ارتفاع نوايا الاستثمار المصرح بها خلال الثلاثية الأولى من السنة الحالية ب6.9 %    الداخلية.. قوات الأمن تبذل جهدها للتصدي لكل ما من شأنه تهديد المجتمع في إطار التمسك بالسيادة واحترام حقوق الإنسان    عاجل : هجوم بسكين على تلميذتين في فرنسا    كأس تونس لكرة القدم: تعيينات حكام مقابلات الدور السادس عشر    بعد حلقة "الوحش بروماكس": مختار التليلي يواجه القضاء    يتزعمها عربي ...ولية عهد هولندا تهرب من بلدها خوفا من مافيا    جامعيون تونسيون يطلقون مبادرة لتدريس الطلبة الفلسطينيين في قطاع غزة عن بعد    تقدم الاشغال الفنية للقسطين الأول والثالث لمشروع جسر بنزرت الجديد    عاجل/ وزير خارجية تركيا: حماس قبلت نزع سلاحها مقابل هذا الشرط    بنزرت: تمكين 21 عائلة ذات وضعية خاصة من منح مالية اجمالية تعادل 200 الف دينار لبعث موارد رزق    تونس: وضعية السدود مقلقة ولابد من ترشيد استهلاك المياه    انخفاض متوسط في هطول الأمطار في تونس بنسبة 20 بالمئة في هذه الفترة    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    أبطال أوروبا: تعيينات مواجهات الدور نصف النهائي    عاجل/ فاجعة جديدة تهز هذه المنطقة: يحيل زوجته على الانعاش ثم ينتحر..    هام/ تطوّرات حالة الطقس خلال الأيام القادمة..#خبر_عاجل    عاجل/ تلميذ يطعن أستاذه من خلف أثناء الدرس..    بوركينا فاسو تطرد 3 دبلوماسيين فرنسيين لهذه الأسباب    عاجل : نفاد تذاكر مباراة الترجي وماميلودي صانداونز    أبطال إفريقيا: ماميلودي صن داونز الجنوب إفريقي يحط الرحال بتونس    إلزام جوفنتوس بدفع 7ر9 ملايين أورو لكريستيانو رونالدو كرواتب متأخرة    ضربة إسرائيل الانتقامية لايران لن تتم قبل هذا الموعد..    زلزال بقوة 6,6 درجات بضرب غربي اليابان    قيس سعيد : ''تونس لن تكون أبدا مقرا ولا معبرا للذين يتوافدون عليها خارج''    في انتظار قانون يحدد المهام والصلاحيات.. غدا أولى جلسات مجلس الجهات والأقاليم    الحماية المدنية: 9 حالات وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    البنك المركزي : ضرورة مراجعة آليات التمويل المتاحة لدعم البلدان التي تتعرض لصعوبات اقتصادية    اجتماعات ربيع 2024: الوفد التونسي يلتقي بمجموعة من مسؤولي المؤسسات المالية الدولية    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    سيدي بوزيد: حجز مواد غذائية من اجل الاحتكار والمضاربة بمعتمدية الرقاب    توريد 457 ألف طن من القمح اللين.. مضاعفة الكميات في السوق    نادال يودع الدور الثاني من بطولة برشلونة للتنس    الهوارية : انهار عليه الرّدم في بئر و هو بصدد الحفر    مصر: رياح الخماسين تجتاح البلاد محملة بالذباب الصحراوي..    اليمن: سيول وفيضانات وانهيارات أرضية    رماد بركان ثائر يغلق مطارا في إندونيسيا    قضية التآمر: هيئة الدفاع عن السياسيين الموقوفين تقرر مقاطعة جلسة اليوم    تعيين أوسمان ديون نائبا جديدا لرئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا    بطولة شتوتغارت: أنس جابر تتاهل الى الدور ثمن النهائي    خمسة عروض من تونس وبلجيكا وفرنسا في الدورة الثانية لتظاهرة المنستير تعزف الجاز    أطفال من بوعرادة بالشمال الغربي يوقعون إصدارين جماعيين لهم في معرض تونس الدولي للكتاب 2024    وزير الصحة يشدد في لقائه بمدير الوكالة المصرية للدواء على ضرورة العمل المشترك من أجل إنشاء مخابر لصناعة المواد الأولية    توزر: المؤسسات الاستشفائية بالجهة تسجّل حالات إسهال معوي فيروسي خلال الفترة الأخيرة (المدير الجهوي للصحة)    الكاف: تلقيح اكثر من 80 بالمائة من الأبقار و25 بالمائة من المجترات ضد الأمراض المعدية (دائرة الإنتاج الحيواني)    "سينما تدور": اطلاق أول تجربة للسينما المتجولة في تونس    الفضيلة    لعبة الإبداع والإبتكار في كتاب «العاهر» لفرج الحوار /1    وزير الصحة يعاين ظروف سير العمل بالمستشفى الجهوي بباجة    حالة الطقس ليوم الخميس 18 أفريل 2024    غدا افتتاح معرض تونس الدولي للكتاب...إمضِ أبْعد ممّا ترى عيناك...!    أخبار المال والأعمال    جراحة فريدة في الأردن.. فتحوا رأسه وهو يهاتف عائلته    سيلين ديون تكشف عن موعد عرض فيلمها الجديد    عاجل : دولة افريقية تسحب ''سيرو'' للسعال    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    مفاهيمها ومراحلها وأسبابها وأنواعها ومدّتها وخصائصها: التقلّبات والدورات الاقتصادية    فتوى جديدة تثير الجدل..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.هشام جعيط في حديث شامل ل"الصباح": نحتاج إلى جيل كامل لترسيخ قيم الديموقراطية ومسألة الحرية والكرامة
نشر في الصباح نيوز يوم 13 - 01 - 2019

-لم نعد في ال78 ويخيفني تفاقم الخلافات بين اتحاد الشغل والحكومة
-أتطلع إلى التجربة في كوريا الجنوبية وأعتبر أن ما ينقصنا اقتصادي
-يوسف الشاهد له طموحاته ولكن لا أراه رئيسا للدولة
- من مصلحة الباجي قائد السبسي الخروج فقد قام بواجبه على مدى ثلاث سنوات كانت هادئة عموما
-الحركات الإصلاحية في العالم العربي والإسلامي تأخرت..
- أعود مجددا إلى الكتابة وأمامي مشروع كتاب لا أدري إن كنت سأستمر فيه...
-2014 شهد مرحلة تأليف القلوب بين النهضة والباجي قائد السبسي وليس النداء
-الحرب بين القصبة وقرطاج ليست مهمة الخطر أن مجلس النواب لا يقوم بدوره
-الغرب لم يعد قلب العالم ويخطئ في اعتقاده أن قيمه يجب أن تسود
-مصر لم يعد لها دور في العالم العربي والمشهد السوري لم يكتمل..
قد يكون من الصعب تصنيف المفكر والمؤرخ والباحث الدكتور هشام جعيط، وهو الذي قال عنه العاهل المغربي في لقاء مع الزعيم بورقيبة في زيارة إلى تونس "أهنئكم بأن لديكم فيلسوفا في عهدكم"، هشام جعيط الذي لم تنقطع كتاباته منذ سبعينات القرن الماضي يبقى مجهر التاريخ ويبقى علامة عصره الذي أثث المكتبة العالمية والعربية والإسلامية بإبداعاته الفكرية والعلمية وهو المؤرخ الذي استمد من مختلف العلوم الإنسانية من الفلسفة إلى علم الاجتماع والانتروبولوجيا مدخلا للحداثة تاركا لجيله وللأجيال القادمة قائمة من المراجع والعناوين المأثورة ومن بينها على سبيل الذكر لا الحصر "الشخصية العربية الإسلامية" والمصير العربي" و"أوروبا والإسلام –صدام الثقافة والحداثة" و"أزمة الثقافة الإسلامية" وثلاثية السيرة النبوية وغيرها من العناوين التي حظيت ولا تزال باهتمام المؤرخين والنقاد والباحثين والمفكرين والمستشرقين... اهتمامات هشام جعيط المفكر والباحث المهووس بمسألة الحداثة وأسباب تأخر المجتمعات العربية والإسلامية دفعتنا إلى اقتحام عزلته ودفعه للخروج عن صمته واستبطان آرائه ومواقفه في مجال اهتماماته الواسعة ولكن أيضا في مختلف الأحداث والملفات التي تهز الساحة الدولية والعربية بما في ذلك المشهد التونسي بعد ثماني سنوات من عمر ثورة حملت عنوان العدالة والحرية والكرامة. فكان هذا اللقاء بعين المفكر المواكب لنبض الشارع الذي يكذّب أنه يعيش في برج عاجي وهو المتتبع لكل ما يعيش على وقعه العالم من تطورات سياسية.. وما حملته السنوات الثمانية في طياتها من تحولات اجتماعية وسياسية وفكرية إلى الرهانات الانتخابية المرتقبة وحسابات الزعامات المتنافسة والصراع بين القصبة وقرطاج ومون بليزير.. حديثا شاملا شكل فرصة للوقوف على اهتمامات المفكر هشام جعيط بعد مغادرته بيت الحكمة وفقدانه رفيقة دربه ومواكبة يوم في حياته بين بحر من العناوين والكتب، كنزه الثمين وملجأه الذي يتنفس من خلاله بحثا عما قد يكون فاته من البحوث.. طبعا سيتعين على محاور هشام جعيط الانتباه جيدا لكل حرف ينطق به وهو ينفث دخان سجائره تباعا ويترشف قهوته المرة حتى انك تخاله لن يتوقف عن الحديث كلما تعلق الأمر باستعراض طاقاته وقدراته في تاريخ الأديان..
جعيط الذي يلازم مكتبه في بيته بالمرسى يواصل الإبداع والكتابة وإعادة قراءة ما كان اطلع عليه طوال عقود من مسيرته الجامعية ولكن أيضا وهذا المهم تبقى للرجل نظرته وقراءته للمشهد السياسي والتحولات الحاصلة في العالم العربي والإسلامي وفي الغرب وهو المتابع الحريص لما يحدث في تونس مهد ثورة الحرية والكرامة.. وفيما يلي نص الحديث:
* بداية أين هشام جعيط مما يحدث حوله في تونس وفي العالم وهل اختار المفكر والمؤرخ الباحث العزلة بنفسه والجلوس على الربوة إزاء التحولات المتسارعة؟
-أبدا لم أنعزو، حياتي بين نادي الشطرنج بالمرسى وبين عائلتي وأصدقائي، ولكن أغلب وقتي اقضيه في عالمي الخاص وبين كتبي فلدي أكثر من ثلاثة آلاف عنوان اغلبها كتب في التراث والتاريخ القديم والفلسفة والانتروبولوجيا وهي من العناوين والمصادر التي كنت اعتمدتها في كتاباتي على مدى العقود الماضية والتي أعود اليها اليوم لأعيد تأمل وقراءة ما سبق لي الاطلاع عليه بعين مختلفة عما كان في السابق، فنظرتي لما قرأته قبل عشر سنوات غير نظرتي لنفس العنوان الذي أعيد التعمق فيه بعد النضج والتجربة التي اكتسبتها بما أهلني لفهم وتدارك ما قد يكون فاتني. ما يزعجني إني لا أجد كتابات عربية حديثة تهمني وتستجيب لاهتماماتي وبالتالي أقرأ بالفرنسية وأحيانا بالانقليزية. وخلال الفترة الماضية أعدت قراءة مختلف كتابات الفيلسوف ماكس ويبرmax weber عن سوسيولوجية الأديان ونظرته إلى الاقتصاد والمجتمع وغير ذلك. فهذا الاهتمام بتاريخ الأديان يسكنني، وأغلب ما صدر في هذا الشأن قرأته عن كثب. كان لي منذ أسبوعين مداخلة في بيت الحكمة عن تاريخ الأديان قدمت فيها ورقة هي تأملات لكتابات الآخرين في جذور وأصول المسيحية واليهودية لان اهتمامي اتجه قبل ذلك أكثر إلى الهندوسية والبوذية والكونفيشوسية (نسبة إلى كونفيشوس) واليوم أجد نفسي أعود مجددا الى الكتابة وأمامي مشروع كتاب لا ادري ان كنت سأستمر فيه. وقد عدت مع هذه الورقات البحثية (خمسين ورقة) إلى مشروع الحداثة وما كتب فلاسفة القرن العشرين في هذا الشأن.
* ما دمنا نتحدث عن الحداثة، أين نحن منها ولماذا يتقدم العالم فيما يستمر سقوط وانهيار العرب والمسلمين؟
-الحداثة وليدة الغرب وفلاسفة القرن التاسع عشر هم من اعتبروا أن الحداثة لها مشروعيتها الخاصة أي أنها بزغت من لا شيء، أو فلنقل بزغت من أفكار المفكرين خاصة في علاقتها بالدين في فترة التنوير في فرنسا ثم في ألمانيا في القرن ال19 بظهور فلاسفة من تلامذة هيغل ومنهم كارل ماركس، الذين طرحوا مشكلة المسيحية وهاجموها وهي فترة جيل كامل من الفلاسفة اتجهوا إلى البحث في الدين ونقده وبينهم أيضا لودفيغ فويرباخ الذي قام بنقد المسيحية، وعلى خلاف ما حدث مع الثورة الفرنسية حيث أن الفرنسيين هاجموا المسيحية لا بطريقة تاريخية ولا فلسفية ولكن بطريقة نضالية، أما تلامذة هيغل فقد هاجموا المسيحية بطريقة فلسفية واعتبروا أن هيغل جعل من الدين فلسفة بمعنى أنه جذب الأديان وأدخلها في الفلسفة، وهو الذي كتب "فلسفة الأديان" وبالتالي فان فلسفة التاريخ ظهرت في القرن التاسع عشر في ألمانيا. وهنا ظهر ولأول مرة شعور ووعي بالحداثة لان المفكرين الفرنسيين أمثال فولتير وجون جاك روسو ناضلوا من أجل إلغاء الدين وتدمير الهرم الاجتماعي أي تدمير الماضي بمعنى التخلص من الدين ليس بصفة نظرية وليس عن وعي أيضا بأنهم كانوا يصنعون الحداثة، في حين ان ما وقع في أوائل القرن ال19 مع الفلاسفة في ألمانيا شكل بداية الوعي بالحداثة وقد كان هيغل يقول "نحن الحداثيون" ولكن في المقابل كان الفرنسيون يصنعون الحداثة بصفة نضالية وفي القرن العشرين ظهرت نظريات من فلاسفة ألمان بينهم كارل شميث الذي يقول بأن الحداثة جذورها في المسيحية بمعنى أن الحداثة في علاقة بالدين جذورها مسيحية ولكن الدين وقعت علمنته.. والأفكار المسيحية الأساسية صيغت في ثياب جديدة لكنها تبقى من أصول مسيحية وهذا ما ورد في كتاب كارل سميث "تيولوجيا سياسية" إذ يقول إن الحداثة مسألة التقدمprogres وهي في أصلها الرعاية إلهية وان أفكار أوقستان وتلميذه اوروز هي أصول الأفكار الأساسية للحداثة. وقد وقعت ردود أفعال متعددة أثمرت صدور كتاب "مشروعية العصور الحديثة" للكاتب الألماني بلوم فيلد في ستينات القرن الماضي فند فيه هذه الأفكار كما فندتها أيضا الألمانية حنا ارندت، وكل هذه الأفكار بشأن مسالة الحداثة طرحت في القرن العشرين واهتمت برفع السحر والخرافة عن العالم أو ما يسميه الفيلسوف الفرنسيmarcel gauchet مارسيل غوشيه في كتابهle desenchantement du monde الذي استرجع فكرة الابتعاد عن المقدس والماورائيات والخروج من الدين واعتباره أنه بذلك تم فك ورفع السحر عن العالم. وغوشيه يعتبر بأن المسيحية دين الخروج من الدين وقد اعتبر ويبر أن الأفكار التي سادت طوال قرون طويلة قد تخلص منها العالم.
* هذا فيما يتعلق بجذور الحداثة في الغرب والفصل بين الكنيسة والدولة ولكن ماذا عن الحداثة عندما يتعلق الأمر بواقعنا العربي الإسلامي وغياب مشروع الإصلاح المؤجل؟
-شخصيا وقعت في تخمة من العناوين والنظريات من القراءات في البحث عن أصول الحداثة أوفك السحر عن العالم وكل المعتقدات بمعنى قطع الصلة بالدين وكل المعتقدات الماورائية عن العالم، الحداثة خولت للإنسان تغيير العالم فاتجه بذلك الى استثمار الطبيعة حتى وصل الى درجة تدميرها. الحداثة في المجتمعات الغربية علمانية في أسسها ومتجهة إلى استثمار الطبيعة والى التمتع بالحياة الدنيا وهذه الأفكار وغيرها أتمنى أن تكون لي القدرة لطرحها وهي أفكار مستوحاة من كتب غربية ولا أجد في كتابات العرب شيئا من هذا القبيل بل كل ما يوجد أفكار مطروحة في اتجاه نفي الدين أو ما يعرف بالإسلام السياسي وباتجاه استعمال الدين في المجتمع وفي السياسة. الواقع أن كل هذا أي طرح مشكلة الدين وكيف يمكن استعماله أو نفيه وكل هذه المسائل أتت متأخرة بالنسبة للعالم الإسلامي ولكنها أتت من الغرب حيث تظل الحداثة مصدرها الغرب.
* ولكن لماذا يتأخر الإصلاح في العالم العربي ولماذا تتأخر النهضة المطلوبة؟
-الحركات الإصلاحية في العالم العربي والإسلامي تأخرت والفكرة في الأصل أوروبية، ولكن استبطنها رجال الإصلاح أو جيل النهضة عندما اعتبروا ان الدين يعطل ما أسموه في تلك الفترة التمدن أو الحداثةle progrès في القرن التاسع وهذا ما تعرضت له في كتابي "أزمة العالم الإسلامي". في العالم الإسلامي كل هذا طرح مشكلة الدين وكيف يمكن استغلاله أو نفيه وهي أفكار أتت مؤخرا لطرح مسالة الإصلاح. الفكرة إذن أوروبية تم استنباطها لإظهار أن الدين يعطل التوجه نحو التمدن أي الحداثة اليوم.. العالم الإسلامي من اكبر الحضارات وأول حضارة في زمانه ولكنه تأخر ويجب إعادة النظر في كيفية الإصلاح. ولكن وجب الاعتراف بأن إصلاح الدين في القرن ال19 بدأ ضعيفا وذلك لسببين وأولهما أن الإسلام كان مترسخا جدا في الأمم الإسلامية في تلك الفترة وثانيا فان فكرة الدولة الأمة لم تكن موجودة في القرن ال19 حيث كانت الأقطار الإسلامية تنتمي كهوية فقط إلى الإسلام في مواجهة الآخر أي مواجهة أوروبا التي استفحلت قوتها آنذاك. لذلك نرى الإصلاحيين يحاولون عبثا إصلاح الدولة لان أوروبا ازدادت قوة. وحتى عند الشيخ محمد عبده فان الإصلاح ضئيل أيضا لسببين أيضا. الأول، أن الشعوب الإسلامية كانت متشبثة بهويتها بسبب غزو الغرب لها، وثانيا أن كل ما هو دين كيفما كان يصعب تغييره لأنه يرنو إلى المطلق وبالتالي من الصعب إصلاح الأسس الأساسية لأي دين. بل حتى في أوروبا مثلا فان التغييرات التي طرحت على الكاتوليكية في القرن ال19 تحت ضربات الحداثة والعلم والتصنيع وتغيير الذهنيات لم تكن ميسرة. وقد حاولت الكنيسة التماشي مع الحداثة ولكن الى حد ما. وفي 1870 أخرجت البابوية وثيقة تدين فيها صراحة كل أسس العالم الحديث والعلم والحداثة والدولة الديموقراطية بصفة واضحة. ولكن وجب الإشارة إلى أننا عندما نعتبر اليوم، في الغرب على الأقل، بأن الدين وقع تركه جانبا، فهذا لا يعني أن الغرب يعيش لائيكية مطلقة وأنه لا توجد فئات من المجتمع الغربي تبقى متدينة كما هو الحال لدى إنجيليي أمريكاles evengelistes وهم متطرفون في المسائل الدينية. من الواضح عندما نتحدث عن علمنة المجتمع حتى في أمريكا حيث التدين أكثر من أوروبا أن الدولة ومؤسساتها والاقتصاد ومؤسساته القوانين العامة هي التي تسير المجتمعات التي خرجت عن بوتقة الدين. وهذه مسألة واضحة وقد امتد التيار إلى قسم كبير من الإنسانية الحديثة في أمريكا الشمالية والجنوبية وروسيا مع دخول الشيوعية وهذا ما حصل أيضا في الصين حيث هناك تناغم بين البوذية والكونفيشوسية والتاوية..
* كيف يمكن بلوغ درجة الحداثة؟
حتى في العالم العربي والإسلامي إذا استثنيا السعودية وإيران فان الدولة في الواقع والاقتصاد وصيرورة المجتمع والقوانين تسير خارج تيار الدين سواء كانت دكتاتورية أو ديموقراطية لكن كل هذه مفاهيم حديثة. هل الأمر كذلك في مجتمعاتنا هذه مسألة أخرى. فقد حصلت ردود فعل من طرف مجتمعات إسلامية لصياغة إسلام سياسي أو تيارات إسلامية، والدين الإسلامي الآن تقمص السياسة التي اعتبرت أساس العالم الحديث في العالم الثالث بينما من الواضح في الغرب ان السياسة لا تلعب دورا كبيرا ولكن الاقتصاد هو الذي يلعب هذا الدور في زمن العولمة وهو المحدد لتوجهات الدولة. ولكن ما ألاحظه اليوم مع تطور العالم ان الدولة صارت محل إشكال في الغرب في أمريكا وأوروبا، وما يحدث في فرنسا مع احتجاجات السترات الصفراء اقرب إلى نداء بإزاحة فكرة الدولة تماما. ودعوة الى أن المجتمع وحاجياته هي الأساس على عكس العالم الإسلامي الذي وظف الدين في السياسة. هنا المجتمع أو على الأقل فئات اجتماعية متجهة إلى نوع من إنكار الدولة أو إنكار تدخلها أو فعالياتها. وهذا ما يمكن أن نسميه في عالم الغرب بأزمة الديموقراطية. فالديموقراطية كما كانت تقدم من الغرب كانت بالضرورة منظمة، بمعنى أن هناك سلطة وبالتالي فهي ليست ديموقراطية فوضوية أو همجية. الآن أصبح هناك نوع من التشكيك في دور الدولة من جانب شريحة مهمة من المواطنين وهذا على خلاف ما يحدث في الصين التي اتخذت نمطا اقتصاديا رأسماليا ودخلت العولمة معتمدة على قوة الدولة. وهذه أيضا من المظاهر الجديدة فيما يخص تاريخ الصين التي تتجه الى مد سيطرتها ونفوذها في العالم بما في ذلك إفريقيا. فالصين القديمة كانت تعتبر أنها عالم مستقل ولم تكن تهتم بالهيمنة على العالم كانت مكتفية جدا فهي حضارة لم يحصل فيها تأثير من الخارج مثل مصر أو بلاد الرافدين ولكن الصين أيضا تغيرت والكونفيشوسية تكاد تندثر كتراث وكروح ارتبطت بالحضارة الصينية.
*هل نحن إزاء نفس الغرب اليوم وكيف تنظر إلى ما يحدث في فرنسا اليوم؟
-هناك مشكلة في الغرب الذي يخطئ في تقييم مدى تأثيره على العالم وهو لا يزال يعتبر أنه قلب العالم وأن قيمه هي التي يجب أن تسود بما في ذلك الديموقراطية. إلى وقت قريب كان الغرب يعطي الدروس إلى بقية الدول ويعتبر أن النظم الأخرى غير شرعية وغير مقامة على القيم الغربية وحقوق الإنسان وأنها هي التي لها مشروعية أخلاقية. اليوم وقع انحصار ففرنسا لم تعد قادرة على إعطاء الدروس للآخرين فالسترات الصفراء تمثل نزعة غربية متناقضة فمن جهة يعتبر أنصارها أن الدولة هي الملاذ وهي القادرة على تحقيق التوازنات الاجتماعية ومن جهة أخرى يعتبرون أن القوى الاجتماعية هي القوى الحقيقية وان الدولة يمكن تحديها بل ان البعض ينادي بإسقاط الدولة وبالتالي يصبح المجتمع ومتطلباته هو الأساس. من هذا المنطلق اعتبر أن القيم الغربية هي فقط ناتجة عن القوى الغربية في الماضي ولكن الغرب مازال يعتبر أنه يسود العالم وهذا غير صحيح. خاصة فيما يتعلق بأوروبا التي تراجعت كثيرا وباتت ضعيفة. أما أمريكا فهي تتسلط بالقوة على العالم ولكن ما نلمسه الآن ان السياسة الأمريكية تتجه إلى الانعزال عن العالم والى حد ما الخروج عن الامبريالية والانكباب على الوضع الداخلي وهو ما لا يحبذه الأوروبيون الذين يمكن القول إنهم ليسوا تابعين فقط لأمريكا بل هم يريدون البقاء تحت المظلة الأمريكية. وكلما حدثت أزمة في أمريكا إلا وكان لها تأثيرها في أوروبا وهذا ما حدث خلال الأزمة الاقتصادية في 2008 التي كان لها تأثيرها على أوروبا والأمر ينسحب على الحلف الأطلسي أيضا وفي المحصلة فان أوروبا تريد أن تبقى أمريكا الحامية لها وأوروبا ليس لها الإمكانيات الاقتصادية لتكون قوة عسكرية.
* هل مازال بإمكان العالم العربي بلوغ الحداثة في خضم هذه التحولات العالمية والنظام العالمي الذي بدأت معالمه تتضح؟
-العالم العربي في حالة اضطراب ومن ذلك ما يحدث في السعودية وعلاقاتها بدول الخليج ومنها أيضا حالة مصر صحيح انه تمت إزاحة سيطرة الإسلاميين بزعامة مرسي عن السلطة، والمصريون متعودون على العسكر منذ عبد الناصر ولكن كان يمكن للنظام الحالي وهو سلطوي أن تكون الأمور أقل ضراوة بالنظر الى أحكام الإعدام والقيود على الحريات. مصر لم يعد لها أي دور في العالم العربي. أما القضية الفلسطينية فهي على وشك الانتهاء لم يعد هناك أي اهتمام من الدول العربية وفي ظل السياسة الإسرائيلية التوسعية لا يبدو هناك من حل في الأفق. من ناحية أخرى فليبيا والسودان في حالة اضطراب مستمر بالرغم من الاستفاقة الشعبية التي تسجل في عديد الدول الإفريقية. أما سوريا فتلك مسألة أخرى لقد استطاع الأسد استرجاع سيطرته على البلاد بفضل روسيا وإيران. ولكن المشهد السوري لم يكتمل بعد هناك ملفات حارقة مثل ملف الأكراد والدور التركي في سوريا. ولكن تبقى الحرب الأهلية أخطر ما يمكن أن يحدث.
*إلى هنا لم نتوقف عند المشهد في تونس على أبواب الذكرى الثامنة لثورة 14 جانفي وما يمكن التوقف عنده لتأمل ما تحقق أو ما لم يتحقق لمواصلة مسار انتقالي محفوف بالتحديات والمخاطر
-بالنسبة لتونس يمكن القول ليس هناك اضطراب سياسي بل يمكن القول إن هناك نوعا من الاستقرار السياسي منذ 2014. استمر نحو ثلاث سنوات وكون السلطة في يد رئيس الدولة أو رئيس الحكومة فهذا أمر ثانوي فالأساس أن توجد على رأس الدولة مؤسسة رئاسة الحكومة أو الجمهورية تمثل السلطة فالمسألة ليست شخصية وانتقال السلطة من رئاسة الجمهورية إلى رئاسة الحكومة ليس جوهر القضية فالمهم ألا تقع الفوضى. ولكن ما يجب الإشارة إليه أن هناك نقطة ضعف في الدستور الحالي والصلاحيات التي يتمتع بها الرئيس باعتباره منتخبا من الشعب على عكس أيام الترويكا حيث خرج الرئيس المنصف المرزوقي من البرلمان وهنا لب المسألة وأهمية التناقض الحاصل فانتخاب الرئيس من الشعب يفترض أنه يعطيه مشروعية ولكن من جهة أخرى فان السلطة وحسب الدستور الحالي تضع السلطة في يد رئيس الحكومة. وأصل المشكلة انطلقت مع بداية الثورة عندما بدأ التشاور حول النظام الجديد وتقسيم السلط، ان المفكرين والسياسيين وكنت منهم كانوا يخشون من أن تؤدي السلطة المطلقة لرئيس الجمهورية إلى عودة الدكتاتورية. فقد عشنا طوال ستين عاما من الاستقلال في ظل نظام رئاسي وكان بالتالي التوجه إلى نظام برلماني والحزب الحاكم يكون الفائز بالأغلبية المطلقة أو النسبية. هناك فعلا إشكال فيما يخص الدستور ففي فرنسا هناك نظام رئاسي والرئيس له السلطة. أود توضيح فكرة تراودني بشأن النظام البرلماني فنحن إزاء برلمان لا يقوم بدوره كاملا، و في الواقع أرى ان الاتجاه السياسي في تونس ومنذ 2014 شهد مرحلة تأليف القلوب بين النهضة والباجي قائد السبسي وليس النداء. وهذا التالف وجب الاعتراف أنه أمر ضروري وقع معه تلافي الكثير من الاضطرابات الحاصلة بعد الثورة فنحن نتجه الى نسيان ما عرفته الفترة الأولى من الثورة من اهتزازات ولكن في المحصلة فان الفترة بين 2014 و2017 كانت هادئة نسبيا.. في كل التجارب يبقى أسوأ وأخطر ما يمكن أن يحدث الاضطرابات الاجتماعية والحروب الأهلية.
* وماذا عن الحرب المعلنة بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية؟..
-الحرب بين الباجي قائد السبسي ويوسف الشاهد ليست مهمة في نظري، فالأهم أن هناك استقرارا وهناك سلاسة ولكن الخطر الحقيقي أن البرلمان لا يقوم بدوره وما حدث من تغيير في 2014. المسألة التالية وفي اعتقادي ليست أقل أهمية مرتبطة بترسيخ الأساسات أي تسيير الأمور بعقلانية وهدوء. ثم ان المشكلة الاقتصادية والاجتماعية ليست فقط في تونس بل في كل أنحاء العالم. ولو أننا نظرنا إلى ما يجري في فرنسا وخاصة في المجتمعات التي تريد ان تكون ديموقراطية، أرى ان قسما من التونسيين لم يفهم معنى الديموقراطية ولا حتى الوطنية وكل المتورطين في الفساد انتفى عنهم أي شعور بالفهم الحقيقي للحرية ولكن أيضا أي شعور بالتوازن الوطني. من هنا يمكن الاعتقاد أن هؤلاء ليسوا جديرين بالديموقراطية وأن هناك نخبة غير قادرة على تحمل مسؤولياتها وما نراه من اضطرابات في البلاد ناشئ عن ترسيخ الديموقراطية في الدولة ولكن في المقابل فان هذه الدولة غير قادرة على إنهاء الاضطرابات. الديموقراطية في تونس ولو أنها ترسخت سياسيا يصعب تقبلها من طرف بعض فئات من الشعب ومن طرف رجال الأعمال وأصحاب المصالح. نحن إزاء مشهد لا تزال النخب السياسية فيه ضعيفة فنظام بن علي لم يفرز معارضة والمعارضة الوحيدة التي أفرزتها النهضة وجمعت بن جعفر والشابي وبن سدرين والمرزوقي أزيحت من السلطة وانتهى ووجودهم سياسيا اليوم بما يجعل المعارضة ضعيفة.
* وماذا عن موقع النهضة حتى الآن؟
-فيما يخص النهضة هناك حالةPSYCHOSE وهناك وهم كبير الى درجة الكراهية والتخوف من عودتها الى الحكم ولكن يفترض أن الديموقراطية فيها تداول على السلطة ولكن من جهة أخرى هذا البلد الصغير يحتاج إلى إجماع العناصر الأساسية بحيث لا يمكن التعويل على تخويف الناس من الإرهاب فهذه ظاهرة عالمية ثم ان الإرهاب في تونس لا حاضنة له والإرهاب في بلادنا نوعان ما يحدث على الحدود وهناك جهات مسلحة والجيش يسطر على الوضع اما الإرهاب الثاني وهو الإرهاب الأعمى الذي يؤثر على المجتمع كما حدث في باردو وسوسة وشارع محمد الخامس فهذا الأخطر لأنه يؤثر على المجتمع وعلى الاقتصاد. هناك حاجة اليوم الى تجاوز الثنائية بين الحداثة والتبجح بالرجوع الى البورقيبية والأفضل تجاوز ذلك.
* وماذا عن مشروع قانون المساواة في الإرث والصراع بين الحكومة والاتحاد؟
-لا أعتقد أن المجلس سيصوت على قانون المساواة.. ولكن ما يخيفني من تفاقم واستمرار الخلافات بين اتحاد الشغل والحكومة وهذه مشكلة صعبة فهناك مطالب شرعية من المجتمع الذي يمثل الاتحاد ومن جهة أخرى بلادنا تحت سيطرة تامة لصندوق النقد الدولي وهذا يجعل المسألة أكثر تعقيدا مما تبدو في الواقع. الاتحاد يطالب بمطالب شرعية نظرا لغلاء المعيشة وصعوبة الحياة. ولكن لا يمكن الدخول في صراع لسنا في عام 1978 ولابد من تفاهمات بين الجانبين. فالوضع لا يحتمل المزيد. وعلى الرأي العام أن يعرف أن هناك أزمات اقتصادية تحدث وان هناك سقوطا وتراجعا للعملة الوطنية. كما أنه لا بد من الحفاظ على أسس الديموقراطية ولا ننسى أننا في حالة انتقال ديموقراطية. لا يمكن إنكار أن أسس الديموقراطية قائمة وأن هناك مرحلة جديدة ولكننا نحتاج جيلا كاملا لترسيخ قيم الديموقراطية ومسالة الحرية والكرامة.
* ما هو تقييمك للمصالحة الوطنية؟
-لا بد من المصالحة الوطنية وهي ضرورية وبدونها لا يمكن التقدم. وإلى هنا اعتبر أن ما قامت به هيئة الحرية والكرامة من حماية للذاكرة الوطنية خطوة مهمة حيث جمعت أرشيفا لتوثيق ما جرى وهذا مهم للتاريخ وعلينا ان نتأمل ما حدث في ألمانيا بعد النازيين ومفهوم الذاكرة الوطنية مهمة جدا للشعوب حتى تحقق المصالحة وتتجاوز ما فات.
* كيف تنظر إلى الانتخابات القادمة؟
-كل تأجيل للانتخابات خطر ومرفوض ومعناه بكل بساطة فشل المشروع الديموقراطي. ولكن اعتقد ان التشبث بالقوانين في مسألة هيئة الانتخابات يعني إسقاط الديموقراطية وضعف الروح الوطنية. إذا لم تحدث انتخابات 2019 فان ذلك يعني فشل المشروع الديموقراطي. اعتقد ان الشاهد له طموحات سياسية ولا اعتقد انه معني بمنصب رئيس الجمهورية بدون صلاحيات إلا إذا تم تغيير نظام الحكم في الفترة المتبقية ولكن هذا ليس من الواضح ان كانت النهضة يمكن ان ترضى بتغيير نظام الحكم. وبالنسبة للباجي قائد السبسي لا اعتقد انه معني بالترشح مجددا وكل ما يقال مناورات. وقناعتي انه من مصلحته الخروج فقد قام بواجبه على مدى ثلاث سنوات كانت هادئة عموما.
-ثمان سنوات من عمر الثورة ماذا تعني في ذاكرة المفكر والمؤرخ هشام جعيط؟
-مكسب أساسي وهو مكسب الديموقراطية رغم كل ما يقال قد لا يكون ذلك رأي الأغلبية فالديموقراطية قد تعني النخب الفكرية بالدرجة الأولى. المشهد ليس كذلك اقتصاديا واجتماعيا. ليس لنا مفهوم كبير في ثقافة ومفهوم الديموقراطية. وحتى لو كان بن علي بقي فان البلاد كانت ستتدهور اقتصاديا.. أتطلع إلى التجربة الكورية الجنوبية واعتبر ان ما ينقصنا اقتصادي بالدرجة الأولى.. العالم على درجة من الاضطراب والتشابك في نفس الوقت، وتأتي فترات من الأزمات الكبيرة التي تترك آثارها على الجميع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.