بقلم: القاضي المستشار يوسف رمضان وصلنا مقال رأي من القاضي المستشار يوسف رمضان تناول فيه الأزمة التي تمر بها البلاد في ظل "الحروب المعلنة" التي يخوضها رئيس الحكومة على أكثر من صعيد تحتم عليه أن يجند فريقا حكوميا يفترض أن يتسلح بالصرامة و الحزم و خلع جبة المحاباة و النفاق السياسي و عقيدة صماء لأنه سيجد مقاومة عند العدو وهو ما سيضطره لإتباع حرب استنزاف ربما تطول في الزمن ولو إن سلاح رئيس الحكومة هما الدستور و الأوامر الحكومية. وفي ما يلي نص المقال: لقد انخرطت الطبقة السياسية في تونس بعيد 14 جانفي 2011 في تجربة سياسية جديدة أرست على نظام سياسي لم يألفه التونسيون من قبل و قد أفرزت هذه التجربة السياسية أزمة حادة ألقت بظلالها على مصير الإنسان التونسي مراوحة بين أزمة حكم و أزمة مالية خانقة . و في ظل تشكيلات حكومية متعاقبة لم تقدر الطبقة السياسية على إنتاج منوال يأمل فيه كل التونسيين العيش في رفاه و الارتقاء في سلم المؤشرات العالمية في كامل مجالات الحياة حيث أن العكس هو الذي حصل بان تدحرجت تونس في سلم التصنيفات العالمية في عديد المجالات من ذلك تقهقر ترقيمها السيادي بشكل أزعج كل التونسيين وهو ما جعلهم يخشون من حصول انهيار مفاجئ في سلم المؤشرات الاقتصادية و الاجتماعية . إن عوامل الأزمة التي تمر بها تونس عديدة فمنها ما هو في علاقة بإرث قديم على المستوى الهيكلي لسائر دواليب الدولة و منها ما يعود لطبيعة الحكم و النظام السياسي الذي ارتضته الطبقة السياسية الجديدة التي عجزت عن الذهاب في العمق لحلحلة جملة من القضايا و اختارت التعامل معها بأيادي ناعمة ، فحتى انتخابات 2014 قد طالتها كذلك أزمة تمثيلية من خلال تشويه لإرادة الناخب وذلك بنهج خيار سياسي موازي لها أملاه التوافق بين قطبي الحياة السياسية حركة نداء تونس و حركة النهضة و ذلك لإحداث هدنة مؤقتة لتباين المواقف و تباعدها و مهما كانت الأسباب الخفية و الحسابات السياسية فان مثل هذا الخيار قد أنتج بدوره سببا إضافيا لأزمة لا تفتأ تتعمق و تزداد تعقيدا من خلال إنتاج ما لايقل عن 7 حكومات لم تكن جميعها مقتدرة على السيطرة على الوضع المتأزم و طفقت تبحث عن مخارج ظرفية لأزمة طالت جميع القطاعات و عجزت جميعها عن إخراج تونس من نفق تلك الأزمة . كما صاحب هذا الخيار إفراز سلوك سياسي لم يألفه التونسي من قبل من خلال التغيير الحكومي الذي بلغ حد النزيف لم تقدر الطبقة السياسية على كفكفته ووقفت بذلك تلك الطبقة في مفترق طرق طال الوقوف به و عجزت عن التوفيق في الحسم في الخيارات الاقتصادية و الاجتماعية و رسم ملامح منوال جديد يأمله التونسيون فاهتزت بذلك الثقة و انعدمت الآمال المعلقة على النخبة السياسية . و منذ قدوم يوسف الشاهد على آخر تشكيل حكومي وليد وثيقة قرطاج وقع إعلان الحرب على الفساد و جاء الدور سريعا على حكومته التي كانت ضحية الضغوطات و الصراعات فلم يقدرعلى الصمود طويلا الأمر الذي أفضى إلى الدخول من جديد في نفق التحويرات وهو مسلسل مل منه التونسي و آخرها التحوير الحكومي الأخير الذي كانت ردود الأفعال بشأنه مختلفة التي تناولته بكثير من الحذر و الشك و بقليل من التفاؤل لأنه يدخل في زمرة التقاليد السيئة التي افرزها نظام الحكم الجديد الذي أصبح موضوع طلب فئة سياسية واسعة بإعادة النظر في مبادئه و بضرورة تصويبه. إن ما شدني في كلمة رئيس الحكومة التي ألقاها التجاءه لكلمة الحرب و هي الكلمة التي جمعت حولها كل المعاني و الخلفيات من وراء إحداث هذا التحوير الحكومي . فهل استعد رئيس الحكومة للحرب الجديدة التي أعلنها و هل أفصح عن خطته لقيادة هذه الحرب و هل حدد بكل دقة هوية العدو وهي كلها أسئلة جديرة بالإجابة عنها من خلال السياق الذي جاء فيه هذا التحوير فإعلان الحرب هو قطعا رسالة على عزم في تغيير منهجية العمل الحكومي لحلحلة وضع معين وهو ما يقتضي إعتماد أسلوب القوة مع العدو و القبول بوقوع الخسائر مع الإصرار على الإنتصار . إذن فكل هذه المعاني التي تحملها كلمة الحرب تنبئ بان رئيس الحكومة سيعتمد أسلوبا فيه الكثير من الصرامة في التعامل مع عدد من الملفات التي كانت سببا في استفحال الأزمة وأراهن على أن الأزمة المالية تعد أم المعارك التي سيبادر رئيس الحكومة بشنها أما عن قضية الحكم و قضية الهوية التي طفت على السطح من جديد بين خصمي التوافق فهما قضيتان لا ترتهنان إلى سلطة رئيس الحكومة . إن الحرب التي قصدها رئيس الحكومة هي بلا أدنى شك ستقتصر على معالجة الأزمة المالية الخانقة و أي نوع من الحروب خطط لها رئيس الحكومة ذلك أن الحروب عديدة و متنوعة منها ما هو ردعي من خلال توجيه ضربات نوعية للعدو و منها ما يدخل في سجلات الإستنزاف، فرئيس الحكومة أمام حتمية تحديد خياراته في هذه الحرب المعلنة . إن نتاج الأزمة المالية منها ما يعود إلى عطالة قانونية و منها ما يرتهن إلى سلوك سيء رافق المواطن التونسي بعيد 14 جانفي 2011. و المعلوم لدى رئيس الحكومة أن يجند فريقا حكوميا يفترض أن يتسلح بالصرامة و الحزم و خلع جبة المحاباة و النفاق السياسي و عقيدة صماء لأنه سيجد مقاومة عند العدو وهو ما سيضطره لإتباع حرب استنزاف ربما تطول في الزمن و إن سلاح رئيس الحكومة هما الدستور و الأوامر الحكومية. و في ظل الاستعجال الذي يكتنف إعلان هذه الحرب فإن رئيس الحكومة لا يمكن أن يراهن على تنقيح القوانين ذلك انه رهان خاسر على اعتبار أن إجراءات التعديل تتطلب وقتا طويلا و لا ترتهن بذلك إلى إرادته و بذلك وجب على رئيس الحكومة أن يعتمد في حربه على ما هو ملائم في القوانين الجاري بها العمل لقيادة هذه الحرب. إن الأزمة المالية التي تعيشها تونس و التي اضطرت الحكومات المتعاقبة إلى التداين الخارجي المفرط من المؤسسات المانحة و ما صاحبه من تقهقر في الترقيم السيادي و لئن تعددت أسبابها فانه يمكن إرجاع مصادرها إلى ثلاثة أسباب كبرى فأولها عدم قدرة أجهزة الرقابة على إجراء مسح مالي و عجز عن تحقيق تعبئة مالية عامة داخلية و ثانيها إدارة عميقة و غياب مبادرة الاستثمار و ثالثها شذوذ اجتماعي و مطلبية مشطة. أولا: إطلاق حملة وطنية لإجراء مسح مالي و تحقيق تعبئة عامة داخلية لموارد الدولة . لقد ألقت قضية الجباية بعيد 14 جانفي 2011 بظلالها على أزمة المالية العمومية و ذلك بتزايد الأعباء من دون قدرة الدولة على استخلاص و تحصيل ديونها التي ظلت حبيسة عملية تثقيل إداري و دون متابعة عند مستوى الاستخلاص . فبخلاف الدول المتقدمة و التي تحرز لديها مسألة الجباية المحلية و الوطنية أهمية قصوى و نجاعة لا مثيل لها عند مستوى الإستخلاص لا تزال تونس ترزح تحت مشكل هيكلي مستفحل منذ نشأة دولة الاستقلال إلى اليوم . فهل حرصت حكومة الشاهد 2 على ضبط خطة داخل هذه الحرب المعلنة لتحقيق التعبئة العامة المنشودة و هل استعد جنوده للقيام بهذه المهمة . إن كل قيادة ميدانية في لغة الحرب يجب أن تتوفر على جنود تعهد لهم مهمة استكشاف العدو و مواطن اختبائه فالمطلوب اليوم أن يقع إجراء مسح مالي و جبائي و ذلك بفضل سجلات التعداد السكاني الشامل. إن المواطن التونسي بما فيه من روح الوطنية إلا انه يجنح إلى سلوك غير مرضي إزاء واجبه الجبائي ملؤه المراوغة و غياب التلقائية في التصريح بمداخيله وهوما لا يسمح بالتعويل على مثل هذا السلوك في تحقيق التعبئة العامة . ففي إطار الحرب المعلنة يجب على مصالح و أجهزة الدولة الرقابية المحلية و الجهوية و المركزية إجراء ذلك التعداد الجبائي و التصدي بكامل النجاعة لمثل ذلك السلوك فعلى سبيل المثال تنامت ظاهرة عقود الكراء بالمراكنة بشكل ملفت من خلال استفحال ظاهرة السياحة الموازية و خاصة إزاء تدفق السياح من الدول الشقيقة المجاورة و هو ما يستوجب من المصالح العمومية إطلاق حملة واسعة تستعين فيها بمجهود أعوان النيابات الخصوصية للقيام بمسح عمراني و دعوة المواطنين خلال آجال مضبوطة لإتمام إجراءات التصريح بكراء شفاهي و في صورة عدم الاستجابة التلقائية يقع اللجوء إلى اعتماد نظام المؤشرات من خلال تشريك مصالح كل من شركتي الكهرباء و الغاز و استغلال المياه و كذلك مزودي خدمات الأنترانات للاسترشاد حول مردودية المحلات القابلة للكراء . و من جهة أخرى ، و في إطار ما تمت ملاحظته من تلاشي و ضياع لحقوق الدولة من جهة الخطايا الجزائية موضوع عشرات الآلاف من الأحكام القضائية الباتة جراء التعقيد الإداري المفرط و تشريك عقيم لأجهزة الدولة من خلال تشتيت المجهود و إهدار للطاقات أمكن للنيابة العمومية أن تضطلع بدور هام و ذلك بتركيز قباضات عدلية داخل المحاكم و هو ما يسمح بفرض السيطرة على ظاهرة إسقاط العقوبة جراء التهاون عند الاستخلاص و إعفاء القباضات المالية من مثل هذا الدور تخفيفا عنهم و تدعيما للمجهود الوطني في سبيل تحقيق التعبئة المنشودة . كما يمكن الاستنجاد بمؤسسة الصلح الجبائي بعيدا عن مفهوم المصالحة الوطنية من خلال تشجيع المطلوبين جبائيا بتسوية جبائية مع توفير الامتيازات المشجعة في إجرائها و إحداث سجل جبائي وطني يقع اعتماده للتشهير بالمتهربين جبائيا و سد الطريق أمامهم تكريسا لمفهوم العدالة الجبائية و دائما في إطار هذا العنوان الأول من الحرب التي تستدعي من الفريق الحكومي التحلي بقيم و خصال الصرامة و الانضباط و الخروج من جبة المجاملة السياسية ، يجب على الدولة في سبيل صيانة مصالحها تعليق العمل ببعض الحقوق استنادا الى مؤسسة الدفع باستثناء التنفيذ مناط الفصل 246 من مجلة الالتزامات و العقود (م اع) ضرورة أن الدولة ترتبط بعقد اجتماعي بمواطنيها متمثلا في الدستور الذي تتقابل فيه الحقوق و الواجبات و الذي اقتضى أنه ليس لأحد أن يقوم بحق ناتج من الالتزام ما لم يثبت أنه وفى من جهته أو عرض أن يوفى بما أوجبه عليه ذلك الالتزام بمقتضى شروط أو بمقتضى القانون و العرف. ثانيا : ضرورة تغيير سلوك الإدارة من الإدارة عدوة الاستثمار إلى الإدارة المبادرة . لا يخفي أحد من التونسيين انطباعه السيئ على سلوك الإدارة الذي يتسم بالتعقيد و التضخم و هو ما أثر على أداء المرفق العام الذي أصبح عبئا ثقيلا و مثالا سيئا للخدمة الإدارية .و في إطار الحرب المعلنة أظن أن رئيس الحكومة قد جعل من الإدارة عدوا و خصما عنيدا ضرورة أن الإدارة التونسية ترزح تحت منظومة قانونية قديمة عند مستوى المفاهيم و المبادئ و بطيئة عند مستوى الإجراءات و الخدمات المقدمة و معادية لروح المبادرة و الاستثمار. فهذه الإدارة العميقة هي شبيهة بالبئر الخاوية التي لا ماء فيها و لا يرجو منها صاحب الأرض أن تنتج له شيئا فيدب فيه اليأس فيهجر أرضه بحثا عن بئر مرتوية كلما صادفت حاجته إلى الماء وجده قريبا فيلهمه ذلك العطاء و الأمن و الاستقرار فتصبح أرضا طيبة معطاء سخية و هو معنى الحياة . إن الإدارة التونسية لا حياة فيها فهي بحر عميق داخله مفقود و خارجه مولود و كل من ركبها غرق في مياهها و تعاقب كل من طلبها و لا يزال المواطن التونسي أسود الشعر فلا يغادرها استنفاذا لمطالبه حتى يغزو الشيب رأسه. إن على رئيس الحكومة و لتجاوز هذا الديناصور و مغالبته أن يتسلح بالأوامر الحكومية من خلال تبسيط ميداني للإجراءات كما وجب تعميم نظام كراسات الشروط و خلق وسطاء الإدارة في شكل شركات يتولون في إطار نظرية الوكالة التخاطب مع الإدارة في حق منظوريهم من المستثمرين كالسماح لباعثي المشاريع من مباشرة النشاط و الدخول في دورة الإنتاج و خلق الثروة بمجرد البعث القانوني ( قانون تأسيسي + إيداع المساهمات بحسابات الشركات ) دون غيره من الإجراءات الإدارية مع ضرورة حماية حقوق الغير من خلال التنصيص على عبارة شركة بصدد التأسيس أو التكوين بمضمون سجلها التجاري و فواتيرها و وثائقها المحاسبية كذلك دون رهن مباشرة النشاط على ضرورة استكمال باقي الإجراءات و هو ما يولد روح المبادرة لدى المستثمر الوطني خاصة الذي اكتوى بنار إدارته الوطنية التي لا تزال ترفع شعار "النار قبل الجنة" . أما على صعيد أزمة الصناديق الاجتماعية و من ذلك أزمة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي فمن باب الحد من تفاقم العجز الذي أصابه يمكن لرئيس الحكومة و تفعيلا للحق في العمل أن يسمح للمتقاعدين من القطاع الخاص من ممارسة النشاط و العمل بنظام أنظمة الضمان الاجتماعي للأجراء ذلك أن ظاهرة تشغيل المتقاعدين لا تزال تتنامى ضرورة أن زهاء أثني عشر ألفا يعملون كأجراء و أنه إزاء هذا الوضع يجب دعوة المؤجرين إلى التصريح بهم بما لا يؤثر على حقوقهم ودون تجاوز سقف النسبة الممثلة لجراية التقاعد و بطرح باقي المساهمة من ذلك السقف و تمكين مصالح الصندوق منها من قبيل المساهمة في تدعيم موارد الصندوق و هو ما يسهم في الحد من العجز الهيكلي . ثالثا : إحداث هدنة اجتماعية بتدابير دستورية :لقد عاشت تونس بعيد 14 جانفي 2011 طفرة حقوقية و اجتماعية من خلال الشعارات المرفوعة و هو ما ترجمه دستور الجمهورية الثانية من تكريس و تثبيت لعديد الحقوق الاجتماعية .ثم ما لبثت هذه الحقوق في إطار المطلبية الاجتماعية تأخذ شكل الاحتجاجات لامست في بعض الأحيان مجال الجريمة من خلال جنوح فئة من الشعب التونسي إلى التمرد على أجهزة الدولة التي عرفت ضعفا فادحا شجع تلك الفئة على النيل من هيبتها من خلال قطع الطريق و إشغاله بالاعتصامات و النيل من حرية العمل و هو ما تسبب في اضطراب دورة الإنتاج خاصة في قطاعي الطاقة و المناجم و تراجع ملحوظ في مداخيل السياحة في ظل تقلب الوضع الأمني و تنامي الظاهرة الإرهابية و ظلت الدولة إزاء هذا الوضع و الانفلات عاجزة عن إحكام السيطرة عليه و جنحت النخبة السياسية إلى الاستسلام للواقع بكل سلبية و كان الإحتكام إلى الشارع هو الوسيلة التي نجحت فيها المطلبية الضغط على الحكومات التي غابت عنها الصرامة الأمر الذي أدى الى تفاقم الدين العام نتيجة سياسة الإدماج المفرط في الوظيفة العمومية و الزيادات غير المحسوبة في سلم الأجور و أثبتت الطبقة السياسية عن عجزها و عدم قدرتها على فرض هدنة اجتماعية . و للأسف الشديد أبدى الإنسان التونسي شذوذا اجتماعيا وصل أعتاب الجريمة و لم يبد تعقلا و لم يقدر حجم العناء و الإنهاك الذي أصاب الدولة من خلال بلوغ التضخم نسب قياسية و تقهقر قيمة الدينار التونسي في أسواق العملة الأجنبية نتيجة الإفراط في التداين استجابة للمطلبية المشطة . هذا الأمر أدى الى تفجير أزمة حادة لم تقدر الحكومات المتعاقبة على مجابهتها نتيجة الأيادي الناعمة التي رافقت فتح و معالجة تلك الملفات . و طالما أعلن رئيس الحكومة عن هذه الحرب فهو بذلك قد أرسل رسالة قوية و واضحة الى كل الفاعلين السياسيين و القوى الاجتماعية الحية في البلاد و ذلك بالقطع مع سياسة الأيادي الناعمة و الدخول في حرب إجتماعية تتمثل أهم أدواتها في ضرورة تعليق حق الإضراب بجميع أشكاله الميدانية من خلال الالتجاء إلى المحكمة الدستورية في طلب رأي معلل .لئن كفل الدستور التونسي الحق في الإضراب و ضمنه و أحال طرق ممارسته إلى القانون إلا أن مثل ذلك الحق قد أخذ أشكالا عديدة من خلال الاحتجاجات و الاعتصامات و تعطيل حرية العمل و غلق مؤسسات الإنتاج مما أجل روح المبادرة لدى المستثمر في المناطق الداخلية تفعيلا لمبدأ التمييز الايجابي و لم تجابه الحكومات هذه الظاهرة بما يكفي من الصرامة بل ساهمت في بروز ظاهرة سوسيولوجية تمثلت في تمرد إجتماعي و تكريس مطلبية مدمرة لقدرات الدولة . و كانت الدولة في وقت ما في حاجة إلى هدنة دستورية من خلال تعليق العمل ببعض الحقوق الاجتماعية و من ذلك حق الإضراب و ذلك بالالتجاء إلى المحكمة الدستورية بطلب رأي معلل و هو أمر ممكن دستوريا. ذلك أن الموازنة بين الحقوق الاقتصادية و من ذلك الحق في التنمية و تفعيل التمييز الايجابي بين الجهات لتقليص الهوة بينها أصبحت غير ممكنة التحقيق مما يقتضي تدخل المحكمة الدستورية لإبداء رأيها في مسألة التعليق مع توفير ضمانات تلك الهدنة التي من شأنها ان توجه عناية الحكومة إلى الاشتغال على تحقيق التعبئة المنشودة من دون تشتيت لمجهوداتها في هذا التوقيت. إن الحرب المعلنة من حيث المدلول و الخلفيات و التوقيت ربما تشكل الفرصة الأخيرة للخروج من نفق هذه الازمة الخانقة ذلك ان الطبقة السياسية من خلال نعت التحوير الحكومي بفرصة الامل الاخيرة قد أوقعت نفسها في شراك المحاسبة الشعبية ذلك انه وجب التنبيه إلى ضرورة توجيه مجهود الحكومة نحو إنقاذ الدولة و نبذ الصراعات الحزبية حول الخيارات الاقتصادية و الاعتبار من تجارب الحكومات السابقة و عدم الوقوع في نفس الأخطاء و إحداث هدنة إجتماعية حتى تستعيد الدولة عافيتها و تمضي قدما في تحقيق التزاماتها الدستورية ذات الطابع الإقتصادي إزاء مواطنيها.