- معالجة اسباب تدهور المنشآت العمومية يجب الا تكون ظرفية ففي السابق وقع التخلي عن ديون المؤسسات لكن اليوم لا بد من الذهاب إلى العمق - خروج تونس للتداين الخارجي كان من أجل توفر العملة الصعبة للاقتصاد قبل الانطلاق في التصويت على فصول مشروع القانون الأساسي للميزانية فصلا فصلا، وبحضور رضا شلغوم وزير المالية صادق مجلس نواب الشعب أمس خلال جلسته العامة على مشروع قانون يتعلق بالموافقة على اتفاقية القرض المبرمة بتاريخ 31 جانفي 2018 بين الجمهورية التونسية والوكالة الفرنسية للتنمية بقيمة 100 مليون اورو أي ما يعادل 340 مليارا لتمويل برنامج حوكمة المؤسسات العمومية. وردا على مطالب النواب بتشريك المنظمات الوطنية وخاصة الاتحاد العام التونسي للشغل في عملية وضع استراتجية اصلاح المؤسسات العمومية بين رضا شلغوم انه تم انجاز استراتيجية اصلاح المؤسسات العمومية في ندوات مفتوحة انتظمت خلال شهر نوفمبر الماضي وحضرتها العديد من الأحزاب السياسية كما تم عقد عدة اجتماعات مع الاتحاد العام التونسي للشغل ومازالت الحكومة تتشاور مع الاتحاد حول اعادة الهيكلة وتمت موافاته بحصيلة ما تم انجازه. وأضاف وزير المالية أن جزءا من المؤسسات العمومية يعاني من اشكاليات على مستوى الانتاج وعلى مستوى الهيكلة المالية وعلى مستوى الحوكمة وعلى مستوى الموارد البشرية. وذكر ان توقف الانتاج يؤدي الى تآكل المنشآت العمومية وينعكس على استقرار الانتاج وفسر أن هناك مؤسسات تعاني من المديونية ومؤسسات أخرى لا تتمكن من خلاص قروضها التي حصلت عليها عبر ضمان الدولة وهو ما يمثل اشكالية على مستوى المالية العمومية، وذهب شلغوم الى ابعد من ذلك وأكد ان هناك مؤسسات لا تستطيع خلاص اجور عمالها وتلتجئ للدولة. وتعني هذه الوضعية على حد قوله أهمية اصلاح المؤسسات والمنشآت العمومية فهي من الأوليات الكبرى للحكومة وذلك لكي تساهم في التشغيل والتوازنات العامة للمالية والانتاج الوطني. استراتيجية الاصلاح وترتكز استراتيجية الاصلاح حسب قول وزير المالية على أربعة محاور اولها اصلاح منظومة الحوكمة العامة للمنشآت والمؤسسات العمومة، وخاصة منظومة الإشراف على المؤسسات العمومية بتخفيف الاجراءات لأنه من غير المعقول أن تنتظر المؤسسة تدخل هيكل الاشراف بل يجب ان يكون مجلس الادارة قادرا على اتخاذ القرار بسرعة وهو ما ينعكس على المردودية. أما المحور الثاني فيتلخص في اصلاح حوكمة المؤسسات بتفعيل مجالسها الادارية، وهياكل الرقابة الداخلية ويتم ذلك من خلال اختيار أفضل الكفاءات ممن لهم الاستقلالية وقدرة على النهوض بالمؤسسة. ويتمثل المحور الثالث في تطوير منظومة التصرف في الموارد البشرية والحوار الاجتماعي اذ يجب ان يكون المناخ الاجتماعي في هذه المؤسسات أفضل، فكل ما كان للمؤسسة علاقة جيدة بمحيطها وكلما قامت بتحمل مسؤولياتها الاجتماعية، تكون لها قدرة اكبر على ايجاد حلول للتوترات التي تؤثر للأسف على القدرة على الإنتاج وتتسبب في تعطيله خاصة في قطاعي الطاقة والمناجم، فالمسؤولية المجتمعية اساسية لاستقرار المؤسسة والتشغيل والانتاج ومن الضروري الحرص على الحوار الاجتماعي بالمؤسسات، وعلى المحافظة على البيئة وتوفير تنمية مستدامة. اما المحور الرابع فيتمثل في اعادة هيكلة المنشآت العمومية بمعالجة اسباب تدهورها، وهذه المعالجة يجب الا تكون ظرفية ففي السابق وقع التخلي عن ديون المؤسسات لكن اليوم لا بد من الذهاب إلى العمق، ومعالجة الاشكاليات بما يسمح للمؤسسة تجاوز تدخل الدولة وبما يجعلها قادرة على الانتاج وعلى منافسة القطاع الخاص والمنتوج المورد. وذكر شلغوم ان رؤية الحكومة لإصلاح المؤسسات والمنشآت العمومية لا تقتصر على الحوكمة بل هي نظرة شاملة، مثلما حدث مع البنوك العمومية واعادة هيكلة هذه البنوك العمومية تمت تحت متابعة لجنة المالية والتخطيط التنمية بمجلس نواب الشعب.وإضافة الى هيكلة البنوك العمومية تم الانطلاق في عدد من المؤسسات الأخرى وهي ديوان الحبوب والشركة التونسية لصناعة التكرير والوكالة الوطنية للتبغ والوقيد والشركة التونسية للكهرباء والغاز وينتظر امضاء اتفاقية مع شركة الخطوط التونسية لتحسين الأداء، وهي عقود محل متابعة من قبل لجنة ممثلة من الحكومة ووزارة المالية والوزارة المشرفة على القطاع. أسباب التداين وفي كلمته أجاب وزير المالية، النواب الذين استشاطوا غضبا على الحكومة لاتباعها سياسة تداين محجفة وقال لهم إن مشاريع القروض التي يقع عرضها على مجلس نواب الشعب سبق ان تمت الموافقة عليها في اطار قانون المالية لسنة 2019. وفسر انه سبقت الاشارة عند تقديم قانون المالية الى انه سيتم الحصول على 10 الاف و142 مليار عبر الاقتراض فهذا المبلغ موجود في قانون المالية وتمت المصادقة عليه وبالتالي فان العملية ليست مستجدة، وتونس تعاني من المديونية ويجب علاج هذا المشكل، لكن في صورة عدم اللجوء للاقتراض فهذا يستوجب ايجاد بدائل وهي الاعتماد على الموارد الذاتية ويتم ذلك من خلال الترفيع في الضغط الجبائي لكي يفوق 30 بالمائة وهذا الخيار له آثار سلبية على النشاط الاقتصادي، ونفس الشيء ليس من الممكن التقليص في المصاريف.. وبين وزير المالية ان 40 فاصل 4 بالمائة من المصاريف اي 16 فاصل 5 مليون دينار تذهب للأجور ولا يمكن التقليص فيها بل ستتم الزيادة بالاتفاق مع الاتحاد العام التونسي للشغل، و22 فاصل 8 بالمائة أي 9800 مليون دينار تذهب لخدمة الدين وليس بالإمكان التوقف عن خلاص الديون السابقة، و17 فاصل 2 بالمائة أي 7 آلاف مليون دينار تذهب للدعم والتحويلات الاجتماعية. وأضاف شلغوم أنه عندما ترغب الدولة في الترفيع في سعر البنزين تكون هناك ردة فعل سلبية وهو أمر مفهوم لكن يجب على الجميع أن يدركوا أنه تم تخصيص 2100 مليار لدعم المحروقات و1800 مليار لدعم المواد الاساسية و450 مليارا لدعم النقل وأكثر من 800 مليار للتحويلات الاجتماعية لفائدة العائلات المعوزة والطلبة وغيرهم و 15 بالمائة اي 6500 مليار موجهة للاستثمار، وتعني جميع هذه الأرقام أنه لا يمكن التقليص في المصاريف ولا يمكن في عام واحد ومن أجل الغاء الاقتراض، التقليص ب10 آلاف و142 مليار في قيمة ميزانية الدولة، وهو ما يعني ان الحكومة ستواصل على حد تأكيد وزير المالية تقديم مشاريع القروض لمجلس نواب الشعب. وزير المالية استعرض هذه الارقام بكثير من الانفعال الى درجة الاختناق.. ولكنه بعد أن بلل ريقة بكأس من الماء أنجده به أحد مرافقيه حدث النواب عن البدائل. وقال في هذا الصدد :" إن الحل للمديونية هو التقليص التدريجي في نسبة عجز الميزانية من 6.1 بالمائة سنة 2017 الى 4.9 بالمائة سنة 2018، وهذا يعني أنه في ميزانية 2017 مثلت نسبة الاقتراض 30 فاصل واحد بالمائة وعلى كل 100 دينار تم صرفها اقترضت تونس 30 فاصل واحد دينار لكن في سنة 2018 على كل مائة دينار تم صرفها اقترضت تونس ستة وعشرين دينارا فقط وبالتالي تم ربح 4 نقاط في التداين. واذا أريد هذا العام التخفيض في عجز الميزانية الى 3 فاصل تسعة بالمائة يجب ان ينخفض مناب الميزانية الذي سيقع تمويله من الاقتراض الى 24 فاصل 8 بالمائة فقط سنة 2019 وبعد ان كانت البلاد سنة 2017 تمول ميزانيتها بنسبة 30 فاصل واحد بالمائة من الديون ستنخفض هذه النسبة الى 24 فاصل 8 بالمائة خلال السنة الجارية وهذا المنحى ايجابي لكنه غير كاف، ولا بد من النزول به الى عشرة بالمائة، وهو ما يعني ضرورة التقليص في عجز الميزانية الى 3 بالمائة سنة 2020 والى 2 فاصل 4 بالمائة سنة 2021". وبالإضافة الى التخفيض في عجز الميزانية يرى وزير المالية ان الحل للمديونية هو العمل ثم العمل، ويمكن بلوغه عبر عودة نشاط المحروقات والفسفاط والقطاع الصناعي ودعم الصادرات. وفسر شلغوم للنواب العلاقة بين ميزانية الدولة وهذه القطاعات بالإشارة الى أن خروج تونس للتداين الخارجي كان من أجل توفر العملة الصعبة للاقتصاد ومرد ذلك العجز التجاري الذي وصل الى 10 بالمائة من الناتج وهو ما يتطلب من الدولة اقتراض "الدوفيز". وذكر الوزير أن الأحزاب السياسية التي تريد التخفيض في المديونية يجب عليها أن تشجع على العمل والانتاج واضاف ان رئيس الحكومة او رئيس الدولة أو وزير لا يكون في موقف مريح عندما يقترض لأن اليد السفلى سيئة والخيار الأفضل لتونس هو العمل ومزيد الانتاج في مختلف المواقع كما ان اصلاح المؤسسات العمومية يمر عبر المزيد من العمل وبذل الجهود من قبل القائمين على تسييرها واطاراتها وعمالها. سعيدة بوهلال