يطلق الرئيس الفلسطيني محمود عباس وهو في عمان على صفقة القرن إسماً جديداً عندما يعتبر بأن النظام الرسمي العربي قال كلمته ضد «صفقة العصر» لكنه يقرر مجدداً المناورة في الزوايا الضيقة بعد فترة صمت استمرت لأربعة اشهر فيتواصل مع الدوحة ويعيد تشبيك القواسم المشتركة مع الأردن ويحاول التسلل سياسياً في عنق التباين الواضح في الموقف بين القاهرة والرياض. في الأثناء يعيد رئيس الوزراء الأسبق المخضرم طاهر المصري تكرار تحذيره من أن ما يسمى ب «صفقة القرن» ينفذ على الأرض والواقع وبدون تسمية. «القدس العربي» سبق ان استمعت مرات عدة للمصري وهو يصر على ان مقترحات الثنائي ترامب – كوشنر قيد التحول إلى واقع اصلاً ولا حاجة لانتظار تسميتها. ويتحدث المصري بخبرته العريضة عن حسم ملموس ضد الشعب الفلسطيني والشرعية في ملف القدس وعن وجود بنية عربية وإسلامية لم تظهر أي مقاومة لما يحصل في القدس. ويؤشر على ان سياسات «تهجير اقتصادي» وتفريغ ديموغرافي ستبرز بهدوء وتحت الطاولة وعملية «التهويد» عبر التشريعات الجديدة مستمرة والمستوطنات تنمو ولا تتوقف و«الضم» للأرض يستمر ووكالة غوث اللاجئين يريدون إغلاق أعمالها مشيراً إلى أن تلك الوقائع هي لب مسألة صفقة القرن. على الجبهة الرسمية الأردنية وتحديداً عندما يتعلق الامر بوزير الخارجية أيمن الصفدي لم يعرض على الأردن أي شيء له علاقة بصفقة من أي نوع ولم تقدم واشنطن شيئاً محدداً يمكن محاكمته والأردن ثابت في موقفه على اساس بقاء وكالة الغوث مستمرة في نشاطها ومؤسساتها وفقاً للشرعية الدولية ودولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية والعودة للمفاوضات بدون شروط والتوصل إلى حل الدولتين. فقد حاولت عمان خلال الأسابيع القليلة الماضية سحب رجل روسيا لكي تهتم بعملية السلام. لكن المحاولة أخفقت لأن موسكو مهتمة أكثر بالملف السوري ولا تريد الإخلال بالتوازنات التي أنجزتها في هذا الملف مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. لكن المراجع الأردنية لاحظت أن نتنياهو حضر إلى عمان بالرغم من الاستعصاء التفاوضي وتحدث بالقطعة في وقت سابق عن ملف الجنوب السوري فقط والذي اصبح اللاعب الأساسي فيه المؤسسة العسكرية الروسية على الاقل بالنسبة للأردن وإسرائيل. وفي كل حال يعود الأردنيون والفلسطينيون مجدداً لمناقشة المربع الأول: هل يوجد صفقة فعلا أم لا يوجد؟ وتقرر على المستوى المركزي في الخطاب الأردني التصرف على أساس عدم وجود صفقة من اي نوع والبقاء في الموقف نفسه القديم من الملف الفلسطيني وعدم الاقرار بالواقع الجديد في القدس إلى ان يعرض الأمريكيون شيئا مكتوبا ورسميا وهو الأمر الذي لم يحصل وتم ابلاغ السلطة الفلسطينية بان صفقة القرن التي يتحدث عنها الاعلام قد لا ترى النور لإعتبارات أمريكية داخلية وأخرى لها علاقة بالمجتمع الدولي. العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني قابل أهم رموز الادارة الأمريكية وأعضاء الكونغرس في زيارته الاخيرة لواشنطن دفاعاً عن مصالح بلاده ولتجنب شر ما يسمى بصفقة القرن كما لمح خلال اجتماع مع الوزراء. ورغم ذلك لافت جدا ان الأردن لا يقدم بصفة رسمية شيء محدد على أساس ان الجانب الأمريكي يقترحه او يخطط له وبصيغة تثبت عدم الاستقرار أمريكيا على الأقل عند صيغة محددة مع أن عمان كانت مستعدة للأصغاء ولو بغرض الاستكشاف وكانت منشغلة بما سمي خلال أحد اللقاءات ب «استحقاق إقليمي» كبير. بكل حال يبدو ان الاستحقاق المشار اليه تأخر بصورة كبيرة وعادت اللهجة الأردنية للثوابت القديمة وإعلان مواقف تنسجم مع مصالح الدولة الأردنية وخصوصاً أن المصلحة الحيوية للأردن تتمثل في وجود دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كما يؤكد وزير الإعلام الأسبق الدكتور محمد المومني وهو يسخر أمام «القدس العربي» من أي مزاعم تفترض العكس. في حسابات مفكر سياسي من وزن عدنان أبو عودة التأخير والمماطلة والتسويف وعدم التقدم بشيء محدد يمكن مناقشته او محاكمته اعتراضاً او اقراراً هو أصلاً خطوة سياسية تثير الارتياب وينبغي ان لا ينظر له بارتياح. أحد التفسيرات التي يقترحها أبو عودة في باب الاحتمالات يتحدث عن تسريبات مقصودة طوال الوقت عن صفقة باسم القرن غير موجودة لاختبار التفاصيل واتجاهات الرأي العام والشارع العربي. وثمة عقلية يمكنها أن تسعى لإنضاج التفاصيل أكثر أو»هندسة التفاصيل» قبل الإعلان الرسمي عن أي ترتيب شامل أو عرضه فأي تفكير أمريكي بأي صفقة لا يستطيع إسقاط ملفات في غاية الأهمية بعد التصور الذي خطط لحسم ملف القدس وبدون فائدة مثل الحدود واللاجئين وهذه ملفات تستوجب التأمل والاختبار والانتظار والمراقبة. ويثبت أبو عودة نفسه أن انتظار صفقة لم تعرض رسمياً كما يقول الصفدي قد يكون مقصوداً في حد ذاته. ويؤمن المصري أن تلك القصدية مرتبطة بمنهجية تغيير الامر في الواقع الميداني في صفقة لصالح يهودية إسرائيل تنجز على الأرض فيما ينشغل الآخرون في انتظار الأفكار والرسائل المكتوبة. لذلك لا يستطيع الأردن نعي ما يسمى بصفقة القرن ومضطر للجلوس مع الجالسين في صف الانتظار المريب وهو ايضاً ما يفعله على الأرجح اليوم الرئيس عباس وهو يقرر التحرك والمناورة في عمق معادلات عواصم العرب.(القدس العربي)