لا يزال النصب المتواضع، الذي وُضع في موقع اغتيال المناضل شكري بلعيد ، قائماً. الداخلون إلى منزل بلعيد، والخارجون منه سيلقون نظرةً على المكان، الذي شهد أول اغتيال سياسي في تونس منذ عدة عقود. اغتيال سيؤسس لمرحلة جديدة وفقاً لزوجته بسمة بلعيد، «بداية نهاية حكم حركة النهضة»، كما صرحت ل«السفير»، بعدما أن فشلت في تأمين الحماية اللازمة لزوجها، بالرغم من طلبه المتكرر بالتحقيق في التهديدات التي كان يتلقاها. بعد مرور حوالى شهرين على اغتياله، لا شيء جديد في التحقيقات. وبالنسبة لبسمة بلعيد، فإن «النهضة» تمكنت من امتصاص الصدمة بعد اغتيال زوجها، ومن توجيه ضربة قاسية إلى رد الفعل الشعبي المستنكِر لاغتياله، حتى انها تمكنت من التلاعب بالحدث للاستفادة منه في تكريس سيطرتها. ولكن برغم ذلك لن تستمر «النهضة» في الحكم، لأسباب عدة تشرحها بلعيد في اللقاء الذي أجرته معها «السفير» في منزلها، على هامش «المنتدى الاجتماعي العالمي» الذي عقد للمرة الأولى في تونس، وقدمت خلاله بلعيد عدداً من الجلسات حول عملية الاغتيال، والمؤسسة التي تنوي تأسيسها لمناهضة العنف في تونس. وأضافت أن اليسار في تونس أصبح أكثر توحداً وتكاتفاً بعد الاغتيال، وحزب «الوطنيون الديموقراطيون الموحّد» (الوطد) الذي تولّى شكري بلعيد أمانته العامة قبل اغتياله، بدأ برص الصفوف وتجاوز الضربة التي تعرض لها، بانتخابه أمينا عاما جديدا. - هل هناك أي تطورات في التحقيق في ملف اغتيال شكري بلعيد؟ لم تحصل تطورات بعد الندوة التي عقدها وزير الداخلية آنذاك علي العريض (رئيس الحكومة الحالي). ولكن هناك قضية أخرى ، ألقي القبض فيها على شخص بتهمة تمويل عمليات اغتيال وتهريب أسلحة، وطُلب التقدم بإفادته إلى حاكم التحقيق في ملف اغتيال شكري بلعيد أيضاً. حصل ذلك منذ أسبوع تقريباً، لكن حاكم التحقيق يرفض حتى الآن الاستماع إلى إفادته، ولم نعرف السبب المباشر لهذا الرفض، وهي بالمناسبة، مسألة مخالفة للقانون، نظراً لأهمية ملف اغتيال بلعيد. - ماذا عن الجمعية التي تنوين تأسيسها لمناهضة العنف في تونس؟ أنا بصدد الانتهاء من انجاز الوثيقة التأسيسية، وسيكون اسمها «مؤسسة شكري بلعيد لمناهضة العنف»، وسيعلن عنها حالما نحصل على الترخيص القانوني.
- هل تم اختيار شخصية لتولي منصب الأمين العام ل«الوطد» بعد اغتيال بلعيد؟ } انعقد المجلس المركزي في الحزب، وتقرر التوافق على أن يتولى السيد زياد بالأخضر منصب الأمين العام. ولم يتم الإعلان رسمياً عن ذلك حتى الآن، والمفترض أن يحصل ذلك بعد إجراء الانتخابات الرسمية لتعيينه. - هناك الكثير من الانتقادات حول بروزك إعلامياً بعد اغتيال شكري بلعيد، وكأن في ذلك اتهاماً باستغلال دماء زوجك؟ استغلال دماء شكري بلعيد هو واجب وطني. ولا أعني بذلك الشق السلبي من الكلمة. أعني انه يجب استثمار دماء شكري بلعيد من أجل تحقيق الأهداف التي ناضل من أجلها. شكري كان متأكداً أنه سيقتل، ومشى بخطى ثابتة نحو تحقيق أهداف الثورة والديموقراطية في تونس، وهذا ما كان يعمل عليه ويبني له طوال مسيرته النضالية. هذا ردّي على هذه الانتقادات والاتهامات. لا أدري ماذا يتوقعون مني أن أفعل، أن أجلس في البيت وأنتحب عليه؟ الذين يعرفونني يعرفون علاقتي بالشهرة، وعدم اهتمامي بهذه المسائل. على الجميع أن يعرف أن الحياة التي أعيشها الآن ليست بالأمر الممتع. أقصى ما أتمناه اليوم هو أن أتمكن من الخروج مع أولادي لتمضية بعض الوقت، والشهرة التي يتهمني البعض بها، لا تمكنني من فعل ذلك. - هل سيتحول اغتيال شكري بلعيد إلى مجرد حدث رمزي؟ اغتيال شكري بلعيد حرك كل طاقات الديموقراطيين واليسار، بشقيه المشتت والمتخاذل، كما استطاع أن يشدّ عصب حزب «الوطد» ويوحد كل أطيافه. شكري بلعيد لن يتحول إلى مجرد رمز يتم استذكاره بين الحين والآخر. اعتقد أن اغتياله سيكون منعطفاً في التاريخ التونسي وبداية مرحلة جديدة في البلاد. أحد التداعيات الأولى لاغتياله كان ترويض حركة العنف في تونس. فهذه هي المرة الأولى، التي تشهد تونس، اغتيالاً سياسياً منذ ما يقارب ال50 عاماً، وكان الأمر بمثابة صدمة كبيرة للتونسيين المؤيدين للحزب وبلعيد والناس عموماً، وهو ما يفسر على الأرجح خروج ملايين التونسيين في يوم تشييعه. فالشعب التونسي عموماً ليس شعباً عنيفاً، وما يحدث حالياً من «تعنيف» ممنهج للحراك السياسي خلق ردة فعل عكسية لدى الشعب، تمثّلت في بروز وعي عام لمدى خطورة الوضع الذي وصلت إليه البلاد. وهذا النهج «العنفي» تتحمل «النهضة» مسؤوليته أولاً وأخيراً، وهذا ظهر واضحاً في طريقة التعامل مع مقتل الناشط التونسي في حزب «نداء تونس» لطفي نقض في منطقة تطاوين، وهو الذي تعرض لضرب مبرح من قبل عناصر من «روابط حماية الثورة» التي أسستها «النهضة»، وهي بمثابة الجناح الميليشياوي فيها. وكان رد «النهضة» في حينها أن نقض كان ينتمي إلى «حزب الدستور» المنحل، في محاولة لتبرير قتله، أو على الأقل التخفيف من أهميته. حينها طالب الكثيرون ومن بينهم شكري بلعيد بحلّ «روابط حماية الثورة»، التي تختلف كثيراً عن «لجان حماية الثورة» التي تكفلت بحماية الأهالي والأحياء خلال الثورة ضد زيد العابدين بن علي، وحُلّت مباشرة بعد هروبه على اعتبار أن الحماية أصبحت من واجب الدولة بعد الانتخابات. لكن «النهضة» استغلت هذا الظرف من أجل شرعنة وجود الروابط من خلال إعطائها صفة الجمعية، وقامت بتأسيس فروع لها في كل المناطق التونسية. ومهمة هذه الروابط، المكونة من سلفيين ومساجين سابقين وأعضاء من الحزب الحاكم السابق و«النهضاويين»، هي القيام بأعمال عنفية لترهيب المعارضين والناس. - هل لا يزال اتهام «النهضة» بعملية الاغتيال قائماً؟ نعم، لا يزال اتهام «النهضة» قائماً باغتيال شكري بلعيد، لأنها لم تتعامل بجدية مع حملات التحريض والتهديد التي تعرض لها برغم طلبه التحقيق بها، وتحديداً من عميد المحامين ووزير الداخلية آنذاك علي العريض. وكان الرد حينها ببساطة، انه لا يخشى على حياة شكري بلعيد، وان كل هذه الادعاءات هي مجرد ترهات. يُضاف إلى ذلك الأسلوب الذي انتهجته الحركة في موضوع التحقيق بالاغتيال، وتعيين العريض في منصب رئاسة الوزراء هو مؤشر إضافي على ذلك. في أي بلد في العالم أقل ما يمكن أن يحدث هو أن يُقدم وزير الداخلية على تقديم استقالته بعد جريمة من هذا النوع. ولذلك جاء تعيين العريض بمنصب رئيس الحكومة بمثابة مكافأة للدور الذي قام به في موضوع اغتيال شكري بلعيد وعدم تأمين الحماية له. - لماذا لم تحدث ردة فعل على تعيين العريض في منصب رئيس الحكومة؟ الخطوة التي قامت بها «النهضة» بحل حكومة حمادي الجبالي، كانت مناورة سياسية ناجحة، حيث استطاعت امتصاص الصدمة، وتهدئة النفوس بعد الاغتيال. أما عدم حصول ردة فعل ثانية بعد تعيين العريض، فأفسرها ببساطة بوجود شعور عام لدى التونسيين بأنه «ضحك عليهم»، أي بمعنى آخر تم التلاعب بهم، وتمكنت «النهضة» بذلك من شرذمة الحركة المعارضة أو توجيه ضربة قاسية إلى الاحتجاجات التي تلت الاغتيال. والسؤال الذي تستخدمه «النهضة» حول مصلحتها في الاغتيال، تهدف من خلاله إلى تبرئة نفسها، ولكنه ارتد عليها، بعدما تبين أنها المستفيد الأكبر مما حصل، بدءاً من التخلص من الرقم الأصعب في اليسار التونسي ومن أبرز وجوه المعارضة، وأيضاً تمكنها من تنفيذ إعادة هيكلة للمناصب الأساسية في السلطة، والنجاح في المدى القريب في امتصاص النقمة الشعبية بعد الاغتيال. - هل تعتقدين أن «النهضة» ستبقى مسيطرة على الحكم؟ استبعد ذلك كثيراً، تركيبة الشعب التونسي ليست بهذه الذهنية. لا اعتقد أن التونسيين يستطيعون تحمّل «النهضة» وما تمثّله من تيار ديني إسلامي لمدة طويلة، واعتقد أن هذا الأمر بدأ يظهر شيئاً فشيئاً من خلال امتعاض الناس من السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي اتبعتها الحركة منذ استلامها السلطة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن العنف الذي انتهجته منذ بدء الحراك - في محاولة منها لإرهاب أي معارضة لها - انقلب عليها، خصوصاً أن هذا الأسلوب يشبه كثيراً ما كان يتبعه النظام السابق. والتعاطف والتضامن اللذان حصلا معي بعد اغتيال شكري بلعيد، لم يكونا ناجمين فقط عن حب واحترام الناس له، بل كانا نتيجة الموقف الذي أعلنته مباشرة بعد اغتياله، وهو أن ردة الفعل يجب أن تكون من خلال مواجهة العنف بالكلمة، أي بطريقة سلمية، وهو الأسلوب الذي يحبّذه التونسيون والذي يخاطب وجدانهم، خلافاً للأسلوب العنفي الذي تتبعه «النهض».