أكد انطلاق التفاوض حول التحوير الوزاري هشاشة مفهوم الوحدة الوطنية كما صاغته وثيقة قرطاج ..وحدة تحمل بوادر فشلها مع حلول موعد اختبار «منسوب الوطنية» عند الأطراف المشكّلة للحكومة التي باتت تظهر أنانية أكثر من اللزوم ، تحرّكها مصلحية حزبية ضيقة فيها الكثير من منطق الغنيمة والرغبة في السيطرة على مفاصل الدولة وفق قاعدة «انتخبنا الشعب لنحكم ..». وما تأجيل رئيس الحكومة للتحوير الوزاري منذ الربيع إلا دليل على سعيه الدؤوب تأجيل مواجهة والتهيؤ لها جيدا من خلال كسب المزيد من ثقة الشعب في حرب بدت استثنائية ضد الفاسدين غير ان عوامل داخلية وخارجية جعلتها تختزل في معركة يوم واحد دون غد قريب لناظره .. وقد عجلت استقالة وزير الاستثمار والتعاون الدولي ووزير المالية بالنيابة التحوير وجعلته واقعا مفروضا على الجميع.. ورغم سعي رئيس الحكومة ،بمناسبة مرور سنة على تشكيل الحكومة،اكساء التحوير جبة التقييم الموضوعي لأداء فريقه من خلال الوقوف على نقائص الهيكلية المتبعة في تحديد الحقائب الوزارية وتوزيعها وتقييم مدى تقدم أعضاء الحكومة في تنفيذ أهداف وثيقة قرطاج وعلى رأسها مقاومة الفساد كمطلب رئيسي للمانحين الدوليين فانه سقط في المحظور الذي تجنبه كثيرا واضحى في المشاهد المملة لمسرحية الشد والجذب كالمستجير بالرمضاء من النار . فرؤية رئيس الحكومة للأشياء غير نظرة أطراف عدة أخرى في مفاصل الدولة جمّعتها أهداف وثيقة قرطاج وفرّقتها السبل الى تحقيق أهدافها..والنتيجة انه في خضم التجاذبات والحسابات الخاصة والشد والجذب حتى داخل الحكومة تلاشى شيئا فشيئا مفهوم الحكومة الفريق الذي يفترض ان يتحرك وفق خطة واضحة المعالم وضعها الممضون على وثيقة قرطاج والذي يتحمل فيها وحده رئيس الفريق مسؤولية تنفيذها وتحقيق أهدافها وبالتالي تحمل مسؤولية النجاح من عدمه .. ولأن رئيس الحكومة وحده يتحمل المسؤولية ووحده الذي يسدد ثمن الفشل - طبعا إلى جانب الطبقات الكادحة والمستثمرين الذين يَرَوْن رؤوس أموالهم تهدر - فان منطق الأشياء أن يترك له هامش تحرك كي يعدل فيه أوتار فريقه ويعده أحسن استعداد للمراحل القادمة في ظل وضع حرج للمالية العمومية وفِي ظل تعثر الحرب على الفساد وفشل في ارجاع الهيبة المفقودة للدولة التي عليها ان تساوي الجميع امام الحقوق والواجبات واولها الواجب الضريبي. وما تواصل الشد والجذب وإدخال البلاد منطق الحسابات الضيقة والرغبة المحمومة في السيطرة على المزيد من مراكز القرار لغايات حزبية او فردية الا تسريع بافشال اخر فرصة للتوافق الواسع على هناته وتسريع بإخراج البلاد من مرحلة الوحدة الوطنية وإدخالها الى مرحلة الإنقاذ الوطني بما يعنيه الإنقاذ من مضامين تبدأ بتفويض الحكم الى حكومة «وصاية» مفروضة على الجميع وقد يتطور الأمر إلى حيث تفقد البلاد كل مقومات السيادة ويعلق العمل بالديمقراطية . فنجاح رئيس الحكومة هو بمثابة الخرطوشة الأخيرة ومثل هكذا نجاح أثمن من كسب معركة السيطرة على مفاصل وزارة الداخلية او تقديم رأس وزير او مستشار في طبق او تغيير وزير وإعفاء آخر.. لقد أنهكت الخلافات السياسية البلاد وسئم شعبها صراعات الساسة وضاق ذرعا بحاله الذي يزداد تدهورا من يوم الى اخر .. وحتى إن اختلف مع الحكومة أو ملّ من النداء والنهضة أو ضاق ذرعا بالجبهة فانه في نهاية المطاف في حاجة الى استقرار وأمل ونفس جديد ، فعندما تضيق النفوس وتصيب بالاحباط فان كل شيء يصبح ممكنا للقطع مع المأساة ، فاحذروا القادم.