أكد وزير العدل نور الدين البحيري أن "القضاء اليوم ليس مستقلا وليس من السهل تحقيق استقلاله بعد ان خضع على مدى عقود لسلط أخرى" وأضاف البحيرى في تعقيبه على اسئلة النواب في جلسة مساءلة أمس الإثنين في المجلس الوطني التأسيسي "أن مراكز القوى وممارسة الضغط لا تزال تعطل اصلاح القضاء" حسب تقديره مبينا ان "الارادة السياسية وحدها لا تكفي لتكريس استقلال القضاء اذ يجب أن يعاضدها استقلال المحاماة واستقلال عدول التنفيذ وكتبة المحاكم والخبراء". وأعرب عن اقتناعه "بضرورة ان تكون السلطة القضائية مستقلة استقلالا كاملا لبناء الديمقراطية" مؤكدا الحرص على انتهاج تمش تشاركي مع مختلف الاطراف المعنية بالإضافة الى الاستفادة من المنظمات الاجنبية والاستناد الى التجارب الناجحة من أجل اصلاح قطاعي القضاء والسجون. وأبرز أهمية الدور الموكول للمجلس الوطني التأسيسي في ترسيخ استقلالية القضاء عن طريق تضمين مبدأ استقلاليته في نص الدستور الجديد بكل وضوح ودقة بما يضمن حسب رأيه "استحالة" تدخل السلطتين التنفيذية والتشريعية في عمله مؤكدا ان استقلالية النيابة العمومية وعلاقتها بوزارة العدل "مسالة يجب مناقشتها في اطار اعداد مشروع الدستور القادم". وأفاد البحيرى بأنه "رغم اتخاذ بعض القرارات الاصلاحية فانه لم يتم تطوير السلطة القضائية والمؤسسة السجنية كما هو مرجو باعتبار أنها تعاني من تركة من الخلل تعود الى أكثر من خمسين سنة" مذكرا بمبادرته بأبعاد القضاة الذين ثبت تورطهم في الفساد والتعدى على حقوق الناس في عهد النظام السابق طبقا للقانون الأساسي للقضاة باعتباره "شرطا ضروريا للتقدم في مسار المحاسبة في انتظار تنفيذ قانون العدالة الانتقالية" حسب قوله. وأشار إلى أن المحاكم لا تزال في "أوضاع متردية وتعمل بقوانين مكبلة وطالما استخدمت لتجاوز حقوق المواطنين" معربا عن الأمل في أن "تتم المصادقة في أقرب الآجال على مشروع القانون المحدث للهيئة المؤقتة للإشراف على القضاء العدلي قبل العودة الى مناقشة الدستور". وفي ما يخص تواصل عمل المجلس الأعلى للقضاء أوضح الوزير "أن مدة عمل المجلس لم تنته بعد" ملاحظا أن الاستغناء عنه في هذه الفترة "سيحدث فراغا كبيرا في التشريعات الخاصة بمهنة القضاء على غرار الانتدابات والتعيينات والترقيات" حسب تقديره. واقترح إقرار مشروع عفو من قبل المجلس الوطني التاسيسي عن الشباب الذين سجنوا في أحداث احتجاجية بعد الثورة "اذا رأى المجلس أن الظروف التي حفت باعتقالهم كانت استثنائية وعلى خلفية مطالب معينة" حسب قوله. وأبرز نور الدين البحيرى ضرورة تكوين لجنة مشتركة بين وزارة العدل والمجلس التأسيسي ولجنة الحوكمة ومقاومة الفساد وكل اللجان المهتمة بهذا الموضوع من أجل النقاش حول سبل تطهير الادارة التونسية ومؤسسات الدولة وجعلها تعمل تحت رقابة المجلس التأسيسي. وأوضح أن القضاء على غرار مختلف مؤسسات الدولة كان يمر حسب وصفه بحالة "شلل" وان الوزارة تحرص رغم ذلك على تجاوز كل الإخلالات مذكرا بأن حوالي 1200 قضية فساد مطروحةاليوم امام محكمة تونس الابتدائية احيل بموجبها قرابة 1800 شخص على القضاء. وشدد من جهة اخرى على ضرورة أن يقوم المجلس الوطني التأسيسي بدوره التشريعي ويبادر باقتراح مشروع قانون "لإبطال أوتعديل قانون مكافحة الإرهاب الموروث عن نظام الرئيس السابق باعتباره "غير شرعي" حسب تعبيره. ولاحظ ان مسار معالجة هذه الملفات "يسير في وتيرة متصاعدة لكن دون تسرع" مبينا ان الوزارة قد اتخذت العديد من القرارات الرامية الى التوسيع في الدوائر الجنائية ومكاتب التحقيق ودوائر الاتهام في إطار سعيها للتسريع في الفصل في القضايا. كما نفى نور الدين البحيرى ما راج حول الاعتداء بالعنف على موقوفين لإجبارهم على قطع اضراب الجوع وما تم تداوله كذلك بشان تدخل زوجته كمحامية للإفراج عن أحد الموقوفين بتهمة ترويج المخدرات مؤكدا ان زوجته قد توقفت عن ممارسة مهنة المحاماة لتتفرغ الى النشاط في الجمعية الدولية للمساجين السياسيين. وفي تعقيبه على التساؤلات المتعلقة بقضية سامي الفهرى أوضح وزير العدل أن محكمة التعقيب ليس لها صلاحية إصدار أحكام الايداع بالسجن مذكرا انها قضت بالنقض مع الاحالة في القضية المرفوعة ضد مدير شركة كاكتوس. وأفاد فيما يتعلق بقضيتي السيدة العقربي وصخر الماطري ان كل ملفات التتبع في حقهما كاملة وقانونية مستشهدا ببعض الوثائق التي تثبت ذلك. وبين أن وزارة العدل قد تمكنت خلال الفترة السابقة من تفكيك شبكة الحسابات البنكية لبعض الاشخاص الفارين من المتورطين في قضايا فساد ومنع استصدار قرار اللجوء السياسي لعدد منهم وتجميد قيمة كبيرة من الاموال المهربة بالخارج. ودعا البحيرى الى تعزيز الثقة في القضاء التونسي خارج البلاد لافتا الى ان الاتهامات التي تطعن في استقلاليته وشفافيته "يمكن ان يتم استغلالها لفائدة الاشخاص الذين تسعى الحكومة التونسية الى ايقافهم" مذكرا بأن بلحسن الطرابلسي نجح في "تحييد الحكم القضائي الصادر ضده بحجة عدم توفر ضمانات المحاكمة العادلة في تونس" حسب تعبيره. وشدد من جهة اخرى على ضرورة ان يبقى القضاء "بعيدا عن المزايدات والتجاذبات السياسية" مؤكدا ان كل من يهدد امن البلاد واستقرارها ومن يحاول تجاوز القانون "لا بد ان يحاسب". وبخصوص القطب القضائي اكد وزير العدل انه "لا يمثل محكمة خاصة" وإنما يندرج في اطار ترتيب داخلي وتوزيع للمهام تحت اشراف رئيس المحكمة الابتدائية للنظر في قضايا الفساد المالي. وأوضح فيما يخص قضية المواطن التونسي علي الحرزى الذى تم استجوابه من قبل عناصر من مكتب التحقيقات الفيديرالي الامريكي في قضية مقتل السفير الامريكي ببنغازى ان هذا الاستجواب يندرج ضمن ما يسمى بالإنابات القضائية بين الدول والتي قال انها "لا تنفذ بقرار سياسي بل بموجب اتفاقات دولية". (وات)