بعد أزمة الكلاسيكو.. هل سيتم جلب "عين الصقر" إلى الدوري الاسباني؟    آخر ملوك مصر يعود لقصره في الإسكندرية!    قرار جديد من القضاء بشأن بيكيه حول صفقة سعودية لاستضافة السوبر الإسباني    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    قيس سعيد يستقبل رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم    قيس سعيد: الإخلاص للوطن ليس شعارا يُرفع والثورة ليست مجرّد ذكرى    ل 4 أشهر إضافية:تمديد الإيقاف التحفظي في حقّ وديع الجريء    جهّزوا مفاجآت للاحتلال: الفلسطينيون باقون في رفح    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    ماذا في لقاء رئيس الجمهورية بوزيرة الاقتصاد والتخطيط؟    أخبار النادي الصفاقسي .. الكوكي متفائل و10 لاعبين يتهدّدهم الابعاد    القبض على شخص يعمد الى نزع أدباشه والتجاهر بالفحش أمام أحد المبيتات الجامعية..    في معرض الكتاب .. «محمود الماطري رائد تونس الحديثة».. كتاب يكشف حقائق مغيبة من تاريخ الحركة الوطنية    تعزيز الشراكة مع النرويج    بداية من الغد: الخطوط التونسية تغير برنامج 16 رحلة من وإلى فرنسا    وفد من مجلس نواب الشعب يزور معرض تونس الدولي للكتاب    المرسى: القبض على مروج مخدرات بمحيط إحدى المدارس الإعدادية    منوبة: الاحتفاظ بأحد الأطراف الرئيسية الضالعة في أحداث الشغب بالمنيهلة والتضامن    دوري أبطال إفريقيا: الترجي في مواجهة لصنداونز الجنوب إفريقي ...التفاصيل    هذه كلفة إنجاز الربط الكهربائي مع إيطاليا    الليلة: طقس بارد مع تواصل الرياح القوية    انتخابات الجامعة: قبول قائمتي بن تقيّة والتلمساني ورفض قائمة جليّل    QNB تونس يحسّن مؤشرات آداءه خلال سنة 2023    اكتشاف آثار لأنفلونزا الطيور في حليب كامل الدسم بأمريكا    تسليم عقود تمويل المشاريع لفائدة 17 من الباعثين الشبان بالقيروان والمهدية    رئيس الحكومة يدعو الى متابعة نتائج مشاركة تونس في اجتماعات الربيع لسنة 2024    هذه الولاية الأمريكيّة تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة!    الاغتصاب وتحويل وجهة فتاة من بين القضايا.. إيقاف شخص صادرة ضده أحكام بالسجن تفوق 21 سنة    فيديو صعود مواطنين للمترو عبر بلّور الباب المكسور: شركة نقل تونس توضّح    تراوحت بين 31 و26 ميلمتر : كميات هامة من الامطار خلال 24 ساعة الماضية    مركز النهوض بالصادرات ينظم بعثة أعمال إلى روسيا يومي 13 و14 جوان 2024    عاجل/ جيش الاحتلال يتأهّب لمهاجمة رفح قريبا    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    سيدي حسين: الاطاحة بمنحرف افتك دراجة نارية تحت التهديد    بنزرت: تفكيك شبكة مختصة في تنظيم عمليات الإبحار خلسة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    باجة: وفاة كهل في حادث مرور    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    عاجل/ هجوم جديد للحوثيين في البحر الأحمر..    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    فاطمة المسدي: 'إزالة مخيّمات المهاجرين الأفارقة ليست حلًّا للمشكل الحقيقي'    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بورتريه/ راضية النصراوي.. امرأة هزت عرش الدكتاتورية !
نشر في الصباح نيوز يوم 11 - 12 - 2019

لم يستطع السياسي والمناضل حمه الهمامي أن يُغالب دموعه أو يخفي حشرجة الألم في صوته وهو يتحدّث عن مرض رفيقة كفاحه ونضاله راضية النصراوي ، قائلا " راضية لم تفقد ضحكتها وستعود إلينا سالمة" .. ولم تغادر تلك الابتسامة الهادئة وجه الناشطة الحقوقية الأشهر، وهي تودّع رفاق نضالها وسنوات كفاحها استعدادا للذهاب في رحلة علاج طويلة الى فرنسا، بعد أن أنهكها "مرض مركّب" لم يفك بعد الأطباء كل شفراته، رغم أسبابه المعلومة..
فالمحامية ورئيسة المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب التي ترأستها منذ 2003 واستطاعت من خلالها أن تُقارع الدكتاتورية بوجه مكشوف وأن تفضح وتشهّر محليا ودوليا بسياسة "التعذيب المُمنهج" التي استعملها بن علي كوسيلة لردع وقمع خصومه السياسيين ولترهيب العامّة حتى لا يتجرّأ أحد عليه ولا على نظامه..
لكن الحقوقية التي أمضت عمرا وهي تندّد وتشهّر بوحشية نظام قمعي كان يحلو له العبث بأجساد معتقلي وسجناء الرأي ،لم تكن تدرك ، وهي على عتبة السادسة والستين من العمر ، أن كل تلك الجراحات العميقة على أجساد ونفوس من تجرّأ وصدح بكلمة "لا" في وجه الدكتاتور ستشفى مع مرور الزمن وستبقى مجرّد ندوب في الذاكرة وعلى الأجساد ، الاّ على جسدها الذي أبى الاّ أن يختزن المأساة في كل أبعادها ، هذا الجسد الذي صمد بعناد وتحدٍّ في وجه الوحشية والقمع والاستبداد ، سيخذلها زمن الحرّية والديمقراطية ، وسيسترجع محن الماضي دفعة واحدة، وستبرز أثار الصفع والركل والسحل التي كانت تتعرّض لها بشكل متواتر زمن نظام بن علي .. فتلك القامة الصغيرة التي صمدت في إضرابات جوع طويلة دفاعا لعلّ أشهرها اضراب أكتوبر – ديسمبر 2003 ،احتجاجا على اقتحام مكتبها وإرهاب عائلة ولتطالب بتطبيق العدالة وتجرّم التعذيب والعنف المُمارس على النشطاء ،وهذا الاضراب الطويل الذي كادت تفقد حياتها بسببه، رفعته بطلب من منظمات حقوقية ودولية بمناسبة الاحتفال بالذكرى الخامسة والخمسين للإعلان العالمي لحقوق الانسان.. تعود ذكرى الاحتفال لكن تفاصيل الألم تغيّرت على جسد راضية النصراوي فوقتها كان اضراب الجوع هو من أنهك ذلك الجسد الحامل لقضية لكن اليوم هذا الجسد أنهكه المرض بعد أن أتعبته القضية التي حملها لعقود طويلة..
السياسة .. «فاصل ذاتي»
هذا المرض الذي كبّل حركتها لم يفقدها ذاكرتها ولئن أفقدها جزئيا القدرة على نطق كلمات كانت كالسهام تنغمس مباشرة في قلب النظام الوحشي الذي لم يخش شيئا ولكنه كان يخشى من كلمات راضية نصراوي ..تلك الكلمات التي لا تساوم ولا تقايض من أجل قضايا إنسانية عادلة ، تلك الكلمات التي كانت تنطق بها راضية النصراوي بصوت رقيق لا يخلو من الحدّة دون انفعال ودون تشنّج كانت تربك الجلادين..
راضية النصراوي تلك الزوجة التي طالما آمنت بالمشروع السياسي لزوجها ورفيقها حمه الهمامي ودافعت عنه بل ودفعت فاتورته باهظة وهي تربّي بناته لوحدها بعيدا عن زوج أمضى حياته بين العمل السرّي والسجن، ليتركها وحيدة في أكثر اللحظات صعوبة ، ورغم ذلك لم تتذمّر يوما من حجم وثقل المسؤولية ، فزيادة عن كل تلك المحن التي عانتها بسبب نشاط زوجها السياسي، حملت في تلك الفترة رسالة حزب العمّال الشيوعي ومناضليه على عاتقها وهي زوجة الرمز اليساري المعارض وساهمت من موقعها أن يبقى حزب العمّال متوهّجا في أفكاره وتوجهاته ، ولكن يوم أرادت ممارسة السياسة من بوابة الحرّية وعندما ترأست، قائمة حزب العمّال الشيوعي "البديل الثوري" في انتخابات المجلس التأسيسي على دائرة تونس 2 لم تتحصّل الاّ على 1.25 % ! ..
ورغم تلك "الخسارة العابرة" الاّ أن السياسة في حياة راضية نصراوي لم تكن الاّ "فاصل ذاتي" وليست هي القضية الجوهرية ،فالحقوقية وجدت لنفسها مشروعا إنسانيا تتبناه وتدافع عليه منذ بداية السبعينات ،وهو الدفاع عن ضحايا التعذيب وانتهاكات حقوق الانسان ..من مواطنين وسجناء رأي ..فلم يُذكر يوما أنها تخلّفت منذ السبعينات عن محاكمة رأي أو صمتت إزاء تعرّض أي انسان لأي تعذيب أو انتهاك ..فكانت صوت من لا صوت له ..ورجع صدى أوجاع تلك الزنازين الباردة والمعتّمة والقذرة حيث تغيب الرحمة والإنسانية ولكن راضية نصراوي كانت ذلك البلسم والمرهم الذي يوضع على الجراج فتطيب مهما تعفّنت أو أهملت ..
المواقف لا تُباع في المزادات العلنية..
لم تضع راضية نصراوي ، ميزانا ايديولوجيا لوزن مواقفها حيث دافعت عن كرامة خصومها السياسيين قبل أصدقائها، دافعت عمن تختلف معهم فكريا وهذه المواقف التي تحتاج الى نقاوة فكرية وعقائدية في بيئة اجتماعية مليئة بالأحقاد والضغائن كانت تحتاج الى انسان بقلب راضية نصراوي وبنقائها الثوري وايمانها العميق بحقوق الانسان هذا الايمان الذي لا ينحاز للرفاق ويتشفّى في الخصوم.. حيث دافعت عن الإسلاميين أبرز خصومها الايديولوجيين زمن "سنوات جمرهم" ودافعت عن حقهم في العمل والممارسة السياسية، قائلة "أنا لا أتفق معهم في رؤيتهم للمجتمع والحكم ولكن من حقهم التواجد سياسيا والتعبير عن ارائهم وأنا ضد اي عملية ممنهجة لتعذيبهم واقصائهم".
وهذه "المودّة الاستثنائية" كانت محلّ غرابة بين مناضلة شيوعية وفصيل سياسي يناقضها تماما في قناعاتها وأفكار..كما أن راضية النصراوي كانت وفية لإنسانيتها ولإيمانها بمنظومة حقوق الانسان ،حتى انها لم تجد حرجا في الوقوف الى جانب الموقوفين على ذمّة قضايا إرهابية والتنديد بكل ما يتعرضون اليه من انتهاكات واعتداءات جسدية وانتهاك للكرامة ودافعت عن حقهم في محاكمة عادلة بعيدا عن التعذيب أو انتزاع الاعترافات بالقوة..
في 2013 انتقدت الناشطة الحقوقية والمحامية ورئيسة المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب راضية النصراوي مطالبة بعض السجناء السياسيين في العهد السابق بتعويضات مادّية عن سنوات النضال زمن الدكتاتورية والاستبداد، لتقول جملتها الشهيرة تلك "نيلسون مانديلا قضّى 28 سنة سجنا ولم يطالب يوما بالتعويض المادّي عن سنوات نضاله "..ولم تطالب راضية النصراوي عن تعويض على سنوات طويلة من النضال ولم تعرض هذه السنوات في مزاد علني ولم تنتظر قبض الثمن..
لكن الحقوقية التي عاشت طوال حياتها قريبة من جراح ضحايا التعذيب ومن سجناء الرأي وكانت أينما كان الوجع بل كانت عنوانا لوجع وآلام سنوات النضال بتلك الصورة التي أطبقت الآفاق وعينيها محاطة بتلك الزرقة الفاقعة وآثار الانهاك بادية عليها ووجها تعلوه الضمادات الطبية .. تقف اليوم لتواجه محنتها الداخلية محنة تحدّث عنها رفيق حياتها، حمّه الهمامي بأنه أمضى وعائلته كابوسا منذ سنة ونصف.
امرأة لا تتنازل عن الفوز..
منذ بدأت أعراض المرض تظهر عليها حيث كانت تشكو من آلام على مستوى الرأس من مخلفات ما تعرضت له من تعنيف، خاصّة بعد المسيرة التي خرجت تنديدا بزيارة "شارون" الى تونس في 2005 ،بالإضافة الى معاناتها من الغدّة الدرقية التي تسبّبت لها في انهيار عصبي واكتئاب ..لكنها أبدا لم تُصاب لا ب"الخرف" ،كما أن مسيرتها الاستثنائية ما تزال حاضرة بكل تفاصيلها في ذاكرتها..
ففي مسيرة حقوقية لافتة ومثقلة بالإنجازات ، نالت المحامية راضية النصراوي ورئيسة المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب، عدّة جوائز حيث تم ترشيحها في 2011 ضمن اللائحة القصيرة للمرشحين لجائزة نوبل ثم في 2012 نالت جائزة كمال جنبلاط لحقوق الإنسان في العالم العربي تقديرا لدفاعها عن حقوق الانسان في عالم عربي لا يأبه مطلقا لهذه الحقوق، ولنضالها ضد نظام بن علي وفضح أساليبه في التعذيب..
وفي جانفي 2013 منحتها "مؤسسة أولوف بالم" السويدية لحقوق الإنسان جائزة اعترافا منها بالجهود التي بذلتها في مجال حقوق الإنسان لمدة 30 عاما من أجل مكافحة التعذيب وانتهاكات حقوق الانسان ، كما حازت راضية نصراوي مرتين على دكتوراه فخرية ، وتم انتخابها في 23 أكتوبر2014 عضوا خبيرا في لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب.. لتكون بذلك في طليعة المدافعين على حقوق الانسان في العالم وليس في تونس فقط ..واليوم المجتمع الحقوقي الدولي وليس التونسيين فقط ،ينتظرون عودة صاحبة الابتسامة الهادئة بعد معركة ستكون "عابرة" مع مرض ستهزمه دون شك كما هزمت من قبل كل خصومها ..لأنها امرأة لا تتنازل عن الفوز أبدا !
منية العرفاوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.