اجرى موقع سبوتنيك حوارا مع الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي وجاء في الحوار ما يلي: منذ انطلاق الثورات العربية، ونحن نعيش أزمات حقيقية، فما هي رؤيتكم لحالتنا بعد 6 سنوات من انطلاق الخيط في 14 جانفي بتونس؟ للأسف الشديد أننا كنا نطمح بعد الثورات أن ننهض بوعينا وبمجتمعاتنا ونكون ضمن الدول المتقدمة التي ترتقي للعيش الكريم، ولكن اليوم اغلب البلدان العربية أصبحت على القوائم الحمراء المتهمة بالإرهاب، وخاصةً أنهم يعتبرون الدين الإسلامي هو الذي فرخ التطرف. وهذه الآفة يعاني منها جل المجتمعات العربية، وسرطان ينخر جسم بلادنا، ولكن طالما الشعوب تتوق إلى الحياة، سوف تكون مجندة لاستئصال هذا الورم وهذا الداء الخبيث. وهل كنت تتوقع أن تفرز الثورات هذا الإرهاب، وأن تمر كل الدول التي قامت بها الانتفاضات الشعبية بأزمات اقتصادية طاحنة؟ بالنسبة لنا، للأسف الثورات العربية تم تسويقها بثوب آخر، على أنها لم تجلب سوى الدمار والفقر، ولكن علينا بالصبر، لأننا لا يمكن أن نحكم على تجربة أو خيار اتخذته الشعوب، في مدة وجيزة، خاصةً إذا تحدثنا عن الثورة الروسية أو الفرنسية، فما هو الحيز الزمني الذي أخذته، وكيف أصبحت لديها اقتصاديات متطورة ومجتمعات واعية. وسأقتدي بتونس وقت الثورة حيث كان لي الشرف في إمضاء إضراب 14 جانفي ، بصفتي كاتب عام الاتحاد الجهوي للشغل بتونس العاصمة، ويمكن القول إننا متمسكين إلى حد الأن بالمبادئ والثوابت الأساسية التي من أجلها اندلعت الثورة، عندما انتفض المجتمع من أجل العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق، ومن أجل التوزيع العادل للثروات. لقد ساهمتم في "الانتقال الديمقراطي".. فهل فعلاً سار في الخط الذي رسمته الثورة؟ ساهمنا في الانتقال الديمقراطي من خلال بداية بناء مؤسسات، بالخصوص المجلس الوطني التأسيسي لإقامة دستور جديد، وقتها أظن أنناً تسرعنا، لوجود المد الثوري والعقلية الثورية التي كانت تقودنا في هذه المسألة، لذا كان من الممكن انتخاب هيئة معينة لإعادة تلقيح بعض الفصول في دستور البلاد التونسية، ولكن الذي صار أن المجلس التأسيسي أصبح سيد نفسه، ومن خلاله وقع انتخاب المؤسسات الثلاثة، فيما يسمى ب"الترويكا"، في رئاسة الجمهورية ومجلس نواب الشعب ورئاسة الحكومة، وجميعنا يعلم الخط الذي كان سائداً في الانتخابات. هل كانت أزمتكم في الترويكا فقط؟ نحن كشعب متقدم يؤمن بحرية الاختيار، أردنا انتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية، لأننا نشاهد كيف تكون حالة الانتخابات في البلدان العربية الأخرى، ولكن في هذا الإطار كانت التجربة مريرة، وكان عدم الدراية والإلمام بدواليب الدولة وتسيير مؤسساتها كما يجب، واتخذ هؤلاء آنذاك عديد القرارات العشوائية والشعوبية غير المدروسة، والتي أثرت في تداعياتها إلى اليوم في العديد من الخيارات بالسلب. وصلنا إلى 7 حكومات، وافرازات الثورة تعيش في مخاض كبير، والدليل على ذلك تعدد الحكومات، وهو ما أثر سلبا على التواصل والاستمرارية، وفهم ملفات الدولة، والآن لدينا حكومة وحدة وطنية بشكلها الحقيقي، وكان الاتحاد العام التونسي للشغل شريكا في وثيقة قرطاج، التي أفرزت تلك الحكومة، وأعطاها دفعة إيجابية، والثقة الشعبية. هذا اعتراف أن الثورة تراجعت بتونس؟ نود لو أن الثورة تبني ثورة حقيقية، والتي ستتوزع من خلالها الخيرات على الجهات بصفة عادلة، وتشغل الشباب الذي لديه العديد من الطموحات، خاصةً أن حاملي الشهادات العليا في تونس يتجاوز تقريباً 700 ألف شاب. والفرق بيننا والثورات التي اتخذت حيز زمني كبير جداً لبناء الديمقراطية، هو استيعاب مفهومها، وهي "إطار مناسب لنهوض الشعوب وأن تلتقي على قاعدة الاختلاف في الرأي"، ومجتمعاتنا لم تكن معتادة على هذا الانفتاح والمناخ الديمقراطي الحقيقي، لأن الديمقراطية لابد أن تفهم واجباتك قبل حقوقك. هل الاختلاف ما بين الانتفاضات العربية والثورات التي حدثت في أوروبا، أنها قد انعزلت عن الدين قبل قيامها ونحن بالعكس قد تراجعنا إلى الخلف وأصبح الدين أكثر سيطرة؟ في حقيقة الأمر أن الدين مسألة مشعة لكامل المجتمعات، ليس هناك من بيده مفتاح الجنة ومفتاح النار، وإنما الدين ينهاك على المنكر، ولكن كل الذي اتخذ الدين كمطية فشل، وليس لديه مستقبل، كفرق الإسلام السياسي وغيرهم، وتجد مراجعات عدة في شعوبنا، وعديد الإفرازات التي خرجت بعد جانفي بدأت تتراجع، وبدأت الناس تهتم بقضاياها وهمومها، وتحافظ على مناعة أوطانها، ومدخراتها الطبيعية وثروات الأجيال القادمة. تشتعل في تونس خلال الأيام الماضية الحركات الاحتجاجية والاضرابات في تخصصات عدة، مما يحدث شللاً في قطاعات عدة.. فكيف الخروج من تلك الحالة؟ إذا قارنا التحركات الاحتجاجية بالسنوات السابقة، فما يحدث الآن يعتبر غير موجود، وفي أعتي الديمقراطيات تجد التحركات المنظمة، والاحتجاج السلمي والضغط الإيجابي، لكي يدفع للأمام، وهو ظاهرة صحية بالأساس، وإلا كيف نحب الديمقراطية؟، أن تكون في صمت رهيب، والحكومات تقوم بزيادة الأسعار، وتضرب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والحريات الفردية، وترجع القبضة البوليسية. نحن ضد الفوضى، والحراك المسيس، وما يضرب مقومات الدولة ومناعتها في تلك الظروف، ونحن مع التحركات المنظمة والسلمية. الاتحاد أيضاً لديه خلافات واضحة مع الحكومة، لدرجة التصادم في ملفات مهمة، أهمها الاعتراض على أسماء عدد من الوزراء.. فإلى متى سيستمر ذلك؟ لدينا اليوم خلاف مع بعض الوزارات، فنحن لسنا منظمة حرفية، ولكن اتحاد ذو دور وطني وسياسي، ولدينا رؤيتنا، وعندما تأخذ الحكومة خيارات في رؤية اقتصادية معينة، تؤثر على الوضع الاجتماعي، فيجب أن نتدخل، والزعيم فرحات حشاد، مؤسس اتحاد الشغل، لم يقل "أحبكم يا عمال"، فليس من مهمات الاتحاد هي التشغيل والأجور فقط، ولكن لديه بعد وطني كبير، في كل القضايا التي تخدم المجتمع، لذلك كان يقول "أحبكم يا شعب". ولأن فترة التجربة زادت أكثر من اللازم، نحتاج للإنجاز، وبالناس التي تملك القدرة على فهم الواقع التونسي، بكل ملفاته وتجد الحلول وتتقدم بها. لديكم خلاف واضح مع وزير التربية ناجي جلول.. وإضرابات التعليم تتوالى.. فما الحل في ظل تعنت الحكومة في الاستجابة لطلباتكم بتغييره؟ هو وزير يعمل لحسابه الخاص، حتى في إطار التجانس الحكومي تجده يعمل بصفة فردية، وبالأرقام، هناك تدني في مستوى التعليم، ونسب الغياب، والخروج المبكر من المدارس، وانتشار الحشيش، وما زال الوزير يستعمل في المصطلحات الشعبوية لربح محطات سياسية في الانتخابات القادمة، نحن نحتاج لمسؤول وطني حقيقي، يبني اصلاح منظومة التربية، بالصياغة التشاركية مع منظمات المجتمع المدني واتحاد الشغل. ألا تجد أن مفاوضاتكم مع الحكومة وخاصة في زيادة الأجور لا تجد صدى في الفترة الأخيرة؟ لا عاقل ينكر أن الوضع الاقتصادي بتونس يمر بوضعية صعبة، والمتنفس الاقتصادي لها في ليبيا على مستوى اليد العاملة والتصدير، في وضع استثنائي، والأزمة الليبية لها تبعاتها، خاصة ان هناك مليون ونصف ليبي في تونس يعيشون من صندوق الدعم. استكملنا المفاوضات مع الحكومة، وهناك مساحة من التوترات الاجتماعية، تسمح ببعض الارتفاع على الأسعار، ولكن ليس لأن تصل تونس لتصبح أغلى من أوروبا، فلا تخلق مجالات لجذب الاستثمار، على المستوى الداخلي والأجنبي، وعملنا اتفاق لزيادة الأجور على مدى عامين، ومشكلتنا مع الحكومة هي مصداقية التفاوض، فمع كل وزير يأتي نبدأ التفاوض لتغيير مواعيد زيادة الأجور. وبعد لقائي مؤخرا مع رئيس الحكومة، سنحسم هذا الملف في لقاء بين الوزارة واتحاد الشغل، لإصدار الأوامر الخاصة بفض هذا الإشكال. الحكومة تتعلل بالإرهاب وبالأزمة الاقتصادية.. ما دوركم في اتحاد الشغل لإنهاء تلك المشكلات؟ الدولة تعاني من عدة أشياء أولها الإرهاب، الذي يدمر كل الفرص الاقتصادية، والفساد الموجود في مؤسساتها، والتهرب الضريبي الذي لا يدفع فاتورته سوى العمال والموظفين، لأن الضرائب تقتطع من رواتبهم بشكل مباشر. هناك لوبيات في مجلس نواب الشعب، ترى التحركات الاحتجاجية للمواطنين والمهنيين، فينزعوا جلباب المجلس، ليدافع كل منهم عن انتمائه القطاعي، للتهرب من الضرائب، ومنع وجود عدالة في الاقتطاع الضريبي، ونحن مستعدون للتضحية، ولكن يجب على الجميع ذلك، وأكبر مثال على تضحيتنا، أننا وقعنا اتفاقا مع الحكومة لزيادة الأجور، ونظراً للصعوبات التي مرت بها تونس، أعدنا صياغة محضر الاتفاق، لتعديل مواعيد الزيادة على مدى عامي 2017-2018، لكي نخفف على ميزانية الدولة، لأننا نعرف إملاءات صندوق النقد الدولي. وبالنسبة للإرهاب؟ المهم بالنسبة لنا أمن مجتمعاتنا، ومؤسستنا العسكرية والأمنية نجحت في السيطرة على الوضع الأمني، وهناك نجاح باهر في محاربة الإرهاب، ونطمح في موسم سياحي مميز، بعدما رفعت الدول الأوروبية الحظر على تونس، وبذلك نخط خطوات إيجابية نحو الإقلاع لمدار الدول المتقدمة. وماذا عن الأحزاب الدينية؟ نسعى لوجود دولة القانون والمؤسسات فعليا وليست شعارات، ونحب قضاء مستقل، وحزب التحرير لا يؤمن بالدستور ومدنية الدولة، ولا يمكن أن يكون له ترخيص بالمرة، لأنه لا يحتكم للضوابط القانونية الأساسية، وهناك قضية رفعت من جانب الكاتب العام للحكومة، وننتظر إصدار حكم القضاء، وبحكم النصوص التشريعية والقانونية، فذلك الحزب يتعارض مع مبادئ الدولة، ودستور البلاد والنظام الجمهوري، فأكيد الحكم سيكون بأنه ليس له مكان في تونس. بالنسبة لحزب حركة النهضة، فقد طرح على نفسه التطور، وفصل الدعوي عن السياسي، فالدين ليس حكر على أحد أو فئة، وهو مسألة بين العبد وخالقه، وليس للاستدراج السياسي، والدخول في معاركنا وخصوماتنا الانتخابية، ولا يوجد شخص يملك شهادات بالإيمان، يعطيها لمن يشاء ويسحبها ممن يشاء. ولكن حزب النهضة، إذا كان يتلاعب بالمصطلحات، ويتخذ سياسة المخاتلة، فالشعب التونسي فطن، وسيحدد خياراته، وخاصة أن لدينا انتخابات بلدية في القريب، سننتظر نتائجها، ونحتكم فيها للقاعدة الجماهيرية. هل تسمح الدولة التونسية بوجود مؤسسة موازية؟ بالنسبة للدبلوماسية الموازية التي برزت في تونس، سواء النهضة أو غيرها، في الجزائر أو ليبيا، فهذه نعتبرها سلبية كبيرة جداً، وهذه مسؤولية رئيس الجمهورية والحكومة التونسية، التي يجب أن تضع كل إنسان أمام مسؤولياته، والدبلوماسية من مقتضيات عمل السلطة التنفيذية والرئاسة التونسية فقط(سبوتنيك )