- خليط من عناصر القاعدة والموساد للعمليات النموذجية وأطراف داخلية للإستقطاب وخلخلة الدولة. - مخطط يعتمد على تقنيات التضليل للتغطية على الفاعل الحقيقي. - الأجهزة كسبت معركة ... وبقية الصراع في ملعب الماسكين بالقرار. لا يستبعد أن تكون المعطيات الأخيرة حول نهاية أحداث الشعانبي قد اختزلت حيزا هاما من الحقيقية حول معركة أولى في إطار صراع ضد أجندا خارجية لدفع البلاد الى الإنهيار وتغيير الطبيعة المدنية للدولة يبدو أنه لا سبيل لإخمادها بدون التوفق في غلق كثير من الثغرات التي مازالت قائمة. وقد تفسر هذه الصورة المفارقة التي برزت آنذاك بين رفع العلم المفدى إعلانا لتطهير الجبل من جهة وتعميق المخاوف على مستقبل البلاد من جهة أخرى. والواضح أن تفكيك المعطيات التي قدمت وربطها بعديد الأحداث الداخلية على امتداد العام الأخير وحقيقة النوايا الخارجية التي تم الكشف عنها الى جانب بعض التفاعلات الإقليمية التي عقبت أحداث الشعانبي قد تفضي الى استنتاجات أقرب الى الحقيقة منها الى تخمينات. وأولى تلك الإستنتاجات تتعلق بطبيعة الخليط الهجين الذي تمركز بجبال الشعانبي فالمعطيات المقدمة تثبت أنه على غاية من الحرفية كما أنه متعدد الجنسيات ويتولى تدريب مجموعات شبابية (تلاميذ) تنتمي الى مناطق متفرقة من البلاد أي ما يعرف بعملية تفريخ الخلايا قبل استعمالها لاحقا والواضح أن هناك أطرفا داخلية فاعلة تتولى استقطاب تلك المجموعات الشبابية عبر الدمغجة العقائدية ومن خلال روافد أضحت معلومة مثل الأنترنيت والمساجد ومؤسسات التعليم ثم توجيههم لأغراض تخريبية داخلية وأخرى تتعلق بالتعبئة للحرب ضد سوريا. ويبدو في ظل التنبيه الى ضعف الإستخبارات الوطنية وصفة "الشبح" التي بدا عليها هذا الخليط من خلال قدرته على التخفي والتحرك لمدة طويلة أنه يتكون من عناصر موالية للقاعدة وبعض المرتزقة وعناصر استخباراتية أجنبية يرجح أن تكون تابعة للموساد الإسرائيلي أو خلية موالية له وذلك في ضوء كثير من المعطيات منها تواتر عمليات الكشف عن عملاء لهذا الجهاز في بعض بلدان المنطقة والبصمة المعروفة للجهاز المذكور من خلال عملياته السابقة في عديد البلدان ومنها تونس إلى جانب حالة الغطرسة التي بدت عليها تل أبيب مؤخرا في ظل حالة الفوضى والإنقسام التي تعاني منها عديد المجتمعات العربية وخاصة دول الربيع. لكن طبيعة الدور الذي يلعبه هذا الخليط قد تتطلب العودة الى بداية الأحداث التي تزامنت مع مستجدات هامة منها إحباط العديد من محاولات إدخال السلاح عبر النقاط الحدودية الشرقية والكشف عن مخابئ كبيرة للأسلحة في الجنوب والعاصمة الى جانب خنق مسالك التهريب من خلال تكثيف الرقابة على هذه الظاهرة وتفكيك العديد من شبكات الإجرام وكشف مخابئ للغاز المشل للحركة. ويرجح أن تلك اليقظة الى جانب تحييد مجموعة الشعانبي قد أحبطت طبخة من الحجم الثقيل كان سيطلقها هذا الخليط عبر عمليات نموذجية مثل استهداف مواقع اقتصادية حيوية أو مقرات أمنية أو القيام بجرائم وأعمال تخريبية تؤدي الى مصادمات عنيفة. والواضح أن هذا المخطط كان يهدف الى إدخال البلاد في فوضى عارمة لا يستبعد أنها كانت ستحدث بمناسبة مؤتمر التيارات السلفية بالقيروان وهو استنتاج تدعمه المفارقة الغريبة التي حدثت آنذاك وهي حصول مصادمات وأعمال تخريب في منطقة التضامن أي في مكان قريب من مخزن السلاح الذي تم الكشف عنه قبيل هذا الحدث وذلك رغم أن سبب التوتر قد أبطل بإلغاء المؤتمر؟ ويبدو أن انحصار بوادر الإنفلات في منطقة واحدة كان عنوانا على إحباط تلك الطبخة نتيجة الحصار الذي فرض على مجموعة الشعانبي التي يرجح أنها كانت ستلعب دورا قياديا في اشعال فتيل الإنفلات عبر عمليات ممنهجة قبل أن تدخل على الخط بمجموعات أخرى قد لا تخرج من دائرة الجريمة المنظمة الى جانب المجموعات التي تم تفريخها عبر الدمغجة العقائدية وذلك بهدف استنزاف قدرات الأمن الى جانب التضليل الذي يغطي على الأهداف الحقيقية لتلك المجموعة والأجندا الخارجية التي تشتغل عليها. لكن الأهم من ذلك هو استقراء المعطى الزمني حيث أن تحصن تلك المجموعة مدة عام كامل بموقع الشعانبي يرجج فرضية أنها قادت سابقا عمليات مماثلة لإرباك الأوضاع العامة وذلك في ضوء التشابه الغريب بين عديد الأحداث التي ظهرت خلال تلك الفترة وظلت غامضة الى حد الآن. لقد عرفت البلاد تواترا غريبا لنفس السيناريو تقريبا اذ لا تكاد الأوضاع تهدأ حتى يظهر حدث مفاجئ عادة مع لبس عباءة عقائدية لتتحرك على إثره عمليات تخريب لا علاقة لها بالسبب المعلن وتتلقفه دوائر أجنبية بكثير من النفخ والتهويل كما أن القاسم المشترك بين تلك الأحداث هو تحركها إثر استفزازات غريبة قادمة من وراء البحار أو عمليات غير مألوفة في تونس مثل اغتيال الشهيد شكري بلعيد كما أن هذا السيناريو عادة ما يرافقه استفحال عديد الظواهر مثل الإيقاف العشوائي لعجلة الإنتاج وارتفاع منسوب الجرائم البشعة. يبدو أنه يوجد خيط رابط بين كل تلك الأحداث بما يرجح أن تونس واقعة تحت وطأة ما يعرف بالفوضى الخلاقة التي تتوخى الكثير من التضليل وتعتمد على التقاطع بين الإرهاب والجريمة المنظمة والتهريب لتحقيق جملة من الغايات منها استنزاف موارد الدولة وإضعاف جاذبية مناخ الإستثمار وضرب صورة الإعتدال والإستقرار التي تعد ركيزة النشاط السياحي الى جانب زراعة الخرف في المجتمع وتغذية الإنقسام الداخلي بما يضعف المناعة الذاتية للبلاد واليقظة الشعبية. ويرحج أن هذا المخطط تحركه في الظل دوائر أجنبية نافذة معروفة بإتقانها للفوضى الخلاقة وتعتمد في الداخل على عمليات نموذجية يقودها خليط من الإرهاب والإستخبارات الأجنبية الى جانب قاعدة ارتكاز داخلية مهمتها خلخلة الإستقرار عبر أشكال مختلفة وتتلقى دعما إعلاميا وماليا من دوائر غربية وعربية ويرجح أن هذا المخطط قد وظف العديد من تقنيات التضليل والإندساس مثل استعمال أزياء نظامية واختراق منظومة الإتصالات. ويبدو أن نهاية أحداث الشعانبي قد أشرت لإكتشاف الكثير من تمفصلات هذا المخطط وحقائق هامة حول كل الألغاز التي ظلت غامضة خاصة خلال الفترة الإنتقالية والتي قد تمتد جذورها الى بداية أحداث الثورة. لكن المعطيات المقدمة نبهت في المقابل الى أن المخاطر مازالت قائمة وربما تتعاظم في المستقبل أمام تواصل جملة من العوامل التي خلقت الأرضية الملائمة لتلك الأجندا أو هو ما يعكس التأكيد على الحاجة الملحة لوكالة وطنية للإستخبارات وإصلاح التسلسل الهرمي للسلطة خاصة على الصعيدين المحلي والجهوي الى جانب ابراز أهمية اليقظة الشعبية وهو معطى لن يتحقق بدون إزالة العوامل التي أدت الى تراجعها وهي عوامل سياسية وتنموية تتعلق بالخيارات التي أفضت الى اتساع دائرة التهميش والإحباط وبوادر الإنقسام وبالتالي إضعاف حس المواطنة. ويبدو أن تونس بفضل يقظة وتضحيات أجهزتها النظامية كسبت معركة لكنها مازالت تواجه مخاطر لا يمكن التكهن بمداها في ظل الطبيعة الهدامة للأجندا الخارجية والتقنيات التي تستعملها تلك المجموعات التخريبية الى جانب تواصل تأزم الأوضاع داخليا وعدم بروز بوادر انفراج في الأفق نتيجة مواصلة الأطراف الماسكة بالقرار لنفس السياسات والخيارات التي تتحمل مسؤولية تردي الأوضاع وبالتالي جعل البلاد لقمة سهلة لنوايا خارجية مفزعة.