- تمنى لملة جراح النداء وترميم البيت لكن.. - روض الغنوشي بعد ان كان النداء والنهضة خطين متوازيين لما كان الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي يصارع آلامه في آخر أيامه ،كانت الصراعات تمزق حزبه "نداء تونس" والاستقالات تعصف به ، وهو الذي شهد 3 استقالات يوم واحد قبل رحيله ، ومن المؤلم والمؤسف أن تفتته و"تهاويه" ، كان يعمق معاناته ويزيده آلاما ليودع الوداع الأخير ، وهو حزينا على حال الحزب الذي صنع مجده . رحل "البجبوج" مؤسس "النداء" ، مهندس نجاحاته، صانع مجده ، وباني صرحه،لن يكون بعد اليوم "الأب الروحي" الذي تعود الفرقاء على العودة إليه،غادر "الرّمز" الدنيا وعالم السياسة ، في قلبه حرقة ، وفي حلقه غصة بعد فشل كل مبادراته ومحاولاته في رأب الصدع ، وترميم "الشقوق". "أنا ما نسلمش في الحزب اللي سمّيتو وتعبت عليه وبنيتو"..كانت هذه آخر عبارة صدع بها قائد السبسي خلال خطاب حماسي ألقاه في افتتاح مؤتمر حزبه "نداء تونس" بقصر هلال في أفريل 2019 ، عبارة رددها بحرقة كبيرة وألم أكبر ، وهو يحاول حفز الهمم لترميم البيت الداخلي للحزب ، الذي تعب كثيرا وسهر الليالي الطوال من أجل بناء صرحه ، وتحويله إلى رقم صعب في المشهد السياسي. راهن بعض خصومه على فشل مشروعه السياسي منذ بداية طرحه ، حاربوه في مختلف الاتجاهات ، لاحقوه بالتكفير وشتى أنواع التضييقات ، لكنه عاد من بعيد وتحدى كل الصعوبات ، حوّل مجرّد فكرة وبيان إلى حزب يشار له بالبنان ، في ظرف أشهر قليلة وأيام لا عقود وأعوام . 26 جانفي 2012 لم يكن يوما عاديا ، بقدر ما كان منعرجا حاسما في مسيرة الفقيد السبسي ، الذي طرح مشروعه السياسي أمام الآلاف من المواطنين ، في يوم مشهود نصبوه خلاله زعيما للمعارضة لإحداث التوازن في المشهد السياسي ، في وقت تغولت حركة النهضة وتغلغلت بمفاصل الدولة ،وفي وقت لاقت دعوته كل القوى السياسية والفكرية الوطنية حول بديل يعزز التوازن السياسي ، فان مختلف الأطراف قد انخرطت في الحوار الوطني الذي نادى به ، وكان محطة هامة ومفصلية في تاريخ تونس ، في ظل حالة الاحتقان والتوتر والمخاطر التي كانت تتهدد البلاد. الفقيد السبسي ، الذي قال ذات يوم إن "النداء والنهضة خطّان متوازيان لا يلتقيان إلا بإذن الله.. وإذا التقيا فلا حول ولا قوة إلا بالله" ،يملك شخصية كاريزماتية وحنكة سياسية ، رغم تجاوزه التسعين بسنتين ، "دوّخ" خصومه ، وعرف كيف "يروّض" رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ليلتقيه في لقاء باريس الشهير يوم 15 أوت 2013 ، الذي تمخض عنه الدخول في الحوار الوطني ، وقبول النهضة بالخروج من الحكم ، وهو ما كانت تراه المعارضة في ذلك الوقت سيناريو "شبه مستحيل". أحد رموز الجمهورية الذي أبى القدر رحيله يوم عيد الجمهورية ، أسس حزب "نداء تونس" سنة 2012 ، لم يكن سياسيا كبقية السياسيين وإنما رمزا "ساطعا" في ساحة سياسية متقلبة و"ملتهبة" ، زادته السنين حكمة والعقود حنكة ودهاء، عرف كيف يحول حزبه "الفتي" إلى رقم صعب في وقت قياسي ، بفضل خبرته وذكائه في التعاطي مع مختلف التقلبات. الراحل قائد السبسي الذي قاد "نداء تونس" إلى فوز تاريخي في تشريعية 2014 ب86 مقعدا ،وانتصارا لافتا في الرئاسية بعد فوزه في الجولة الثانية ، في 23 من نوفمبر 2014 على منافسه المرزوقي ، لم يكن يتصور أن حزبه الذي ارتقى به إلى مركز الزعامة سيتشظى و"ينفجر" ويتفتت ،ويتحول في ظرف وجيز إلى "شقوق" ، ليعيش على وقع التجاذبات والخلافات والانشقاقات و "الحروب" الكلامية وتبادل الاتهامات. وإذا كان في حسبان الراحل قائد السبسي ،الأب الروحي للحزب ، "لملمة" الجراح ، والقدرة على إعادة ترميم البيت الداخلي ، وترتيب الأوراق من جديدة ، من خلال تجاوز التباينات وطي صفحة الخلافات ، فان كرة "اللهب" واصلت تدحرجها ليتسع مع كل يوم جديد "حريقها" ، في ظل تزايد نزيف الاستقالات ، لاسيما بعد خروج 4 أحزاب من "رحمه"، وحتى مؤتمر قصر هلال الانتخابي الذي كان يعلق عليه الجميع آمالهم للمصالحات ووضع حد لتبادل الاتهامات ، فقد عمق الأزمة أكثر ، لاسيما بعد "انشطار" الحزب إلى شقي المنستير والحمامات . رمز "النداء" ، الفقيد الذي أرهقته الخلافات والصراعات ،وجد نفسه بين خيارين أحلاهما مرّ ، أمرّ من مرارة الحنظل ، إما مناصرة ابنه حافظ قائد السبسي ، الذي "استملك" كل "مفاتيح" الحزب ، أو إبعاده مكرها ، وهو الشرط الأبرز لعدد من القيادات الغاضبة التي غادرت "النداء" ، وهي تشعر بالغبن والقهر ، لكن القدر أبى أن يرحل "الباجي" والأزمة التي تعصف بالحزب تراوح مكانها. الحزب الذي تصدر تشريعية 2014 بفضل حنكة ، وحكمة ، وذكاء ودهاء الراحل قائد السبسي ، لا يكفيه انه يواجه بطبعه أزمة عاصفة احتدت أكثر مع الشروع في تحديد تركيبة القائمات الانتخابية ، لتتعمق "هزاته" مع محنة وفاة رمزه ومؤسسه ، في وقت حساس ودقيق ، قبل 4 أيام فقط من غلق باب الترشحات للانتخابات التشريعية . اليوم ، وقد رحل المؤسس والرمز والمهندس ، فان السؤال الحارق هو ، هل سيعيد هذا الرحيل ، وهذا "التوحد" الرشد إلى القيادات المتصارعة و"المتناحرة" ، للتحالف من جديد تحت مظلة "النداء التاريخي" لتحقيق حلم "الباجي" في قبره، أم أن الأزمة ستتواصل والتباينات والصراعات ستستفحل ، ليبقى النداء "يتيما" ؟ محمد صالح الربعاوي