وزارة الفلاحة تدعو البحّارة إلى عدم المجازفة والإبحار الى غاية إستقرار الأحوال الجويّة    خطير/ تدليس تواريخ صلاحية منتجات لبيعها بمناسبة رأس السنة..!    الأحوال الجوية: وضع ولايات تونس الكبرى ونابل وزغوان وسوسة تحت اليقظة البرتقالية    عاجل : شركة التونسية للملاحة تفتح مناظرة لانتداب 61 إطار وعون إداري    صادم/ كهل يحتجز فتاتين ويغتصب احداهما..وهذه التفاصيل..    النادي الإفريقي: مهدي ميلاد تحت الضغط    رئيس جامعة البنوك: تم تاجيل إضراب القطاع إلى ما بعد رأس السنة    السعودية.. الكشف عن اسم وصورة رجل الأمن الذي أنقذ معتمرا من الموت    كأس إفريقيا للأمم : تعادل أنغولا وزيمبابوي (1-1)    موضة ألوان 2026 مناسبة لكل الفصول..اعرفي أبرز 5 تريندات    وزارة التربية تنظّم يوما مفتوحا احتفاء بالخط العربي    أيام القنطاوي السينمائية: ندوة بعنوان "مالذي تستطيعه السينما العربية أمام العولمة؟"    توزر: تنشيط المدينة بكرنفالات احتفالية في افتتاح الدورة 46 من المهرجان الدولي للواحات    قائمة أضخم حفلات رأس السنة 2026    4 أعراض ما تتجاهلهمش! الي تتطلب استشارة طبية فورية    صادم : أم تركية ترمي رضيعتها من الطابق الرابع    الكاف : عودة الروح إلى مهرجان صليحة للموسيقى التونسية    القصرين: تدعيم المستشفى الجامعي بدر الدين العلوي والمستشفى الجهوي بسبيطلة بآلتي مفراس حديثتين    جريمة مزلزلة: أم ترمي رضيعتها من الطابق الرابع..!    ممثلون وصناع المحتوى نجوم مسلسل الاسيدون    مقتل شخصين في عملية دهس وطعن شمالي إسرائيل    بداية من شهر جانفي 2026.. اعتماد منظومة E-FOPPRODEX    عاجل-مُنتصر الطالبي: ''نحبوا نكملو لولالين في المجموعة''    نجم المتلوي: لاعب الترجي الرياضي يعزز المجموعة .. والمعد البدني يتراجع عن قراره    تونس والاردن تبحثان على مزيد تطوير التعاون الثنائي بما يخدم الأمن الغذائي    خبير تونسي: هاو علاش لازمك تستعمل الذكاء الإصطناعي    سيدي بوزيد: "رفاهك في توازنك لحياة أفضل" مشروع تحسيسي لفائدة 25 شابا وشابة    بُشرى للجميع: رمزية 2026 في علم الأرقام    عاجل/ انفجار داخل مسجد بهذه المنطقة..    مارك زوكربيرغ يوزّع سماعات عازلة للحس على الجيران و السبب صادم    محكمة الاستئناف : تأجيل النظر في قضية "انستالينغو" ليوم 09 جانفي القادم    جندوبة: انطلاق اشغال المسلك السياحي الموصل الى الحصن الجنوي بطبرقة    إهمال تنظيف هذا الجزء من الغسالة الأوتوماتيك قد يكلفك الكثير    أفضل دعاء يقال اخر يوم جمعة لسنة 2025    عاجل: دار الإفتاء المصرية ''الاحتفال برأس السنة جائز شرعًا''    عاجل: المعهد الوطني للرصد الجوي يعلن إنذار برتقالي اليوم!    سليانة: ضبط برنامج عمل مشترك إستعدادا للاحتفال برأس السنة الإدارية    تونس: مواطنة أوروبية تختار الإسلام رسميًا!    من الهريسة العائلية إلى رفوف العالم : الملحمة الاستثنائية لسام لميري    رئيس غرفة تجار المصوغ: أسعار الذهب مرشّحة للارتفاع إلى 500 دينار للغرام في 2026    تونس : آخر أجل للعفو الجبائي على العقارات المبنية    عاجل/ مع اقتراب عاصفة جوية: الغاء مئات الرحلات بهذه المطارات..    هام/ كأس أمم افريقيا: موعد مباراة تونس ونيجيريا..    أمطار غزيرة متوقعة آخر النهار في هذه المناطق    استدرجها ثم اغتصبها وانهى حياتها/ جريمة مقتل طالبة برواد: القضاء يصدر حكمه..#خبر_عاجل    البحث عن الذات والإيمان.. اللغة بوابة الحقيقة    كأس أمم إفريقيا "المغرب 2025": برنامج مقابلات اليوم من الجولة الثانية    عاجل : لاعب لريال مدريد يسافر إلى المغرب لدعم منتخب عربي في كأس الأمم الإفريقية    مصر ضد جنوب إفريقيا اليوم: وقتاش و القنوات الناقلة    عاجل: هكا باش يكون طقس ''فاس المغربية'' في ماتش تونس ونيجريا غدوة    عاجل/ قتلى وجرحى في اطلاق نار بهذه المنطقة..    أبرز ما جاء لقاء سعيد برئيسي البرلمان ومجلس الجهات..#خبر_عاجل    روسيا تبدأ أولى التجارب للقاح مضادّ للسّرطان    افتتاح الدورة 57 للمهرجان الدولي للصحراء بدوز... التفاصيل    ترامب يعلن شن ضربة عسكرية على "داعش" في نيجيريا    تظاهرة «طفل فاعل طفل سليم»    أولا وأخيرا .. رأس العام بلا مخ ؟    يتميّز بسرعة الانتشار والعدوى/ رياض دغفوس يحذر من المتحور "k" ويدعو..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمين محفوظ أستاذ القانون الدستوري ل«الصباح»: انتخاب برلمان جديد بنفس طريقة الاقتراع غباء سياسي وإهدار للمال العام
نشر في الصباح يوم 02 - 01 - 2018

قال أمين محفوظ أستاذ القانون الدستوري أن انتخاب مجلس نواب جديد بنفس عدد المقاعد ونفس طريقة الاقتراع سيكون من باب الغباء السياسي وتهديد صريح لاستقرار البلاد وإهدار للمال العام.. وأوضح في حوار ل"الصباح" أن طريقة التمثيل النسبي التي اعتمدت لانتخاب أعضاء المجلس التأسيسي ومجلس نواب الشعب وسيتم اعتمداها لانتخاب أعضاء المجالس البلدية، «تؤدي إلى عدم الاستقرار وتفرز الأزمات وتحدث ضبابية في المشهد السياسي.. مشيرا إلى أن نتائج الانتخابات الجزئية في ألمانيا، تعد صفعة لهذا الخيار وقد تكون الإنذار الأخير لمراجعة هذه الطريقة.»
واقترح محفوظ تغيير طريقة الاقتراع من خلال اعتماد طريقة الاقتراع بالأغلبية على الأفراد أو على القوائم في دورتين. لأنها ستبسط المشهد السياسي، وتسمح لحزب أن يفوز بالأغلبية المطلقة وتمكينه من حكم البلاد، والقضاء على السياحة الحزبية، وعلى تكاثر الأحزاب وتعددها، وحسن التصرف في المال العام. وحمّل خبير القانون الدستوري وصاحب مؤلف «مساهمة في دراسة الانتقال الديمقراطي في تونس»، كل من وقع انتخابه سنة 2014 مسؤولية فشل إنهاء العمل بالأحكام الانتقالية لدستور جانفي 2014 الذي تكمن نقطة ضعفه في التأسيس لنظام سياسي هجين، معقّد، يفرز الأزمات ومكلف جدا. ويكشف في الحوار أهمية التعجيل بإرساء المحكمة الدستورية ودورها في احترام مبادئ الدستور وعدم التخوف من تكريس قانون اللامركزية المحلية..
بداية، كيف تصف المشهد السياسي الحالي؟
هو مشهد معقّد. لكن لا يجب أن ننسى أننا نعيش في ظل فترة انتقالية، تتسم بعديد التحدّيات. وتمّ التعامل معها طبقا للخيارات المتاحة وطبقا لمستوى إمكانيات الطبقة السياسية المتوفرة. الانتقال من نظام تسلطي إلى نظام ديمقراطي ليس بالعمل الهيّن خاصة في بيئة ثقافية معادية في أغلبها للمنظومة الديمقراطية.
إلى جانب هذه المعطيات، تمّ -باسم البحث عن التوافق- إقرار بعض الخيارات الدستورية والقانونية التي أفرزت غموضا وعدم استقرار وإهدارا للمال العام. في حين كان جدير بنا، في ظل هذه المرحلة، القيام بإصلاحات جذرية على مستوى منظومة الحكم.
ومع ذلك يبقى الأمل قائما. فقد تحققت عديد المكاسب. فقد أصبح المجال متاحا للحديث عن مواضيع كانت بالأمس القريب من المحرّمات. وكم سعدت كثيرا عندما تم ختم سنة 2017 بصدور حكم ابتدائي عن محكمة الكاف، سيكون له شأن، إذ حرص القاضي على ضمان علوية الدستور من خلال الاستناد إلى حرية الضمير. ومهما يكن فنحن في مرحلة تشخيص للأمراض سواء على مستوى السلطة ولكن خاصة على مستوى المجتمع. سينقشع، بمرور الزمن، الضباب وتتضح الرؤية. ومن هنا تكتسب التجربة. إننا على الطريق الصحيح.
* برأيك، هل تم احترام مقاصد الدستور الجديد وأحكامه الانتقالية بعد أربع سنوات من المصادقة عليه؟
يكون احترام الدستور مشروطا بتفعيل أحكامه من خلال خاصة إنهاء العمل بأحكامه الانتقالية. فالدستور يتكون من توطئة و147 فصلا فقط. الفصلان 148 و149، فصلان انتقاليان ينتهي العمل بهما بمجرد احترام أحكام الدستور وتفعيل أحكامه الدائمة. لكن للأسف لازالت المرحلة الانتقالية، في جانبها الدستوري، قائمة بالرغم من مرور أربع سنوات كاملة على دخول دستور 27 جانفي 2014 حيز النفاذ. فلا وجود لمحكمة دستورية، ولا لسلطة محلية، ولم يغلق ملف العدالة الانتقالية.. ويتحمل كل من وقع انتخابه سنة 2014 مسؤولية فشل إنهاء العمل بالأحكام الانتقالية للدستور. علما أن أحزابهم ستتقدم من جديد لطلب صوت الناخب سواء في إطار الانتخابات البلدية أو للانتخابات التشريعية سنة 2019.
الانتخابات هي فرصة ذهبية للناخبين لمحاسبة الحاكمين على أساس حصاد حكمهم. وهو أمر غاية في الأهمية وأهم مكسب على الإطلاق لم نتعود عليه في تاريخنا الدستوري. على الشعب التونسي أن يفهم أنه أصبح حقا صاحب السيادة يمارسها عبر ممثليه بواسطة الانتخابات أو بواسطة الاستفتاء مثلما تضمّنه الفصل 3 من الدستور.
* هل نحن في حاجة إلى مرحلة انتقالية ثالثة لتصويب الخيارات واعادة تنظيم أهداف الثورة؟
مررنا بمراحل عديدة ولازالت تنتظرنا مراحل أخرى. يخطئ من يقول أن المرحلة الانتقالية قد انتهت. فمرحلة الانتقال السياسي تتطلب العديد من السنوات. أهم شيء هو أن نحافظ على طريقة إدارة الاختلاف بطرق سلمية وهو أهم مكسب تحقّق بعد الثورة. فقد شاهدنا كيف انتهت الأمور في دول مثل ليبيا، سوريا، اليمن، مصر.. أين تمّ إدارة الاختلاف باستعمال البنادق أو العنف. ومع ذلك فأنا أطمح أن تتم مراجعة بعض الخيارات، التي كنت نبّهت في الوقت المناسب إلى مخاطرها، ولكن أنانية الفاعلين السياسيين وحبّ التواجد في السلطة بأي ثمن كان هو الذي دفع إلى إقرارها. مع مرور الزمن تبيّن اليوم للعديدين محدودية هذه الخيارات. التحلّي بالوطنية، التي تحتاج إلى تعريف، وبالشجاعة وبالإرادة الحقيقية علاوة على معاقبة الناخبين للحاكمين الذين تخلوا عن وعودهم الانتخابية هي محدّدات أساسية لإجراء هذه المراجعات.
نظام سياسي هجين ومعقد..
* ناديت في مرات عديدة بضرورة تعديل الدستور.. لماذا تصر وتتمسك بالتعديل؟ وأين يكمن الخلل في دستور جانفي 2014 حسب رأيك، وماهي الفصول التي يمكن أن يشملها التعديل؟
وجب التذكير أن المواقف تقوم على حدّ أدنى من التجانس. سبق أن عبّرت عن موقفي من تنظيم السلط والعلاقة بينهما، كما ضبطها نص الدستور، في العديد من المحاضرات والمقالات واللقاءات الصحفية والإعلامية، وبعضها تمّ معك، وهو منشور في صحيفتكم الغرّاء. وكنت في كل مرّة أنبّه إلى مخاطر الخيارات التي تمّت في مستوى مشروع نص الدستور في خصوص هذا الباب. كما أن التسجيلات متوفرة في أرشيف المجلس التأسيسي.
لكن لا يمنع، بعد أن أصبحت هذه الخيارات مجسّدة في نص الدستور، أن أواصل عملي كناقد. فدور المختص في القانون الدستوري، الذي يتمتع بالحرية الأكاديمية، هو دراسة الظاهرة السياسية والوقوف عند نقائصها ومحاولة تقديم الحلول للمشاكل التي يمكن أن تطرح.
تكمن نقطة ضعف هذا الدستور في التأسيس لنظام سياسي هجين، معقّد، يفرز الأزمات ومكلف جدا. فإلى جانب تكاثر الهيئات، يعدّ غياب التوازن بين السلط أهم ثغرة في هذا الدستور. فقد كانت السلطة التنفيذية الحلقة الضعيفة في هذا النظام. فهي مقسّمة بين رئيس الجمهورية، المنتخب مباشرة من الشعب، ورئيس الحكومة الذي يستمد وجوده من ثقة مجلس نواب الشعب. وقد كان الأجدر تبسيط المشهد وإعطاء وكالة واضحة إما لرئيس الجمهورية أو لرئيس الحكومة. عندها تغيب الضّبابية ويتحمل كل طرف مسؤوليته وهو ما يعطي للعملية الانتخابية معنى إيجابيا.
يضاف إلى ذلك انخرام التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. إذ تمتلك السلطة التشريعية وسائل عديدة ضد السلطة التنفيذية منها: منح الثقة لرئيس الحكومة ولأعضائها عند التعيين وعند إجراء أي تعديل، الأسئلة، التحقيق، توجيه لائحة اللوم، سحب الثقة من أي عضو من أعضاء الحكومة. لا تملك، بالمقابل، الحكومة أي سلاح في مواجهة مجلس نواب الشعب. ففي أحسن الحالات تطلب الحكومة استعجال النظر في بعض مشاريع القوانين. وهو ما يفسّر انحراف بعض النواب عن دورهم الرقابي من خلال اللجوء إلى الثلب والشتم للوزراء دون أن يكون لهؤلاء وخاصة لرئيس حكومتهم أي وسيلة دستورية لإيقاف هذه الممارسات. علما أن النواب يتمتعون بالحصانة في حين لا يتمتع أي من الوزراء وبما في ذلك رئيس الحكومة بهذه الحصانة.
هل تعلم أن الحكومة، في المملكة المتحدة، هي التي تضبط جدول أعمال مجلس العموم؟ إذ لا معنى لرئيس حكومة يضبط السياسة العامة للدولة ولا يتحكم في أولويات جدول أعمال البرلمان. كما أنه يمكن للوزير الأول أن يطلب من الملكة حل مجلس العموم متى شاء ولأي سبب كان.
كما بإمكان مجلس نواب الشعب، أن يبادر بلائحة لإعفاء رئيس الجمهورية. بالمقابل لا يمكن لرئيس الجمهورية أن يبادر بحل البرلمان إلا في حالة وحيدة ألا وهي حالة العجز عن نيل الحكومة على ثقة مجلس نواب الشعب.
يجب أن يفهم الجميع أن الأنظمة السياسية التي نجحت هي التي قامت على أساس التوازن بين السلط كالنظام البرلماني أو النظام الرئاسي. يجب تمكين الحاكمين المنتخبين من الآليات الدستورية التي تسمح لهم بحكم البلاد مع وجود آليات تسمح بإيقاف كل محاولة للتجاوز أو التعسف في استعمال السلطة.
فلا يتعلق الأمر بفصول بقدر ما يتعلق باختيار نموذج لتفريق السلط يقوم على البساطة والوضوح والتوازن بين السلط. لا يخفى على أحد أن تساؤل اليوم هو: من يحكم تونس؟. وقد أقرّت السلط الحاكمة، وخاصة رئيس الدولة، بنقاط الضعف هذه.
* هناك من يربط بين علاقتك المقربة مع رئيس الجمهورية ودعواتك المتكررة إلى تعديل الدستور.. كيف ترد على هذا الرأي؟
لا أدري ماذا تعني بالعلاقة المقرّبة. ولكن علاقتي برئيس الجمهورية علاقة احترام وتقدير. استجبت، بكل سرور، لطلباته لتقديم الرأي حول بعض الخيارات. ولا يمكن لأي مختص في القانون إلا أن يكون مسرورا عندما يطلب منه رئيس الدولة ومختلف السلط في الدولة الرأي والمشورة. وهو أمر ليس بالجديد بالنسبة لي. فقد تم ذلك مع المجلس التأسيسي ومع الرئيس السابق السيد المنصف المرزوقي ومع مجلس نواب الشعب، قبل أن يطالب بعض أعضاء هذا المجلس، يوم 20 نوفمبر 2015 ومنهم من أصبح وزيرا تحت تأثير ومناورات النائب نورالدين البحيري، بمحاكمتي.
على المختص في القانون، في تقديري، أن يبقى بعيدا عن التجاذبات السياسية ولكن عليه أن يكون مدافعا شرسا عن مشروع دولة القانون. فلا يمكن له أن يبقى، في مثل هذه الفترة الانتقالية، محايدا. وإلا كان في برجه العاجي مقصّرا في دفع بلاده للارتقاء إلى دولة من دول القانون. من فهم هذا الدور من رجال الدولة، فإنه يحسن بذلك التعامل مع المختص في القانون. ومن أراد أن يبحث عن مختص في القانون لصياغة نصوص على مقاسه فقد أخطأ العنوان. يجب أن نفهم، أن الأشخاص عابرو سبيل، وأن مأسسة العمل السياسي يحتاج لسنوات من النضال والتوعية. يكفيني فخرا أنه عندما صدرت محاولات عن بعض الكتل النيابية للتلاعب بمشروع قانون المحكمة الدستورية أني كنت لهم بالمرصاد أمام الصمت الحكومي الغريب آنذاك. وكان الرأي العام أكبر سند لي.
كانت لي آراء تختلف عن آراء واتجاهات الرئيس السيد الباجي قائد السياسي أو الرئيس السيد المنصف المرزوقي أو المجلس الوطني التأسيسي. لكن لا فقط لم يطلب أحد منهم، مثلما هو الحال بالنسبة لمجلس نواب الشعب، بمحاكمتي بل واصلوا في كل مرّة طلب الرأي وقد استجبت إلى كل الطلبات وبكل سرور.
* إن كان لا بد من تعديل دستوري، فمتى يتم ذلك؟ هل من الممكن القيام بالتعديل قبل الانتخابات التشريعية والرئاسية 2019؟
كنت أفضّل أن يتم تعديل الدستور في ظل هذه المدة النيابية لعدة أسباب من بينها أن حركة النهضة، المسؤول الأول عن إضعاف السلطة التنفيذية وعن الغموض وإهدار المال العام، انهزمت في الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2014. فالعائلة الديمقراطية تشكل لوحدها حزاما سياسيا قادرا على القيام بهذه المراجعات. لذلك ترى اليوم أن قياديي حركة النهضة هم أول من يعارض تعديل الدستور. وقد انخرطت بعض القيادات الحزبية الأخرى مع هذا الاتجاه لأن النظام الحالي يسمح لها بالتواجد، ولو بقدر قليل، في السلطة. علما أن حركة النهضة قد تنتهز يوما ما الفرصة لتعديل الدستور ولكن طبق الأهداف التي تطمح إلى تحقيقها وفي الظرف الذي تراه مناسبا. ولكن لا يمكن اليوم، في غياب المحكمة الدستورية، القيام بتعديل الدستور. على أنه ربح للوقت كان بالإمكان تشكيل لجنة وطنية تبحث في هنات الدستور وتقدم حلولا لها. بعض الدول عدّلت دساتيرها بعد سنتين فقط من دخولها حيز النفاذ مثل دستور الولايات المتحدة لسنة 1787.
حتمية تغيير نظام الاقتراع
* اعتبرت أن من نقائص المرحلة الانتقالية في تونس واختلال المشهد السياسي هو في القانون الانتخابي ونظام الاقتراع المعتمد.. برأيك ماهي الصيغة المثلى لقانون اقتراع بديل؟
أنت تعلم بأني كنت مساندا لطريقة اقتراع التمثيل النسبي عند انتخاب المجلس الوطني التأسيسي لأن المرحلة مرحلة آنذاك مرحلة صياغة نص دستور. وقد أنقذت هذه الطريقة تونس من السقوط في السيناريو المصري. لأنه أحببنا أم كرهنا للمحافظين في تونس شعبية كبيرة.. ولو طبقنا طريقة الاقتراع بالأغلبية لكان دستور تونس دستور الإسلاميين. لا مكان فيه لحرية الفرد. وبوجوده نكون قد استبعدنا مشروع دولة القانون.
ولكن تعلم جيدا بأني كنت معارضا شديدا لطريقة التمثيل النسبي بالنسبة لانتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب. وقد عبّرت عن ذلك في الحوار الوطني عندما كلفني عميد الهيئة الوطنية للمحامين شوقي الطبيب بتمثيل الهيئة في الحوار الوطني وذلك قبل أن يقع إبعادي في مرحلة لاحقة.
ومع ذلك واصلت معارضتي لطريقة التمثيل النسبي لأني أدرك جيدا انها تؤدي إلى عدم الاستقرار وتفرز الأزمات وتحدث ضبابية في المشهد السياسي. لكن التوافق، ليس من أجل تونس المستقرة، وإنما من أجل ضمان تواجد أكثر عدد ممكن من الأحزاب داخل مجلس نواب الشعب وبتزكية من عدد من المختصين في القانون هو الذي انتهى إليه الفرقاء السياسيون. وتعد النتائج الانتخابية الجزئية في دائرة ألمانيا، وبالرغم من سعي البعض إلى التخفيف من حدتها، صفعة لهذا الخيار. وقد تكون بمثابة الإنذارالأخير لمراجعة هذه الطريقة.
تقتضي الوطنية وحب تونس من مجلس نواب الشعب الحالي القيام بعملين اثنين:
يكمن العمل الأول في المصادقة على قانون، مثلما نص عليه الفصل 106 من القانون الأساسي للانتخابات لسنة 2014، يحدّد عدد مقاعد مجلس نواب الشعب لسنة 2019. ويتجه في هذا الإطار تقليص العدد بشكل يتماشى ونسبة السكان مثلما هو الشأن في الولايات المتحدة الأمريكية، إنقلترا، ألمانيا، فرنسا... لا يجب أن يفوق العدد الجملي مائة نائب. كما وجب تقليص عدد النواب الممثلين للتونسيين بالخارج إلى ثلاث نواب. فالعدد الحالي أي 217 نائبا هو عدد صالح لشعب من أربعين مليون نسمة.
يكمن العمل الثاني في تغيير طريقة الاقتراع من خلال إقرار طريقة الاقتراع بالأغلبية على الأفراد أو على القوائم في دورتين. هذه الطريقة ستبسط المشهد السياسي، تسمح لحزب أن يفوز بالأغلبية المطلقة وتمكينه من حكم البلاد، القضاء على السياحة الحزبية، القضاء على تكاثر الأحزاب وتعددها، وحسن التصرف في المال العام. ومهما كانت الأغلبية الفائزة فإن آليات إيقاف تجاوزاتها ممكنة من خلال المحكمة الدستورية خاصة من خلال حركية المجتمع المدني..
* دعوت في جوان 2016 رئيس الجمهورية إلى حل البرلمان وتغيير القانون الانتخابي بدل الذهاب إلى خيار حكومة الوحدة الوطنية.. هل ما زالت الدعوة قائمة؟ وهل يسمح الظرف السياسي القائم بانتخابات تشريعية مبكرة خاصة مع بروز دعوات من هذا القبيل.؟
وهل تعتقد أن حكومة الوحدة الوطنية قدمت الحلول للمشاكل المطروحة؟
بالرغم من أن السيد يوسف الشاهد قد نال شكليا ثقة مجلس نواب الشعب إلا أن ذلك لم يكن ممكنا لو لم يحظ بثقة الرئيس السيد الباجي قائد السبسي. فرئيس الحكومة الحالي، وكسابقه أي الحبيب الصيد، يستمد مشروعيته الشكلية من المجلس ولكن مشروعيته الحقيقية يستمدها من ثقة رئيس الجمهورية، الرئيس التاريخي للحزب الفائز في الانتخابات. وهو ما قلّص، في الواقع، من إمكانية التصادم بين رأسي السلطة التنفيذية.
غياب سياسة عامة تعالج المنظومة برمتها بالإضافة خاصة إلى نتائج الانتخابات الجزئية في ألمانيا تؤكد مشروعية هذا الطلب. ولكن يجب أن يتم ذلك بعد المصادقة على قانون يقلّص في عدد مقاعد المجلس المقبل إلى 100 نائب كتغيير طريقة الاقتراع إلى طريقة الاقتراع بالأغلبية في دورتين. أم أن يتم حل المجلس لانتخاب مجلس جديد بنفس عدد المقاعد ونفس طريقة الاقتراع فإن ذلك يكون من باب الغباء السياسي وتهديد صريح لاستقرار البلاد وإهدار للمال العام. يجب أن نفهم أن نفس الأسباب تؤدي إلى نفس النتائج.
ما رأيك في مشروع قانون مجلة الجماعات المحلية؟
لي العديد من المآخذ على هذا المشروع. فالعدد الكبير من الفصول يؤكد لوحده أن من صاغه محترز إلى أبعد الحدود من الديمقراطية. وهو يتعامل مع الشعب التونسي وكأنه قاصر وغير جدير بالديمقراطية. فقد تدخّل النص في تفاصيل عديدة كان بالإمكان تفادي الخوض فيها. ومع ذلك كنت قد بينت للسيد يوسف الشاهد عندما كان وزيرا للشؤون المحلية بأن المصادقة على نص فيه نقائص أفضل من تعطيل تفعيل باب السلطة المحلية. أرى في هذا الجانب مغالاة في التخوف غير مبرّرة. لاحظ أن هذه التخوفات متأتية من أولئك الذين غنموا امتيازات محلية ووطنية بفضل العمل بالسلطة المركزية.
* هناك من يحذر من مخاطر إرساء اللامركزية المحلية ومن الأفخاخ القانونية المبثوثة في مشروع قانون الجماعات المحلية الذي يسمح بتغول السلطة المحلية وإضعاف السلطة المركزية.. كيف تصف هذا الرأي؟
أبدا. على التونسيين، على مستوى الجهة أو البلدية، العمل من أجل أن تكون الحياة في مجالهم الجغرافي لا فقط ممكنة بل وممتعة. وجب في هذا الإطار محاربة الفساد على المستوى المحلي نظرا لإنفراد «كبار الحومة»، وبتزكية من السلطة المركزية، بالشأن المحلي. فكان الشأن البلدي أو الجهوي يوظف لخدمة مصالحهم الخاصة. يسعى بذلك كل مسؤول بلدي أو جهوي عن البحث عن إرضاء مصالح الخواص المتنفذين. لكن مع اعتماد مبدأ التدبير الحرّ، الذي يسمح للمسؤولين على المستوى المحلي من فرض شخصيتهم بما أنهم يستمدون وجودهم من إرادة ناخبيهم، فإن ذلك سيسمح لهم بوضع حدّ نهائي لنفوذ «كبار الحومة». سيقتنع المواطن بأن الشأن المحلي شأنه الخاص وعليه أن يكون غيورا للبحث عن حلول تخدم المجموعة ولا تخدم بعض الأشخاص أو العائلات.
لست متخوفا بالمرّة من الانتخابات المحلية، فمن يريد إبقاء الوضع على ما هو عليه هو ليس فقط عدوا للديمقراطية بل يسعى إلى المحافظة على امتيازات تحصل عليها بشكل غير مشروع. وهو يسير في كل الحالات عكس عقارب الساعة.
«هذا دور المحكمة الدستورية»
قال أمين محفوط أن دور المحكمة الدستورية هام إلى أبعد الحدود. فهي صمّام الأمان لتحقيق مشروع دولة القانون من خلال ضمان علوية كاملة للدستور. وهي الوحيدة القادرة على كبح جماح أي أغلبية برلمانية كانت. يجب أن يعلم الجميع أن الأفراد يسجنون، بالرغم من دخول دستور 27/01/2014 حيز النفاذ وإلى حدود هذا التاريخ، على أساس نصوص جزائية مخالفة للدستور.
واضاف محدثنا قائلا :»تشهد المنظومة القانونية في تونس العديد من القوانين المخالفة للدستور. فالمحكمة الدستورية هي المؤسسة الوحيدة القادرة على تطهير هذه المنظومة من القوانين المخالفة للدستور. علما أن القانون الأساسي للمحكمة الدستورية أتاح للمتقاضين إخطار المحكمة الدستورية بشكل غير مباشر. فقد فرض على المحاكم إحالة أي نص قانوني يدفع المتقاضي بعدم دستوريته حتى يتسنى للمحكمة الدستورية أن تضطلع بمهمتها من خلال توقيف العمل بالقوانين التي قضت المحكمة في شأنها بعدم الدستورية.
وقد تبين لي، من خلال إشرافي على إعداد مشروع القانون الأساسي المذكور، عداء حركة النهضة لهذه المؤسسة. ويمكن أن أفهم ذلك، باعتبار أن حركة النهضة خسرت إنتخابات2014 وهي تطمح إلى تحقيق نتائج انتخابية باهرة في الانتخابات القادمة. فتشكيل المحكمة الدستورية في الظرف الحالي لا يخدم أهدافها. وهي تستعمل كل الوسائل المتاحة لتعطيل إرساء المحكمة. لذا يتحمل كل من وقع انتخابه مسؤولية كبيرة في تعطيل إرساء المحكمة. ولا يمكن في هذا الجانب قبول أي تبرير كان. فمجلس نواب الشعب مطالب منذ ديسمبر 2015 بانتخاب أربعة أعضاء لعضوية المحكمة.»
ويكفي أن تجتمع العائلة الديمقراطية، التي اجتمعت يوما ما في اعتصام الرحيل، على اختيار أربع أسماء وهو قابل عدديا للتحقيق. على أن الخلافات الجزئية بينها استغله المحافظون حتى يظهر للعيان بأن المجلس برمّته هو المسؤول عن هذا التعطيل. يكون المنتخبون قد قدموا، في صورة عدم إرساء المحكمة الدستورية في أقرب وقت ممكن وفي كل الحالات قبل نهاية المدة النيابية الحالية، خدمات جليلة لأعداء علوية الدستور. ولا يمكن لهم تسويق أوهام الديمقراطية في حملاتهم الانتخابية القادمة.
وفي سؤال عن عدم ترشحه لعضوية المحكمة الدستورية قال محفوظ: «لا أعتقد أن هذا الأمر يكتسي أهمية خاصة أن الجامعة التونسية تزخر بالعديد من الكفاءات. ثم لا توجد ترشحات تلقائية. إن الكتل النيابية هي التي تقدم مرشحيها لعضوية المحكمة. وقد تم بالفعل ذلك.
أعتبر أن الترشحات الحالية جدّية وهي متحمسة للقيام بدورها على أحسن وجه. وإذا كان هناك عتاب يوجه إلى الأحزاب فإنه يتمثل في اختزالهم المترشحين للمختصين في القانون في الزملاء المتواجدين بتونس العاصمة وتجاهلوا بذلك العديد من الكفاءات التي لها من المنشورات والمؤلفات والمتواجدة بسوسة وصفاقس.. ومع ذلك بإمكان العائلة الديمقراطية أن تعمل على انتخاب أربعة أعضاء من قائمة الترشحات المتوفرة لديهم. ويمكن كذلك في إطار البحث عن التوافق، تمكين مرشح لحركة النهضة بالتواجد في المحكمة الدستورية. بل وأعتبر ذلك ضروريا. يجب أن يحصل نقاش داخل المحكمة الدستورية بين من يمثل الاتجاه المحافظ ومن يمثل الاتجاه الحداثي. ولكن يجب في الأخير تغليب نصّ الدستور على كل المؤثرات الأخرى. علما أن الجهات المرشحة ثلاث: مجلس نواب الشعب، المجلس الأعلى للقضاء ورئاسة الجمهورية».
واعتبر أستاذ القانون الدستوري أن عضوية المحكمة الدستورية هو شرف ينال كل مترشح لعضوية المحكمة. أن تكون عضوا بالمحكمة الدستورية فهذا حلم كل من إمتهن القانون وخاصة من درّس، ولازال، القضاء الدستوري. علما أن دور أول تركيبة للمحكمة الدستورية سيكون تاريخيا إذ سيتناول أهم المشاكل التي تشكل في تقديري سبب تخلف منظومتنا القانونية. وكنت سأقبل بهذا الترشيح، إن نالني هذا الشرف وبصدر رحب، لو لم يتم منع الجمع بين عضوية المحكمة وممارسة أي مهنة أخرى. فقد كان بالإمكان الاكتفاء بمنحة حضور وهو ما يتماشى مع إمكانيات الدولة المالية المحدودة. لكن أن يمنع الدستور الجمع بين عضوية المحكمة مع أي مهنة أخرى مثل إلقاء المحاضرات، وتقديم الاستشارات وتأطير الباحثين والمشاركة في الملتقيات.. يعني أن منظومة القضاء الدستوري في تونس أرادت أن يعيش القاضي الدستوري في عزلة تامة، على حد قوله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.