بمصادقتها على حزمة من الإجراءات الترتيبية والقانونية، اختارت حكومة يوسف الشاهد المضي قدما في تفعيل آليات إصلاح الصناديق الاجتماعية وهو الملف الذي ظل يراوح مكانه منذ قرابة ثلاث سنوات بسبب خلافات بين الحكومة والأطراف الاجتماعية (اتحاد الشغل، اتحاد الأعراف) بخصوص بعض النقاط خاصة منها ما تعلق بالترفيع في سن التقاعد، وفي نسبة المساهمات وفي مراجعة مقاييس اصلاح نظام الجرايات.. وتأتي المصادقة على حزمة إصلاحات الصناديق الاجتماعية وأنظمة التقاعد في تونس أياما قليلة قبل حسم صندوق النقد الدولي في إمكانية اسناد تونس القسط الرابع من القرض الممدد الموقع بين الطرفين في ماي 2016. وكان مجلس الوزراء قد صادق أول أمس على مراجعة النظام القانوني للتقاعد وعلى التوجهات المتعلقة بإصلاح بعض مقاييس نظام الجرايات في القطاعين العمومي والخاص كالترفيع في سن التقاعد وتمويل نظام التقاعد والإجراءات المصاحبة والمتمثلة أساسا في تعزيز استخلاص ديون صندوقي الضمان الاجتماعي وتدعيم إجراءات وهياكل المراقبة وتحسين وتوزيع التغطية الاجتماعية خاصة نحو العاملين بالقطاع غير المنظّم وتعزيز آليات الحوكمة على مستوى إدارة أنظمة الضمان الاجتماعي بالصناديق الاجتماعية.. وتتضمن النسخة النهائية من مقترحات إصلاح الصناديق الاجتماعية، حوالي 12 نقطة من بينها7 نقاط حظيت بتوافق جميع الأطراف المعنية الممثلة في اللجنة الفرعية للحماية الاجتماعية. وتتمثل محاور الإصلاح أساسا في الترفيع في سن التقاعد باعتماد صيغة62 سنة اجباري بالتدرج و65 سنة اختياري، الترفيع في نسب المساهمات بنسبة 3 % منها 2 % على كاهل الدولة و1 %على كاهل العون بداية من السنة الحالية بالنسبة للقطاع العام، أما في القطاع الخاص سيتم الترفيع تدريجيا في نسبة المساهمات على سنتين منها 0.5 % على كاهل المؤسسة و0.5 % على كاهل العون بداية من سنة2018، ثم نفس النسبة سنة 2019 (هذا المقترح قبل به اتحاد الشغل وطالب بتطبيق نفس الزيادة بالقطاع العام على القطاع الخاص، لكن اتحاد الأعراف رفض ذلك). من المحاور الأخرى لخطة الإصلاح مراجعة طريقة احتساب مردودية سنوات العمل من خلال اعتماد 2 % عن كل سنة عمل لجميع الفترات السابقة بداية من 2018 على أن ينطبق على الإحالات الجديدة على التقاعد، (رفضه اتحاد الشغل، وقبل به اتحاد الأعراف).، وربط التعديل الآلي في الجرايات بالمفاوضات الاجتماعية بالاستئناس بمؤشر الأسعار ونسبة النمو الاقتصادي ونسبة الترفيع في الأجر الأدنى، مراجعة قائمة الأعمال الشاقة، ومراجعة فترة التربص الدنيا لافتتاح الحق في جراية (مقترح قبله اتحاد الأعراف، ورفضه اتحاد الشغل)، تسديد الديون المتخلدة، تحسين الاستخلاص للمؤسسات الخاصة، تحسين حوكمة الصناديق، وحوكمة أنظمة الحماية الاجتماعية عبر إحداث مجلس أعلى لتمويل أنظمة الحماية الاجتماعية. يذكر ان حكومة يوسف الشاهد اتهمت ضمنيا الأطراف الاجتماعية بعرقلة التوصل إلى حلول جذرية «توافقية» لإصلاح العجز الهيكلي لأنظمة التقاعد والصناديق الاجتماعية، وعددت في تقرير حمل عنوان «إستراتيجية إصلاح الصناديق الاجتماعية» نشرته بتاريخ 22 مارس 2018 اهم نتائج المفاوضات بخصوص ايجاد حلول لأزمة الصناديق الاجتماعية التي شارفت على الافلاس وقاربت عجزها الجملي (صندوق التقاعد + صندوق الضمان الاجتماعي) أكثر من 1250 مليون دينار مع نهاية سنة 2017. وتجدر الإشارة إلى أنه سبق -على مستوى تنويع مصادر تمويل الصناديق- اقرار إحداث مساهمة اجتماعية تضامنية خصص مردودها لتمويل الصناديق تستوجب على الأشخاص الطبيعيين والمؤسسات والشركات الخاضعة للضريبة على الشركات كذلك المعفاة منها وتحتسب على أساس المداخيل والأرباح الصافية الخاضعة للضريبة بإضافة نقطة للنسب المعتمدة لاحتساب الضريبة المذكورة والواردة بجدول الضريبة على الدخل أو الأرباح مع تحديد حد أدنى لها وهو الإجراء الوحيد الذي دخل حيز التنفيذ منذ جانفي 2018 بعد ان تمت المصادقة عليه في قانون المالية لسنة 2018. وحسب تقديرات الحكومة سيجلب هذا الإجراء حوالي 300 مليون دينار لفائدة الصناديق الاجتماعية، وتقريبا مثلها في صورة الترفيع في المساهمات بنسبة 1 بالمائة. علما وان النتائج الجملية لصندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية وصندوق الضمان الاجتماعي أبرزت منذ سنة 2005 إخلالا في التوازنات المالية حيث تفاقم العجز من 30 مليون دينار سنة 2005 إلى 789 مليون دينار سنة 2015، ومن المتوقع أن يبلغ العجز خلال سنتي 2016 و2017 على التوالي ما قدره 911 مليون دينار، و1251 مليون دينار. وفي انتظار احالة مشروع قانون تنقيح انظمة التقاعد على البرلمان، بدا اتحاد الشغل حذرا في التعليق على مضامين الإصلاحات التي صادقت عليها الحكومة. فقد أكد عبد الكريم جراد الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل، في تصريح ل«الصباح» أن الاتحاد لا يمكنه اتخاذ موقف من حزمة الإصلاحات التي صادقت عليها الحكومة إلا بعد الإطلاع عليها. خاصة أن بلاغ مجلس الوزراء تحدث عن إجراءات مصاحبة لا يعلم تفاصيل فحواها.. وشدد جراد على أن اتحاد الشغل مازال متمسكا برفع المظلمة عن المتقاعدين وتطبيق ما وقع الاتفاق عليه بين الحكومة واتحاد الشغل بخصوص تفعيل القسط الثاني من زيادة أجور الوظيفة العمومية لسنة 2017 والترفيع في الأجر الأدني المضمون، الذي لم تقع مراجعته منذ أوت 2016. وتجدر الإشارة إلى أن اتحاد الشغل شدد في مناسبات عديدة على أن رؤية الاتحاد لإصلاح الصناديق الاجتماعية تختلف عن رؤية الحكومة، وهذا الاختلاف تسبب في تعطل الحسم في عديد الحلول والآليات المقترحة ولم تنجح الحكومة في تمرير ايا منها باستثناء مقترح المساهمة الاجتماعية التضامنية.. ويأتي مصادقة الحكومة على حزمة اصلاح الصناديق الاجتماعية قبل ايام قليلة من انعقاد مجلس إدارة صندوق النقد الدولي للنظر في امكانية صرف القسط الرابع من القرض الممدد بين تونس والصندوق، علما أن ملف إصلاح الصناديق الاجتماعية ومراجعة أنظمة التقاعد هو من بين الملفات التي يطالب صندوق النقد الدولي بإعطائها أولوية قصوى ويضغط على الحكومة من اجل الإسراع في تنفيذها. يذكر ان مجمع الوظيفة العمومية والقطاع العام التابع لاتحاد الشغل اصدر امس بيانا مشتركا عبر فيه عن رفضه لقرارات المجلس الوزاري المنعقد اول امس والذي صادق فيه على مشروع قانون اصلاح نظام التقاعد رغم عدم حصول توافقات بين اطراف الانتاج الثلاثة. رفيق بن عبد الله