تلقت "الصباح نيوز" مقال رأس بقلم الإعلامي خالد نجاح حول "الارشيف التلفزي...إنقاذه و رقمنته واجب وطني على الدولة تحمّله بالكامل". وفي التالي نص المقال: "أدلى كثيرون بدلوهم على الفايسبوك في اليومين الأخيرين في موضوع أرشيف التلفزة التونسية إثر بث القناة الوطنية الاولى في سهرة الجمعة لبرنامج وثائقي حول زمن الابداع في السنوات الغابرة من خلال ما تضمنه أرشيف التلفزة التونسية من أعمال فنية سبقتسجيلها بالأبيض و الاسود . و هذا الحديث طرح مسألتين مهمتين ، الاولى تتعلّق بنوعية الإبداع الفني و ثرائه في عقود السبعينات و الثمانينات تلفزيا على الاقل ، في حين تتعلّق المسألة الثانية بموضوع حفظ الأرشيف التلفزي و رقمنته، وهي التي سأتناولها في الرأي التالي من حيث الأسباب التي أدّت إلى إهمال الأرشيف التلفزي بعد انقلاب 7 نوفمبر خصوصا و السبل الكفيلة بإنقاذه على اعتبار كونه من الأرشيف الوطني و تراث البلاد. تطوّر محامل الأشرطة و إهمال الأرشيف تطورت محامل الأشرطة منذ تأسيس التلفزة حتى اليوم و لكن نتيجة ظروف عديدة لم تجتهد التلفزة في الحفاظ على التجهيزات التقنية القديمة ما نتج عنه استحالة رقمنة آلاف الاشرطة نتيجة عدم امكانية قراءتها . و لا يمكن تحميل المسؤولية لأحد فلم يكن هناك اهتمام بالأرشيف الذي اصبح غولا يخيف الجميع بعد انقلاب 7 نوفمبر نتيجة الخشية من ظهور أشرطة لبورقيبة وحتى وزرائه الذين أصبح الأحياء منهم اليوم محلّ تبجيل و ليس هذا موضوعنا. و فقد ذاك الأرشيف قيمته و أصبح مهملا و خاصة في ظل ضيق أمكنة حفظه في مقر التلفزة القديم في شارع الحرية الذي كان يجمع الإذاعة و التلفزة، فتم ترحيله إلى مواقع أخرى كانت عرضة للريح و المطر و الحرّ و لم يكن أحد يجرؤ تقريبا على القول بضرورة الحفاظ على ذاك الإرث التلفزي خشية ربما أن يصفوهم بأزلام بورقيبة و ما كان سيترتب عن ذلك وكان جائزا. و يقيني ان العاملين في خزينة الأفلام في ذاك الوقت قد عملوا جهدهم على إبقاء المخزون المهم في مقر التلفزة و عدم تعريضه للإهمال في المستودعات التي تم تسويغها" لنفي" الاشرطة و هذه هي الكلمة المواتية لما جرى . و كانت كلما ظهرت محامل جديدة يتم ترحيل أشرطة الى المستودعات حتى تترك مكانها للجديدة داخل المقر و يتم نقل التجهيزات التقنية القديمة الى أمكنة اخرى ما تسبب في فسادها إلا قليل نادر تمت المحافظة عليه حتى اليوم بجهد شخصي من بعض مهندسي الصيانة في التلفزة و يتعلق باجهزة القراءة و التسجيل على محملU-MATIC وهو نوع من الأشرطة التي كانت مستعملة إلى حدود بداية التسعينات تقريبا، أما ما سبقها من محامل فلم يعد يشتغل مطلقا اليوم و لن يشتغل مما جعل التلفزة تلجأ الى التعاقد مع شركة فرنسية لرقمنة جزء من الأرشيف و تم ذلك منذ ثلاث سنوات تقريبا و توقف التعاقد بنهايته و لم يتجدد لغياب الاعتمادات على ما يبدو. السلطة تتخّذ قرارا برقمنة الأرشيف التلفزي و لم تجتهد في تنفيذه. ظلّ الارشيف المودع في المستودعات يتهرأ لوجوده في ظروف حفظ سيئة للغاية و طالته مياه الامطار كلما هطلت و احرقته الشمس و أذابته. و تقرر في مجلس وزاري في العهد السابق رقمنة الارشيف التلفزي في الشطر الثاني من سنوات الألفين و ظل المشروع يتبلور بالإجراءات الإدارية المتداولة و تقرر في مستوى السلطة أن يوكل الأمر الى وزارة الثقافة. و كان العمل على رقمنة الأرشيف الإذاعي أسهل بكثير من رقمنة الأرشيف التلفزي حيث ظلت الاجهزة الاذاعية التي تقرأ التسجيلات القديمة باقية حتى اليوم و لم تندثر كلها ،اما الارشيف التلفزي فقد اعترضته صعوبات كثيرة أعاقت رقمنته و أهمّها غياب التجهيزات التي لم تحافظ عليها التلفزة ربما لعدم وجود المكان الذي يمكن ان يأويها في المقر القديم، فكانت ترمى خارجه لانتهاء و ظائفها في السير اليومي للبثّ أو تبقى هناك عرضة للتلف لولا حرص البعض على الحفاظ على قليل منها و نقله الى المقر الجديد للتلفزة.. و لما انتقلت التلفزة الى مقرها الجديد نقلت معها كل ارشيفها على محامله المتعددة و ظهرت الحاجة المتأكدة لإعادة احياء مشروع رقمنة الأرشيف خصوصا بعد استعادة كامل الأشرطة أو ما بقي منها من المستودعات و التي أصبحت كلها تقريبا مجهولة الهوية حيث أتلفت عناوينها المكتوبة و لا يمكن معرفة محتواها إلا بقراءتها على الاجهزة الخاصة بها .و لو كانت جذاذات العناوين باقية ستكون عملية الرقمنة اكثر وضوحا و أسرع .و إنما المشكل حاليا ان هذا المشروع توقف و الحال انه يتعلق بتراث البلاد السمعي البصري و ربما هناك سعي لانطلاقة جديدة بدعم من الاتحاد الاروبي. إمكانية توفّر التجهيزات القديمة محليّا يتذكر كثيرون أستوديو" زيني فيلم" في سوسة الذي انشأه المرحوم لطفي زيني منتصف الثمانينات وشهد تصوير عدد من المسلسلات العربية و التونسية الا أن ظروفا معينة حتمت غلق الأستوديو الذي كان الاكبر مساحة في تونس و يتوفر على تجهيزات إضاءة و تصوير و صوت و ميكساج و مونتاج و تم وضعه تحت الحجز الديواني بكل متاعه و اقترح المخرج حمادي عرافة ذات مرة منتصف الثمانينات ان يرفع الحجز الديواني و أن تتمكن التلفزة من التجهيزات الموجودة و التي يمكن الاستعانة بها لرقمنة الارشيف و هذا المقترح يبقى قائما حتى اليوم حيث ان الحجز الديواني ما زال ساريا على ما يبدو على التجهيزات التقنية في الاستوديو رغم استرجاع صاحب العقار لملكيته و تحويل جزء منه الى قاعة افراح .و يمكن ان تكون تلك التجهيزات صالحة للاستعمال او قابلة للاصلاح. و هذا حلّ يمكن ان يتحقق للأرشيف المسجل على الفيديو. و في صورة عدم امكانية استغلال تلك التجهيزات او اندثارها فيمكن للتلفزة إمّا القيام بطلب عروض دولي لاقتنائها أو التعاقد مع شركات أجنبية لرقمنة الأرشيف الذي لا يتطلّب تجهيزات لقراءة الأشرطة و حسب و إنما آليات أخرى لإصلاح الأشرطة و إزالة الرطوبة التي علقت بها و الأوساخ و الغبار حيث دون إزالتها لا يمكن قراءتها. مشكلة الأرشيف المسجّل على محامل الفيلم، و ضرورة التشارك مع وزارة الثقافة و مؤسسة الأرشيف الوطني و يبقى مشكل الأرشيف المسجل على أشرطة الفيلم ،حيث كانت التلفزة التونسية في مقرها القديم تحتوي على تجهيزات فيلمية خاصة اندثرت بالتمام و الكمال بما فيها مخبر تحميض الأفلام و كانت تشتغل الى آخر لحظة و لكن تم اخلاء مكانها و تعويضها بقاعة لتوزيع الصورة مجهزة بالتقنيات الجديدة التي عوّضت قاعة التيليسينماtélécinéma و مرة اخرى لم تقع المحافظة على تلك التجهيزات و بقيت منها أشلاء لا يمكن وصلها ببعضها البعض . و ليس هناك حل لرقمنة أرشيف الفيلم تقريبا إلا بالتعاون مع وزارة الثقافة و استغلال التجهيزات الفيلمية المتوفرة في الساتباك سابقا قبل ان تندثر هي الاخرى، علما بانه كانت في مقر التلفزة عدة طاولات لمونتاج الفيلم اندثرت كلها رغم قيمتها التاريخية و الفنية و كان ممكنا استعمالها على الاقل في القيام بصيانة دورية للافلام. و تجدر الملاحظة في هذا السياق ان مؤسسة الأرشيف الوطني في تونس تملك تجهيزات فيلمية يمكنها المساعدة على هذه الصيانة. تقنين عملية رقمن الأرشيف و توسيع مجالها لا يخفى على احد أهمية الارشيف التلفزي الذي يساهم في حفظ الذاكرة الوطنية و استعادتها في بعض المناسبات و أذكر انه لما توفي الزعيم الحبيب بورقيبة لم يكن هناك ما يكفي من ارشيف لاعداد برنامج وثائقي يكون مدعما بخطبه و ابرز الفترات السياسية و غيرها التي شهدها عهده حيث أتلف أغلبه ..و اعتقد انه على الدولة من خلال الحكومة ان تنزل بكل ثقلها لاتمام عملية رقمنة الارشيف التلفزي و حفظه في ظروف مواتية تبقيه حيا ما بقيت الدنيا. و يمكن بل أرى ضروريا و مفيدا أن تتدخل مؤسسة الأرشيف الوطني في هذا العمل. و مهم جدا بالنسبة الى التلفزة ان تعين مديرا مكلفا بمشروع رقمنة الارشيف يكون من أهل الاختصاص وهم متوفرون في المؤسسة يعاضده فريق عمل متكامل و يبقى ضروريا التشارك مع وزارة الثقافة من خلال الادارة المشرفة عل السينما لاستغلال التجهيزات الفلمية في الساتباك و اساسا لمقارنة الارشيف المتوفر في المؤسستين و جرده ، فوزارة الثقافة تحتفظ بأرشيف فيلمي مهم من إنتاج الساتباك سابقا حيث كانت جميع انشطة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في داخل تونس و خارجها إلى جانب أحداث أخرى تصور بكاميرا فيلم و يوجد منها كمّ هائل تمّ تحويل بعضه من الفيلم الى الفيديو .هو المعروف"بمستجدّات تونسيةactualités tunisiennes ، وكانت تعرض في العقود الماضية في قاعات السينما قبل عرض الأفلام .و أردت من خلال هذه الملاحظة التاكيد على ان الحفاظ على الارشيف التلفزي هو مجهود وطني وواجب وطني خصوصا و أنه ثري بالمستجدّات السياسية و الاقتصادية و الاجتنماعية و الثقافية و الرياضية و غيرها في تونس منذ بداية الإستقلال."