اهتم المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية، بقطاع الوظيفة العمومية، للنظر في واقع الوظيفة العمومية وتشخيصه، والنظر في الصيغ والأليات الكفيلة، بتطويره وتعصيره، بما يضمن ديمومة المرفق العمومي ونجاعته، ويزيد من اسهامه في التنمية. وشكّل قطاع الوظيفة العمومية قطاعا حيويا للدولة التونسية، إذ تحملت الادارة التونسية، تقريبا، كل أعباء الدولة وحمتها وضمنت تواصل المرافق العمومية دون انقطاع، رغم الصعوبات والعراقيل، وظلت الوظيفة العمومية، منذ الثورة في قلب كل النقاشات وجوهر كل محاولات الاصلاح المختلفة وموضوعا رئيسيا في كل عمليات النقاش والتجاذبات السياسية والايديولوجية»، وفق ما تضمنته دراسة المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية التي تلقت «الصباح نيوز» نسخة منها. وشكل للغرض فرق عمل تضم خيرة المختصين والخبراء من أبناء القطاع ومن خارجه، و مع تزايد الاهتمام بواقع الوظيفة العمومية، منذ نهاية القرن الماضي، وفق ما جاء في الدراسة، بينت الدراسات التي تم إنجازها منذ ذلك التاريخ، حاجة الوظيفة العمومية الى إرساء نظام معلومات شامل يغطي مختلف الهياكل التي تجسمها في مختلف مستوياتها، مركزيا وجهويا ومحليا والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية، ويضبط مختلف مواردها البشرية والمادية. وفي التالي ما جاء في الدراسة التي تلقت «الصباح نيوز» نسخة منها: «خلُصت هذه الدراسات الى أن الإجراءات الجديدة،التي دخلت حيز التطبيق ضمن الوظيفة العمومية تحتاج إلى الدقة والصرامة في أنظمة المعطيات حول الموارد البشرية على غرار: . الإحالة الاختيارية على التقاعد. . المغادرة للانتصاب للحساب الخاص برنامج إعادة توظيف الأعوان. . ترشيد الإنتدابات. . التحكم في نسق الترقيات. . التكليف بخطط المسؤولية. . تقييم المردودية. كما بيّنت هذه الدراسات الى، إن أهم ما يميز الوظيفة العمومية في البلاد التونسية افتقار الهيكلة الحكومية والإدارية إلى: . نظام معلومات مركزي موحد. . نظام تصرف تقديري في الموارد البشرية بمثابة استراتيجية تصرف في الموارد البشرية والاقتصار على التصرف القانوني الاعتيادي للأعوان (إداري،مالي). وأدت هذه الوضعية إلى تشتت المعطيات المتعلقة بالوظيفة العمومية بين وزارات وهياكل متعددة: . رئاسة الحكومة. . وزارة المالية والشؤون الاجتماعية والتكوين المهني والتشغيل. . المعهد الوطني للإحصاء. . الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية. وقد تم رصد تضارب بيّن في احتساب عدد الموظفين وتوزيعهم وكلفة الإجراءات المقررة في مجال تسوية الوضعيات العالقة وأثرها على كتلة الأجور كلما تغيرت المعطيات بين الهياكل التالية: . معطيات المركز الوطني للإحصاء. . منظومة إنصاف بالمركز الوطني للإعلامية. . قوانين المالية وقوانين ختم الميزانية. . الجداول العامة لميزانية الدولة. . المركز الوطني للإعلامية. . أعمال لجان الإصلاح الإدارية والبنك المركزي. وقد اعتمدت منهجية التقييم على: أولا:أرقام سجلات الاعوان بالمعهد الوطني للإحصاء ونظم أعوان وزارات الدفاع والداخلية والديوانة والسجون والإصلاح والجماعات المحلية. ثانيا: أرقام « الإدارة المدنية « باعتبارهاتضم عدة متغيرات و تُفردالعسكريين والامن الداخلي والديوانة بجدولة خاصة. ثالثا:خصائص أعوان الوظيفة العمومية من حيث هيكلة الاجر الشهري وتطور كتلة الأجور. وقد انتهت الدراسة الى جملة من النتائج أهمها: 1. تضاعف عدد العاملين بالوظيفة العمومية 16مرة من الاستقلال الى سنة 2017. اذ كانت سنة 1956 حوالي 36 ألفا و 250 موظفا، لتبلغ في31 جويلية 2017 حوالي 690 ألفا و91 موظفا ورغم اعتبار البعض ان النسبة (8 (%مقارنة بالعدد الجملي للسكان لم تتغير الا ان واقع الحال وتطور الأداء الإداري في العالم بتدخل الوسائط الرقمية سيفرض بالضرورة تراجعا في نسبة الوظيفة العمومية مقارنة بعدد السكان كما ان الخيارات الاقتصادية التي تدفع الزاما الى الحد من النفقات العمومية وخاصة الموجهة الى كتلة الأجور في الإدارة وتطور حجم الاجور لاعوان الوظيفة العمومية من 7680 مليون دينار سنة 2011، إلى 13700 مليون دينار سنة 2017. 2. عدم التوازن في توزيع الموظفين حسب الصنف بسبب: . حجم الانتدابات الجملية والتي شهدت تضخما بعد 2012 . الترقيات الالية منذ سنة 2012 شملت أكثر من حوالي 435 ألف موظف وعامل . عدم التحكم في نسق الترقيات وانزلاقهاعلى ضوء الاتفاقيات مع الأطراف الاجتماعية . احداثات أسلاك جديدة. . تعديل 43 نظام أساسي. 3. تفاقم ازمة الوظيفة العمومية بعد 2012 بسبب: . الانتدابات العشوائية لفائدة المنتفعين بالعفو التشريعي العام (6839). . فتح المجال لانتدابات استثنائية لأهالي شهداء الثورة وجرحاها (2929). . تسوية وضعية عملة المناولة والحضائر والآلية 16 (حوالي 54 ألف) واتجهت الدولة لمقاومة واقع الوظيفة العمومية الى انتهاج عدة حلول كمراجعة: . تنظيم آلية العمل. . تسديد الشغورات عبر آلية الترفيع وإعادة التوظيف إلا ان ذلك لم يمنع مراجعة اعتماد آلية الانتداب. . العمل على ضمان ديمومة بعض الأصناف وخاصة الصنف «د»و»ج». . اعتماد آلية الإحاطة على التقاعد للمغادرة الاختيارية مع الانتفاع بالتشغيل لتشمل 11 % من العدد الجملي للإحالات على التقاعد الاعتيادية. . تعويض في حدود 25 % انتدابات مقابل المغادرين وتحديد نسق الترفيعات ب30%. وفي الختام انتهجت الدراسات الاستراتيجية المستخلصة: . اتجاه المغادرة الطوعية الى الأصناف «1 «و»2» أي أعلى الهرم الإداري. . اقتصار الأصناف الصغرى «ج» و»د» على 3 % وترتفع الى 10 % إذا تم احتساب الصنف «ب». . نسبة المغادرين لم تتمكن من اعادت التوازن الهرمي للوظيفة العمومية. . تضخم كتلة الأجور بسبب الزيادات وارتفاع الأجر الأدنى المضمون وارتفاع مستويات التضخم. . غياب آليات «النجاعة الفردية والمردودية» و»الجدارة» خاصة لدى الإطارات العليا المتحملة لمسؤوليات عليا في الهياكل الإدارية و «النجاعة الجماعية « لكامل الهيكل الإداري. وتتجه الدراسة في جزئها الثاني لتناول الحلول للخروج من المأزق الحالي للوظيفة العمومية وهو مبحث يتولى العمل عليه فريق من الخبراء تحافظ فيه تونس على التزاماتها مع الهياكل المالية الدولية وعلى السلم الاجتماعية .