قال علي الشابي الخبير الاقتصادي والمستشار لدى رئيس الحكومة إنّ ظروفا موضوعية في نهاية سنة 2010 ساهمت في اندلاع الثورة في تونس. وأوضح الشابي في تصريح لل "الصباح نيوز" أنّ تزامن عدّة عوامل متناقضة ولّدت رغبة في التغيير الاجتماعي. وعدّد بذلك تلك العوامل والتي تتمثل في تجانس الشعب التونسي والمستوى التعليمي إضافة إلى نسبة نموّ مقبولة وهامة وربّما مرتفعة مقارنة بدول الجوار مع توزيع غير عادل للثروات، مبيّنا أيضا وجود حدّ أدنى من المجتمع المدني الفاعل وبلوغ مستوى التنمية ل 96 % من طاقة النموّ وكذلك خلق مواطن الشغل. وقال إنّ منوال التنمية أصبح يولّد البطالة ولم يعد قادرا على مسايرة الوافدين الجدد على سوق الشغل. أمّا في ما يتعلّق باستراتيجية التنمية في أفق 2013، فأكّد الشابي أنّه لا يمكن الحديث عن استراتيجية على مدى قصير بل يتطلب ذلك خطوطا عريضة تمتدّ على المدى المتوسط والبعيد لبلوغ نسبة ال 7% من النموّ. وقال : "لا نستطيع تغيير هيكلة نمط الإنتاج التونسي إلى معدّل نموّ أرقى إلاّ على مستوى متوسط أو بعيد وهو ما يتطلب إصلاحات استراتيجية". ودعا رؤوس الأموال إلى التعامل إيجابيا مع الكفاءات. ومن جهة أخرى، قال إنّه على المستوى القريب لن يتسنى لنا إلاّ استرجاع النقاط التي خسرت في قطاع التشغيل مع استرجاع نسق النموّ الطبيعي، مضيفا : " لن يمكن أن ننجز على المدى القصير نسبة نمو تصل إلى 7 % فهذا لن يتحقق إلاّ في أفق 2017". وبيّن أيضا أنّه سيقترح منوال تنمية في إطار برنامج متكامل يستوجب أن يكون محل توافق وطني. وعن هذا المنوال قدّم لنا الشابي أهمّ خطوطه العريضة وهي : - التخلّي عن وجهات النظر القديمة ومنها القطع النهائي مع رأس المال العالمي والذي ينعكس سلبا على البلدان الفقيرة - لا يجب اعتماد نظرية اضمحلال الدولة وترك مكانها للقطاع الخاص لأنّ ذلك له تداعيات كارثية على توزيع الثروات. - خلق نمط جديد للتطور الصناعي المندمج ينطلق من مفهوم الدولة - مراجعة التقسيم التقليدي للولايات الذي لا يحقق التنمية حاليا واعتماد التقسيم على أساس المناطق الاجتماعية والاقتصادية التي يمكن أن تحقق اكتفاءها الذاتي فلاحيا وصناعبا واجتماعيا، مبينا إمكانية تقسيم البلاد إلى 8 أو 6 أقاليم تكون قادرة على خلق مزايا تفاضلية ديناميكية - وضع أسس تنمية شاملة تجمع فيها بين التنمية الجهوية والعمرانية في نفس الوقت بما يمكّن من رفع مستوى العيش في جميع المناطق والحدّ من الهجرة الداخلية شرط بعث حوكمة محلية ينتخب فيها رؤساء مناطق. وفي سياق آخر، تحدّث علي الشابي عن وجود نقائص تشوب الاستثمار العام والبنية العمومية التحتية التي لم تكن بالنجاعة المرجوة ولكن مع ضرورة اعتماد تمشّي نحو تحرر اقتصادي. وأضاف أنّه يجب أن تكون الموارد العمومية متوازية مع التحويلات الاجتماعية باعتبار أنّه في ميزانية الدولة لسنة 2013 والمقدرة ب 19 ألف مليون دينار، خصصت 10 ألف مليون دينار لخلاص أجور القطاع العمومي و 5.5 ألف مليون دينار للتحويلات الاجتماعية من إعانات ومساعدات للعائلات المعوزة وغيرها، كما خصص ألفا مليون دينار للتنمية وألفا مليون دينار لاستخلاص الديون. وفي هذا الإطار، اعتبر الشابي أنّ جزء صغيرا فقط من هيكلة ميزانية الدولة خصص للاستثمار في حين أنّ ميزانية التصرّف تمثل ثلاث أرباع الميزانية الجملية. وبيّن أنّ الدولة تدعم قارورة الغاز بما يعادل 5، 19 دينارا وتدعم البنزين بدون رصاص بما يعادل 500 مليم. وحتى تكون الموارد العمومية متوازية، اقترح الشابي أن يقع التقليص من ميزانية خلاص الأجور أو ميزانية الدعم، قائلا : "بالنسبة للوقت الحالي لا نستطيع إلاّ ترشيد الدعم لأنّ هناك من ينتفعون به في حين أنّهم لا يستحقونه كما أنّ الحلّ الممكن في هذا الوقت هو تقليص الدعم على المحروقات ولكن بعد اتفاق وطني". وأضاف أنّ 20 % من ذوي أعلى دخل يستغلّون تقريبا 60% من ميزانية الدعم الخاصة بالمواد الأساسية والمحروقات والدعم غير المباشر، وهو أمر غير مقبول، على حدّ قوله. وشدّد على ضرورة خلق عدالة في الفرص في إطار إصلاح النظام الجبائي الذي يجب أن يتماشى مع استراتيجية التنمية المندمجة. واقترح ان يسدد التونسيون الكلفة الحقيقية للمحروقات على ان تتولى الدولة تعويض من يستحق ذلك عن طريق حوالة بعد أن يقع تحديد سلم المنتفعين بالدعم انطلاقا من تحديد سقف الفقر...وبذلك يذهب الدعم لمستحقيه فقط . وواصل : "يمكننا تحديد الطبقات الاجتماعية في البلاد انطلاقا من دراسة ميدانية يمكن أن تقع في مدّة لا تتجاوز 4 أشهر يقع إثرها تحديد قيمة الدعم بالنسبة لكلّ طبقة".