بقلم:عبد الحميد الجلاصي كتب القيادي بحركة النهضة عبد الحميد الجلاصي ل"الصباح نيوز" مقال رأي تطرق فيه الى الازمة السياسية المتصاعدة التي تعيش على وقعها بلادنا منذ حوالي تسعة اشهر الى حد يبدو الحل فيها "سرابا يفر منك كلما اقتربت منه" على حد تعبيره. واعتبر الجلاصي ان الاوضاع الجديدة بينت ان الوضع التونسي اليوم هو وضع "تعددية قطبية "و ان سياسة التخويف و الابتزاز والمرور بقوة لم تعد مجدية بل غير ممكنة ، وان فرزا جديدا بصدد التشكل حول موضوعة الديموقراطية و التداول والمأسسة و المحافظة على المؤسسات من التلاعب و على الدستور من الانتهاك . وفي ما يلي نص المقال: -1- منذ حوالي تسعة اشهر تعيش بلادنا على وقع ازمة سياسية متصاعدة يبدو الحل فيها سرابا يفر منك كلما اقتربت منه . ما يثير الانشغال ليس وجود الازمة في ذاتها ،اذ هي مكون من مكونات الحياة السياسية و خاصة في مراحل الانتقال .الازمة الحقيقية هو الاستمرار و التعقد بما يدل على عجز المنظومة المسؤولة عن التوقي اولا و العلاج ثانيا . وإدارة الازمات تتطلب قراءة في التضاريس و خارطة الأطراف المتدخلة . لعل البعض حاول استنساخ ما حصل في صائفة 2016،و لكن الطريق لم تكن سالكة هذه المرة . لقد اتضح للجميع الاخلال بالوعود التي أعطيت لتبرير التخلي عن حكومة السيد الصيد .تغيرت الحكومة و لم تتغير طريقة تعامل الأطراف المشكلة للحكومة او التي وعدت ان تكون سندا لها في الاصلاحات . وهذا بالطبع لا يغري باعادة نفس الوصفة لانها ستفضي لنفس النتيجة و تعمق الاحساس بالاحباط و خيبة الامل و ترسخ صورة الخفة و اللامسؤولية على المشهد الحزبي . -2-الاوضاع الجديدة بينت ان الوضع التونسي اليوم هو وضع "تعددية قطبية "و ان سياسة التخويف و الابتزاز و المرور بقوة لم تعد مجدية بل غير ممكنة ، و ان فرزا جديدا بصدد التشكل حول موضوعة الديموقراطية و التداول و المأسسة و المحافظة على المؤسسات من التلاعب و على الدستور من الانتهاك . البعض يسعى الى تبسيط الموضوع ليكيف الصراع (وهو حقيقة كذلك )انه بين أنصار الشاهد و خصومه . وبالطبع يوجد مناصرون لشخص الشاهد في صفوف المساندين له ،و لكن كثيرين يساندونه اليوم رغم كثير من التحفظات حول حصيلته و اداء فريقه، و رغم اختلاف البعض منهم معه في التموقع السياسي الحالي و المستقبلي ايضا . يفعلون ذلك لاعتبارات مبدئية: رفضا للعبث بالدولة و الاستقواء بالتموقع على رأس اجهزتها وسيلة لاعادة صياغة المشهد الحزبي ، و رفضا لسياسة التفصي من تحمل المسؤولية وتحويل وجهة النقاش الوطني و تقديم أكباش الفداء . ورفضا لخطاب التخويف و التهديد الذي وصل حد الحديث باسم مؤسسات وطنية كبرى ظلت و ستبقى على الحياد من المعارك الصغيرة . ورفضا للتداخل و التلبيس في الأدوار بين المؤسساتي و الحزبي و المنظماتي و الشخصي . انه "التقاء ديموقراطي "بين قوى و شخصيات من افاق مختلفة و لكنها متفقة ان الديموقراطية التونسية تتقدم و ان المطلوب لمزيد تقدمها ترسيخ اللجوء الى المؤسسات المنتخبة و تحمل المسؤولية السياسية و الاخلاقية و التمييز في الأدوار بين الفضاءات والتسليم بالمدخل المعلوم لتغيير قواعد اللعبة . كما يفعلون ذلك لاعتبارات سياسية : ما هي أولويات السنة القادمة؟ و ما هو سقف المنتظر تحقيقه ؟و كيف نفعل ذلك ؟... وهكذا يكون محور النقاش سياسيا و ليس شخصيا . -3-في مثل هذه الحالات من الازمات المركبة يجب الانتباه ان سياسة النعامة غير مجدية كما هي غير مجدية سياسة الدخول بقوة . لا بد اذن من ابداع حلول في الوسط ،و توجد فرص حقيقية و إشارات لامكانية مثل هذه الحلول التي يجب ان تاخذ بعين الاعتبار: -دور وصلاحيات مراكز القرار في السلطة كما تضبطها القوانين ،و حجم ودور القوى السياسية و الاجتماعية . -الطلب الاجتماعي، وهو الاكثر الحاحا و الاكثر استعجالا ،و احد المداخل الاساسية لذلك هو مدخل الاصلاحات بمعناها الواسع و الشامل .لا احد يتصور اننا سنحقق اختراقات كبرى في الأشهر القريبة القادمة مهما كان اسم رئيس الحكومة .ان افضل ما نستطيع القيام به ان نضع القطار على السكة بما يمهد الطريق الى مرحلة ما بعد انتخابات 2019. -مقاومة الفساد و الارتخاء و ترسيخ قيم الحوكمة الرشيدة سياسة ومسارا دون استثناء او توظيف . -الالتزام بمواعيد الاستحقاق الانتخابي القادم .ولا يكفي في ذلك إعلانات حسن النوايا بل لا بد من بذل الجهد لتوفير المستلزمات القانونية و الترتيبية و السياسية المعينة على ذلك . لا يجب الاستهانة بذكاء التونسيين الذين لهم بالتاكيد مؤاخذهم على الممارسة السياسية الحالية و لكن لا يتصورن احد امكانية التلاعب بديموقراطيتهم ،حتى و ان كانت غير مثالية . -الانكباب الجدي على تهيئة الحالة الحزبية للانتخابات و هي ليست شأنا خاصا بالأحزاب ،بل هي مصلحة وطنية كبرى .يجب ان تحسن كل الاحزاب قراءة ارقام انتخابات السادس من ماي من اجل تدارك ما كشفته من أعطاب ،كما يجب ان تحسن قراءة اهم دروس ما بعد انتخابات 2014،و أهمها ضعف المنجز لهشاشة المشهد الحزبي وخاصة الحزب الاول . لا ديموقراطية حقيقية دون محتواها الاجتماعي و لا ديموقراطية حقيقية دون احزاب حقيقية وقوية ،و لا احزاب قوية دون سياسة ناجعة للتأطير و التواصل مع الجماهير و إشاعة ثقافة العمل و التضحية و التجرد و الاهتمام بالشان العام . -تحييد المرافق الكبرى عن التوظيف الحزبي و الانتخابي . -4-هل نقدر على تحويل الازمة الراهنة الى فرصة لمزيد بلورة المشروع الوطني المشترك و خاصة في بعديه الاجتماعي و المجتمعي ؟ هل نقدر على التوافق على ميثاق اخلاقي لإدارة التباينات وضبط إطارها و مرجعياتها ؟ هل نقدر على توظيف حل الازمة الراهنة للتوقي من أزمات اخرى قد تكون اعقد ،و تلك عي السياسة العقلانية؟ هل تقدر عقولنا واراداتنا على الاشتغال لتجنب محذورين: -ان تحصل الانتخابات القادمة "في غياب الجمهور ". -ان تفرز مشهدا مفتتا عاجزا على قيادة الحكم . انتخابات 2018وجهت لمجمل المشهد الحزبي ورقة صفراء،لا يليق بنا ان نحصل على ورقة حمراء بعد انتخابات 2019.