بمشروع إلى المجلس الوطني الذي انعقد في أميلكار وكان محمد الطرابلسي (وزير الشؤون الاجتماعي حاليا) مكلفا بهذا الملف. وكانت ردة الفعل عنيفة جدا إلى حد منعنا من التقدم في المشروع. لقد كانت العقلية الذكورية الطاغية صلب اتحاد الشغل والمصالح الانتخابية تحول دوما دون ارتقاء المرأة إلى المناصب الرئيسية في المنظمة النقابية، والحال أن العمل النقابي كان يعتبر دائما تعاونا كاملا بين جميع أعضاء اتحاد الشغل وذلك في إطار التنوع التعددية. وأمام هذا الفشل حاولنا التدارك بتكوين لجنة المرأة التي أعطيناها المجال والصلاحيات الضرورية لكي يكون نشاطها ناجعا ومعترفا به. لقد حاولنا القيام بنفس الشيء بخصوص الجهات والقطاعات غير المحظوظة. ولقد أردت أن أبين من خلال هذا أن التجديد في المؤتمر ال23 هو في الواقع نتيجة بعض المراكمات والحصة التي كنا نبغي بلوغها عام 2000 تحققت الآن وهي مكسب لاتحاد الشغل وللمرأة التونسية. هناك تنقيحات للقانون الأساسي لاتحاد الشغل مثل توسيع المكتب التنفيذي الذي أصبح يضم حاليا 15 عضوا، كيف تقيمون ذلك؟ -لم تتغير العقلية الانتخابية، وإقصاء المرأة لم يكن على أساس ال13 عضوا في المكتب التنفيذي بل على صعيد العضوين المناوبين، وبالتالي ظاهريا أضافوا مسؤوليات وخطط لكن في الواقع وسعوا المكتب التنفيذي لكي يكون لحصة المرأة تأثير كبير ورغم ذلك فإن الحصة تعتبر مكسبا كبيرا. وعلى صعيد القطاع الخاص للمنظمة دوران أساسيان، يتعلق الاول بالحياة الاجتماعية للشغالين وتطويرها، ومن الضروري التذكير هنا بأنه خلال أزمة المحروقات دعا عديد الصحافيين وغيرهم إلى سنة بيضاء بخصوص الزيادة في الأجور وقد رفض اتحاد الشغل توخي هذا النهج وأصر على أهمية تمكين العمال من حقوقهم بالنظر إلى أنهم يقفون وراء الإنتاج والتنمية ولعبت المنظمة النقابية دورا كبيرا في هذه الأزمة وفي النهاية كسبنا، وحصلت الزيادة. ونعتقد أن استقلال البلاد وسيادتها لا يمكن ضمانهما إلا بفضل اقتصاد وطني قوي لكي لا تتمكن أية جهة أجنبية من التحكم في اختياراتنا، ومن هذا المنطلق اعتقد ان تكليف مسؤولين اثنين في اتحاد الشغل بالقطاع الخاص أمر إيجابي جدا، بالإضافة إلى أن الرفاق أعربوا عن إرادتهم للذهاب إلى حوار اجتماعي صادق وهو لا يمكن أن يكون إلا أمرا حسنا. وإذا كان يتعين على اتحاد الشغل الاهتمام بالشأن الوطني وبمختلف المسارات السياسية (النقابي ليس له انتماء حزبي لكن يجب أن تكون له بالضرورة خلفية سياسية)، يتعين أيضا على المنظمة التركيز على دورها النقابي. وكنت أقول دوما أن النقابي يجب أن يمثل اتحاد الشغل على صعيد مختلف الهياكل الأخرى مهما كانت حزبية، حكومية أو غيرها لكن يجب عليه أن لا يعكس انتماءاته الأخرى على الصعيد النقابي. لماذا كل هذا الإلحاح المبالغ فيه على استقلالية اتحاد الشغل وقيادييه في حين أننا نعرف أن كل واحد منهم ينتمي، على الأقل، إلى عائلة سياسية؟ -في الواقع اتحاد الشغل مكون من توجهات سياسية عديدة ويحق لكل واحدة منها التعبير عن آرائها ورؤاها وخاصة انتقاداتها التي تمكننا،غالبا، من رؤية ما هو خفي عنا، وبهذا التنوع السياسي لا يمكن القبول بأن يأتي كل شخص للدفاع عن انتمائه السياسي داخل المنظمة وإلا فإن المسار النقابي والاجتماعي سيكونان الخاسرين. أهنئ النقابيين لأنهم أعطوا الأولوية لانتمائهم النقابي على انتمائهم السياسي وعلى اتحاد الشغل أن يحمي نفسه من أي اختراق سياسي أو حزبي. يعتقد بعض النقابيين على غرار قاسم عفية أن اتحاد الشغل قد حاد عن طريقه خلال السنوات الأخيرة بانخراطه في عديد المراحل السياسية المصيرية التي مرت بها البلاد، هل تشاطرون هذا الرأي؟ -أولا الاتحاد قائم على مشاركة جميع أعضائه في اتخاذ القرارات وكل عمل أو مشروع لا يكون منطلقه حوار موسع بين كل القواعد وينطلق من النقابات الأساسية لا يمكن أن يكون إلا عملا سطحيا. ولا يمكن تحصين الجبهة الداخلية لاتحاد الشغل إلا من خلال مثل هذا التشارك وهو من خصوصيات المنظمة، وعندما كنت أمينا عاما للمركزية النقابية كنت أخصص يوم الاثنين للمناطق بدعوة النقابات الواحدة تلو الأخرى للاطلاع على أخبارها وتسجيل مشاغلها ومشاكلها. لقد كنا في عهد بن علي ضحية وسائل الإعلام حيث أننا نعاني من تعتيم ممنهج وتهجمات إعلامية مدفوعة، لقد حصل أن وجدنا أنفسنا أمام مشكل كبير بسبب أن البعض كان يصور لقطات محددة من خطبنا والقيام بعمليات مونتاج تخرج التصريحات من سياقها. وكان الجمهور العريض يجهل ما كان يقوم به اتحاد الشغل في الحقيقة من الدفاع عن حقوق الإنسان والدعم غير المشروط لرابطة الدفاع عن حقوق الإنسان ووضع قاعة أميلكار تحت تصرف كل الأحزاب السياسية المعارضة ومقاطعتنا مجلس المستشارين وقمة مجتمع المعلومات... لا يجب نسيان أن اتحاد الشغل قد تقدم بشكوى ضد بن علي خلال أزمة وزارة التعليم العالي ومنظمة العمل الدولية، وأنا لا أحكي كل هذا لكي أقول لك أننا كنا معارضين، إذ لم نكن أبدا حزبا معارضا وكنا دائما نرفض أن نكون كذلك. وكل مسؤول سياسي يمكن أن يقول ويفعل ما يريد ويعود مرتاح البال فيما بعد إلى داره، أما أنا فعندما أعود إلى داري هناك عمال ينتظرون نتائج ملموسة. وكما تعرفين بالتأكيد لا يسمح بن علي لأي من وزرائه بتسوية أية مشكلة دون أن يكون ذلك من خلاله، لذلك لم يكن لدينا سوى خيارين ممكنين، إما الذهاب إلى مواجهة مباشرة وكنت شاهدا على مثل هذا النوع من المواجهات لأنني ضحية أحداث 1978، أو البحث عن إمكانية التعايش مع العدو عبر المرور بقنوات الحوار والتفاوض. لقد كان اتحاد الشغل آنذاك ملجأ للمعارضين والجمعيات على غرار الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات والنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، كنا نأخذ بعين الاعتبار أننا نعيش في نظام يهيمن على كل المجالات والقطاعات في البلاد وما لا يجب أن يُنسى أن أي نقابي لم يتعرض للسجن أو القمع تحت هذا النظام الدكتاتوري والمتسلط لكن وساحة محمد علي مازالت شاهدة، كانت هناك دوما اجتماعات أمام مقرنا أو داخله ونطلق شعارات مناوئة لبن علي ولنظامه. ولم يكن أي من تحركاتنا بهدف احتوائنا أو حتى الاقتراب من السلطة، فكل ما كان يعنينا هي مصالح العمال وكان شاغلنا المصالح العليا للبلاد والاتحاد المتجذر في عمق الشعب التونسي لا يمكنه أبدا الإساءة إلى الأمة. رغم كل ما قلته تركت انطباعا بعد مغادرتك الأمانة العامة للمركزية النقابية بأنك كنت أحد أركان النظام، كيف تفسر ذلك؟ -هناك فارق كبير بين التعامل مع نظام في إطار نشاط نقابي وبين الانتماء إلى هذا النظام نفسه، فلو كنت حقا جزءا من هذا النظام، لماذا كنت أدعم عدم حضور بن علي مؤتمراتنا وتجمعاتنا؟ لماذا تطرح مبادرات تتعارض حتى مع جوهر حكم بن علي؟ كنا نتصرف بمثل هذه الطريقة لكي لا يحرم العمال من أية زيادة وأن تتطور التشريعات بينما كانت الظروف صعبة. صحيح أن مواقفنا وقراراتنا لم تكن تصل دائما إلى الرأي العام لأن الصحافة كانت ضدنا وقد أكرر نفسي بالقول أننا ضحية وسائل الإعلام، وأقول بصوت عال هذه الصحافة التي تواصل انتقادنا اليوم، نحن ضحيتها. لو كانت لعبد السلام جراد أيّة صلة ببن علي كيف أمكن لمؤتمر جربة أن يصدر مثل هذه القرارات؟ لو كانت هذه الاتهامات صحيحة ما كنا لنصادق على الاستقلال الكلي بين الانتماء السياسي والعمل النقابي. ولو كان هذا صحيحا ما كان للأمين العام أن يطلب إلغاء الانتخاب المباشر لنفس المنصب. ومن جهة أخرى طالبت بأن لا يحق للأمين العام المترشح لخلافة نفسه أن يرأس المؤتمر بهدف ضمان شفافية الانتخابات ونزاهتها. لا يجب أن ننسى أيضا موقفنا المؤيد للقضاة والمحامين وهو ما يمثل دليلا آخر على استقلاليتنا. كنا نتخذ كل هذه القرارات ونحرص على عدم وضع أنفسنا في عداء معلن مع بن علي لأنه وببساطة كان يمثل مخاطبنا الوحيد لإيجاد حلول لمشاكل العمال، لم يكن هدفي أن أصبح بطلا وطنيا وكان همي الوحيد خدمة مصالح العمال والحفاظ على اتحاد الشغل ومكانته. إذا كان عبد السلام جراد حقيقة واقعا تحت تأثير بن علي، لماذا تقدم بشكوى ضده إلى المنظمة الدولية للشغل؟ لماذا ربطت ديمومة المنظمة بالشفافية وذلك بإدماج أول خبير محاسبي في تاريخ المركزية النقابية في نوفمبر 2000؟ هناك فرق بين أن نجعل من أنفسنا أبطالا بطريقة مفبركة وبين خدمة مصالح العمال بكل تواضع. إن الدليل القاطع على ما أقوله هو ما جرى في مؤتمر جربة، فقد حصلت على المرتبة الأولى في الانتخابات وخلال مؤتمر المنستير نجحت في أن أكون الثالث. ومن جهة أخرى من الذي دعم الثورة في 2011؟ لقد دعوت آنذاك كل اتحاداتنا الجهوية إلى فتح المقرات أمام جميع الذين يحتاجونها بقطع النظر عن انتماءاتهم. وخلال أحداث الثورة كنت أوقع شخصيا البيانات وهي مازالت موجودة. ولقد كنت دائما متمسكا بثلاثة مبادئ أساسية، خدمة العمال والشعب، وعدم خيانة ثقة الذين انتخبوني والانكباب على قضايا البلاد. وقد أثرت موضوع الحوار الوطني وأذكر بأنني كنت قد أشرفت على عقد أولى جلساته في مقر اتحاد عمال المغرب العربي. في 2011 انهارت حكومتان وكانت لنا بعض الخلافات مع حكومة الباجي قائد السبسي تمت تسويتها إثر اجتماع مكتبنا التنفيذي. أعددنا في تلك الفترة خارطة طريق سمحت بتوضيح الوضع وتمسكنا بكل ما يتعلق بالزيادات في الأجور، ولا ننسى أيضا أن اعتصام القصبة والطرف الذي كان الأكثر دعما له. قبل بضعة أسابيع من مؤتمره ال23 كان هناك اختبار قوة بين الاتحاد وحكومة يوسف الشاهد في علاقة بتأجيل الزيادات في الأجور، كيف تقيمون هذه المرحلة؟ - كان اتحاد الشغل على حق بخصوص هذا الموضوع لأنه حينما يقرر أحد الأطراف خرق اتفاق تم توقيعه والمصادقة عليه فإن الأمر خطير جدا. إن قطيعة من هذا القبيل كفيلة بجعل أسس الحوار تنهار وبإلغاء الاتفاقيات الوطنية، لذلك لا يجب ترك المشاكل تتراكم ويجب دائما محاولة حل الأزمات فوريا. جريدة الصباح بتاريخ 29/1/2017