عاد التنافس بين الاحزاب الدستورية والتجمعيين لاستقطاب الدساترة والحشد لفائدة الاحزاب ذات المرجعية البورقيبية في محاولة لبسط النفوذ على هذه الفئة التي ظلت الطريق مع نهاية حزب نداء تونس. ولَم تكن المنافسة بين الدساترة والتجمعيين محصورة في التنافس البيني بل اشتغل كل على الدخول في حالة من الاستقطاب ضد حركة النهضة حيث التنافس بين الاطراف المذكورة بات اكثر وضوحا. تنافس النهضة والدساترة وعودة الاستقطاب هي في الواقع حركة لم تهدأ بل انها شجعت لاعبا جديدا للدخول والمنافسة على الساحة الوطنية بعد ارتفاع اسهم مجموعة التجمعيين الذين تقودهم رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي. ودخلت موسي على خط الاستقطاب كفاعل مؤثر بعد اقناعها للناخبين الذين صوتوا لها لتفوز ب17 مقعدا في حين فاز الدساترة مجتمعين باكثر من 50 مقعدا وذلك اذا ما احتسبنا حزب قلب تونس الذي اكد على مرجعيته الدستورية اضافة الى تحيا تونس وأحزاب المشروع والنداء والبديل التونسي. وقد كشفت الارقام الصادرة عن مؤسسة سيغما كونساي لسبرالاّراء عن المنافسة الحادة بين التجمعيين والدساترة من جهة وحركة النهضة من جهة اخرى وهو استقطاب فيه احالة مباشرة لما عاشه التونسيون إبان بعث حزب نداء تونس سنة 2012. بين النهضة والدستوري الحر .. ووفقا لأرقام الصادرة امس فقد احتلت حركة النهضة المرتبة الأولى في نوايا التصويت للانتخابات التشريعية بحصول النهضة على 24،3 بالمائة، ليحتل الحزب الدستوري الحر المرتبة الثانية ب22 بالمائة ثم حزب قلب تونس ب11،4 بالمائة يليه التيار الديمقراطي ب10,9 بالمائة وائتلاف الكرامة ب6,9بالمائة. وتظهر الارقام الصراع والتنافس الحاصل بين احزاب وحركة النهضة التي مازالت تحتل المرتبة الاولى رغم الهزات التي عاشتها من إطاحة لحكومة الحبيب الجملي الى الاستقالات المعلنة من داخلها انطلاقا من استقالة هشام العريض وزياد بومخلة وصولا الى استقالة الامين العام "المحبط"زياد العذاري وآخرها استقالة القيادي عبد الحميد الجلاصي بعد اربعين عاما صلب الحركة. في المقابل فان صعود الدستوري الحر وتفوقه على بقية الاحزاب ذات التوجه التجمعي والدستوري يكشف استعداد عدد مهم من التونسيين لتطويق النهضة وانهاء الحالة الثورية التي عاشتها البلاد منذ 2011 بعد ان غير الممولون وجهتهم من تمويل لحزب نداء تونس الى الاستثمار في عبير موسي. واذا كان الاختلاف واضحا بين النهضة والتجمعيين، فان مسالة الإقصاء هي محل اختلاف ايضا بين التجمعيين والدساترة وهو ما يترجمه استعداد الدساترة للمساهمة وإنجاح ما اسماه رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بالمصالحة الوطنية الشاملة والقاضية بتجاوز الماضي مع الدعوة للبناء السياسي المشترك. ولئن قبل الدساترة بهكذا معطى بل وطرحه للنقاش فيما بينهم خلال وبعد لقاء 1مارس في اجتماع نظم بقصر هلال بمناسبة احتفالية الذكرى 86 لانبعاث الحزب الحر الدستوري الجديد (في 2 مارس 1934) فان التجمعيين رفضوه رفضا قاطعا بل وزايدوا على الجميع بعد ان اتخذت عبير موسي المبادرة بطرد النائبة لمياء جعيدان اثر مشاركتها الدساترة في هذه الاحتفالية. وبرر الحزب قرار تجميد عضوية جعيدان وطردها من الكتلة بعد حضورها يوم 1مارس في اجتماع نظمه بقصر هلال سياسيون صوتوا لحكومة الفخفاخ التي تضم منتمين لتنظيم الاخوان حسب نص البيان. وقد اثار موقف موسي ردود افعال متباينة على موقع التواصل الاجتماعي بين رافض له على اعتباره يؤسس لحالة من القمع ومصادرة رأي المخالفين وبين قابل له سيما وانه يدفع لضرب المنفلتين وغير الملتزمين لتوجهات الحزب في التعاطي مع بقية الاطراف السياسية. وفِي محاولة منهم لتاكيد سلامة العلاقة مع الإسلاميين والتوجه نحو ارضية صلبة التقى رئيس مجلس النواب راشد الغنوشي الثلاثاء 3 مارس 2020 بمحمّد الغرياني القيادي الدستوري والامين العام السابق للتجمع الدستوري الديمقراطي المنحل. وأكّد رئيس مجلس نواب الشعب على أهميّة طي صفحة الماضي باستكمال مسار العدالة الانتقالية وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة والعادلة بأسرع الأوقات بما يُسهم في تكريس الوحدة الوطنية ويساعد في تعبئة كل الجهود لمجابهة التحديات الاقتصادية والاجتماعيّة التي تُواجه البلاد. وأبرز محمد الغرياني الدور المحوري الذي يضطلع به رئيس مجلس نواب الشعب ومختلف الكتل البرلمانية في تكريس قيم التعايش والمصالحة ونبذ الإقصاء، مؤكدا على أهمية الاستمرار في هذا المسار الضروري لتحقيق النقلة النوعية التي تسمح لبلادنا بالتطلع الى المستقبل الأفضل. خليل الحناشي