لم تنجح ماكينة البروباغندا السياسية لنداء تونس في إنقاذ الحزب من جحيم الخلافات، ورغم سعي القيادات القريبة من المدير التنفيذي في الترويج لنداء متماسك ومتراص فإن ذلك لم يفلح. وتعود تفاصيل الخلافات مع تسليط المجموعة التاريخية الضوء على واقع إعداد المؤتمر الثاني للحزب في ظل التخوفات من إعادة إنتاج الفشل في وقت تستعد فيه البلاد لانتخابات تشريعية ورئاسية، وقد وجدت المجموعة التاريخية للنداء نفسها أمام تحد سياسي مفاده إعادة صياغة الحزب ديمقراطيا وضرب وصاية حافظ قائد السبسي على النداء وخاصة الحد من نفوذ بعض المحيطين به الساعين لتشكيل الحركة وفق قياسات شخصية. فمساعي تحريك السواكن انتهجتها مجموعة من النواة التأسيسية للحزب يتقدمهم كل من القياديين عبد الستار المسعودي ومهدي عبد الجواد وفاضل الجزيري وغيرهم بالإضافة إلى الرجل "الغاضب" على الدوام رضا بلحاج، الذي خير الهروب من مركب حافظ قائد السبسي إلى مركب مجموعة الهيئة التأسيسية في محاولة منه لتفادي سقوط محتمل خلال المؤتمر القادم، الذي يبدو أن مسألة الإعلان عن تأجيله وترحيل موعده من شهر مارس إلى شهر أفريل مسألة وقت لا غير في انتظار إيجاد الترتيبات المناسبة لعودة أهم العناصر المؤسسة للنداء . وقد دعا المكتب التنفيذي لحزب حركة نداء تونس "إلى تشكيل هيئة تسييرية جديدة تُكلّف باتخاذ المواقف السياسية للحزب إلى حين انعقاد مؤتمره القادم، وتكون تركيبتها مشتركة ومتوازنة بين الهيئتين التأسيسية والسياسية والمكتب التنفيذي، داعيا الرئيس المؤسس للحركة الباجي قائد السبسي إلى اختيار رئيس لها"، وهو ضمنيا موقف ينهي دور حافظ قائد السبسي في السيطرة المطلقة على الحزب. وأكّد المكتب في بيان صادر عنه إثر اجتماعه أول أمس الاثنين على "ضرورة تجنّد الندائيين والشخصيّات والكفاءات الوطنية والنشطاء في الحقل المدني وروّاد الرأي، من أجل البحث عن حلولٍ غير مسبوقة لبناء جبهة وطنية واجتماعية، تسندها أغلبية شعبيّة وبرلمانيّة لاستكمال مهامّ المرحلة الانتقالية وإرساء الهيئات الدّستورية والظفر بمعركة الإصلاح الشّامل وتطوير الدستور". تدارك الفشل وفي هذا السياق، وحول توقيت طرح المبادرة، قال القيادي ب"نداء تونس" عبد الستار المسعودي "هذا اللقاء يتضمن توجها مستقبليا للخروج من منطق الدفاع عن الوجود إلى منطق المبادرة، فلقاؤنا هو لحلحلة الأزمة التسييرية داخل نداء تونس بعد أن أخذ حافظ قائد السبسي ومجموعته الوقت الكافي للتسيير ليؤكدوا كل مرة فشلهم في انتشال الحزب من وضعه الراهن والذي لا يتماشى وروح النداء الأصلية... ونحن لا نوصّف هذا الفشل من فراغ حيث مازالت هزيمة الانتخابات الجزئية في ألمانيا ماثلة أمام أنظار الندائيين بعد أن عجز الحزب في الحشد لمرشح النداء ليخسر مقعده بهذه الدائرة، بالإضافة إلى الفراغات التي خلفتها السيطرة المطلقة للمدير التنفيذي للنداء مما دفع بالبعض للمغادرة. فدورنا كمجموعة تأسيسية هو إعادة الروح للنداء والحد من سيطرة حركة النهضة على تفاصيل المشهد السياسي.. فنحن لم نأت من فراغ بقدر ما نملك أولوية مطلقة حتى على حساب المحيطين بحافظ قائد السبسي على اعتبارنا أبناء الدار الأصليين وأول المدافعين عن مشروع نداء تونس منذ أن كان فكرة، فقضيتنا ليست قضية أولاد النداء بقدر ماهي قضية رأي عام، فالمسعى الحقيقي والأساسي للعودة هو إبعاد النداء عن وصاية حافظ ومجموعته وهي فرصة لتنظيف الحزب وضمان عودة انتشاره وعودة شعبيته". أخطاء بلحاج وحول وجود رضا بلحاج وتأثيره على المبادرة سيما وانه يشكل عنصر توتر أكثر منه عنصر تأسيس رد المسعودي قائلا: "بالعكس تماما، فوجود رضا بلحاج يعد دافعا لنجاح المبادرة السياسية هذه، فبلحاج لا يقدر على تغيير الواقع بمفرده، ذلك انه أقلية داخل النداء في وضعه الحالي وسيعجز عن النجاح دون وجود المجموعة التأسيسية، هكذا أمر يدفعه للالتحاق بنا وصياغة نقاط العودة". بالإضافة إلى ذلك فقد عبر بلحاج عن قيامه بأخطاء، واعترافه هذا يسمح بإعادة البناء، لأن الأخطاء في التعاطي السياسي ممكنة والاعتراف بها يشكل مدخلا للإصلاح وهو ما حصل مع بلحاج". الباجي.. صراع الأجنحة وبالعودة إلى تاريخ صراع الأجنحة داخل النداء والانتصار المتكرر للرئيس الباجي قائد السبسي لنجله في كل معاركه السابقة على حساب خصومه ومدى تأثير ذلك على المبادرة سيما وأنها تُبعد ضمنيا حافظ عن دائرة الضوء، قال المسعودي "لا أحد ينكر تأثير الأستاذ الباجي قائد السبسي، فهو الرئيس المؤسس، ولا شيء قد ينجح دون تدخل الأستاذ الباجي قائد السبسي الذي ما زال يحوز الكثير من الاحترام والتقدير عند الندائيين الأصليين". وحول الوضعية الديمقراطية للمؤتمر في ظل التشكيات المتكررة من مساعي السيطرة على أشغاله، رد المسعودي بالقول: "أكد السيد رئيس لجنة إعداد المؤتمر أكثر من مرة أنه لن يكون شاهد زور، ولنا الثقة في أعضاء اللجنة، ولكن ما بلغنا لحد اليوم أنها تواجه صعوبات كثيرة بسبب رغبة القيادات الحالية للحزب في توجيه أشغال المؤتمر ليكون مؤتمرا على المقاس، وهذا ما لا نرضاه، لذلك طالبنا بهيئة تسييرية للحزب تقوده لإنجاز المؤتمر". مرحبا برجوع الشاهد ومرزوق وعن مدى استجابة حافظ ومجموعته للدعوة السياسية، قال المتحدث "خلال الاجتماع الأول للمكتب التنفيذي الأسبوع الماضي عبرت مجموعة حافظ عن ترحيبها بمبادرتنا وأبدت استعدادها للتعامل معنا، ولكن سيطرة حافظ وعقلية المؤامرة أجهضت عملية الوساطة. لذلك لم يعد الوقت يسمح لنا بترميم النداء، فأغلب القيادات المؤسسة أصبح لا مطلب لها سوى التغيير الكلي للقيادة الحالية لإنجاز مؤتمر ديمقراطي كما يريده الرئيس المؤسس. فقيادة جديدة مؤقتة هي الحل الوحيد لإنقاذ الحزب، ومرحبا برجوع كل القياديين من محسن مرزوق إلى يوسف الشاهد". فهل ينتصر الباجي قائد السبسي هذه المرة لحزبه، أم ستظل التأثيرات العائلية والعاطفية هي الأقوى؟