في أقل من أسبوع شكّل ملف ارتفاع أسعار الخضر والتحكم في مسالك ترويج المنتجات الفلاحية الطازجة محورا رئيسيا لنحو أربع جلسات عمل انتظمت بوزارة التجارة والصناعة وبوزارة الفلاحة وبين هذه وذلك سجل الملف حضوره بمقر رئاسة الحكومة بالقصبة من خلال إشراف يوسف الشاهد رئيس الحكومة على جلسة عمل لتدارس منظومة الأسعار وسبل التحكم في مسالك الترويج. يأتي هذا الاهتمام اللافت بقفة المستهلك بعد أن طال نداء استغاثتها حتى كاد يختنق وسط"صمت" الجهات الرسمية التي لم نسمع لها تحركا إلا منذ أيام لتستعيد زمام الأمور معلنة فتح ملف الأسعار وطرح جملة من الإجراءات الرامية إلى الحد من انفلاتها عبر تفعيل بعض الآليات منها الرقابية بتشديد المراقبة على مسالك التوزيع بمختلف نقاطها.وتدارس تركيبة الأسعار والعوامل المؤثرة في تشكلها.وتكليف لجنة فنية لتحديد كلفة الإنتاج وكلفة النقل والأداءات المستوجبة ونسب الهوامش..إلى جانب طبعا الإجراء الذي لا يغيب عن سلة القرارات المألوفة والداعي إلى تكثيف الحملات الإعلامية والتحسيسية لفائدة المستهلك. إجراءات لم تختلف في جوهرها عن سابقاتها من التوصيات والقرارات المعلنة في كل مرة تطفو فيها نار الأسعار على ساحة الأحداث الوطنية وتحتل فيها قفة المواطن صدارة اهتمام الرأي العام. فهل تراها كافية لترشيد مؤشرات الأسعار المتداولة وعقلنتها؟. من خلال الخطوط الكبرى التي تم استعراضها في إطار محاربة غلاء المنتجات الفلاحية خاصة منها الخضر خلال انعقاد جلسة عمل التأمت أمس الأول بوزارة الفلاحة بإشراف كاتبي الدولة للإنتاج الفلاحي والتجارة والمندرجة في إطار بحث سبل تفعيل الإجراءات التي كان أقرها اجتماع رئاسة الحكومة مطلع الأسبوع يتضح أن المقاربة المعتمدة في مكافحة انفلات الأسعار لم تختلف في جوهرها عما سبق من قرارات وتوجهات. وهي تستهدف في عمومها تكثيف المراقبة على مستوى مسالك التوزيع والأسواق والتجارة الموازية بالتنسيق بين مختلف المصالح المعنية الأمنية منها والعائدة بالنظر إلى المراقبة الاقتصادية، إلى جانب تكليف لجنة خاصة بتحديد مستوى الأسعار في شتى حلقات تداولها من المنتج إلى المستهلك. وعلى أهمية هذه الإجراءات فإنها تبقى رغم الجهود المبذولة محدودة الفاعلية خاصة أنها طرحت سابقا ولم تحقق النتائج المرجوة سيما في مستوى تفعيل آلية المراقبة الاقتصادية، بالنظر لمحدودية العنصر البشري وتواضع عدد الناشطين في هذا السلك بحكم ضخامة حجم التدخلات وزيارات المراقبة الميدانية التي يتعين القيام بها مع امتداد شبكة الأسواق وتنامي ظاهرة نقاط الانتصاب الموازية وتفشي ظاهرة التهريب في الاتجاهين، فضلا عن تصاعد وتيرة عزوف المنتجين عن التعامل مع أسواق الجملة ومسالك الترويج المنظمة وتحويل وجهتهم نحو النقاط الموازية والتفريط في منتوجهم داخل المزارع، تفاديا لعبء المصاريف المترتبة عن عمليات النقل والأداءات المستوجبة لدخول أسواق الجملة... هذه العوامل وغيرها تساعد على انتعاشة المسالك الموازية لكنها لم تجد إلى الآن وعلى مر الحكومات المتعاقبة حلولا ناجعة في غياب الإرادة القوية لترجمة الإصلاحات الهيكلية لمسالك التوزيع على أرض الواقع وإن تتفق كل الأطراف وبالإجماع على اعتبار عملية إعادة هيكلة مسالك الترويج العمود الفقري الذي يتوقف عليه نجاح سياسة السيطرة على الأسعار وضمان انتظامية التزويد وشفافية المعاملات. ولنا في عشرات الاجتماعات التي انتظمت في مستوى اللجنة الوطنية للسيطرة على الأسعار منذ2013وفروعها الجهوية وإجراءاتها المعلنة على مر السنوات الماضية خير دليل على التوافق المطلق الحاصل على تشخيص علل منظومات الإنتاج والتزويد والأسعار وتوصيف العلاج المناسب لها وإقرار نفس الوصفات كلما فتحت ملفاتها دون أن نجد لها صدى بارزا يذكر على مستوى قفة المستهلك ولا في تحسن مقدرته الشرائية. المفارقة أنه في كل مرة يتأجل تفعيل الإصلاح ومع كل أزمة أسعار جديدة يعاد فتح ملف مسالك التوزيع وتنظيم الأسواق ونظل نسمع جعجعة ولا نلمس لها أثرا عمليا. وما دام الاتفاق حاصل والإجماع سائد في تشخيص الوضع ومجابهته بما يلزم من إجراءات لم التأخير وهدر المزيد من الوقت في البحث عن حلول موجودة وإحداث لجان فنية لتحديد مستوى الأسعار والحال أن الدراسات المتخصصة موجودة ومتوفرة بمختلف الوزارات والهياكل الإدارية والمهنية المعنية. المطلوب الآن تجميعها وتحيينها والاستئناس بمعطياتها وبياناتها للسيطرة على الأسعار، والحرص على تفعيل كل قرار يرمي إلى السيطرة على الأسعار وتعهده بالمتابعة والتقييم وإعلام المواطن بكل مستجد في هذا الشأن حتى يكون بدوره شريكا مسؤولا في هذه العملية. منية اليوسفي جريدة الصباح بتاريخ 9 فيفري 2017