ألقى رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر كلمة في إفتتاح الدورة العادية الخامسة من المدة النيابية الأولى. واعتبر الناصر في كلمته ان هذه الدورة تكتسي أهمّية متميّزة تتزامن وظروف إقتصادية وإجتماعية دقيقة وتجاذبات سياسية مؤثّرة، تتطلّب تأمين المسار ومواصلة بناء مؤسسات دولة تونس الجديدة. وفي التالي فحوى كلمة الناصر: "أودُّ في البداية أن أرحّب بكم جميعا في هذه الجلسة العامة الافتتاحية للدورة الخامسة والأخيرة من المدة النيابية الأولى لمجلس نواب الشعب. إنّها مناسبة للتذكير بأهم ما أنجزناه في الدورة الرابعة. وإنّها فرصة لتقييم أدائنا مع التأكيد على أن دورنا التاريخي يتجاوز الدور التقليدي المتمثّل في صياغة القوانين ومراقبة الحكومة، ليشمل تركيز الهيئات الدستورية، الى جانب بناء مؤسسة برلمانية عصرية منفتحة على المحيط ومتفاعلة مع بقية مؤسسات الدولة في تأمين التحوّل الديمقراطي. وتكتسي هذه الدورة أهمّية متميّزة لأنّها تنطلق وبلادنا تجتاز ظروفا إقتصادية وإجتماعية دقيقة وتجاذبات سياسية مؤثّرة، تتطلّب منا جميعا إدراكا متبصّرا لمسؤوليتنا التاريخية المشتركة في تأمين المسار ومواصلة بناء مؤسسات دولة تونس الجديدة على غرار المحكمة الدستورية وهيئة حقوق الإنسان، وهيئة التنمية المُستدامة وحماية حقوق الأجيال القادمة. أجل، لقد أنجز مجلسنا في إطار دوره التاريخي أعمالا مهمّة، وبذل جهدا كبيرا من أجل تحقيق ملاءمة المنظومة التشريعية مع أحكام دستور 2014. ذلك أننا صادقنا منذ انطلاق أعمالنا على 246 مشروع قانون منها 50 مشروع قانون خلال الدورة المنقضية. ومنذ سنة 2015 شرعنا في تأسيس منظومات وليس مجرد قوانين. وتخصّ تلك المنظومات كلّ أوجه حياة الوطن والمواطن في مجالات السياسة والإقتصاد والحياة الإجتماعية والثقافية والأمن والحقوق الجماعيّة والفردية. ولن تترسّخ تلك المنظومات ولن تدوم إلاّ إذا واصلنا عملنا في ذات الإتجاه وأرسينا الثقافة الضرورية لضمان ديمومتها. تلك هي مهمتنا خلال هذه الدورة، وتلك هي المهمة المستقبلية للمجلس في المدى المتوسط، على تبقى أنظارنا مصوّبة نحو المستقبل. ويبقى هاجسنا اليوم مُتمحورا حول سؤال حيوي: كيف يمكننا قبل نهاية المدة النيابية أن نرتقي بأداء مجلسنا الى المستوى المنشود في تأمين الانتقال الديمقراطي وفي توجيه العمل الحكومي نحو تلبية حاجيات المواطنين في العاجل والآجل . وإن كان العمل التشريعي للمجلس يتطوّر منذ دورته الأولى حسب نسق تصاعدي، فإنّنا مدعُوّون هذه السنة إلى أن نُعزّز وتيرة العمل وأن نختصر آجال الدراسة والمصادقة على مشاريع القوانين . وفي هذا الصدد نُفكّر اليوم في تنظيم ندوة خاصّة بمسألة تقييم المُنجز وتحديد ملامح المُنتظر حتى نرسم أُطُر العمل البرلماني النّاجع والفعّال والعصري على المدى المتوسط والبعيد، وسيكون ذلك في نشاط الاكاديمية البرلمانية. ما من شكّ أنّ تجسيم الدور الرقابي لمجلس نواب الشعب قد تحسّن نسبيّا خلال الدورة الفارطة. وقد تجسّم ذلك عبر تنظيم جلسات حوار ومتابعةالاسئلة الشفاهية والكتابية. وقد كان للخليّة الخاصّة بالعمل الرّقابي التي بعثناها دور في تحقيق ذلك التحسين النسبي. لكنّ منظومة الدور الرقابي في حاجة إلى تجويد، يشمل في رأينا مسألتين هامّتين : الأولى تخصُّ التأكيد على ضرورة متابعة اتخاذ النصوص الترتيبية لمشاريع القوانين المصادق عليها في أجالها . وتخُصّ الثانية التقييم الدوري والمتواصل لمدى تأثير القوانين المُصادق عليها على حياة الناس ومدى تحقيقها للأهداف المرسومة لها. ومن جهة اخرى، أردنا أن يكون مجلس نواب الشعب مؤسّسة مُنفتحة على الواقع الوطني وعلى المجتمع المدني. وقد عمّقنا أسس التعامل والتفاعل بين المجلس ومكوّنات محيطه عبر نشاط الأكاديمية البرلمانية والمنصّة الالكترونية الخاصة بالمجتمع المدني وجلسات الإستماع. لكن ما نصبو إليه بحرص دائم هو السعي إلى أن يكون المجلس أكثر انفتاحا على القضايا العامة والمصيرية من خلال تنظيم ندوات علمية يشارك فيها النواب، في حوار مثمر مع قادة الفكر والرأي والخبراء والجامعيين وممثلي المجتمع المدني. وإنّي على يقين أنّ تراكم العمل الفكري والمعرفي، من خلال الندوات الأكاديمية والأيام الدراسية البرلمانية من شأنه أن يغذي الحوار الوطني ويساهم في صياغة نظرة استرتيجية مستقبلية لآفاق العمل البرلماني في تونس لما بعد سنة 2020، وأن يعزّز الدّور التاريخي الذي يلعبه مجلسنا ويجذّر مكانته في مسار تطوّر بلادنا. وفي اعتقادي أن العمل السياسي الرائد وطنيا، لا ينحصر في الاستعداد للمناسبات الانتخابية القريبة، وإن كان أمر مهم في حد ذاته، بل أنه يتطلّب تضافر الجهود والقوى لرفع التحديات الوطنية أي صياغة مصير الوطن، وذلك هو الأهم . إننا واعون أنّ صورتنا لدى الرّأي العام صورة غير مشرقة. ويعود ذلك في نظري الى شيء من ضعف الاطلاع أو قلّة التعمّق في مواكبة ما نبذله من جهود. لكننا، نتحمّل في ذلك جزءا من المسؤولية. فعلينا أن ندعّم اداءنا الاعلامي والاتصالي حتى نوفّر للرأي العام صورة أقرب للواقع . وفي هذا الإطار سنُعمّق مقاومتنا لظاهرة الغياب عبر الإقتطاع ونشر قائمة المتغيبين. كما أننا سنواصل سعينا الى صياغة مُدوّنة سلوك تخصُّ كلّ أوجه ممارساتنا وعلاقاتنا داخل المجلس وخارجه، على غرار البرلمانات الكبرى في العالم . كما أن مراجعة بعض أحكام النظام الداخلي للمجلس قد تساعدنا في تجاوز المظاهر السلبية التي تمس من صورة النائب والمجلس، والعمل البرلماني بصفة عامة. لقد اخترت عمدا أن لا تكون كلمتي الإفتتاحية لهذه الدورة استعراضا تقليديا وكمّيًا لحجم عملنا في الدورة السابقة، وإن كان نسقه التصاعدي مهمّا وجليّا. ومردُّ ذلك يعود إلى كوني أريد أن أُبيّن طبيعة المُنجز الذي حقّقناه خلال الأربع سنوات التي مرّت على عملنا المشترك. إن ذلك المنجز يشكّل في حد ذاته قاعدة لبناء المستقبل، وذلك هو الأهم. إن شعبنا ينتظر منا الكثير، وأمام الوضع السياسي الذي نعيشه خلال هذه الفترة فإني أتوجّه من أعلى هذا المنبر الى كل الأحزاب والحركات والمنظمات الوطنية ومكوّنات المجتمع المدني الى التحلّي بروح المسؤولية وتوخّي الحكمة واعتماد الحوار لحل كل الخلافات والتناقضات، وجعل المصلحة الوطنية فوق كل الاعتبارات. وإني على يقين أننا قادرون على تجاوز كل الأزمات مهما كان نوعها لأن الولاء للوطن هو الذي يقودنا نحو تلك الطريق . ونحن في رحاب هذا المجلس، لسنا أفرادا مُمثّلين لأحزاب أو لشرائح وفئات إجتماعية أو جهات أو أقاليم، نحن المُنتَخبون كنواب للشعب، مُمثّلين له كاملا ومُوحّدا وحاملين لهموم وطن مشترك. نحن نواب شعب يريد منّا العمل على رسم صورة مُطمئنة لمصيره، مما يستوجب تجاوز الإنتماءات الحزبية والمصالح الفردية. وقد دأبنا على دعوة الجميع داخل المجلس وخارجه الى توخّي منهج الحوار دون كلل ودون يأس ودون تردد ، كل ذلك من أجل تكريس توافق تحتاجه بلادنا قبل كل شئ. والتوافق والحوار ليسا غاية، بل وسائل لتحقيق وحدة الصفّ الوطني. وإنّي من دُعاة مقولة " الوطن قبل الأحزاب" وأُضيف أنّ لا أحزاب إلاّ من أجل خدمة الوطن والشعب. الوطن والشعب باقيان والأحزاب والأشخاص عابرون. إنّ الأزمة التي تمرّ بها بلادنا تستوجب كثيرا من الحكمة وكثيرا من الحكماء المُتبصّرين الذين يذوّبون مصالحهم الخاصة في المصلحة العليا للوطن. إنّ الصعوبات التي تواجهها تونس اليوم، هي صعوبات كلّ التونسيين. وجميعهم مُطالبون بالمساهمة في مواجهتها. وقدرنا جميعا وخيارنا الوحيد هو أن ننتصر جميعا في تجاوزها. ولن يكون ذلك ممكنا إلاّ عبر توفير ثلاثة شروط: أوّلها حثّ الجميع على العمل والانضباط فيه بكلّ تفان ونُكران الذات. وثانيها تقاسم الأعباء والتضحيات بين مختلف الفئات الاجتماعية تقاسما عادلا ومتوازنا ، وثالثها وحدة وطنية صلبة وقادرة على رفع التحديات دون وهن . فإلى العمل جميعا بروح الانتصار...حتما وفي الختام يسعدني الاعلان عن افتتاح الدورة العادية الخامسة 2018-2019 من المدة النيابية الاولى 2014 - 2019 ."