رغم تقارب وجهات النظر السياسية حول مسألة الانضباط لمواعيد وروزنامة العملية الانتخابية، إلاّ أنّ «شبح» تأجيلها بدأ يخيم على المشهد السياسي ويفرض سيناريوهات جديدة قد تغير من الخارطة الانتخابية ومن التموقع السياسي للكثير من الفاعلين السياسيين في البلاد.. وقد تزامن هذا الطرح مع تمرير تنقيحات تعديلية على القانون الانتخابي وتطوّر بأكثر حدّة مع تداول أخبار مفادها التوعك الصحي لرئيس الدولة. وجهات نظر سياسية لا تخفي الأبعاد القانونية لمسألة تأجيل الانتخابات وخطر المساس بعلوية الدستور من جهة، وصورة تونس التي ستبقى في الميزان من جهة أخرى خاصة وأن تأخير الاستحقاقات القادمة ستكون له تداعيات اقتصادية على المستويين الداخلي والخارجي. وبعيدا عن رسمية مسألة تأجيل الانتخابات، فإن مجرد تناول الموضوع إعلاميا أجج التصريحات من جانب العديد من القيادات السياسية التي وصفت المسألة بأنها دخول في عدم الشرعية ونوع من الانتحار السياسي. المعارضة: التأجيل دخول في أزمة شرعية الدعوة الى تأجيل الانتخابات وعدم إجرائها في وقتها المحدد قبل انطلاق تقديم قائمات التشريعية في 22 جويلية قد تؤدي حسب النائب عن الكتلة الديمقراطية سالم الأبيض إلى إدخال البلاد في أزمة شرعية «لأنه بانتهاء المدة النيابية والرئاسية نكون قد دسنا على الدستور وفي هذا رسالة سلبية لصورة تونس في الداخل والخارج، وبذلك فإن كل ما ستتخذه الحكومة ورئيس الدولة من إجراءات وكل ما سيشرّعه مجلس نواب الشعب من قوانين يعتبر خارج الشرعية القانونية والدستورية». نائب الكتلة الديمقراطية قال في تصريح ل«الصباح» انه «إذا أراد البعض ممارسة أي شكل من أشكال الرفض بما في ذلك ممارسة أنواع من العنف سيجد في تأجيل الانتخابات مطيّة قانونية وشرعية لسلوكه». كما تحدث عن وجود تسريبات تعلقت بتوافقات سرية تقوم بها ثلاث جهات وهي حزبا النهضة وتحيا تونس ورئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، لان هذه الجهات الثلاث غير قادرة في الوقت الراهن على تأمين مناخ انتخابي يمكنها من العودة للسلطة ويؤمن مصالحها السياسية وتموقعها في الحكم. وفي تقدير الابيض فإن تعديلات القانون الانتخابي قد توفر فرصة لتأجيل الانتخابات، لذلك «تخلت الكتلة الديمقراطية عن الطعن رغم عدم قانونية التنقيحات التي أدخلت على القانون الأساسي للانتخابات التي تعتبر إقصائية». ويرجح العديد من المهتمين بالشأن السياسي إمكانية تأجيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية ما دامت هناك أطراف سياسية تطمح إلى تحقيق أغلبية مريحة للحكم. «النداء»: لن نقبل بالتأجيل الا في هذه الحالة من جانبه عبر الناطق الرسمي باسم»نداء تونس» منجي الحرباوي عن استغرابه من الدعوات لتأجيل الانتخابات شهرا قبل تقديم القائمات للاستحقاق التشريعي، مؤكدا انّ موقف «نداء تونس» هو الالتزام بالروزنامة والمسار الانتخابي ولن يقبل بالتأجيل الاّ في حال اتفقت جميع المكونات السياسية على ذلك وتوفرت أسباب مقنعة حتى نجنب البلاد السقوط في المحظور الذي قد يفشل عملية الانتقال الديمقراطي. وفي السياق نفسه نذكر بأن القيادي ب»نداء تونس» ومدير المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية ناجي جلول كان قد دعا في مارس الفارط الى تأجيل الانتخابات معللا ذلك بالقول بأن الازمة التي تعيشها تونس ستتواصل في صورة اجراء الانتخابات في الظروف الحالية. النهضة: تأجيل الانتخابات مغامرة شعبوية القيادي بحركة «النهضة» عبد الحميد الجلاصي شدد من ناحيته على رفض الحركة القطعي التلاعب بالمواعيد الانتخابية للاستجابة لنزوات بعض الاحزاب التي تتوهم ان بإمكانها إنقاذ أوضاعها إن ربحت بعض الأشهر حسب قوله. كما اعتبر الجلاصي ان المواعيد في الديمقراطيات خطوط حمراء لا يمكن المساس بها ومن الاجدر الاستعداد والنقد الذاتي وتدارك الاخطاء ومصارحة الناخبين مع ضرورة التصدي للمغامرات الشعبوية والتلاعب بالروزنامة الوطنية. وتبعا لما يتم تداوله من مواقف منسوبة لها تفيد بانخراطها في نقاشات ومشاورات تتعلق بتأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية، أصدرت حركة «النهضة» بيانا نفت فيه قطعيا «أن تكون شاركت بصورة مباشرة او غير مباشرة في مناقشة ترتيبات أو تفاهمات مع أي جهة كانت تتعلق بتأجيل الاستحقاق الانتخابي». وأكّدت النهضة «رفضها لتأجيل الانتخابات والتزامها الكامل بالمواعيد الانتخابية التي أعلنتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، باعتبار ذلك استحقاقا دستوريا وكسبا مهما للانتقال الديمقراطي وشرطا لاستكمال نجاحه وحفاظا على مصداقيته». كما دعت الحركة مختلف القوى السياسية والمدنية وجميع المؤسسات المعنية إلى الإعداد للانتخابات والعمل على توفير كل المناخات الملائمة لإنجاز هذا الاستحقاق الانتخابي الهام. «تحيا تونس»: تأجيل الانتخابات حديث كواليس لا غير أما القيادي في حركة «تحيا تونس» الصحبي بن فرج، فقد نفى بدوره وجود اية دعوات صادرة عن حزبه او احزاب أخرى تنمّ عن وجود نوايا تدفع باتجاه تأجيل الانتخابات، متوقعا ان يكون هناك تناول للموضوع في كواليس الغرف ولا توجد مطالب رسمية في هذا الاتجاه. واكد الصحبي بن فرج على ان حركة «تحيا تونس» تأسست بناء على معركة سياسية وقعت في ماي 2018 حول الاستقرار الحكومي»الذي نعتبره مسألة مهمة وضمانة وحيدة لمواصلة استكمال بناء مسار الانتقال الديمقراطي». كما اعتبر القيادي ب «تحيا تونس» أن «تأجيل الانتخابات مسؤولية رئيس الجمهورية الذي امضى على الامر الذي يدعو بمقتضاه الناخبين للاقتراع كما انّ رئيس الجمهورية الشخصية الوحيدة المسموح له دستوريا الدعوة الى تأجيل الانتخابات ونعلم انه إلى آخر ظهور اعلامي له قد تعهد باحترام مواعيد الانتخابات». سلسبيل القليبي: التمديد أو التأجيل خارج الأحكام الدستورية أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي قالت ان المدة النيابية محددة بالدستور الذي يقرّ بدورية الانتخابات وأيّ تمديد هو خارج الاحكام الدستورية التي نصّت في بعض الحالات على امكانية عدم تنظيم الانتخابات وبالتحديد في الفصل 80 «الذي تطرق الى حالة الاستثناء بشكل عام والتي تخوّل لرئيس الجمهورية اتخاذ كل التدابير الضرورية». وحسب أستاذة القانون الدستوري فإنه في الوضع الحالي لا يوجد مجال للحديث اطلاقا عن موضوع تأجيل الانتخابات الذي طُرح مرة أخرى بعد التعديلات التي أدخلت في بعض فصول القانون الانتخابي، علما وأن هناك خشية من أن لا تكتمل إجراءات التعديل قبل انطلاق تقديم القائمات للانتخابات التشريعية في 22 جويلية القادم وفي هذه الحالة يتم اعتماد القانون الانتخابي الحالي. نبيل بفون: لم نتلق دعوات رسمية للتأجيل ولن نحكم على النوايا.. اعتبر رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نبيل بفون أن الهيئة ليس من دورها التفاعل مع مسألة تأجيل الانتخابات لأنها غير مطروحة صلب الهيئة كما ان كل الترتيبات التي وضعت على اساس استكمال المسار الانتخابي واحترام المدة النيابية لمجلس نواب الشعب ولرئاسة الجمهورية مثلما نص الدستور. لذلك لا يمكن ان تنخرط الهيئة في الرد على النوايا، مؤكدا ان الهيئة مسؤولة على العملية الانتخابية وستتجاوب مع اية مستجدات وفي حال تقرر تأجيل العملية سيتم دعوة مجلس الهيئة للانعقاد للنظر في الموضوع واصدار القرارات اللازمة. وفي نفس السياق قال رئيس الهيئة ان الخطر الداهم الذي قد يكون سببا في تأجيل الانتخابات غير موجود اساسا لذلك لا يجب التشويش على المترشحين والناخب التونسي حتى لا يتم ضرب المسار الانتخابي، معتبرا ان الاضرار التي قد تنجم عن تأخير الانتخابات ليست مادية فقط على الرغم من تخصيص الهيئة كافة الامكانيات لتأمين موارد بشرية مهمة تؤمن العملية كتدريب 300 عون مؤقت بل تتجاوز ذلك حد المس من دورية العملية الانتخابية. حسين الديماسي: تأجيل الانتخابات ضربة قاضية ومضرّ اقتصاديا عن تداعيات تأجيل الانتخابات على الوضع الاقتصادي بتونس الذي يشهد بدوره صعوبات، قال الخبير الاقتصادي حسين الديماسي ان في ذلك ضربة قاضية للمنظومة الديمقراطية لأن المراقبين الدوليين لتونس في الخارج لن يعطوا أي أولوية واعتبار في التعامل مع دولة طبقتها السياسية لا تحترم قوانينها ودستورها زيادة على ان المؤسسات المالية الخارجية ستعتبر تأجيل الانتخابات نتيجة لعدم استقرار سياسي. وأضاف الديماسي قائلا:»لا ننسى اننا عارضنا تغيير الحكومات في السابق الذي اضرّ بصورة تونس لذلك يجب احترام الدستور والقانون الانتخابي والالتزام بالرزنامة المحددة للاستحقاقات القادمة «. جهاد الكلبوسي