تمر البلاد منذ فترة ليست بقصيرة بنفق سياسي مظلم ما انفك يلقي بظلاله على الوضع المتأزم التي تعيشه بلادنا على كل المستويات والسؤال المطروح اليوم، ماذا بعد الفشل الجديد السياسي الذي شاهدنا اخر اطوارها والتونسيون يستعدون للاحتفال بسنة هجرية جديدة؟ ما هو الشكل الذي سيكون عليه الحوار الوطني بعد تعليقه أو لنقل فشله؟ ولكن يبقى السؤال الأهم: هل تونس تحتاج لنخبة سياسية جديدة؟ ففي الوقت الذي تعيش فيه تونس على وقع ضغط فترة من الانتقال الديمقراطي منذ أكثر من عامين، وجدت الطبقة السياسة في تونس نفسها تدور في دائرة مفرغة، بين سلطة مؤقتة فشلت في تلبية مطالب التنمية، ومعارضة لم تتمكن من ممارسة دورها في احداث التوازن السياسي اللازم في فترة الانتقال الديمقراطي. ثنائية الخطاب والممارسة فالواقع الذي تعيشه البلاد مارست فيه الحركة الإسلامية عدة مناورات سياسية لامتصاص غضب الشارع التونسي استنفذت فيها الحركة كل الحلول السياسية الممكنة بداية من الإلتفاف على مطالب المعارضة إلى التعبئة في الشارع، مرورا لفرض الأمر الواقع في مسارات خريطة الطريق التي وقع التوافق عليها من جميع الأحزاب السياسية لتجد نفسها في أول مواعيد استحقاقها أمام تنافر كبير مع احتفاظ حركة النهضة بنفس الأسلوب في التعامل على أساس الأغلبية والأقلية وهو ما لا تتحمله هذه الفترة الإنتقالية التي طالت أكثر من اللزوم، ولم تدخل فيها السلطة الجديدة الاصلاحات اللازمة على مؤسسات الدولة القائمة وهو ما يعتبر محور فترة الانتقال الديمقراطي من المنطلق النظري ومن منطلق الدول التي عاشت هذا التحول، كتركيا والبرتغال وإسبانيا ما بعد الجنرال فرانكو. إلا أن الإنتقال الديمقراطي في تونس كانت له عديد المحطات السياسية الصعبة التي جعلت من المشهد السياسي في تونس، مشهدا فوضويا، خاصة مع الاصطفاف والمنطق الذي فرضته حركة النهضة في التحاور والتفاوض مع المعارضة، وهو منطق لا يخدم المساعي لحوار الوطني، لأن هذا المنطق يكرس المنطق السياسوي الضيق الذي يخدم أهداف حزب على حساب أهداف وطنية. ولعل الخوف يظل في انتقال ذلك التصادم على مستوى الفوقي ليحط على مستوى الشارع في تونس، وهو ما قد يتسبب في اقتتال داخلي، تبدو تونس في غنى عنه خاصة وأن الوضع الأمني في البلاد غير مطمئن رغم ما تبذله المؤسسات الأمنية من جهود كبيرة لارسائه. صرع الأجيال من نفس المنطق السياسي الإجتماعي فإن الأزمة السياسية في تونس قد تبرز على مستوى عمودي أي المنافسة بين الأجيال، فالممارسة السياسية سواء في السلطة أو في المعارضة لم يبرز فيها إلا رجال سياسة من "الحرس القديم" أي جيل السبعينات والثمانينات، في ثورة عرفت على مستوى دولي بثورة الشباب. ولعل هذا الصراع لم يبرز بعد على مستوى جماهيري إلا أنه توجد حالة تململ في الأحزاب بين القيادات السياسية الشابة التي تبحث عن موطئ قدم في تونس بعد ثورة 14 جانفي، وبين ما يمثله الشباب (نسبة الشباب في تونس أكثر من 70 في المائة) في المشاركة في الحياة السياسية، والتي تطرح عدة نقاط الإستفهام. هذا الصراع قد يجد نفسه سريعا في الأحزاب خاصة وأن الخطاب والممارسة الذي تطرحه النخبة السياسية الحالية لا يخدم التطلعات الشبابية سواء السياسية أو الإجتماعية أو التنموية. فالصراع السياسي أدخل البلاد في مرحلة تناحر سياسي بدأت منذ أريق دم الشهيد شكري بلعيد، ثم الشهيد محمد البراهمي ولتتبعه العمليات الارهابية التي ضربت جنود الجيش وأعوان الأمن الوطنيين، فتدخل البلاد في دوامة محاربة "شبح" الإرهاب، في مقابل عدم وجود برنامج واضح تنموي في البلاد، وهو ما لا يخدم أهداف وتطلعات الشباب في تونس. ولعل هذا الواقع الإجتماعي السياسي التونسي لم يجد طريقه في خارطة الطريق التي طرحت والتي فشلت في أول مواعيدها بسبب الثنائية بين الخطاب الشعبوي والممارسة السياسوية، والتي فشلت بسبب الحسابات السياسوية البعيدة كل البعد عن أهداف المرحلة في الانتقال الديمقراطي.