الحديث عن وضع الحزب الحاكم وما بات يطوّقه من عدم استقرار و فوران صلب بيته الدّاخلي، أضحى من أبرز المواضيع التي تتصدر الواجهة، سيّما وأن ماشهده الحزب من ارتجاج ألقى بظلاله على الوضع العام للبلاد، و تحول من شأن حزبي داخلي إلى شأن وطني، وهو ما سلط عليه الضوء رئيس الحكومة، المنتمي إلى حزب نداء تونس، يوسف الشاهد. عدم الاستقرار الذي يعيشه الحزب، والتي لا تعدّ بالمسألة المستجدّة طالما أنه يعيش حالة انشقاق و تفرّع منذ منتصف عام 2015، جعلت مسألة إعادة لملمة شتات الحزب ضرورة حتمية لابدّ منها اليوم قبل الغد، لا سيّما وأنه لم يعد يفصلنا عن المعركة الانتخابية التشريعية ل2019 سوى سنة ونيف. الحديث عن مساعي حزبية ندائية لإعادة لمّ شمل الندائيين المتفرّقين من جديد انطلق منذ فترة تحت إشراف المدير التنفيذي للحزب حافظ قائد السبسي بيد أن هناك إجماعا على الساحة السياسية بأن الشخص الوحيد القادر على ترتيب البيت الداخلي لنداء تونس وإنهاء الأزمة التي يعايشها هو رئيس الجمهورية والرئيس المؤسس للحزب الباجي قائد السبسي. و بعد خصومة تواصلت أكثر من سنتين، استقبل رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي صباح اليوم الاثنين 2 جويلية 2018 رئيس الهيئة السياسية لحزب حركة تونس أولا رضا بلحاج في مكتبه بقصر الرئاسة بقرطاج، ليعود بذلك بلحاج الى نفس المكتب الذي كان دائم التواجد فيه الى حين تقديم استقالته من منصبه كمدير للديوان الرئاسي يوم 1 فيفري 2016. وكشف مصدر موثوق به ل"الشارع المغاربي" ، ان اللقاء الذي يُعد الأول منذ تحول بلحاج من أقرب المُقرّبين من الرئيس الى أشد خصومه، تطرق الى الوضع العام بالبلاد والى الأزمة السياسية الراهنة وحالة الانقسام التي تسود المشهد حول بقاء رئيس الحكومة يوسف الشاهد من عدمه. وكان بلحاج يُعتبر حتى خروجه من القصر ، الأقرب الى الباجي قائد السبسي ، لكن المعطيات تغيرت رأسا على عقب في نداء تونس أين كان بلحاج رئيسا لهيئته السياسية وعضوا مؤسسا ، وأيضا في الرئاسة التي تقلد فيها منصب مدير ديوان للرئيس لاسباب ظلت مجهولة ولم يكشف عنها بشكل واضح ومُقنع اي من الطرفين ( بلجاج والباجي) ، فيما تُؤكد مصادر قريبة منهما ان الخصومة مع حافظ قائد السبسي ومخرجات مؤتمر سوسة وراء القطيعة التي كشلت مفاجأة وقتها في المشهد السياسي. جدير بالذكر ان تحالفا بصدد التبلور سيجمع في نفس الجبهة كلا من حافظ قائد السبسي المدير التنفيذي لتداء تونس ورضا بلحاج رئيس الهيئة السياسية لحزب حركة تونس أولا ومحسن مرزوق أمين عام حزب حركة مشروع تونس والطاهر بن حسين رئيس حزب المستقبل وسعيد العايدي رئيس حزب بني وطني ، والرباعي من المنشقين عن نداء تونس. وقد يعكس تزامن التحالف الجديد بين خصوم الأمس ، واستقبال الباجي رضا بلحاج وجود ترابط بين الأمرين وسط حديث عن امكانية استئناف مشاورات وثيقة قرطاج 2 بتوسيع دائرة المشاركين فيها . ويعمل الباجي قائد السبسي على التصدي لانقسام جديد متوقع صلب نداء تونس، وذلك من خلال الخوض في مبادرة لإعادة ترتيب أوضاعه الداخلية ومحاولة استمالة عدد من المستقيلين للعودة إلى خيمة النداء، في محاولة منه للحيلولة دون انهيار الحزب واجتثاثه من شفر الهاوية ، رفقة عدد من كبار القياديين الذين سبق لهم أن استقالوا من النداء. و في خضم هذا الشأن، أكد القيادي المؤسس والمستقيل من حزب نداء تونس عبدالستار المسعودي ، في تصريح الشهر الفائت، أنه التقى الباجي قائد السبسي وتحدّث معه حول وضع نداء تونس، مشيرا إلى أن الرئيس لا يرى أي مانع في عودة القيادات المستقيلة إلى الحزب. وتابع المسعودي "سننتزع الحزب في قادم الأيام من قياداته الحالية التي عبثت به وأضعفته وشوّهت صورته". ولفت القيادي المستقيل من النداء إلى أن كل القيادات ستتفق على أرضية مشتركة ومن ثمة ستنظر في ذلك إما عبر طرد المتطفلين بشرعية الانتماء والتأسيس وإما عبر تنظيم مؤتمر انتخابي لا يتحكم فيه حافظ قائد السبسي الذي سيتم تجريده من كافة الصلاحيات، وفق تعبيره. وشدّد المسعودي على أن المشاورات جارية مع كل المستقيلين وفي مقدمتهم الأمين العام للاتحاد المغاربي ووزير الخارجية الأسبق الطيب البكوش. وشاطره الرأي في ذلك القيادي المؤسس والمستقبل من نداء تونس لزهر العكرمي الذي أكد أن الطرح الذي يخوضونه لم يعد مجرد فكرة بل وقع تطويعها على أرض الواقع. و أوضح أن هناك حوارات مكثّفة بين القيادات المستقيلة الوازنة التي وضعت برفقة الباجي السبسي اللبنات الأولى للنداء للبحث عن منهجية عمل مشتركة تمكّنهم من استعادة مكانة ودور حزبهم ، وفق تقديره. وحول علاقة الرئيس المؤسس للحزب الباجي قائد السبسي بهذه المساعي، أكد العكرمي أن السبسي أصبح منذ توليه رئاسة البلاد رئيسا لكل التونسيين، مؤكدا أنه لن يمانع في إعادة القوة إلى الحزب حتى وإن كان ذلك على حساب مصالحه الخاصة. مساعي المستقيلين من الحزب لإعادته إلى سابق عهده، و إن كانت جدية وتنمّ عن نية لملمة الشمل وإعادة ترتيب البيت الداخلي بما تقتضيه المرحلة، فإنها لن تكون بالسهولة التي تسمح بقلب الموازين وإعادة خلط الأوراق من جديد، سيما وأن قيادة الحزب في الوقت الراهن بين يدي السبسي الإبن، الذي يجمع أغلب الندائيين على تفرده بالرأي صلب الحزب، من جهة، فضلا عن أن أغلب الذين استقالوا من النداء شقوا طريقهم في الحياة السياسية وأسسوا وانخرطوا في أحزاب جديدة، مما يصعّب فرضية عودتهم إلى النداء.