أشرف اليوم السبت الثلاثة رؤساء على "يوم الحوار الوطني حول دفع الاقتصاد" الذي انتظم ببادرة من نظم الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية. وافتتح هذا اليوم المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية المؤقت، ومصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي، وعلي العريّض رئيس الحكومة، ورئيسة الاتحاد وداد بوشماوي، وكذلك حسين العباسي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل. وحضر اللقاء عدد من أعضاء الحكومة وأصحاب المؤسسات وممثلو الأحزاب السياسية ومن بينهم حمادي الجبالي وراشد الغنوشي وكمال مرجان والباجي قائد السبسي أحمد ابراهيم وياسين ابراهيم وعماد الدايمي والهادي بن عباس وكذلك ممثلين عن المنظمات الوطنية ومكوّنات المجتمع المدني وخبراء وجامعيون. وللإشارة فإنّ هذا الحوار يهدف إلى تشخيص الوضع الاقتصادي الوطني الراهن والوقوف على التحديات التي يواجهها وبلورة حلول لاستعادة الاقتصاد لنسقه الطبيعي في مجالات الاستثمار والتّشغيل والتّصدير، وفق ما جاء في كلمة وداد بوشماوي. وقد أكّدت تفاقم المصاعب الاقتصادية في الفترة الأخيرة إلى حد لا يطاق.. وتراجع المؤشرات حتى المتعلقة منها بأساسيات اقتصادنا الوطني إلى درجة مخيفة تنبئ بالأخطر. وأضافت : "نحن حين دعونا إلى تنظيم هذا الحوار لم يكن ذلك من باب تسجيل الحضور على الساحة، أو لركوب موجة ما.. . ودعوتنا هذه تعود إلى أواخر السنة المنقضية، بعد أن لاحظنا غياب الشأن الاقتصادي عن الحوارات والنقاشات التي يعرفها الفضاء العام، وحتى في وسائل الإعلام، مقابل التركيز على قضايا، ألهانا بعضها عن الخوض في مشاكلنا الأساسية، وخاصة الأمنية والاقتصادية والاجتماعية. وهذا الحوار حول الوضع الاقتصادي قد يكون فرصتنا الأخيرة لإصلاح ما يمكن إصلاحه قبل فوات الأوان". وعبّرت عن أملها في أن يساعد هذا الحوار على وضع تصورات لخطط عمل عاجلة في كل المجالات تتلاءم مع طبيعة أوضاعنا الراهنة فضلا عن التفكير في إصلاحات على المدى المتوسط والمدى البعيد . ومن جهة أخرى، قالت بوشماوي : "لقد أبهر شعبنا العالم بأسره حين انتفض مناديا بالحرية والكرامة وخاصة التشغيل..؟ والسؤال الذي يطرح اليوم هو: ما الذي تحقق منذ جانفي 2011 لهذا الشباب؟ والاهم لماذا لم ننجح إلى حد الآن في تحقيق تطلعات شعبنا، وفي الارتقاء بمستوى عيشه ؟ ألم نفقد أحيانا البوصلة وغرقنا في التجاذبات السياسية والعقائدية وفي قضايا جانبية جعلنا نخسر الكثير من الجهد والوقت..؟ ألا تفرض علينا الأوضاع الحالية إعادة ترتيب أولوياتنا بعيدا عن المصالح الضيقة، ومراجعة العديد من المسائل في تعاملنا مع الملف الاقتصادي". وأكّدت أنّه لا معنى للديمقراطية حين تكون أوضاع البلاد الاقتصادية متردية وحين يعجز المواطن العادي البسيط عن توفير حاجياته الأساسية لسبب أو لآخر.. فلا ديمقراطية بدون اقتصاد قوي. وتطرقت بوشماوي خلال مداخلتها إلى الزيارات التي قامت بها على امتداد السنتين الأخيرتين كل ولايات تونس، حيث وقفت على أوضاع صعبة، خاصة في المناطق الداخلية، لا تشرف أي أحدا. وقالت : "لا يمكن أن نرضى عنها أو نقف مكتوفي الأيدي إزاءها... وقد نادينا في أكثر من مناسبة بضرورة تدارس الأسباب التي أعاقت جهود التمنية، وحالت دون تحرك قطارها بالسرعة اللازمة، لتبقى هذه الجهات محرومة ومهمشة.. " كما تساءلت : "فلماذا تعطل انطلاق أغلب المشاريع الكبرى إلى الآن... ؟ ومتى ستعالج قضية تمويل مشاريع الباعثين الجدد خاصة في الجهات الداخلية، ونتخذ قرارات جريئة تفتح لهم الآفاق حتى ينطلقوا في تجسيد أفكارهم ويسهموا من موقعهم في مقاومة البطالة...؟ وماذا قدمنا لبعض المهن والحرف التي أصبح الإفلاس يتهدد أصحابها... ؟ وإلى متى سنصمت عن تنامي عمليات التهريب التي أصبحت تجري في واضحة النهار لتغذي التجارة الفوضوية التي خربت اقتصادنا المنظم وتحولت إلى اقتصاد مواز قائم الذات ، اكتسح كل المجالات وتتسبب في إغلاق عديد المؤسسات وفي خسائر فادحة لخزينة الدولة، وفي إحالة آلاف الأجراء والإطارات على البطالة ؟ " وفي سياق متصل قالت بوشماوي : "وإننا إذ نتفهم الأوضاع الاجتماعية الصعبة للعديد من الذين ينشطون في هذا الإطار فإننا نؤكد مجددا أن الحل الأمثل يبقى إدماج هذه الفئة في الاقتصاد المنظم". كما بينت أنّ التهريب تحول إلى معضلة كبرى وهو مصدر تسريب الأسلحة والمخدرات والعملة إلى بلادنا مما زاد في المخاطر التي تهدد امن وطننا واستقراره. وفي هذا الإطار، أكّدت أنّ الاتحاد لطالما ردد بأن الوضع الاقتصادي صعب وخطير وأن ذلك يعود في جانب منه إلى تردي الأوضاع الأمنية وما لحق صورة تونس من أضرار جراء بعض أحداث العنف التي جدت في بلادنا .. وأضافت : "لقد رأى البعض في ذلك نوعا من المبالغة ومن الشطط .. فماذا عسانا نقول اليوم وجبل "الشعانبي" يشهد منذ أيام أحداثا بالغة الخطورة زادت في تأزيم الأوضاع، وفي مزيد اهتزاز الثقة، وبعثت من جديد إلى كل أنحاء العالم بصور مرعبة عن بلادنا ستكون لها بالتأكيد تداعيات "كارثية" ما لم نتحرك جميعا لوقف تيار العنف والتصدي للإرهابيين ولدعاة الخراب والدمار. وما لم نبذل كل الجهود حتى لا يزداد الوضع الأمني تدهورا خاصة وأن الأمر وصل إلى حد رفع تونسي للسلاح في وجه تونسي آخر، وإلى زرع الألغام لتنفجر تحت أقدام أبناءنا من قوات الأمن والجيش الوطني وفي وجوههم. .. وهو ما نددت به أغلبية شعبنا ، ولا خيار أمامنا سوى أن نتوحد من أجل تجاوز هذه المحنة... " وأشارت وداد بوشماوي خلال مداخلتها إلى إن عودة الاقتصاد إلى نسقه الطبيعي وفي أسرع وقت ممكن أصبح قضية حياة أو موت.. ويتطلب جهود وتوافق جميع التونسيين والفعاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكل مكونات المجتمع المدني. ولن يكون ذلك ممكنا إلا من خلال الاستقرار الأمني الكامل، وتوفير الظروف الطبيعية للنشاط الاقتصادي، وإيقاف تيار الاضطرابات الاجتماعية العشوائية، والتحركات غير المؤطرة والاعتصامات وغلق الطرقات، التي كان لها وقع سيء جدا على اقتصادنا وتسببت في تعطيل عمل المؤسسات والمرافق العمومية وحتى في غلق العديد من الشركات، وإلى رحيل العديد من المستثمرين الأجانب نحو وجهات منافسة لبلادنا. وهي ظواهر لم يعد بالإمكان الصبر عليها. وأضافت : "من هذا المنطلق طالب اتحادنا بالتنصيص على حق حرية العمل في الدستور الجديد لتونس، ونعني بذلك عدم منع أي تونسي، وتحت أي مبرر كان، من حريته وحقه في الالتحاق بموقع عمله دون ممارسة أي ضغوط عليه، لأننا نعتبر أن حرية العمل هي حق أساسي لكل مواطن تونسي"، كما أكدت بالمناسبة على احترام منظمة الأعراف لحق الإضراب باعتباره حقا أساسيا نصت عليه المواثيق العالمية لحقوق الإنسان، وأنه لا تعارض بين هذين الحقين. وقالت : "إن المعركة اليوم ليست بين صاحب المؤسسة والأجير أو بين اتحاد الصناعة والتجارة واتحاد الشغل، أو بين منظمة الأعراف والحكومة.. إن معركتنا الحقيقية هي ضد البطالة والفقر والتهميش والحرمان... معركتنا الحقيقية هي من أجل خلق الثروة أولا.. لا الاختلاف حول اقتسامها قبل أن نخلقها.... وما نحن بحاجة إليه اليوم هو توفير المناخ المناسب للمؤسسة حتى تؤدي دورها على أحسن وجه.. وخلق آليات حوار مستمر حول ما يطرأ من مشاكل . فلا بد من العمل على دعم أسس السلم الاجتماعية، وإعادة الاعتبار لقيمة العمل والجهد، والرفع من الإنتاجية والتحكم في الكلفة وربح مواقع جديدة في الأسواق العالمية للتعويض عما فاتنا، خاصة وأن أسواقنا التقليدية تمر بأزمة مالية واقتصادية حادة أثرت بشكل كبير على صادراتنا." الاستثمار والاستقرار الأمني وحول انعدام استقرار الأوضاع الأمنية والسياسية والاجتماعية، أكّدت تأثيرهي بشكل كبير على الاستثمار وعلى الدورة الاقتصادية، موضحة بأنه يصعب دفع الاستثمار الوطني بالشكل المطلوب واستقطاب المستثمرين الأجانب في غياب أجندا سياسية واضحة المعالم. لذلك فإن الإسراع في تحديد مواعيد الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، والانتهاء من صياغة الدستور الجديد لتونس والمصادقة عليه، تعد من المسائل الأكيدة جدا التي ستساهم في توضيح الرؤية أمام الجميع ومن التخفيف من حدة الاحتقان الذي تعيشه بلادنا أحيانا. ولا مفر في هذا الصدد من العمل على التهدئة والتحلي بروح المسؤولية وإعلاء المصلحة الوطنية، وتجنب والتجاذبات السياسية والعقائدية، وكل ما من شأنه أن يؤدي إلى انقسام مجتمعنا. حملات مغرضة ضدّ رجال الأعمال في هذا الإطار أكّدت بوشماوي تعرض أصحاب وصاحبات المؤسسات إلى حملات مغرضة من الإساءة والتشويه وهتك الأعراض وحتى التجريم، وحاول البعض تقديمهم على أنهم "مصاصو دماء"، وعنوانا لكل المساوئ، وسببا في كل المصائب متجاهلين دورهم التاريخي في بناء هذه الدولة منذ الاستقلال وفي بلوغها – رغم كل شيء، ورغم كل ما قيل وما يقال - مراتب محترمة في أكثر من مجال. ودعت إلى وقف هذه الحملات المغرضة والكف عن الإساءات المجانية ورد الاعتبار لأصحابه. وقالت : "إن نجاحنا في تجاوز هذه الظروف الصعبة التي نمر بها بسلام من عدمه، لا قدر الله، سيكون محددا وحاسما لا بالنسبة لمستقبلنا فقط، بل لمستقبل أجيال تونس المقبلة. وأنا على يقين أن المسئولين الحكوميين والقيادات السياسية والمهتمين بالشأن الاقتصادي المشاركين في هذا الحوار يدركون حجم هذه المصاعب ودقتها وتداعياتها الخطيرة المحتملة. وكل ما نتمناه هو أن يمهد هذا الحوار والتوصيات التي ستصدر عنه، إلى اتخاذ إجراءات وقرارات شجاعة يمليها الظرف الذي تمر به بلادنا، حتى ننطلق من جديد، ونحقق تطلعات كل فئات شعبنا معتمدين على روح الشراكة والتعاون والوفاق".