حقك مضمون: الشركة ملزمة بتوفير ضمان مالي قبل ما تخدّمك    مقترحات جديدة لقطاع الصحة: حوافز مالية وتقاعد مبكر... شنوّة الجديد؟    شركة البحيرة للتطوير والاستثمار تطرح 13 مقسماً للبيع بتقسيم درة البحيرة II    عاجل: ضربات أمنية موجعة في تونس...حجز أطنان من اللحوم والدواجن الفاسدة    عاجل: ورقة ال20 دينار تهيمن على التداول النقدي في تونس    صادم للتونسيين : أرباح القصابين في الكيلوغرام الواحد من اللحم تصل إلى 34 دينارا    الدورة الثانية للصالون المهني للصناعات التقليدية من 6 الى 12 اكتوبر المقبل بقصر المعرض بالكرم    كارثة جوية كانت قريبة في نيس! قائد الطيّارة التونسية ينقذ الموقف    عاجل: الأولمبي الباجي يواجه الترجي بدون المنتدبين الجدد وهذا هو السبب !    أمطار وصواعق: تونس مهددة بخلايا رعدية قوية ورياح تصل سرعتها إلى 80 كلم/س!    عاجل: تلميذ يطعن زميله داخل المعهد في سيدي حسين    رحيل أيقونة السينما كلوديا كاردينالي ... وماكرون: ''ستبقى في قلوبنا''    للأمهات : 5 أطعمة رد بالك تحطهم لصغارك في اللانش بوكس    عاجل ومهمّ: لقاح روسي مضادّ للسرطان    منها التعرق وعسر الهضم : علامات تنذر بإصابتك بنوبة قلبية رد بالك تتجاهلها    عاجل/ تم استهدافهم ب12 قنبلة صوتية: أسطول الصمود يواصل رحلته وهذا موعد وصوله الى غزة..    33 شهيدا في قصف إسرائيلي على غزة    اليابان تتحدث عن "موعد" الاعتراف بدولة فلسطين    الحماية المدنية : 440 تدخلا خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية    تايوان: إعصار راغاسا يتسبب في سقوط ضحايا وجرحى    كأس الرابطة الانقليزية : إيساك يسجل هدفه الأول مع ليفربول وطرد إيكيتيكي في الفوز على ساوثامبتون    عاجل: شنوّة صار في الإكوادور؟ عنف وحرائق مع بداية الإضراب    محرز الغنوشي: ''البشائر متواصلة اليوم والأمطار حاضرة بتفاوت في الكميات في هذه المناطق''    برشا تشويق في الرابطة: 4 ماتشوات في نفس الوقت وهذه أبرز المواجهات    البطولة الإسبانية : تعادل إسبانيول مع فالنسيا 2-2 وأتلتيك بلباو مع جيرونا 1-1    مبابي وفينيسيوس يتألقان في فوز ريال مدريد 4-1 على ليفانتي    العاصمة: قرارات إخلاء عاجلة ل248 بناية مهدّدة بالسقوط    الدخول المدرسي في تونس 2025: أزمة التعليم بين الواقع والطموح    وزارة الصناعة: محطة توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية الفولطاضوئية بولاية توزر سجلت تقدما في الأشغال بنسبة 75 بالمائة    الاربغاء: أمطار رعدية مع رياح قوية والحرارة في انخفاض طفيف    ضبط ملفات "سرية" ووثائق "أسلحة دمار شامل" لدى بولتون    ترامب يتوعد ABC بعد عودة الكوميدي جيمي كيميل إلى الشاشة: "ربما أربح أكثر هذه المرة"    القصرين : إحالة موظف والاحتفاظ بمقاول في قضية تدليس    وزير السياحة يواكب المشاركة التونسية في معرض السياحة " توب ريزا " بباريس    طيران مكثف للمسيّرات فوق أسطول الصمود واستهداف احدى السفن بقنبلة دخانية    وفاة أيقونة السينما العالمية كلوديا كاردينالي    عاجل: الموت يغيّب كلوديا كاردينال عن عمر ناهز 87 عاماً    ثمن نهائي بطولة العالم للكرة الطائرة ..المنتخب يفشل في امتحان التشيك    بحث التعاون لتعزيز الاستثمارات    الموت يغيّب الممثلة كلاوديا كاردينالي    انطلاق نشاط وحدة بنك الدم بالمستشفى الجامعي بسيدي بوزيد    مسرح الأوبرا يعلن عن فتح باب التسجيل في ورشات الفنون للموسم الثقافي الجديد    تظاهرة "الخروج إلى المسرح" في دورتها السادسة تحمل اسم الراحل الفاضل الجزيري    على متنها 3000 سائح...سفينة كوستا كروازيار ترسو بميناء حلق الوادي    عاجل : هذا هو موعد شهر رمضان 2026 فلكيا    أوت 2025: شهر قريب من المعدلات العادية على مستوى درجات الحرارة    رغم الغياب عن البطولة: الترجي الرياضي يحافظ على الصدارة.. النجم الساحلي في المركز الثالث والنادي الإفريقي في المركز ال6    عاجل/ أمطار غزيرة و"تبروري": أعلى مستويات اليقظة اليوم بهذه المناطق..    عاجل/ "كوكا، زطلة وأقراص مخدرة": أرقام مفزعة عن حجم المخدرات المحجوزة في تونس..    يا توانسة.. هلّ هلال ربيع الثاني 1447، شوفوا معانا دعاء الخير والبركة الى تدعيوا بيه    وزارة الصحة تطلق أول عيادة رقمية في طب الأعصاب بالمستشفى المحلي بالشبيكة بولاية القيروان    أمطار قياسية في مناطق من تونس.. الأرقام كبيرة    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الإعلامي محمد الكيلاني في أمسية أدبيّة بسوسة...غادرت التلفزة واتجهت إلى الكتابة لغياب التحفيز والإنتاج    المفتي هشام بن محمود يعلن الرزنامة الدينية للشهر الجديد    السينما التونسية تتألّق في مهرجان بغداد السينمائي... التتويج    غدا الأحد: هذه المناطق من العالم على موعد مع كسوف جزئي للشمس    استراحة «الويكاند»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبو يعرب المرزوقي : هذا هو الشرط لئلا تتحول ثورات الربيع العربي إلى مؤامرة سيقودها كل من يقبل مواصلة سياسة التبعية للغرب حتى يبقى على الكرسي........
نشر في الصباح نيوز يوم 20 - 06 - 2013

تحدّث اليوم الخميس أبو يعرب المرزوقي القيادي السابق في حركة النهضة عن الثورات الربيع العربي التي يعتبرها البعض مؤامرة خارجية.
وبيّن المرزوقي في مقال كتبه على صفحته الرسمية على الموقع الاجتماعي "الفايس بوك" الفرق بين ثورات الربيع العربي وثورة انقلابات الأجهزة في فترة الخمسينات.
وفي ما يلي النصّ الكامل الذي كتبه ابو يعرب المرزوقي :
سواء قبلنا بتقديم دور المؤامرة على الفعل الذاتي أو عكسنا في الثورتين العربيتين ثورة انقلابات الأجهزة في الخمسينات وثورة الشعوب في الربيع العربي التي يقيسها عليها الزاعمون بأنها مؤامرة خارجية مثلها مثل أختها فإن المشكل يبقى نفس المشكل:
كيف نفهم ما حدث في هاتين الثورتين و ما آلتا إليه من تقريب العرب من فهم الضرورة الملحة لتوحيد رافدي القوة العربية ببعدهما الرمزي (الإسلام والعروبة) و الفعلي (القدرة الاقتصادية والقدرة البشرية).
إن هاتين الثورتين اللتين رسمتا إلى حد بعيد تاريخنا الحديث بين نهايات القرن الماضي وبدايات هذا القرن يعتبرهما أصحاب نظرية المؤامرة مسرحية لم يكن فيها للعرب إلا دور الكمبارس مجرد مسرحية يجند فيها الاستعمار بعض العملاء لتحقيق أجندته ضد المصلحة العربية.
وما يعنيني هنا هو بيان ما لا يكون الربيع العربي ذا معنى من دونه أعني السعي إلى تحقيق شروط المناعة بصورة لا مرد لها دون أن يكون مصحوبا بأخطاء الثورة الأولى التي حولت النهوض إلى صراعين عربيين داخليبين في المستويين المادي والرمزي وذلك بتقديمها الصراع الاجتماعي على توحيد رافدي القوة العربية.
فالوضعية الجيواستراتيجية تفرض على العرب اليوم أن يدركوا أن الصراع لم يعد مجرد اختلاف في سبل الإصلاح السياسي و الاجتماعي فحسب بل هو صار صراعا يهدد وجود الأمة بتفتيتها واستتباعها بصورة نهائية لن تقوم لها بعدها قيامة إذ لن يقتصر الغزو على أرضها فحسب (إسرائيل مدخلا لاستعمار كل الوطن العربي) بل على مقوماتها الروحية وذاتيتها الحضارية (إيران مدخلا لاستعمار كل الوطن العربي).
وذلك هو الهدف الأسمى من محاولة فهم ما يجري ثورة الربيع في لحظة بلوغه المستوى الحاسم الذي يهدد الرهان التاريخي الأساسي بالنسبة إلى العرب كلهم:
فهل ما يحصل في أعسر مراحل الربيع العربي أعني في سوريا يتضمن ما يشبه الحتمية التي تجعل العرب – و خاصة عرب الخليج الذين صاروا مهددين في استقلالهم وعقيدتهم طريقا للسيطرة على ثرواتهم- يدركون أن من شروط بقائهم فضلا عن استقلالهم ضرورة السعي إلى تحقيق مقومات الفعل القادر على الاستقلال بالتخلص من شروط التبعية التي لا يمكن التحرر ؟
أم إن العرب باقون في وضع التابعين بالجوهر سياسيا و اقتصاديا و ثقافيا وتربويا لكونهم فقدوا الحرية الروحية المتمثلة في الإيمان بالفاعلية الذاتية و الدور التاريخي شرط كل مناعة للقيام المستقل.
و إذا كان لإسرائيل و الاتحاد السوفياتي الدور الأكبر في تحقيق أهم نتيجة للثورة العربية في الخمسينات فإن مثل ذلك في ثورة الربيع العربي يعود إلى إيران والولايات المتحدة.
أعلم أن الكثير يشكك في الربيع العربي فيعتبره مجرد مؤامرة غربية عامة و أمريكية خاصة لتعويض عملائها الذين فقدوا القدرة على الأداء المنتظر بحكم التآكل و بلوغ شعاراته إلى فقدان التأثير لاهترائها. و المعلوم كذلك أن تبرير الأنظمة استبدادها و فسادها بما تدعيه من وطنية و مقاومة لم يعد مقنعا لأحد وخاصة في بلاد الطوق المحيط بإسرائيل.
لذلك فقد صور المشككون في الثورة و القوى الإسلامية التي انتخبها الشعب بعدها بأنها العملاء الجدد الذين نصبهم الاستعمار الأمريكي (رأي اليساريين و القوميين لمواصلة الدفاع عن الاستبداد والفساد اللذين فقدوا بيئتهم التي كانوا يتمعشون منها).
و طبعا فأصحاب هذه التهمة يمكن أن يجدوا ما لا يتناهى من الشبهات التي تجعل رأيهم شبيها بالفرضية المقبولة خاصة إذا اضطروا من تولى الحكم بعد ثورة الربيع العربي إلى الاعتماد على مستعمر الأمس في التنمية التابعة وحاصروهم بنفس السيناريوا المتمثل في تحويل السياسة إلى حرب استنزاف للدولة وتشويه للحكم.
لكنهم يتغافلون عن أمر أساسي في هذا الاستدلال العقيم المقصور على تأويل سطح الأحداث. و قد سبق أن دحضت حجج الأستاذ طارق رمضان الذي يمثل أشهر المدافعين عن هذا الفهم للربيع العربي. و دحض نظرية المؤامرة في هذه الحالة من أيسر الأمور.
فتجميع القرائن السطحية على التدخل الأجنبي والمقارنة بما حدث في الثورة الأولى بداية الخمسينات لا يكفي دليلا على عمالة الثورة الحالية وأصحابها إلا بشرطين:
الأول أن نجد شواهد تاريخية تبين أنه توجد ثورات لم يتداخل فيها العاملان الداخلي والخارجي أعني التفاعل بين الفعل الذاتي للجماعة الثائرة وفعل المتآمرين فعلهم الذي يريد أن يحد من مفعول الثورة لحماية مصالحه وخاصة في لحظة التداخل شبه المطلق في شؤون الأمم.
فما من ثورة عرفها التاريخ إلا و تداخل فيها وضع داخلي تحرك بمفعول مطالب حقيقية للجماعة و وضع محيط يسعى إلى تحويل هذا التحرك لفائدته لكونه لم يتمكن من منعه ولم يجر على نحو يجعله من سابق فعله كما يحصل عندما تكون الثورات انقلابات في الأجهزة التي يسهل التحكم فيها خارجيا.
الثاني وهو الأهم أن يثبت المشكك في الثورة أن الثائرين الذين لم يعودوا أفرادا في جهاز قابل للتسيير الخارجي بل جماعات غير غافلة عن محددات هذه الوضعية التي عليها الفعل السياسي في الوطن العربي و من ثم جعل هذه المحددات موضوع الحوار العمومي حتى يكون طلب الفعل المستقل بحق غاية الثورة نفسها وليس مجرد التظاهر بالاستقلال كما حدث في ثورة الانقلابات العسكرية:
ومعنى ذلك أن هذا التشكيك نفسه جزء من الوضعية الجديدة التي تبين أن المؤامرة داخلة في الحسبان ولا أحد بغافل عنها.
الدرجة الأولى من الوعي بسر القوة العربية دور إسرائيل والاتحاد السوفياتي
كانت هزيمة 67 اللحظة الفارقة التي أثبتت بالفعل لجمال عبد الناصر أثبتت له دون جدال أن معاداة الأنظمة العربية التقليدية والاحتماء بالسوفيات بعد حرب 56 و قياسا عليها هي العلة الحقيقية لظاهر هزيمة العرب. لكن العلة الحقيقية للهزيمة هي نقيض هذه العلة الظاهرة أعني ما دلل عليه مؤتمر الخرطوم الذي وضع اللاءات الثلاث بتقديم شروطها أي شروط الصمود والمقاومة التي حققتها العودة إلى سر القوة العربية:
فموقف المجاهد الملك فيصل و قولته الشهيرة لحماية مصر جعل السعودية التي تمثل رمز الإمكانات العربية المادية والروحية ومصر التي تمثل حينئذ رمز التحدي التاريخي للأمة والمقاومة العسكرية والحضارية جعلهما يصبحان قوة قادرة على تحقيق أكبر نصر عرفه العرب منذ قرون بعد خمس سنوات فقط من أكبر هزيمة حصلت لجيش بحجم الجيش المصري:
التحرر من ذهنية الهزيمة رمزا إليه بعبور رمضان.
وإذن فنحن ندين لإسرائيل والاتحاد السوفياتي بنتيجتين سلبيتين جعلتا هذه النتيجة الإيجابية تتحقق بصورة أدهشت العالم:
الأولى بينت بيانا لا جدال فيه أن الاحتماء بالاتحاد السوفياتي وهم.
الثانية بينت بيانا متينا أن وحدة المشروع العربي هو الحامي الحقيقي.
فهاتان النتيجتان تثبتان أن فكرنا السياسي قد أدراك بفضل موقف المجاهد الملك فيصل و تخلي جمال عبد الناصر عن إيديولوجية الصدام بين مصدري القوة العربية أدركت شروط النجاح الذي أوصل إلى أول انتصار عربي في حرب حديثة ضد رأس الحربة الأمريكية إسرائيل في حرب رمضان سنة 73 .
و هو انتصار يحقر منه جل المحللين الذي لا تعنيهم الدلالة التاريخية للنقلة النوعية التي نقلت الأمة من ذهنية الانكسار إلى ذهنية الانتصار الذين يقدمون الفهم الإيديولوجي على حقائق التاريخ اعني منعطفاته التي تصهر فيها قوة الأمة.
لذلك فمؤتمر الخرطوم و ما أوصل إليه بفضل التضامن العربي من شروط القوة الفعلية بتوحيد مصدري قوة الأمة الإسلام و العروبة يمثل المنعرج التاريخي الأول نحو الدخول في العصر الحديث بوسائل العصر الحديث عندما يعمل العرب بوصفهم جماعة متحدةالمصالح.
فبعد هذا الانتصار بات كل ما تفعله إسرائيل أقرب إلى رد الفعل منه إلى الفعل لأن سر قوتها تم القضاء عليه:ذهنية الانكسار وخسران الحروب قبل الإقدام على خوضها.
ولذلك فليس طرد المدربين الروس من مصر مجرد حركة فاقدة الدلالة و لم يكن وهما أن يشرع العرب في التأسيس الفعلي لشروط الاستقلال بإنتاج أدوات الدفاع من خلال الشروع في التصنيع الحربي الذي لم يتواصل لسوء الحظ بسبب الغدر الذي لحق بفيصل و السادات وبسبب ديماغوجية مقاطعة مصر.
ونحن نفترض أن العرب لو عملوا بما سنحاول وصفه حيننا هذا فسيتلو طرد الروس من مصر طرد الأمريكيين من الخليج الذي لن يخاف بعد النصر في سوريا من التهديد الإيراني لأن إيران ستعود إلى حجمها الطبيعي فتقبل بأن تكون جارة مسالمة أو الصدام مع العملاق العربي المتحد و الذي لا وجه للمقارنة بين إمكانياته وإمكانيات كل القوى الإقليمية التي تتجرأ اليوم على العرب فتعاملهم وكأنهم مجرد توابع:سيكون العرب قادرين على الحماية الذاتية ومن ثم أغنياء عن القواعد الاستعمارية.
الدرجة الثانية من الوعي أو الوعي بالوعي الأول
دور إيران و الولايات المتحدة
ما نراه يحصل الآن بعد الربيع العربي و بالذات في سوريا هو من حيث الثمرة الإيجابية عكس ما وصفنا في ما يرمز إليه مؤتمر الخرطوم. فمن بدأ يدرك خطأه ليس الثوار بل من تصوروهم خطرا عليهم و تناسوا أنهم سندهم الوحيد ضد الخطر الحقيقي المحدق بهم.
في المرة الأولى أدرك جمال عبد الناصر أهمية ما أقدم عليه المجاهد الملك فيصل على نجدته لتحريره من الاعتماد على حماية الاتحاد السوفياتي حمايته التي تحولت إلى تبعية ولم تبق حلفا تماما كما أن ما بين الخليج و القوى الغربية ليس حلفا بل هو تبعية لأن الحلف لا يكون إلا بين قوى متقاربة أو قادرة على خيارات أخرى.
وفي هذه المرة ينبغي أن يحصل العكس. لا بد أن تقدم مصر على ما يناظر ما أقدم عليه الملك فيصل فتنجد الخليج لتحريره من الاعتماد على حماية أمريكا و تحرره من الخوف من إيران دون أن يكون موقفها مشوبا بالعنجهية التي عرفت بها الأنظمة القومية التي دفعت الخليجيين دفعا إلى الاحتماء بالغرب.
و إذن فما يحصل الآن لم يبق مقصورا على ما ندين به إلى إسرائيل و الاتحاد السوفياتي كما في الهزيمة العربية الكبرى الأولى (حرب 67) و ما استمده العرب منها من دورس في حرب العبور بل انضم إليه ما ندين به إلى إيران والولايات المتحدة خاصة كما في الهزيمة الكبرى الثانية (حرب الخليج الثالثة) وما ينبغي أن يستمده منها العرب من دروس في حرب سوريا. وهو المقصود بالمقابلة بين المرتين:
هذه المرة في الاتجاه المقابل للمرة السابقة من حيث مصدر النجدة و محل إدراك الخطأ.
فقد ظنت بعض قيادات الخليج أن من يتصورونه قد حماهم ضد نظام صدام حسين في حرب الخليج الثانية هو الذي يمكن أن يحميهم دائما فحولوا بلدانهم إلى شبه محميات مرتهنة باستراتيجيات الولايات المتحدة و إيران ملغين بذلك كل اعتماد على القوة العربية الذاتية بل لعل بعضهم ببعض التصرفات يشبه من يحاول أن هذه القوة من خلال محاولات محاصرة الربيع العربي حيثما وقع و إجباره على اللجوء للغرب طلبا للمعونة ما يجعل العرب منقسمين إلى طائفتين كلتاهما مضطرة للتبعية البنيوية:
طائفة تطلب المساعدة الاقتصادية من الغرب وطائفة تطلب المساعدة العسكرية من الغرب.
لكن فضل ما يجري في سوريا - رغم ما فيه من شناعات و فظاعات لا يحتملها من له ذرة من الإنسانية - بين الآن للعرب عامة و لعرب الخليج خاصة أن الاحتماء بالولايات المتحدة لم يعد يجدي و أن ترضية إيران لم تعد كافية للحد من مطامعها:
ذلك أنه ما كان يمكن لحزب الله أن يتدخل في سوريا ومثله إيران من دون ضوء أخضر من إسرائيل و أمريكا و إلا كيف يضمن حزب الله حماية ظهرة في لبنان وكيف نفهم أن يتهم بالإرهاب من يدافع عن الشعب السوري ولا يعد إرهابيا من منذ نشأته لا يقتصر على تمثيل الإرهاب في المشرق بل في كل العالم؟
ومن ثم فبالإضافة إلى الثابت الإسرائيلي تبدو مصلحة أمريكا الآن أميل إلى التخلي عن المحتمين بها و تركهم لمصيرهم تفضيلا منها لمهادنة إيران وروسيا:
فهي تتنازل لإيران فتسمح لها بالامتداد إلى الأبيض المتوسط عن طريق العراق و سوريا ولبنان: و هو أمر يمثل ما يفهم أي إنسان مهما قل ذكاؤه أمر يهدد المصالح الاقتصادية الأساسية لكل دول الشرق العربي لأن إيران يمكن بعد أن يصبح بوسعه االوصول إلى أوروبا عن غير مضيق هرمز يمكنها أن تهدد بغلقه.
و هي تتنازل لروسيا فتسمح لها بالوصول إلى البحار السخنة عن طريق قاعدتها في سوريا. وليس ذلك تخاذلا بل هو خطة استراتيجية تمكن أمريكا من الاستعداد لمقاومة الماردين المقبلين المنافسين لها أعني أوروبا المتحدة والصين التي لم تكتف بمنافستها في المحيط الهادي هي ذي تستحوذ على الكثير من المواقع في إفريقيا و تسعى لتحقيق موقع قدم في الأبيض المتوسط مثلها مثل روسيا.
فهل ترى ما حدث في الخرطوم نجدة من الملك فيصل إلى جمال عبد الناصر خلال ثورة الخمسينات (النجدة من التقليدي إلى الثوري) نجدة جمعت بين الإمكانيات الاقتصادية و الإمكانيات البشرية و العسكرية فحققت النصر الأول في تاريخنا الحديث و وضعت حدا للصلف الإسرائيلي سيقابله الآن نجدة من أنظمة الربيع العربي في ثورة العشرية الثانية من القرن الحالي (نجدة من الثوري إلى التقليدي) تجمع ثانية بين الإمكانات الاقتصادية والإمكانات البشرية والعسكرية فتحد من الصلف الإيراني؟
وهل ذلك إذا حصل يكون بحق درجة ثانية من الوعي لا تذهب ثمرته أدراج الرياح فيكون بداية التوحيد الاستراتيجي لشروط المناعة العربية ؟
و هل الغدر الذي أودى بحياة المجاهد فيصل يمكن منع ما يمكن أن يناظره فتخنق ثورة الربيع العربي في مصر التي تسقط دولتها في التحلل فيصبح العرب كلهم أكلة كل آكل؟
ذلك هو السؤال:
هل تقبل الأنظمة الخليجية التحرر من الاحتماء بأمريكا و مواصلة سياسة الترضية لإيران للدخول في حلف حقيقي مع دول الربيع العربي التي لها الإمكانات البشرية و العلمية و التقنية و العسكرية؟
ذلك هو الشرط الضروري والكافي لوضع حد لمؤامرات إيران و حزب الله و لتحرير سوريا من الاستبداد و الفساد و من ثم تجنيب بلاد الخليج العربي الوقوع تحت الاستعمار الفارسي و التشييع الزاحف.
ذلك هو الشرط الضروري و الكافي لئلا تتحول ثورات الربيع العربي إلى مؤامرة سيقودها كل من يقبل مواصلة سياسة التبعية للغرب حتى يبقى على الكرسي من دون الشروط الدنيا للقيام المستقل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.