كشفت المواقف الميلودارمية التي سبقت تصويت منح الثقة لوزير الداخلية المقترح وما جرى في الكواليس من تواتر للاحداث خلال الساعات الاخيرة معطيات اخرى تفرض قراءة جديدة للواقع السياسي... قراءة تنتهي الى خلاصة مفادها ان رئيس الدولة لم يعد كما كان يروّج له يمسك بخيوط اللعبة بل أضحى إلى اجل غير معلوم لعبة في أياد عدة. فرئيس الدولة ومنذ حواره الشهير وما تبعه من فشل لقاء السباعي ومن اجتماع بكتلة النداء اتضح انه لم يعد رئيس كل التونسيين كما ان بيادق رقعة الشطرنج التي صنعها بدهاء السياسي المحنك وضبط أدوارها تحوّلت الى لاعبين ينافسونه بل ويقودونه تدريجيا الى مربعات الفناء السياسي. لقد اختار الباجي قايد السبسي الذي كان يظهر بمظهر المترفع عن خصومات الحزب أن ينزل بثقله لإنقاذ لا الحزب الذي أسسه بل لإنقاذ ابنه .. اختار أن «ينحر» رئيس الدولة قربانا للعائلة فتحول القربان الى وليمة أنعشت هزال بيادقه وشجعتهم على الانقلاب على اللاعب الرئيس . ففي اخراج سيّء انقلبت الكتلة بقدرة قادر من كتلة ديمقراطية تخضع لقرار الأغلبية الى كتلة طيّعة تأتمر بأوامر شخص يفترض ان لا يكون على علاقة مباشرة بها غير أن إدراكه أن الأغلبية تمردت على رغبات الابن المدلل جعله يبحث عن مخرج او تراهم أوجدوه له. يوم تسلمه الحكم في 31ديسمبر 2014 كتبت تحت عنوان رسالة الى ساكن قرطاج الجديد متوجها لرئيس الدولة ما يلي : ان المهام جسيمة والوقت قصير والتونسي غير صبور وتواق الى لمس التحوّلات في اقصر وقت ممكن فاحرص ان لا تعزلك جدران القصر العالية عن نساء باب سويقة اللواتي ابكوك وعن ألام عائلة سقراط الشارني وعن مآسي عائلات كل من سقطوا للدفاع عن هذه الارض الطيبة .. استمع اقل ما يمكن لمستشاريك واكثر ما يمكن لمشاغل شعبك.. تخلى عن عائلتك الصغيرة وارتمي في احضان عائلتك الكبيرة وتذكر كم قضت عائلات الرؤساء وحاشياتهم على رمزيتهم وانتهت بهم الى مزبلة التاريخ.. فليس أسوأ من أن ينتهي الفرد من عامة الناس الى مقبرة التاريخ فما بالك بمزبلته. لكن يبدو ان متلازمة syndromeقرطاج التي جرّبت فصحت والقائمة على خليط سحري يجمع بين أوهام السلطة مع عامل السن مع هواء قصر قرطاج الغريب تخلق إكسيرا خاصا يسحر ساكنيه فيتحول الأسياد الجدد الى عبيد لرغبات العائلة. أمام الرئيس اليوم، كي لا يظل لعبة، فرصة أخيرة عليه ان ينتهزها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وليكتب له التاريخ انه اختار الانتصار لتونس لكن يبدو أن الرغبة في نحر قربان آخر قد تجعله يتخلف عن الموعد.